الشاعر طه المائي والمكنونات المائية

كيف نؤسس عالماً نقياً لارتقاء المجتمع ؟
جزء / 12
عصمت شاهين دوسكي

الشاعر الكبير طه المائي من أسرة دينية معروفة بالعلم والأدب في منطقة بهدينان ،نزحت هذه الأسرة عام 1650م من قرية ” ئه لكى ” في منطقة هكاري وسكنت قرية ” مايى ” في منطقة برواري العليا ، ولد الشاعر في قرية ” مايى ” ودرس في البداية لدى عمه ملا قاسم مائي ثم دار ثم دار على أفضل العلماء في عصره للدراسة إذ درس في قرية ” أتروش ” و” الموصل ” ونال الإجازة العلمية على يد العالم عبد الله العمري وإنه درس في الوصل لدى العالمين محمود الصخري وعلي الحصري ثم رجع إلى قريته ” مايى ” ورغم تحصيله العلمي العالي إلا إن الطريقة الصوفية جذبته وأصبح خليفة لدى الشيخ محمد بن الطاهر العمادي وألف عدة كتب في التصوف والعقيدة أما الأدب والقصائد فتمكن بنظم القصائد في اللغات الثلاثة الكردية والعربية والفارسية وكان يلقب في زمنه من خلال الشعر الكلاسيكي ” بهائي ” وله قصيدة عربية جميلة في مدح الرسول صل الله عليه وسلم يقول في بدايتها .
(( لا تعجبن لمن أسرى بت الله
قاب قوسين أو أدناه ، أدناه ))
وكانت له مكتبة زاخرة بالكتب القيمة النادرة في مختلف العلوم والآداب في بيته في القرية ، لكن في عام 1924م هاجم الإنكليز مع التيارية قريتهم وأحرقوا قرية ” مايى ” مع قرى أخرى في المنطقة أتت النيران على مكتبته ولم يبقى منها شيء سوى بعض ما تمت لملمته بعد ذلك من قبل أقاربه ، تتسم قصائده بعذوبة اللفظ وانسيابية المعنى ورقة وعذوبة الشعر عليها بادية مبتعدة عن الصلابة والغموض والتعقيد بل تريح القلب والروح والنفس وتعتبر قصائد من الجمال والغزل والحكمة والفكر القيم الواعي ومن اللطائف كان يميل في شعره إلى روح الفكاهة والنكتة وله بعض الأبيات من الشعر عن وصف “الإبرة ” .
(( كانت لنا إبرة وأي إبرة


ليس مثل حديدها حديد
من خاط بها مرة واحدة
أصبح خياطاً على الرغم جديد ))
وكذلك عندما يرسل له أنصاف الاميين رسالة بخط غير مفهوم لا يستطيع الشاعر قراءتها جيداً يكتب له بيتين من الشعر يقول فيهما .
(( إن كتابتك يا حبيب الروح
قسماً برأسك لم أفهم منها نقطة واحدة
فلم تكن كتابتك بالكردية
ولا بالتركية ولا بالفارسية ولا بالسريالية ))
أما قصائده الأخرى إن كانت صوفية أو غزلية فتتسم بالرقة والشفافية وبلغة كردية واضحة مفهومة وتختلف عن قدامى الشعراء في كردستان من حيث رقتها وابتعادها عن الضبابية والتعقيدية والصعب من الكلمات والتعبير فإن وظيفة النص الشعري يؤديها بأفضل حالاتها بمضمون جمالية الأشياء والدلالات والرموز النفسية والفكرية وتصحيحها إن لزم الأمر مع الكشف عن الأشياء البعيدة عن الاهتمام وتخفيف ضغط المشاعر بمكنوناته العميقة بإثارتها بخفي أو تلميح أو إيماءة شعرية وهي رغبة متمثلة عن الشاعر وفي هذه الرغبة يمكن رؤية الاهتمام الجميل بصحوة هذه المشاعر الدقيقة الملحة والمثيرة التي تعتبر مقبولة .
