الشاعر شمس الدين الإخلاطي وجدلية أنا* ما كان قريبا من النفس يمكن إخفاؤه أو إظهاره

شمس الدين الاخلاطي

جزء / 4
عصمت شاهين دوسكي

هاجر الشاعر شمس الدين الاخلاطي من مدينه ( خه لات ) التابعة لبدليس على أثر الحرب بين الدولتين العثمانية و الصفوية إلى منطقة هكاري والتجأ إلى السلطان عماد الدين الهكاري ولما كانت عشيرة الأتروشي هي عشيرة رحالة تنزل في الشتاء إلى المناطق الدافئة ثم ترجع في الربيع إلى أماكنها لذا هاجر معها الشاعر في عام 1620 م ولدى مرورهم بالعمادية أثر بعض الوجهاء المرور على أمير بهدينان في العمادية (سيدي خان ) لإلقاء السلام عليه وطلب الاستئذان منه للمكوث في المنطقة وكان ضمن الوفد الشاعر شمس الدين وعندما رآه أمير العمادية واطلع على علمه وفضله طلب منه البقاء في منطقة بهدينان فوافق الشاعر واقطعه أمير العمادية سبعة قرى في منطقة ( المزوري / قرب الشيخان ) وهي قرى (بريفكا, كلي رمان , بازيركي , بيكه ه , ركافا , ئالوكا , وتلديبي ) فسكن في قرية ( بريفكان ) ويكتب عنه المؤرخ عبد الرقيب يوسف في عام 1971 في كتاب ( ديوانا كرمانجي ) ,” الشيخ شمس الدين هو شيخ الطريقة الخلوتية وكان من سكنه مدينة أخلاط ثم هاجر أخلاط التي تقع على ساحل بحيرة وان إلى كردستان الجنوبية وسكن بريفكان التي تقع بين جبال منطقة بهدينان خلف الشيخان “عين سفني “أبياته الصوفية الرائعة تفصح عن مكنونات نفسه المعذبة وعن انتهاجه سبل التصوف وهو الأمر الذي كان رائجا في زمنه واستمر لفترة طويلة بعده وهي تضمن اتساع جديد في الرؤية بمهمة توضيح ما يراد قوله مهما كان الألم والخلوة والبعد عن الناس ورغم هذا تتجلى جدلية أنا في السلوك الذي يبدو يحمل دوافع زاهية مهما كان ذلك السلوك يخفي دوافعه مع مهمة تبيان حقيقة الروح والذات مهما كانت غرابة النص الشعري والسلوك الذي يتحاشى الألم بأسمى عملية شعرية ذاتية ممكنة ولو عرفنا التناقضات والصراعات الفكرية داخل الإنسان لأسلمنا بالدوافع المتكررة فهو مبدأ عقلي روحي لا يخضع لمبدأ اللذة وربما تكرار ” أنا ” في الظاهر يعني تعارضا مع الشكل لكنه يسعى إلى دلالات معينة تعين الأصل الحسي المقدس “مخمور ، ظامئ ،أئن ، عاشق ” والذهن لا يتعارض بما تثار من هواجس وبذلك يحول صراع الجدلية الذاتية إلى لذة روحية وهي مبادرة لاستعادة الحالة النفسية التي تعتبر بالشكل بدائية من حيث نشوئها ولكن تتميز طاقتها الروحية عملاً بغزيرة الحياة والموت ,حيث الغزيرة تحافظ على الذات والروح وليست عدائية تنحرف لتتحول مسارها نحو الآخرين فقط .


