الصادق الذي لم تصدقه حبيبته :


أحمد برقاوي .
ليس لدي حس روائي و رغبة في كتابة القصص القصيرة . ولي رأي غير إيجابي اتجاه أكثر كتاب الرواية و القصص العرب. و ما أكتبه الآن واقعة حصلت و ليس تأليف المخيال . أردت أن يتعرف العالم على حقيقة اللامعقول في الواقع المعيش ، و أن أثبت هذه الواقعة في ذاكرة الناس .
واللامعقول في عالم العرب لا يحتاج إلى موهبة الإكتشاف ، حسب المرء أن ينظر و يسمع و يكتب مارأى . وبما أني ، كأي إنسان عاش في عالم اللامعقول وبخاصة في أضخم مسرح للامعقول في الدنيا ، حيث جعلت الجماعة الحاكمة من سوريا كلها مسرحاً للامعقول ، فإني سأقوم بين الحين و الحين بتأريخ بعض الوقائع التي لا يصدقها العقل. و اللامعقول ببساطة هي الوقائع التي لا يصدقها العقل .
شاب فلسطيني-سوري في مقتبل العمر ، تخرج من الجامعة قبل الثورة السورية بعامين. تعرف عبر وسائل التواصل الإجتماعي على فتاة نرويجية، وتطورت العلاقة إلى حالة من الحب بينهما.


أثناء الشهور الأولى من الثورة اعتقلت المخابرات السورية الأخوين عند أحد الحواجز في دمر . بتهمة بأن الأخ الأكبر قام بكتابة آراء معارضة على الفيسبوك . و الأصغر الذي أتحدث عنه بسبب أنه أخوه فقط .خرجا من السجن بعد شهور ستة وبعد أن دفع، أهله متوسطو الحال، كل ما ادخروه من أموال لعناصر المخابرات الخالين من أي قلب و عقل .
وبعد خروج الأخ الأصغر من السجن جرى بينه وبين حبيبته الأوربية الحوار التالي :
هي: لماذا غبت هذه الفترة الطويلة عني؟
هو: كنت في السجن بتهمة بأني أخ من تعاطف مع المتظاهرين الذي خرجوا معارضة للنظام .
هي: يعني هل اشتركت في التظاهر.
هو: لا
إذن كيف اعتقلوك دون أن تشترك في التظاهرة، و هل يعتقلون المتظاهرين لمجرد التظاهر أصلاً ؟
هو : أعتقلت لأن أخي كتب كلاماً على صفحته الفيسبوكية متعاطفاً مع المظاهرات. فاعتقلوني أنا وأخي ونحن في الطريق
هي : ماذا تقول ؟ يعتقلونك بسبب أخيك ؟
هو: هو ذَا الذي حصل و فقدت السمع بأحدى الأذنين نتيجة الضرب الشديد.
هي : لماذا ضربوك ؟
هو : هم هكذا .
هي طيب : إذهب إلى السفارة النرويجية و اطلب فيزا إلى النرويج.
هو: النرويج لا تمنح فيزا لمن يحملون وثيقة سفر فلسطينية.
هي : ماذا يعني وثيقة سفر .
هو: وثيقة سفر تُعطى للاجئين الفلسطينيين.
هي: ولكنك قلت لي سابقاً بأنك مولود في دمشق، وتعيش في دمشق فكيف تكون مولوداً في دمشق وأنت لاجئ؟ .
هو: أجل وأبي مولود في دمشق ، جدي هو اللاجئ.
هي : أنت و أبوك مولودان في دمشق ولا تحملان جنسية البلد الذي ولدتما فيه لأن جدك هو اللاجئ!
هو : نعم .
هي:وهل الوثيقة تعمل عمل الجواز
هو : أجل
هي: إذا كانت تعمل عمل الجواز فهذا يعني بأنك قادر على السفر بها.
هو: نعم ولكن ليس إلى جميع البلدان .
هي :وهل مكتوب في الوثيقة بأنك فلسطيني ؟
هو: أجل.
هي :إذاً لماذا لا تذهب إلى فلسطين ونلتقي هناك ؟
هو: فلسطين محتلة.
هي: كيف محتله ؟هناك سلطة فلسطينية نشأت بعد اتفاق أوسلو.
هو: هي سلطة فلسطينية في غزة و الضفة الغربية لنهر الأردن ، ولكن اسرائيل لا تسمح لنا أن نذهب إلى إليهما.
هي : ما علاقة اسرائيل بالموضوع إذا كانت هناك سلطة فلسطينية.
هو :دخول الفلسطيني وخروجه بيد إسرائيل .
هي :اسمع : تقول بأنك اعتُقلت دون سبب ، وإنك مولود في دمشق أنت وأبوك و مازلت لاجئاً، وإنك تملك وثيقة سفر ولا تستطيع السفر بها، وتقول بأنك فلسطيني ولا تستطيع السفر إلى فلسطين . هل تعتقد بأني حمقاء لأصدق كل هذا اللامعقول ؟
هو : أَجِل هي ذَي الحال.
هي: أنت شخص كذّاب . مع الأسف أنت شخص كذاب. كذاب ولا تحبّني.
وأغلقت في وجهه وسيلة التواصل- السكايب إلى غير رجعة.

أحمد نسيم برقاوي

الصورة ارشيفية لمخيم فلسطين بدمشق

This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.