عثرت على فضيحة ثقافية كبيرة بجميع المقاييس أنوي إضحاككم بالكتابة عنها , ولكني سأبدأ الحديث أولاً بإستعراض بعض الفتاوى التي صدرت في مصر خلال السنوات الأخيرة والتي أثارت زوابع من التهريج على الإسلام والمسلمين حول العالم .
ذات يوم أفتى الشيخ العلامة الدكتور على جمعة مفتي مصر بجواز صلاة المرأة ببدلة الرقص وذلك من مبدأ العمل بمقولة ( ساعة لربك وساعة لقلبك ) وأحيانا تكون الساعتان متلاصقتان أو تأتي الواحدة منهما داخل الأخرى , لذلك يصعب إعطاء كل ساعة حقها من الشروط , وعليه يتم الجواز أو تتم الإباحة من باب ( الضرورات تبيح المحظورات ) وهكذا جاز للراقصة أن تصلي ( إذا كانت تصلي أصلاً ! ) بملابس الشغل … بركة يا جامع .
يعني ممكن الآن الرقاصة لما يكون عندها إستراحة بين وصلتين رقص .. تدخل تصلي من غير ما تنزعج بتبديل ملابس الشغل مرتين علشان ترجع بعدين تكمل رقصتها ,,, شفتوا الإسلام كم هو دين سماح ووسع صدر !! يا سلام ويا سلام .
أهل الجزائر ( بلد المليون شهيد ) وبعد فضيحة كرة القدم الأخيرة بينهم وبين المصريين , أصبح بعضهم يسمي مصر ( بلد المليون رقاصة ) فإن صحَّت هذه الإحصائية وكانت في مصر مليون رقاصة .. فإن ذلك صدقاً يبرر للشيخ الدكتور علي جمعة إطلاق مثل هذه الفتوى .. فهي لإفادة شريحة واسعة من المجتمع .
ولكن كما تمت إباحة الصلاة أثناء الرقص فإن جل ما أخشاه أن تكون الفتوى التاليه في هذا الباب هي إباحة الرقص أثناء الصلاة , خصوصا في الصلاوات كثيرة عدد الركعات حيث ستقسم الصلاة الى أجزاء تتخللها فواصل موسيقية راقصة للترفيه عن المصليات من دون أن يكون ذلك داعياً لإبطال الصلاة أو الإخلال بشروطها .. والله أعلم .
قنبلة الفتاوي الثانية التي أطلقها الشيخ العلامة الدكتور علي جمعة مفتي مصر , في كتابه المعنون ( الدين والحياة _ الفتاوي اليومية العصرية ) هو جواز التبرك ببول النبي ونخامته بل حتى ليقال بأن النبي كان يحتار أين يقضي حاجته الى التبرز خوفاً من أن يقوم بقية المسلمين بأكل ما يصدر عنه .
أضحكتني هذه الفتوى لسببين : الأول أنها وردت في كتاب الفتاوي اليومية العصرية الذي يفترض أن يحتوي على فتاوي تهم المصري في واقع يومه الحالي . وليس على فتاوي في أمور إنتهت وإنقطعت منذ قرون خلت بموت النبي وإستحالة العثور ولا على قطرة لا من بوله ولا من نخامته أو غيرها .
أما السبب الثاني فهو تساؤلي مع نفسي : من هم المسلمون الذين كانوا يتبركون ببول النبي وأشيائه الأخرى ؟ هل هم عامة المسلمين ؟ هل هم خاصة النبي ؟ أم هن نساؤه ؟
تخصصي كباحثة تاريخية وعلمانيتي , تجعلاني لا أستطيع الركون الى حديث إو واقعة رواها فلان عن فلان عن فلان لا تدري لأي قصد أو غرض , لكني أقرأ التاريخ من ظواهره الكبرى لأتعرف من خلالها على الأدلة الصغرى , فإن كان عامة المسلمين هم الذين كانوا يتبركون بتلك الأشياء , فلماذا وقعت حروب الردة بعد موت النبي مباشرة وإستمرت 20 عاماً ؟ ولولا نجاح أبي بكر في محاربة المرتدين لرأينا اليوم قبائل كثيرة من العرب ما زالت تعبد الأصنام حتى داخل مكة نفسها . فهل الردة , دليل على أخلاقية ناس كانوا يتبركون بالبول ؟
أما إذا كان خاصة المسلمين هم الذين كانوا يتبركون بتلك الأشياء فتعالوا نستعرض أخص هؤلاء الخاصة : جنازة النبي لم تدفن بعد وحصل إجتماع السقيفة .
