معظم مرضى الاكتئاب النفسي حين يشاهدونك لا يتذكرون منك إلا سيئاتك , فمهما فعلت لهم من أعمال طيبة وقدمت لهم الكثير من الحسنات وبنفس الوقت كانت لك معهم زلة لسان واحدة فإنهم على الأغلب ينسون كل حسناتك ولا يتذكرون إلا سيئاتك, ومما يميز الشخصيات المكتئبة جدا أنها لا تقدم على الانتحار أثناء مرضها, فمهما اكتئب الإنسان فإنه على الأغلب لا ينتحر مطلقا وهو مصاب بالانتحار وبالاكتئاب, ولكن هنالك قلة من المكتئبين نفسيا يقدمون على الانتحار وهم في أشد حالاتهم مرضا واكتئابا وهذه قلة قليلة, ويكلف مرض الاكتئاب حول العالم مليارات الدولارات للتصدي له من قِبل الوزارات والهيئات والمنظمات العالمية, ومما يلفت الانتباه أن خطورة مرض الاكتئاب على المكتئبين تكمن بعد عملية شفائهم من هذا المرض وهذه الخطورة على حياتهم تتشكل أكثر منها أثناء المرض, فالغالبية من المكتئبين مصيبتهم تكمن بعد الشفاء وبعد تعديهم خطورة المرض, وهذه ملاحظة يعرفها معظم الأطباء النفسيين ولكن قلة من الناس من تعرف هذه الملاحظة, فمصيبة المصابين حتى بغير الاكتئاب لا يقدمون على الانتحار إلا بعد شفائهم من المرض, ولكن يا ترى ما السبب؟.
تشير الدراسات إلى أن المصابين بمرض الاكتئاب أو المنتحرين بسبب هذا المرض إن لم يكن هنالك بعد شفائهم سببا للانتحار فإن التوقعات تقول بأنهم انتحروا بسبب شفائهم من هذا المرض فحين يتعافوا من المرض وتصبح صحتهم النفسية بشكل جيد جدا ويصبح تفكيرهم متزن, ينظرون من حولهم وإذ بهم قد آذوا الذين هم من حولهم من الأهل والأقارب والجيران والأصدقاء ويلاحظون بأنهم قد تسببوا بالدمار لأكثر الناس الذين يحبونهم, لذلك لا يتحملون الصدمة ولهذا السبب يقبلون على الانتحار, ويشترك السكارى مع المكتئبين في هذه الظاهرة حيث أن الذين يقبلون على الانتحار منهم لا ينتحرون وهم سكارى بل أغلبهم ينتحرون بعد صحوتهم من السكرة, بعد أن تذهب السكرة وتأتي الفكرة, فينظرون من حولهم وإذ بهم قد تسببوا بالأذى لمعظم الأهل والأصدقاء لذلك ينتحرون.
فالمريض النفسي على الأغلب لا تأتي الخطورة منه وهو ما زال مريضا بل بعد أن يشفى من المرض, مثل أغلبية السكارى الذين لا تأتي الخطورة منهم أثناء سكرهم وعربدتهم بل بعد أن يصحوا من السكرة حين يعقلون ويصبح تفكيرهم متزنا, فينظرون إلى ما فعلوه وهم سكارى أو وهم مكتئبون ومصابون بالاكتئاب المرافق للقلق أو وهم مصابون بالاكتئاب المرافق للهوس, فيعرفون حجم المشكلة التي تركوها وراءهم, فأنا مثلا عرفت ذات يوم رجلا سكر حتى الثمالة واغتصب طفلة صغيرة في السن وبعد صحوته من السكرة أقبل على الانتحار لأنه لم يحتمل مشهد الدمار الذي تركه خلفه, إن مشاهد الدمار التي يتركها المخربون لحياتنا كبيرة وكثيرة وهي بمثابة كارثة بشرية ومعظم هؤلاء لم يتخلصوا حتى اللحظة من سكرتهم أو من حالتهم المرضية لينظروا إلى مشاهد الدمار التي تركوها خلفهم في سوريا والعراق واليمن وليبيا, هؤلاء أنا شخصيا على ما أعتقد لم يتخلصوا بعد من حالتهم المرضية ولم يشفوا منها ليقبلوا على الانتحار, هؤلاء لم تصحو ضمائرهم بعد ولو تعافوا من حالتهم المرضية لندموا على ما فعلوه.
لقد صدق المثل القائل: الندم يأكلك حيا , معظم المنتحرين ينتحرون بعد شعورهم بالندم على ما اقترفوه من أذى لغيرهم من الناس وخصوصا أن أقرب المقربين لهم هم من يتأثر بحالتهم المرضية أكثر منهم, وحين يكونوا ما زالوا مرضى لا يشعرون بالندم مطلقا لأنهم يكونون في حالة غيبوبة عن الوعي الاجتماعي والعاطفي فيكونوا وكأنهم أموات أثناء مرضهم أو في حالة غيبوبة عن الوعي وحين يصحون ويتعافوا يكونوا وكأنهم استفاقوا من الحلم المزعج والكابوس المزعج لهذا السبب يتأكدون بأنهم هم من تسبب بهذه المشاكل وبهذا الإزعاج, وأنا أعرف أحد أقربائي حين أصابه مرض الفصام والاكتئاب تسبب لأمه بسكتة قلبية أدت إلى وفاتها وبعد أن تعافى من المرض أقبل على 3 ثلاث محاولات للانتحار كلها فاشلة وكان يمشي في الشارع ويقول بندم شديد(أنا السبب) وهذه تسمى رموز ما قبل الانتحار كأن يقول المنتحر: يا ريتني ما كنت, يا ريتني لم أولد, يا ريتني لم أفعل كذا وكذا, لذلك خطورة السكران أو المكتئب ليست أثناء مرضه, وهو بحاجة إلى الرعاية النفسية والاجتماعية بعد تعافيه من المرض أكثر من حاجته لها أثناء المرض, وبهذا يكون بعد الشفاء بحاجة للعلاج أكثر من العلاج وهو مريض, وبحاجة للمراقبة بعد الشفاء أكثر من حاجته لها أثناء المرض, والرجال الذين ينتحرون نسبتهم من حيث العمر أكبر سنا من النساء المنتحرات في سن الشباب, ومن ناحية الكم النساء المنتحرات حول العالم نسبتهن أكثر من نسبة الرجال, وهذا مؤشر على أن المرأة تتعافى من المرض بنسبة أكثر من الرجل وتستجيب للعلاج أكثر وتشفى أكثر وتنظر حولها إلى الدمار الذي سببته للعائلة لذلك تقبل بسرعة على خطوة الانتحار.
معظم المرضى بالاكتئاب بعد أن يتعافوا من المرض تظهر عليهم علامات ألم نفسي ووخز في الضمير وصحوة وهدوء أعصاب وقدرة عالية على التركيز لذلك كل هذه المؤشرات على الأغلب تكون سببا للانتحار كون المريض يندم على ما فعله ويريد أن يخلص نفسه من الألم النفساني الذي أصابه لذلك يرى الحياة تافهة جدا ويرى أنه شخص مجرم ويستحق العقاب على ما فعله لذلك يعاقب نفسه بنفسه بالانتحار لكي لا يبقى يرى آثار الدمار التي تركها من حوله.