الواقع الذي يعيشه أيّ انسان هو ناتج حتميّ لسلوكه وتصرّفاته، وسلوك الإنسان وتصرّفاته، هي بدورها ناتج حتميّ لبنات أفكاره!
لكي تغيّر الواقع، أيّ واقع، عليك أن تسعى لتصحيح السلوك البشري المسؤول عن هذا الواقع، ولكي تفعل ذلك عليك أن تحفر عميقا في البنيّة الفكريّة للانسان كي يتسنّى لك أن تقلع الفكرة التي ساهمت في تشويه ذلك السلوك.
لاتسطيع أن تغيّر الواقع المخزي الذي يعيشه العالم العربي والإسلامي إلاّ بتغيير سلوك الفرد المسؤول عن خزيّ هذا الواقع، ولكي نفعل ذلك علينا أن نعيد النظر في البنيّة الفكريّة والعقائديّة لهذا الفرد.
الغزو ليس طريقا صحيحا للكسب، والغنائم ليست وسيلة مشروعة للعيش!
عندما يقتنع الرجل المسلم بتلك المبادئ يسعى لتغيير مفهومه للحياة والعمل. وتكون قناعته تلك بداية النهاية لواقع مؤلم يتميّز بالنهب والسرقات والغشّ والخيانه والرشوة والطمع والكسل والإهمال والتسيّب!
لست خبيرة في علم الإجتماع أو الإقتصاد. لم أدرس يوما وبالتفصيل العوامل التي لعبت ولم تزل تلعب الدور الأكبر في تقديس الإنسان الغربي للعمل الدؤوب والمثمر، لكنني، وضمن قناعتي المطلقة بأنّ وراء كلّ سلوك فكرة ما، استطيع أن اؤكد أنّ مصدر هذا التقديس هو الكتاب الذي علّمهم بقوله: ومن بعرق جبينك تأكل لقمتك!
لاتهمّني العلاقة الغيبيّة بين الخالق والمخلوق ولا أدافع عن أي دين من الناحيّة الالوهيّة، لاأحد يستطيع أن يثبت وجود تلك العلاقة.
الايمان بها، كان ولم يزل منذ بدء الخليقة، ضربا من التسليم. لكنني أتناول الدين، أيّ دين، كفكر ساهم في قولبة سلوك أتباعه وبالتالي في خلق واقعهم ورسم معالم ذلك الواقع.
الإيمان بالعمل الدؤوب والمثمر هو القيمة الأخلاقيّة والفكريّة التي تشكل الأساس الذي تبنى عليه أيّة قيمة أخلاقيّة أخرى.
الأزمة في العالم الاسلامي أزمة أخلاق، والأمّة برمّتها تعيش حالة من الإنهيار الأخلاقي الذي لايبعث على التفاؤل بالمستقبل المنظور!
الخطوة الأولى نحو الحل وإعادة ترميم الجهاز الأخلاقي المنهار يجب أن تبدأ بوضع تعريف جديد للأخلاق. حسب مفهومنا للأخلاق لايوجد أيّ مكان للعمل المثمر ينطوي تحت لواء هذا المفهوم.
خلطنا في مفاهيمنا بين الأخلاق والعادات والتقاليد، علما بأنّ للأخلاق تعريف عالميّ وشيفرا متعارف عليها في كلّ زمان ومكان. ماهو أخلاقي في غابات الكونغو كنشاسا يفترض أن يكون أخلاقيا في الفاتيكان والرياض وواشنطن ولندن وبين الفلاحين في قرى الصعيد!
الزيّ الفلاحي الذي ترتديه المرأة الصعيديّة هو عادة وتقليد وليس قيمة أخلاقية يفترض أن تلتزم بها المرأة في أيّ مكان آخر! لكنّ الالتزام بالعمل المثمر والدؤوب هو قيمة أخلاقيّة يجب أن يلتزم بها الإنسان في أيّ مكان وزمان آخر!
هناك فرق، وهذا الفرق كبير، بين التركيبة العرفيّة لأيّ مجتمع وبين التركيبة الأخلاقيّة التي يفترض أن يلتزم بها أيّ مجتمع من المجتمعات.
لكي أوضح تلك النقطة بالذات أورد مارواه لي زميل أمريكي مختص في علم النفس والسلوك عندما قام وزوجته المختصة في نفس المجال برحلة بحث زار خلالها إحدى القبائل التي تعيش في أدغال أفريقيا.