فاز بخلافة النبي صديقه الصدوق أبو بكر والد زوجته الصغرى الأثيرة لديه عائشة . بموته ترشح والد حفصة الذي كان يدعوا النبي ربه أن يعز الإسلام به . بمقتل عمر عرضت الخلافة على علي ومعها سؤال : لو واجهتك مشكلة يا علي فهل ستلتزم نهج النبي وما إلتزم به الخليفتان قبلك ؟ الرجل ولإدراكه أن الحياة في تبدل ولن يصح اليوم ماكان صحيحاً بالأمس قال : لا لن ألتزم وسأعمل بعقلي .
حين عرض السؤال نفسه بعد ذلك على عثمان قال : نعم سألتزم . وهكذا فاز بكرسي الخلافة الثالث , وعثمان إضافة لكونه ( ذي النورين ) فإن محبة محمد له جعلته لا يكتفي بهذه المصاهرة معه .. بل تعداها محمد الى الزواج من ( أم حبيبة – رملة بنت أبو سفيان ) وهي بنت ( صفية بنت العاص ) عمة عثمان وزوجة أبو سفيان , بمعنى أن معاوية بن أبي سفيان هو الآخر متصاهر مع محمد في هذه الزيجة التي جهزها النجاشي ملك الحبشة لأن أم حبيبة كانت تعيش في الحبشة يوم عرض عليها النبي الزواج . وحين جاءت العروس الى مكة محملة بكنوز ملك الحبشة فهي لم تضع الكنوز في حسابها في البنك , لكن زوجها إستفاد من ذلك المال بطريقة أو أخرى ترتب لمعاوية حقاً معلوماً للفوز بمقعد خلافة النبي فيما بعد.
حين إندلع خلاف عرب العراق ضد عثمان , لم يتمكن عثمان من لجم ذلك الخلاف بالطريقة التي كان سيفعلها النبي أو الخليفتان .. بل تصرف من عقله وحل نفسه مما ألزمها به وكانت هذه هي نقطة الخلاف الوحيدة بين عثمان وعلي , وحين عم التمرد الى الشام ومنها وصل الى مصر , إنتهت الحكاية بقتل عثمان .
بمقتل عثمان أصبح علياً إبن عم النبي وزوج إبنته فاطمة الخليفة الرابع , لكن مقتل عثمان وهو من بني أمية التي ينتسب إليها معاوية .. إضافة الى رغبة معاوية في تولي الخلافة بالسرعة الممكنة .. إضافة الى أنه ومنذ عهد عثمان كان والياً على الشام , كل هذه الأسباب جعلته ينشق عن طاعة خليفة المسلمين , ذلك الإنشقاق الذي لم يزل المسلمون يدفعون ثمنه حتى اليوم .
وسؤالنا الى الشيخ العلامة الدكتور علي جمعة : أي واحد من خاصة النبي هؤلاء كان يتبرك بأشياء النبي سالفة الذكر؟
أم القصد أن زوجات النبي هن اللواتي كانت تحل عليهن تلك البركة ؟ إذن دعوني أحكي لكم هذه الحكاية لنتعرف بها على نوعية الأخلاقيات التي كانت سائدة بين ( أمهات المؤمنين ) : المعروف أن ( محمد بن أبو بكر ) و ( عمار بن ياسر ) هما اللذان قاما بقتل عثمان لا طعناً بالسيوف أو الرماح أو الخناجر , ولكن بأسياخ من حديد وجداها موضوعة في المكان لا تدري لأي غرض . بعد موت عثمان قتل عمار بن ياسر في معركة صفين في جيش علي وضد معاوية .
ثم لاحق بنو أمية محمد بن أبي بكر الى مصر التي كان والياً عليها أيام خلافة علي , وحين ظفروا به ربطوه بجلد حمار لأن هذا الجلد عصي على الحرق , ثم أشعلوا ناراً وشووه عليها . والى هنا والحكاية حكاية خصومات سياسية وعشائرية , ولكن تعالوا نذهب الى الجانب الآخر لنشاهد ماالذي وقع بين أرملات النبي .
رملة بنت أبو سفيان وهي من بني أمية , هي ضرة عائشة أخت محمد بن أبو بكر قاتل عثمان , وبينهن إضافة لعداوة العائلتين , عداوة الضرتين . أمرت رملة بنت أبو سفيان بكبش , وتم شواؤه ثم بعثت به الى عائشة وقالت : ((هكذا قد شوي أخوك )) . فلم تأكل عائشة الشواء بعد ذلك حتى ماتت .
