الطفلة والشيخ العجوز

نوال السعداوي: المصري اليومislam-child

صحيت مع صياح الديك فى عشة الفراخ ونهيق الحمارة فى الزريبة وصوت الشيخ العجوز يؤذن لصلاة الفجر فوق منارة الجامع، لا يعلو عليها إلا دار العمدة، لم يتغير صوته المشروخ منذ باعنى أبى له بألف جنيه مقدم المهر وألف جنيه المؤخر عند الطلاق، فالشيخ العجوز كان يتزوج ويطلق ويتزوج ويطلق كلما اشتهى إحدى البنات.

كنت فى التاسعة من عمرى أحب حصة الموسيقى وأتفوق فى كتابة الشعر، لكن أبى ضربنى وأخرجنى من المدرسة وزوَّجنى للشيخ العجوز فى سبتمبر عام ٢٠٠٣، كان من حق أى شيخ فى أى سن أن يتزوج طفلة فى التاسعة على سنة الله والرسول، الفلاحون المعدمون كانوا يبيعون بناتهم للشيوخ العجائز ذوى الأملاك، كان زوجى يملك مزرعة وزريبة فيها جاموسة وبقرة وعشة فراخ وحمارة يركبها بالإضافة إلى زوجاته، وهو أيضاً شيخ الجامع لا يعلو عليه إلا الله.

كرهته منذ ليلة الزفاف كالسم الزعاف، وكرهت أبى وتمنيت لهما الموت، استجاب الله لدعائى ومات أبى، لكن الشيخ كان محصناً ضد الموت لعلاقته الوثيقة بالله.

مضت عشر سنوات على زواجى حتى اليوم من آخر سبتمبر عام ٢٠١٣، أصبحت فتاة فى التاسعة عشرة أمشى محنية الظهر كالعجائز بوجه شاحب، وأصبح زوجى فى التسعين من عمره راقداً بالفراش عاجزاً عن المشى، أصحو قبل الفجر لأكنس الروث تحت البهائم فى الزريبة وأحلب البقرة والجاموسة، ثم أذهب إلى غرفته لأكنس الوسخ من تحته وأعطيه كوب اللبن مع رغيف خبزته بالفرن، فقدت عضلات فكيه القدرة على المضغ وأصبح اللبن يسيل من فمه فوق صدره المنحول الوبر، لم يعد قادراً على التحكم فى بوله وكان يتحكم فى جميع خلق الله، تفوح منه رائحة العفن فأملأ الطشت بالماء الساخن وأدلكه بالليفة والصابون، أغسل بطنه وظهره وإليتيه، يصرخ كالطفل إن حرقته سخونة الماء أو دخل الصابون فى عينيه، فى مرة وأنا أغسله انتصب الشىء بين فخذيه فشعرت بالغثيان وضربته بكوز الماء، لعنت اليوم الذى ولدته فيه أمه، كان فى قوة الثور قبل أن يمرض، وإن صعد فوقى كانت روحى تصعد لربها، وإن صفعنى بكفه مرة واحدة غبت عن الوعى يومين.

أتركه لعفنه من شدة الكره دون غسل، دون ماء يشربه، دون خبز يأكله، ولا أفتح نافذته لتدخل نقطة شمس أو ذرة هواء، تصورت أننى سأصحو بعد يومين أو ثلاثة فأجده ميتاً، لكنه أبداً لا يموت، أصبح نحيلاً كالعصا دون أن يموت، فاحت رائحته إلى الجيران دون أن يموت.

فى يوم وضعته فى كيس من الخيش، أصبح جسمه ضئيلاً مثل الجرو، حملته فوق ظهرى من غرفته حتى ظهر الحمارة فى الزريبة، سرت به إلى مزارع الذرة، كانت عيدانها طويلة أطول من قامتى تخبئنى، عند مقلب القمامة ألقيت به، لكنه مد ذراعه كالعصا الخشبية وأمسك بفتحة جلبابى عند عنقى، كاد يخنقنى وهو يلعن أبى الذى زوَّجنى له، ولولا الألف المؤخر لطلقنى منذ ليلة الزفاف، أصابعه مكرمشة مقوسة مشرشرة تشبه أرجل الصرصار أو العقرب، لكن أصابعى أصبحت أقوى، نزعت أصابعه عن عنقى، صببت اللعنات على رأس أمه وأبيه وألقيت به وسط القمامة، لكنى عدت إليه فى أول الليل قبل أن تأكله الذئاب، حملته فوق ظهرى كالقدر وهو يصب اللعنات فوق رأسى، قررت فى اليوم التالى أن أرميه للذئاب لكن الحمّى أصابتنى ولفظت أنفاسى الأخيرة وهو يرمقنى دون أن يموت.

 
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.