النساء في تلك القبيلة يرتدين أسمالا تغطي المسافة الممتدّة من السرّة حتى كاحل القدم، ويتركن أثدائهن مكشوفة دون حمّالات.
مع الزمن ترهّلت تلك الأثداء وكادت تصل إلى السرّة وبدت بالنسبة لزائر أمريكيّ، كصاحبنا الباحث وزوجته، مثيرة للدهشة والاستغراب. السيّدة الأمريكيّة ظهرت، وكعادة النساء الأمريكيات، ببنطالها القصير الذي يكشف عن ساقيها ومعظم فخذيها وبقميصها الذي يغطي ثدييها. ثارت ثائرة النساء في القبيلة واعتبرن كشف المرأة الأمريكيّة لساقيها أمرا مثيرا للدهشة والاستغراب.
من الطبيعي في هذا السيناريو أن يحترم كلّ انسان أعراف وعادات الانسان الآخر ويعترف بحقّه في ممارستها والاستمتاع بها، ولكن من غير الطبيعي أن يقيّم كلّ منهما أخلاق الآخر بناء على تلك الأعراف والتقاليد.
كشف المرأة الافريقيّة لثدييها لايمكن أن يكون مقياسا للحط من مستوى أخلاق تلك المرأة، وكشف المرأة الأمريكيّة لساقيها ليس هو الآخر، مقياسا للحطّ من أخلاقها.
لم يستطع الرجل المسلم أن يتجاوز في مفهومه للأخلاق المسافة الممتدّة من سرّة المرأة الى ركبتها. بل، وتحديدا، حصر ذلك المفهوم داخل الثقب الصغير الفاصل بين ساقيها!
توهّم بأنه ختم ذلك الثقب بالشمع الأحمر وقفل الباب الذي يودي اليه وخبّأ قفله الحديدي في عبّه، ثمّ نام قرير العين مطمئنا على سلامة أخلاقه ومجتمعه.
الطمأنينة الوهميّة التي سكن إليها أسقطت من حسابه كلّ الإعتبارات الأخلاقيّة الأخرى وبالتالي حررته من مسؤولياته أمام الإلتزام بتلك الأعتبارات.
هو يسرق.. ينهب.. يغزو.. يغشّ.. يكذب.. يرشي ويرتشي.. يخون.. يتقاعس عن عمله.. يسعى ليغنم بطرق غير مشروعة ولا مقبولة، لكنّه في النهاية يأوي الى فراشه مرتاح الضمير مطمئنا على القفل الحديدي الذي يخبّأه في عبّه وبين جوانحه!
هبط بين يديّ كتاب، لم أعد أذكر من أين، كتاب بعنوان “النساء أكثر أهل النار.. لماذا؟” المؤلف مصري اسمه أبو محمّد جمال بن محمّد بن الشامي والكتاب مطبوع في مطبعة دار النور المحمّدي في القاهرة.
سأترك ماجاء في ذلك الكتاب لأدرسه بالتفصيل في كتاب لي أشرفت على نهايته بعنوان “دفاعا عن عائشة” وسأذكر هنا بعض ماجاء في مقدمته والذي يتعلّق بفكرة مفهوم الأخلاق عند الرجل المسلم.
يهدي الكاتب الكتاب للمرأة المسلمة ويقول في سياق ذلك:
“وبعد، فهذه نصيحة غالية من كلام الله وكلام رسول الله ـ صلىّ الله عليه وسلّم ـ . أريد أن أبلّغها إلى أختي المسلمة التي تريد النجاة في الآخرة من النار، وأقول لك يا أختي المسلمة إنّك أنت السلاح الذي يوجّه إلى صدر الإسلام كيف هذا؟ لأنّ المرأة بطبيعتها أنها تتأثر بسرعة مذهلة بكلّ جديد فيتمّ الاحتيال عليها باسم المدنيّة والتحضّر (والموضة) حتى تتبذل وتكشف عن عورتها وسوأتها وهذا مفسدة عظيمة للمسلمين وهذا أول خطوات الشيطان عندما ترتدي المرأة مايكشف عن صدرها وساقيها ينتهي غضّ البصر وتصبح سلعة رخيصة ثم الخطوة التالية الزنا ثمّ فساد الأمّة ثم عندما يعم الفساد وتزيد الرذيلة يصبح المجتمع ضعيفاً يكتظ بالأمراض الخبيثة.”
تصوّروا هذه المفاهيم الأخلاقيّة ـ يارعاكم الله ـ !!!!!
لولا كشف المرأة عن صدرها وساقيها لما زنت وبالتالي لما فسدت أمتنا الاسلامية!!!
