الشفقة أعلى بكثير من العدالة والإنسان أكثر حاجة إليها من العدالة

complain2godالشفقة هي الصفة الإنسانية الوحيدة التي مهمتها ـ حصرا ـ الحفاظ على الجنس البشري.
من لم يتمتع بها لا يعرف قيمة الحياة!
…..
البارحة وضعت بوستا لرجل سوري يستغيث بالحجر بعد أن أحالوا بيته وعائلته إلى حطام…
كانت ردود الفعل على الصفحة وعلى الخاص مرعبة جدا جدا….
تناولتني شخصيا بأبشع الألفاظ، لأنهم اعتبروني من المعارضين
صهيونية…خائنة….عاهرة….إلى آخره…
أعادتني تلك الرسائل إلى مثيلتها، يوم وضعت بوستا تناولت فيه العمل الإرهابي الذي أودى بحياة
أطفال في مدرسة إبتدائية بمدينة حمص السورية…
كتب لي المعارضون يقولون: نصيرية…كافرة….عاهرة….إلى آخره!
وذلك لأنهم اعتبروني من الموالين!
لا أحد من الطرفين رأى منحا إنسانيا في أي من البوستين، لماذا؟؟؟
لأن الطرفين استمدا منظومتهما الأخلاقية من نفس المنهل، ألا وهو الإسلام!
……….
تقول الآية: } الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ
عندما تجرّد الإنسان من أي لحسة رأفة، مهما كان الظرف مقنعا، أنت تجرده من إنسانيته وتحوله إلى مجرم كبير!
لذلك تحول الإنسان في وطني ـ مواليا ومعارضا ـ إلى مجرم كبير.
رهيب….رهيب ومرعب جدا جدا ذلك الإنحطاط الأخلاقي والإنساني!
وهنا أقصد ـ ليس فقط المسلمين ـ بل بعض المسيحيين الذين تشربوا تلك الثقافة سهوا أم عمدا!
……
منذ سنين دخلت في حوار ساخن مع رجل دين مسيحي أمريكي حول أخلاقية العهد القديم.
قلت: لا يختلف كثيرا عن القرآن، فهناك قصص يقشعر لها البدن، ومنها كيف يأمر الله أتباعه أن يحرقوا الشجر والبشر والحجر!
فرد: أحيانا يصل الإنسان إلى حالة من الإنحطاط الإنساني لا يستطيع الخروج منها إلا بالقتل…
أعتبرت رده يومها إنحطاطا إنسانيا!
….
أعادتني الردود على بوستي البارحة إلى ما قاله هذا الرجل…
وأعادتني أيضا إلى قول جدتي لروحها السلام: (الله ما بيخرب بلد أهلها صالحون)…
بكل أسف أقول اليوم: يبدو أن الإنسان في وطني قد وصل إلى حالة من الإنحطاط الإنساني والأخلاقي لا يستطيع الخروج منها
إلا بحروب طاحنة تطهر روحه من كرهها وأحقادها…
أقول ذلك بحرقة قلب، ولكن؟؟؟؟؟
……..
منذ سنين قرأت تقريرا عن مجرم روّع أمريكا ـ في السبيعينات أو الثمانينات ـ وقتل أكثر من خمسين امرأة!
في اللحظة التي نفذوا فيها حكم الإعدام، ركض أحد الصحفين إلى والدته، وقال لها ببرودة أعصاب: بماذا تشعرين الآن وقد
أخذت العدالة مجراها ضد ابنك المجرم؟
فردت: اغرب عن وجهي أيها الوقح، هذا المجرم كان يوما طفلي!
نعم، الشفقة أعلى بكثير من العدالة وأشمل، والإنسان أكثر حاجة إليها من العدالة…
يبدو أن الإنسان في سوريا قد تجرّد منها!
…..
هذا الصباح عدت إلى حياتي اليومية شاكرة راضية مقتنعة بأخلاقي وبقدرتي على أن أشفق…
ليس هذا وحسب، بل أكثر إيمانا بأن الكون يعطيك حسب منظومتك الأخلاقية!
عدت لأمارس سعادتي مع أحفادي ومع قطي أموور، ولسان حالي يقول: يجب ان تخرجي يا وفاء من آلامك على وطنك، فالقضية
كونية بالمطلق وخارج قدرتك على فعل شيء سوى التعبير عن حسّك الأخلاقي والإنساني علّه يفعل شيئا!

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.