(( رأيت حسناء في الصباح فتاة لطيفة ذات وجه قمري
وتحت ضفائرها ظهر جبين كالشمس التي تخرج من بين الغيوم
ضفائرها وزلوفها ووجهها وحواجبها وعيونها ونظراتها تطلق السحر
وكأنها السنبل والريحان والورد بل إنها القوس والسهم والبندقية ))
الشاعر طه المائي يضع قلمه على كل ما هو جميل من الكلام والوصف والتعبير ليرتبها في لوحة جميلة زاهية لوصف حبيبته ويكشف مكامن الفتنة والسحر والجمال فيها فهي لديه كما يرغبها من وجه قمري وضفائر وجبين كالشمس وعيونها ونظراتها كالسحر الفاعل المؤثر ومن هذا السحر إلى شعرها المبعثر بفعل الرياح أو بفعلها هي لتتركها تسرح على وجهها القمري وهي تعتمر طاقية جميلة مائلة وترسل الابتسامات العذبة لتجعل القلوب أسيرة لديها ، هل يتمكن الشاعر من مقاومة هذا الجمال الرباني وهذا السحر الأنثوي الناضج المؤثر في الروح والقلب والإحساس ؟ وهل كان يتوقع الشاعر أن يكون ردها ليناً أم قاسياً ؟ قبل إن تقول له ” أيها الفقير البائس المعدوم ” ونلاحظ تأثير الفقر على الواقع الحسي والجمالي والرغبة الملحة فالحب ليس كافياً عند المرأة أحياناً كون المال حسب نظريتها يدعم الحب ويديم استمراره خاصة إذا كان هذا الفكر ظاهر عند المرأة التي خصها الشاعر بالجمال والغنج والدلال وهذه صور تتكرر في كل زمن فمكنونات الشاعر ظاهرة شفافة مائية عن حبيبته ورغم هذا تقول له أيها البائس الفقير المعدم ماذا بمستطاعك إن تحصل عليه من هذه الفاتنة الجميلة ” أنت لا تملك شيئاً لا أنيس لك ولا رفيق للطريق ” هذه العدمية والحرمان التي تحس بها الحبيبة تضعف قوة الحب وبالتالي تدور المعاناة والعذابات والأشواق واللهفة واللوعة فتدعوه إلى ترك الحب جانباً والبقاء في الفقر واليأس والحرمان وكان مفاتيح الحب بيده كلما أراد فتح باب الحب وكلما أراد قفله ،هذه الجدلية القديمة بين الحب والفقر منذ أزمنة عتيقة جداً لكن الشاعر طه المائي بأسلوبه العذب يجدد روح هذه الصورة النفسية الفكرية الحسية المكنونة في الذات وينظمها برقة المعذب المحروم.
(( الشعر والذؤابات المبعثرة والطاقية المائلة مع الابتسامة
وكل شعرة من ذؤاباتها تصيد القلوب في مائة حصن
وقالت لي يا ” بهائي ” أيها الفقير البائس المعدوم
أنت لا تملك شيئاً لا أنيس ولا رفيق للطريق ))
وبعد مدح الرسول ولطائف الفكاهة والغزل والوصف الشعري وجدلية الحب والفقر يصف الشاعر معلمه وأستاذه الجليل الذي يهب علمه بطيب خاطر ممزوج بالمسك والعطور وأطيب الرياحين يهبها دون مقابل دون كلام أو نقاش بل حتى دون رهن أو كفالة لأنه منبع العلم الأصيل واللطف والعرفان وما عنده من علم مليء كالبحر ونظره البعيد يشبه نهري جيحون والنيل يعرف الشاعر طه المائي بمكانة وعلم أستاذه الجليل الذي كل همه استفادة طالبي العلم من علمه وخبرته دون أي شروط مسبقة إن كان طالب العلم فقيراً أو غنياً فلا وساطة ولا وسيلة للوصول فباب علمه مفتوح للجميع ” لا مكان للتوسط لديه والوسيلة مفقودة “وبهذه الرؤية يؤسس عالماً نقياً خالصاً للرقي والسمو الإنساني الذي يكون تأثيره عميقاً في إرتقاء المجتمع والحضارة في أي زمن كان وهنا يتمكن الشاعر من بلوغ ما يريده وما يدور في مكنونه وقد يكون هذا في حقيقة الأمر مشهور في ذلك الزمان أو إشارة أن هناك أساتذة ومعلمين بغير هذا الوصف ويفسر بصورة غير مباشرة عن مكنون متناقض في الصفات الخاصة للأساتذة والمعلمين والشيوخ إلا إنه يتيح الفرصة للكشف شاملاً أو جزئياً حتى لو كان يعلم إن التدريس من أستاذ جليل إلى أستاذ آخر يختلف لكن الهدف العلمي أن يكون شاملاً بمقدور الجميع بلا قيود ولا شروط ولا أعباء تنهك طالب العلم فكرياً ونفسياً واجتماعياً وبالتالي تؤخر ديمومة التطور والارتقاء ويسمح للجهل إن ينتشر كالسلطان في المجتمع وينخر الحضارة الإنسانية أينما كانت .