ولولا المرأة في المجتمع الاسلامي لكان هذا المجتمع في سباق مع الريح ولتفوقّ على كلّ المجتمعات! ولولا التحاقها بركب العصر والموضة لما سرق الرجل المسلم أو نهب أو اغتنم او غشّ أو رشى أو ارتشى او غزا أو كذب!
وبإختصار شديد لولا إنحطاطها الأخلاقي لتبوّأ هو سدّة المجد!!
لقد سقطت تلك المسكينة كبشا للفداء!!!!
لقد كانت، وحسب مفهومه للأخلاق، مبررا لفشله وجهله وتخلفه وليست ضحيّة لهذا الفشل والجهل والتخلف!!!
لولاها لما ارتكب في حياته الزنى ولغضّ بصره وحفظ فرجه ولكنّها هي المسؤولة عن إنهياره فهي الأولى بالعقاب وهو الأولى بالصفح والغفران.
لولا المرأة لما ابتلى العالم الاسلامي بحالة ايدز واحدة، ولتحوّل الربع الخالي إلى جنّة من جنان الله!
أعرفتم الآن لماذا النساء أكثر أهل النار؟!!!
**********
لاتستطيع أن تحمي مابين الفخذين حتّى تحمي أولا مابين الأذنين!
أيهما أكثر هشاشيّة واستعدادا للانزلاق امرأة أفغانيّة مبرقعة بالحديد من قمّة رأسها حتّى أخمص قدميها، لكنّها لا تعرف الفرق بين أرنبة انفها وشحمة اذنها أم دايان فاينستاين المرأة السيناتور في مجلس الشيوخ الأمريكي والتي شغلت من قبل منصب العمدة لمقاطعة سان فرانسيسكو في شمال ولاية كاليفورنيا؟!
أثناء شغلها لمنصب العمدة اختلفت مرّة مع ورشة عمل كانت مسؤولة عن تنفيذ إحدى المشاريع في تلك المقاطعة. كان لزاما على تلك الورشة أن تنفّذ المشروع خلال زمن محدد ولكنّ السيّدة فاينستاين أحسّت باستحالة ذلك واتّهمت الورشة بالتقاعس الأمر الذي قد يساهم في تأخير التنفيذ. احتدم الخلاف بينها وبين المسؤولين في تلك الورشة فالتفتت اليهم، وبتحد غريب من نوعه ممزوج بالحض على ضرورة الإلتزام بالعمل الدؤوب واحترام الوقت، صاحت بهم ـ إذا نفذتم العمل في الوقت المحدد سأرتدي مايوه السباحة وسأسير في شوارع سان فرانسيسكو!
في الوقت المحدّد كانت عدسات المصوريين والصحفيين تلاحق السيدة فاينستاين في كلّ شوارع المقاطعة، ومازالت تلك الصور التي التقطوها لها وهي تردي مايوه السباحة تملأ كتب التاريخ التي تتحدث عن حياة تلك المرأة .
إذا أيّهما أكثر هشاشيّة؟!!!
لكي تعرف الجواب على هذا السؤال عليك أن تعرف ماذا فعل الرجل كي يحمي المسافة التي تمتدّ بين الأذنين لدى كلّ امرأة وليس مافعله كي يحمي مابين الفخذين!!
للعقل بكارة كما للجسد، وعندما تباح تلك البكارة يسقط الاثنان، العقل والجسد، معا!!
***********
إذن، عندما نغيّر مفهوم الأخلاق لدى الرجل المسلم، فيمتدّ ذلك المفهوم ليشمل العمل المثمر الدؤوب كقيمة أخلاقيّة تشكّل الأساس لأيّة قيمة أخلاقيّة أخرى، نكون قد خطونا الخطوة الأولى في طريق إعادة تأهيل هذا الرجل ونكون قد رسمنا إحدى وأهم ملاحم هويّته الجديدة.
عندها، وفي تلك اللحظة بالذات، سيجيبك الرجل المسلم إن سألته عن حال الطقس بقوله: تشير مراصد الطقس التي نصبناها على قمّة جبل عرفات إلى سقوط أمطار غزيزة هذا العام وسيبشر موسم الزرع بعطاء وافر!
لن يحسّ هذا الرجل في تلك اللحظة بحاجته لأن يقول: أحمد الله بأنني مسلم. فقط لأنه وجد هويّة تميّز وجوده ولم يعد دينه يشغل الفراغ الذي أحدثه غياب تلك الهوية.وفاء سلطان (مفكر حر)؟