الشرق الاوسط
أقرأ كتابا عن «الطاعون»، ولن أزعج خاطركم بأي وصف أو تفاصيل. فإنها لا تطاق. ولكن هذا الوباء مر على معظم مدن أوروبا عبر القرون، من لندن إلى موسكو إلى فلورنسا. لا نعرف الأعداد الصحيحة، لكن الوباء حصد في إحدى المراحل 60% من الأرواح في أوروبا، يوم سكانها أقل بكثير مما هم في العصور الحديثة. مثلا، يفيد أحد الأرقام بأن 13 مليونا ماتوا في قرن واحد.
ما هو الطاعون؟ لا تحديد لأسبابه، التي منها الجراثيم والأوساخ وقلة الاعتناء بالنظافة. فأهم العلاجات في تاريخ البشرية اخترعها المهندسون: النظافة، الصرف الصحي، إحراق المهملات، انتشار المنظفات، إلخ. وأهم المخترعات كانت قتل السم بالسم، أي المضادات الحيوية، ومضادات الجراثيم. وإلى الآن، الخطر الأكبر في المستشفيات هو ما بعد العمليات الجراحية الناجحة، أي الجراثيم الغامضة. لذلك، تطلب المستشفيات من مرضاها أن يسارعوا في العودة إلى منازلهم للنقاهة، خوفا من اعتداء وعدوى الجراثيم.
في أي حال، ليس كل ذلك الهدف من هذا المقال. الحقيقة أنك عندما تقرأ عن الطاعون وقتلاه وانتشاره وطريقته، تجده أقل وحشية من جميع موجات القتل البشرية. فهو، بالدرجة الأولى، لا يقتل على الهوية ولا على البشرة ومدى غمقها أو بياضها.
الاستعمار الألماني في رواندا أعطى الامتيازات لقبائل التوتسي لأن بشرتهم أقل سوادا من الهوتو. فلما انتقم الهوتو بالسواطير لم يكن صعبا معرفة رجال وأطفال ونساء التوتسي: لون البشرة وحجم الشفاه، ورحم الله ابن خلدون وعلومه الاجتماعية.
عندما انتقلت رواندا من الاستعمار الألماني المتوحش إلى الاستعمار البلجيكي الغبي (فوق التوحش) نقل البلجيكيون سخافة البشرة وفارق السمرتين. في نهاية الأمر، عندما استقل الروانديون تذابحوا أسوأ ألف مرة من الطاعون. فهو أكثر رحمة وأقل تمييزا من جميع أوبئة القتل البشرية.
لا مقارنة بالحرب الأولى ولا بالثانية ولا بحرب الثلاثين عاما ولا بحرب المائة عام ولا بالحرب الأهلية الأميركية ولا بالحرب الأهلية اللبنانية ولا بطائرات سيرغي لافروف.
هل سمعتم فلاديمير بوتين، توأم سيرغي غير الثرثار، يتحدث عن وقف شحن الأسلحة إلى سوريا؟ الطاعون الحقيقي في تاريخ العالم، له أسماء أخرى أكثر وضوحا: ماو، هتلر، ستالين، هولاكو، بول بوت وغيرهم. كلاهما وباء مريع، تلوث الهواء ولوثة القلوب. أو ربما العقول.
لكن هذه البشرية مستمرة بسبب العقول الراشدة والقلوب الطيبة. بسبب العلماء الذين يحاربون الأمراض ويقاومون المجاعات لكي لا يتفوق العلماء الذين يخترعون أسلحة الإبادة ثم يضعون عليها ابتسامة كيم جونغ أون. الأرض كثيرة بالأشرار، لكن الطيبين يملأونها عبر العصور. تطلع حولك.
تحية للكاتب والزميل العزيز رعد موسيس… وبعد
نحن نتفق مع معظم ما جاء بتعليقكم
يبدو ان سياسة العالم هي اذا لم تكن ذئبا اكلتك الذئاب
الفرق بين ذئابنا وذئابهم هو ان ذئابنا مثل صدام حسين وبشار الاسد والمالكي والقذافي ومعظم الزعماء العرب يقتلوننا من اجل كراسيهم ومن اجل استعبادنا وهذا عمل خسيس وخائن للوطن
بينما الذئاب الاميركية تقتل الاخرين من أجل حماية مصالحها ورفاهية شعبها وامنه وهذا عمل وطني شريف
السؤال الحيوي الذي نرفعه هنا هو متى نتوقف عن لوم الاخرين و نصبح وطنيون ندافع عن مصالحنا وشعوبنا بدل من الخيانة في قتل شعوبنا
وشتان ما بين الوطنية والخيانة