(( فهو يهب بلا رهن وارتهان أو كفيل
إذ يمنح الكأس بدون جدال أو كلام
ولا مكان للتوسط لديه والوسيلة مفقودة
فهو مخزن كامل للعرفان واللطف
فنفسه كالبحر ونظره عبارة عن جيحون والنيل ))
بهذه الرؤية الشمولية من شانها تسهم في انتشار العلم وفي تطوير الحياة وبهذه الأبيات والمقاطع المختلفة المضامين يعبر الشاعر طه المائي عن مكنونات نفسه المائية بنظرته العميقة إلى الأمور ويعلن عن فكره المشوب بالغزل الجميل والوصف الراقي في أيام كان فيه الشعر هو الكتاب والمجلة والجريدة التي يعلن فيها الشعراء عن مكنوناتهم وأفكارهم وآرائهم ونظرتهم إلى الحياة والدنيا بعوامل خارجة عن إرادتهم أحياناً ومؤثرة فيهم لكن قوة فكر الشاعر طه المائي ودقته وأسلوبه المميز تشير إلى إمكانيته في صياغة الأحداث شعراً بوجهة نظر معينة تنتمي إلى صور الإنسانية البسيطة والبليغة الشاملة بمنتهى الوضوح فضلاً عن تجلي مكنوناته خلالها بعقلانية ومصداقية متأتية من الافتنان بالأشياء والصور والدلائل التي مصدرها ما يخص الإنسان وليس استثارة الصور المكنونة فقط بل لارتقاء المجتمع .
****************************************
طه المائي
– ولد عام 1842م في قرية ” مايى “في برواري العليا دهوك كردستان العراق.
– درس برعاية عمه قاسم المائي ثم دار على أفضل العلماء في عصره للدراسة وذلك أسوة بمعظم طلاب العلم في ذلك الزمان.
– درس في ” أتروش ” وفي الموصل درس لدى العالمين محمود الصخري وعلي الحصيري .
– نظم الشعر باللغة الكردية والعربية والفارسية .وكان يلقب ” بهائي “
– نال الإجازة العلمية على يد العالم المعروف عبد الله العمري .
– له كتاب يسمى ” منهاج مقاصد الأبرار ومعراج مقاصد الأشرار ” .
– له كتاب صغير في العقيدة يسمى ” قلائد الفرائد ” .
– له قصائد عديدة مختلفة المضامين .
– كتب عنه مجموعة من الأدباء والباحثين ومنهم صادق بهاء الدين وأنور المائي واحمد نالبه ند ورشيد فندي وغيرهم .
– توفي عام 1918 م .
************************************************
كتاب – فرحة السلام – من الشعر الكوردي الكلاسيكي ، دعوة للمؤسسات الثقافية والشخصيات الثقافية المعنية لطبعه ، لعدم إمكاني طبعه .. يضم 18 شاعرا كلاسيكيا .. عصمت شاهين دوسكي ،

About عصمت شاهين دو سكي

- مواليد 3 / 2 / 1963 دهوك كردستان العراق - بدأ بكتابة الشعر في الثامنة عشر من العمر ، وفي نفس العام نشرت قصائده في الصحف والمجلات العراقية والعربية . - عمل في جريدة العراق ، في القسم الثقافي الكردي نشر خلال هذه الفترة قصائد باللغة الكردية في صحيفة هاو كارى ،وملحق جريدة العراق وغيرها . - أكمل دراسته الابتدائية والثانوية في مدينة الموصل - حاصل على شهادة المعهد التقني ، قسم المحاسبة - الموصل - شارك في مهرجانات شعرية عديدة في العراق - حصل على عدة شهادات تقديرية للتميز والإبداع من مؤسسات أدبية ومنها شهادة تقدير وإبداع من صحيفة الفكر للثقافة والإعلام ، وشهادة إبداع من مصر في المسابقة الدولية لمؤسسة القلم الحر التي اشترك فيها (5445) لفوزه بالمرتبة الثانية في شعر الفصحى ، وصحيفة جنة الإبداع ، ومن مهرجان اليوم العالمي للمرأة المقام في فلسطين " أيتها السمراء " وغيرها . - حصلت قصيدته ( الظمأ الكبير ) على المرتبة الأولى في المسابقة السنوية التي أقامتها إدارة المعهد التقني بإشراف أساتذة كبار في الشأن الأدبي . - فاز بالمرتبة الثانية لشعر الفصحى في المهرجان الدولي " القلم الحر – المسابقة الخامسة " المقامة في مصر " . - حصل على درع السلام من منظمة أثر للحقوق الإنسانية ، للجهود الإنسانية من أجل السلام وحقوق الإنسان .