لو وقع هذا الفعل بين ضرتين من عامة الناس لكان فعلاً يثير الإستغراب والإستهجان والتعجب . ولكن أن يقع بين أمهات المؤمنين فذلك أدل على مكانه زوجهن الراحل في نفوسهن وعلى مكانة دينه وربه , هل نساء بهذه الأخلاقيات ممن يمكن أن يتبركن بالبول ؟
وأخيراً إنتهت فتوى التبرك بالبول الى إجبار سماحة الشيخ الدكتور المفتي من قبل ( مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر ) الى سحب كتابه من الأسواق , وإنتهت الفتوى .
لكن الشيخ مفتي مصر لم يتوقف عن الفتوى فها هو يصرح لوكالة قدس برس من القاهرة ما نشر نصاً : (( أجاز الدكتور علي جمعة ، مفتي مصر، إجراء عملية ترقيع غشاء البكارة للنساء اللاتي فقدن عذريتهن “لأي سبب كان” ، قبل الإقدام على الزواج ، مؤكدا أن الترقيع أمر مباح . وأكد جمعة ، لبرنامج “البيت بيتك” على القناة الثانية للتلفزيون المصري ، مساء أمس الثلاثاء ، في تفصيله لهذه الفتوى ، أن الدين الإسلامي يدعو إلى الستر ، وإذا كان إجراء الفتاة ، التي فقدت عذريتها لأي سبب كان ، لعملية ترقيع غشاء البكارة سيؤدي إلى سترها ، فإن الإسلام يبيح ذلك . وأضاف مفتي مصر: “على تلك الفتاة ألا تخبر خطيبها بأنها فقدت عذريتها ، كما أن الأمر ينطبق كذلك على المرأة الزانية ، حيث لا يجوز لها أن تخبر زوجها بأنها ارتكبت جريمة الزنا . وأكد الدكتور جمعة أن ذلك الأمر يأتي في إطار السعي للحفاظ على وحدة الأسرة ، وبهدف مساعدة الفتيات المخطئات على التوبة والزواج ، ولا يعد من قبيل الغش والخداع )) . إنتهى
ليس لدي على هذه الفتوى غير تعقيبات صغيرة سأكتبها على شكل أسئلة تقول : أي مجتمع ذكوري زائف القيم هذا الذي تربون الناس للعيش فيه بهكذا فتاوى ؟ بحيث يقبل الرجل على نفسه أن يُخدع طول العمر بإمرأة ( مرقوعة ) , على مواجهة حقيقة أن تلك المرأة قد مرت بتجربة سابقة .. برضاها أو غصباً عنها ؟ وأي علاقات إنسانية تدعون الى تأسيسها تحت شعار ( الستر ) وهي في حقيقة الأمر مبنية على التدليس ؟ ثم هل تحتاج الزانية الى فتوى لكي تكذب ؟ وهل تحتاج المرأة التي لا سبيل لها لحل مشكلتها بغير اللجوء للطبيب .. أن تمر على المفتي لتسأله قبلها : هل إن ما سأقوم به حلال أم حرام ؟ ولو إفترضنا أن الأستاذة الدكتورة الطبيبة نوال السعداوي كانت قد طالبت الأزهر بإستصدار فتوى مشابهة لما أفتى به الدكتور علي جمعة , أما كان مجلس الأفتاء سيفرقها عن زوجها شريف حتاتة .. تمهيداً لإقامة الحد عليها ؟ فلماذا يكيل الأزهر بمكيالين ؟ وبعدين يا سيدنا الشيخ .. بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان ومن نجد الى يمن الى مصر فتطوان .. كلها مليئة بالثقوب الكبيرة جدا التي تستطيع حتى التلسكوبات الفضائية رصدها من الجو والتي تحتاج أطنان من الفتاوي لترقيعها فلماذا تركت كل تلك الثقوب المهولة الحجم , ولم تشمل رعايتك بفتوى الترقيع إلا ثقباً صغيراً منزويا في مكان لا يراه إلا واحد ؟ هل هذا من باب على قدر أهل العزم تأتي العزائم ؟ أم من باب النفوس الكبيرة التي تعبت في مرادها الأجسام ؟
قد يعترض أحدهم ويقول لي : لماذا هجومك هذا يا دكتورة على الشيخ العلامة علي جمعة وفتاويه هذه أصبحت قديمة الآن تقريبا ً وهي ليست جديدة لتثوري عليها بهذا الشكل ؟ وجوابي هو : والله أنا بحالي .. ولم يكن في نيتي حتى لما قبل أسبوع واحد أن أكتب عن هذه الفتاوي أو عن الشيخ . لكن كثر الإلحاح ( يفك اللحيم ) كما نقول باللهجة العراقية .
أقيم في مدينة أوكلاند في نيوزيلندا , وأزور المكتبة المركزية بشكل شبه يومي بحكم كوني طالبة من جديد في جامعة أوكلاند .. لكني نادرا ما أزور القسم العربي في المكتبة بصراحة لأني نفضت يدي من كل ما يكتب باللغة العربية .
