يستعمل الناس اليوم كلمة الشلاتي والسرسري وهم يقصدون فيها صفات أخلاقية منحطة تضاف إلى كثيرٍ من الأخلاق السيئة التي يتمتع فيها النصابون والدجالون والقوادون وخصوصا موظفي الحكومات والوزراء ورؤساء الحكومات الذين ملئوا الدنيا غشا وكذبا ونفاقا وسرقات.
على أن معنى الكلمتين في اللغة التركية لا يعني كل هذه الصفات الخسيسة وإنما تعني الشرف والأمانة والحرص على مراقبة الأسعار وهي ترتفع في الأسواق جراء طمع التجار الذين يسمون الغش شطارة وضحك على اللحى والشوارب, فكلمة إشلاتي في مدلولة تعني: الرجل الذي كانت توظفه الحكومة التركية لمراقبة حركة الأسعار في الاسواق, فكان الشلاتي بمثابة موظف وزارة تموين يراقب الأسعار ويضع حدجا للتجار, غير أنه مع مرور الزمن تعرف على التجار أكثر وأكثر والتف حولهم وشكل معهم عصابة قانونية جديدة تغاضى فيها عن التلاعب بالأسعار,وحين عرفت الحكومة التركية بهذا التلاعب الذي يتلاعب فيه كل الشلاتيين,قامت على الفور بتعيين موظف حكومي آخر يقوم بمراقبة الشلاتية وهذا الموظف أطلقوا عليه أسم(السرسري),ولكن مثل كل مرة تطبع السرسري على أنخلاق تجار النمو الكريه وبدأ يغض البصر عن سرقات التجار بالإشتراك مع الشلاتية وبدل أن يضع السرسري حدا لهذه العصابة المكونة من التجار والشلاتية إنضم إليهم في سابقة جديدة لم يعرف لها مثيل في الدولة التركية وأصبح السرسري واحدا من الشلاتية وبهذا اكتمل النصاب القانوني للسرقات وللغش وللتلاعب بالأسعار وأصبحت العصابة الجديدة مكونة من التجار+ الشلاتية+ السرسرية.
ونحن اليوم في الدول العربية لدينا كثيرٌ من الشلاتية والسرسرية المزروعين بيننا في الدوائر الحكومية فلا توجد عندنا دائرة حكومية إلا وفيها العشرات بل المئات من الشلاتية والسرسرية,الذين يأخذون الرشاوي من التجار أو الذين يأخذون(الرِشا) من التجار على اعتبار أن جمع كلمة رشوة(رِشا) وليس رشاوى,المهم أن أولئك التجار علموا الشلاتية المخلصين لوطنهم على أخذ الرشوة,هؤلاء السرسرية الذين يتواطئون مع التجار من أجل غش المواطن وسرقة الدولة والمواطن في نفس الوقت,وهؤلاء منتشرون بيننا في الحارات وفي كافة الأسواق الكبيرة منها والصغيرة, حتى أننا نستطيع القول بأن رئيس الحكومة واحد سرسري يراقب الشلاتية من مدراء دوائر ورؤساء أقسام.
والحمدُ لله عندنا في الأردن آلاف الشلاتية وآلاف السرسرية الذين يراقبون التجار ويحاسبون المفسدين على فسادهم,وأيضا في كل دولة عربية هنالك آلاف الشلاتية والسرسرية والحبل على الجرار,وفي كل بيت نجد سرسريا وفي كل سوق نجد سرسريا,وهؤلاء ما زالوا كما كانوا في أول عهدهم,مازالوا ماضون على نهج السلف الذين سبقوهم في الغش والغدر بالناس وخصوصا أنك تصاب بإحباط شديد حين تجد سرسريا يغشك في رغيف الخبز وحبة الطماطم.
فقد كانت كلمة الشلاتي يفتخر فيها كل من تطلق عليه وكذلك كلمة سرسري كانت تبعث في نفس صاحبها قيمة اجتماعية جديدة تضاف إلى إنجازات السرسري والشلاتي المقصودون جميعا بهذه الكلمة,فقد كان يقف الشلاتي في منتصف السوق وهو يقول بكل فخر وينادي بالصوت العالي(أنا إشلاتي) وكانت البنت التركية والعربية تعتز بنفسها إذا خطبها رجل سرسري أو إشلاتي وكانت تجلس متكئة على وسادتين لتقول بكل دلع وبفم ملتوي(خطبني أكبر إشلاتي بالبلد) وأختي(خطبها أفضل سرسري بالبلد),وكانت الناس تدفع كثيرا من الرِشا من أجل توظيف أبنائهم في وظيفة إشلاتي مراقب عام على التجار,أو في وظيفة سرسري مراقب عام على الشلاتية والتجار,وكانت وظيفة الشلاتي مثلها مثل وظيفة أو مثلها مثل مهنة المحاماة في المجتمع الكُتلي الصناعي,ولكن لكثرة الغش والفساد والتواطؤ الذي تواطئوا به مع التجار أصبحت الكلمة سيئة جدا مثلها مثل كلمة قواد, فقد كانت وما زالت كلمة قواد تطلق على قائد الجيش,ولكن القوادين مع مرور الزمن صاروا مثل الشلاتية والسرسرية نصابون ودجالون ومتلاعبون يقومون ببيع الناس وببيع قضاياهم فتحولت الكلمة وأصبحت تطلق على كل من يتاجر بلحوم النساء البيضاء والسمراء والشقراء.
واليوم إذا قلنا لرئيس الحكومة بأنك واحد سرسري أو إشلاتي فإنه فورا سينزعج من هذه الكلمة,وفي المستقبل ستصبح كلمة وزير وأمين ومراقب تدل دلالة على عكس معناها المقصود منه ذلك أن الوزراء اليوم والقادة وأمناء الوزارات ووكلاء الوزارات إإتلفوا مع التجار ومع النصابين والغشاشين,وعما قريبٌ ستصبح هذه الكلمات أو تلك الكلمات عيبا كبيرا.