في أربيل 2017 م - حصل على شهادة تقديرية من سفير السلام وحقوق الإنسان الدكتور عيسى الجراح للمواقف النبيلة والسعي لترسيخ مبادئ المجتمع المدني في مجال السلام وحقوق الإنسان أربيل 2017 م - حصل على درع السلام من اللجنة الدولية للعلاقات الدبلوماسية وحقوق الإنسان للجهود الإنسانية من أجل السلام وحقوق الإنسان . أربيل 2017 م . - عدة لقاءات ثقافية مع سفيرة الإعلام فداء خوجة في راديو وار 2017 م . - أقامت له مديرية الثقافة والإعلام في دهوك أمسية أدبية عن روايته " الإرهاب ودمار الحدباء " في قاعة كاليري 2017 م - تنشر مقالاته وقصائده في الصحف والمجلات المحلية والعربية والعالمية . - غنت المطربة الأكاديمية المغربية الأصيلة " سلوى الشودري " إحدى قصائده " أحلام حيارى " . وصور فيديو كليب باشتراك فني عراقي ومغربي وأمريكي ،وعرض على عدة قنوات مرئية وسمعية وصحفية . - كتب مقالات عديدة عن شعراء وأدباء الأدب الكردي - كتب مقالات عديدة عن شعراء وأدباء المغرب - كتب مقالات عديدة عن شعراء نمسا ، (( تنتظر من يتبنى هذا الأثر الأدبي الكردي والمغربي والنمساوي للطبع . )) . - كتب الكثير من الأدباء والنقاد حول تجربته الشعرية ومنهم الدكتور أمين موسى ، الدكتورة نوى حسن من مصر الأديب محمد بدري، الأديب والصحفي والمذيع جمال برواري الأديب شعبان مزيري الأستاذة المغربية وفاء المرابط الأستاذة التونسية هندة العكرمي والأستاذة المغربية وفاء الحيس وغيرهم . - عضو إتحاد الأدباء والكتاب في العراق . - مستشار الأمين العام لشبكة الأخاء للسلام وحقوق الإنسان للشؤون الثقافية . - صدر للشاعر • مجموعة شعرية بعنوان ( وستبقى العيون تسافر ) عام 1989 بغداد . • ديوان شعر بعنوان ( بحر الغربة ) بإشراف من الأستاذة المغربية وفاء المرابط عام 1999 في القطر المغربي ، طنجة ، مطبعة سيليكي أخوان . • كتاب (عيون من الأدب الكردي المعاصر) ، مجموعة مقالات أدبية نقدية ،عن دار الثقافة والنشر الكردية عام 2000 بغداد . • كتاب ( نوارس الوفاء ) مجموعة مقالات أدبية نقدية عن روائع الأدب الكردي المعاصر – دار الثقافة والنشر الكردية عام 2002 م . • ديوان شعر بعنوان ( حياة في عيون مغتربة ) بإشراف خاص من الأستاذة التونسية هندة العكرمي – مطبعة المتن – الإيداع 782 لسنة 2017 م بغداد . • رواية " الإرهاب ودمار الحدباء " مطبعة محافظة دهوك ، الإيداع العام في مكتبة البدرخانيين العام 2184 لسنة 2017 م . • كتب أدبية نقدية معدة للطبع : • اغتراب واقتراب – عن الأدب الكردي المعاصر . • فرحة السلام – عن الشعر الكلاسيكي الكردي . • سندباد القصيدة الكورية في المهجر ، بدل رفو • إيقاعات وألوان – عن الأدب والفن المغربي . • جزيرة العشق – عن الشعر النمساوي . • جمال الرؤيا – عن الشعر النمساوي . • الرؤيا الإبراهيمية – شاعر القضية الآشورية إبراهيم يلدا. • كتب شعرية معدة للطبع : • ديوان شعر – أجمل النساء • ديوان شعر - حورية البحر • ديوان شعر – أحلام حيارى • وكتب أخرى تحتاج إلى المؤسسات الثقافية المعنية ومن يهتم بالأدب والشعر لترى هذه الكتب النور في حياتي .
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.