قبل حوالي عشرة أيام وبدون تخطيط نزلت الى القسم العربي في المكتبة .. فعثرت على كتاب عنوانه ( صدام حسين _ من الميلاد للإستشهاد ) .
حقيقة .. أنا لن تهمني بعد القراءة عن صدام , فالرجل أدى الدور المرسوم له ومات وإنتهى عهده ليفسح المجال للاعبين جدد أن ينزلوا الى الساحة في الحقبة التاريخية الجديدة من بعده , لكن الذي جذب إنتباهي الى الكتاب أن مؤلفه هو الكاتب والصحفي البريطاني روبرت فيسك الذي يمتلك مواقف أكثر شهامة ورجولة وإنسانية من مواقف الكثير من العرب إزاء قضايا لبنان وفلسطين والعراق . ثم جذبت إنتباهي كلمة ( الإستشهاد ) التي وردت في العنوان .. لهذا قررت أن أستعير الكتاب لتصفحه في البيت أو قراءته إن كانت مخرجاته تدل على شيء يستحق الجهد , لا أدري , ربما أناقة الطباعة ونوع ورق طبع الكتاب وإسم روبرت فيسك ثم ( الإستشهاد ) كل هذا وكما تقول الأغنية جعلني أشعر : حاسس بمصيبة جيالي .. يا لطيف يا لطيف .
يقع الاكتاب في 272 صفحة من حجم كبير المتوسط وهو من إصدار دار إبداع للنشر والتوزيع _ وهناك إشارة على الغلاف تقول (( عرض وتحليل مركز ترجمة الدار )) ويحمل رقم الإيداع 11802 للعام 2007
بما إني قرأت كثيراً من كتابات فيسك لذلك شعرت للوهلة الأولى أن كلام الكتاب ليس أسلوبه , لكني عدت وتذكرت عبارة ( عرض وتحليل مركز ترجمة الدار ) قلت مع نفسي فلأتابع لنرى كيف يعرضون ويحللون .. لكني بدأت أكتشف معلومات خاطئة بالكامل في الأسماء والمواقع والتواريخ من المستحيل أن تصدر عن كاتب محترف مثل روبرت فيسك .. لذلك ذهبت في اليوم التالي الى المكتبة ووضعت إسم روبرت فيسك باللغة الإنكليزية على كومبيوتر المكتبة فلم أعثر له على كتاب أو كراس عن صدام حسين .
حين عدت الى البيت إتصلت هاتفيا بالناشر في القاهرة لأسأله عن عنوان الكتاب باللغة الإنكليزية على رقميه المثبتين على غلاف الكتاب وهما : 0107690018 والرقم الآخر 0124828040 فلم يرد علي أحد . عندها إتصلت بأصدقاء يقيمون في مدينة 6 أكتوبر في ضواحي القاهرة وطلبت منهم الإتصال بدار النشر وسؤالهم عن عنوان كتاب فيسك باللغة الإنكليزية .. فجاءني الرد الصاعق بأن الكتاب مجرد تلفيق ولا علاقة لروبرت فيسك به . وأن مجدي شكري صاحب دار النشر ( إبداع للنشر والتوزيع ) هو ناشر كتب فضائحية مطلوبة في السوق , غرضه منها جمع المال , فقد نشر كتاب عودة الشيخ الى صباه , ونشر شيئا عن المذيعة هالة سرحان , وهو الآن ينشر كتاباً ملفقاً عن صدام حسين .. وهكذا . المضحك في الأمر أن بعض القراء إتصلوا بروبرت فيسك وأخبروه بموضوع هذا الكتاب فجاء الرجل الى القاهرة وبحث عن مجدي شكري دون جدوى لأن الحكاية كلها مجرد ( أونطه ) وحين عاد الى بريطانيا نشر الحكاية في صحيفة الأندبندنت البريطانية تحت عنوان ( أم الفضائح في قلب القاهرة ) وختم فيسك مقالته بعبارة : (( إن المدعو مجدي شكري لابد أنه سيكتب كتابا آخر لينسبه الى أي إسم شهير يكتبه بحروف مذهبة علي الغلاف )) .
فكرت أكتب رسالة لوزارة الثقافة المصرية أهنيهم فيها على المستوى الحضاري الرفيع الذي بلغته دور النشر في مصر , لكني قلت مع نفسي ( وعلى إيه ؟ ) فإذا كان مفتي الديار ( بالدف ناقر ) فشيمة دور النشر كلهم ( رقص ) بس رقص إيه !!؟ كله متوضي وحياتكم وبهدوم الشغل .. ودقي يا مزيكا .