(( أنا أحيانا مخمور بخمر العشق
أنا مصر وبغداد ودمشق
أنا ظامئ لماء الوصال، أئن من آلام العشق
أنا عاشق للحي ذو الجلال
أنا عبد تحول كبدي إلى كباب ،مخمور بائس الحال
أنا الساقي والخمر والشراب
عاشق لصوت الكأس ، أنا الملك والجن والناس ))
وهي رؤية شعرية تأمليه صريحة إلا أن دافع الصراع المتكرر يشكل الأساس للحياة والسمو وارتباطها الواسع بالرموز والمدلولات يفسح المجال أمام النفس لمواجهة الصراعات والتحديات والمفاجآت بأسلوب جدلي ضمني بواسطة ذهن يحمي نفسه بوجه المنبهات ” للكأس , اللهيب , الجمرات , مظهر للذات , الصفات )) تكرار “أنا ” والمدلولات والإيحاء محاولة لتخفيف حدة الإثارة والصراع في الأفكار والعواطف وفي الوقت نفسه وسيلة للاستعداد لكل ما يطرأ في الذهن.
((حائر للكأس والصوت، مخمور وصاحي وبهي
أنا اللهيب والجمرات كلاً بالكل
أنا مظهر للذات والصفات ،أنا معدن لعين الحياة
أنا سفينة نوح سفينة نجاة
أنا عبد خاص للجليل
أنا صاحب القلم السليم، عدو الشيطان الرجيم ))
نلاحظ مبدأ التكرار يهدف إلى زيادة الإثارة والدهشة بجمالية ودراية وعلم بالنفس التي لها صله بالدوافع الفكرية والعاطفية التي تعتمد على مجموعة من العوامل المتزامنة فكل ما يتناوله الشاعر يحظى بالاهتمام والإثارة وصراع ” أنا “وما هو غرائبي , يمضي إلى تناول أكثر إثارة فكرية ” أنا الجيل , الطور , الكليم , أنا الصحف واللوح , والزبور , أنا النار والماء والنور ) حيث يضيف لمنهجه المهيب تعريف وحدوي بصنف خاص من الأشياء ليتوصل إلى استنتاج انه مع هذه الصور الغرائبيه تنتمي إلى تلك الأشياء وحتى إن كانت مفزعة لكن تعيدنا إلى الله ، وتشير هذه الصور الشعرية إلى الحقيقة التي تعتبر مألوفة في ذهن الشاعر إلا إنها مضمره وبعيدة عن الاهتمام .
(( أنا الجبل والطور والكليم، أنا المشكل والحل والبيان
أنا الخفي والسر والمضموم،أنا نادر أهل الزمان
أنا العنبر والمسك والبخور ، أنا الصحف واللوح والزبور
أنا النار والماء والنور
أنا مخمور بخمر العشق والجمال،لم يبقى لي صبر ولا قرار
أنا عاشق لوصل الحبيب ))
الصور الشعرية الغير اعتيادية تعتبر غير مألوفة ولكن توحي بالسر والخفي لأن ما كان قريباً من النفس جزء من إيحاء النفس ويمكن إخفاءه أو إظهاره “حائر، أسير،بلبل ،عبد ،متألم ،صامت ،خلوتي ” إن التباس جدلية أنا والمعنى يشير إلى نوع من الألفة والغرابة التي تستخدم المفردة الخاصة لوصفها ،ويمضي الشاعر لتوضيح رؤيته وخلوته ونشاط ذهنه باستعماله للظواهر والرموز والدلالات التي توحي بالغرائبية التأملية .
(( أنا حائر ومخمور ومجنون،أنا أسير لهموم العشق
أنا عاشق للحي الذي لا يزول
أنا بلبل العشق والورد ،أنا العبد عديم الأكل والنوم
أنا متألم من هموم الحب
أنا صامت وأخرس وساكن، أحافظ على أسرار الحبيب
رغم كوني بائعاً للشراب
أنا خلوتي وعاشق مخمور، أمسك بالقدح والخمر في يدي
لا أعبد غيره في الدنيا ))
نلاحظ في هذه القصيدة سمو وبلوغ للمقامات والأحوال الصوفية من بدايتها إلى نهايتها وقد انجلت القافية الشعرية باللغة الكردية ” ته نه ناها يا هو” التي وردت في أبيات قصيدة الشاعر الفارسي ” جلال الدين الرومي ” الذي عاش بين عامي ” 1207- 1273″مما يدل على التأثر بالأدب الفارسي والعربي ولو تأملنا هذه القصيدة الصوفية للشاعر شمس الدين نلاحظ مسألة وحدة الوجود المعروفة لدى قدامى المتصوفة الكرد ،والقافية اللازمة لها هي مسألة التوحد بين ” المتكلم والمخاطب والغائب ” وهناك إشارات قوية مثل قوله انه ” الساقي ، الخمر وهو الشراب وهو الملك والجن والناس ” أو قوله ” أنا الجبل والطور والكليم” هذه كانت أفكار صوفية شائعة في ذلك الزمان لكن بعد ذلك الزمان أثارت زوابع فكرية ودينية كثيرة إلى أن وصل الأمر إلى قطع رؤوس بعض رواد تلك الأفكار مثل أبي منصور الحلاج ، على أي حال تعتبر هذه الرؤى جانباً مهماً للفكرة الجدلية الخاصة ب ” أنا ” بدلاً من فكرة رؤى التي تقطع الرؤوس، إن بناء القصيدة عبر صور مترابطة وإيحاء مدهش وتأثير روحي عميق يقرب المفهوم في حال النظر إلى التأثير الغرائبي نتيجة الفكر الأعمق والصراع الضمني عبر تعبير الواعي في عملية استبدال وتكرار معين من الأشياء والصفات التي تخضع للتفسير والتحليل بمقتضى الطريقة والأسلوب التي اتخذه الشاعر الذي يشكل سياقاً من الأفكار الأدبية التي نحصل من خلالها على لمسات تحافظ على سرية المكنون وتجلياته لغرض كشف ما ينطوي عليه المظهر الخارجي للمعنى والسياق الضمني الاعتيادي للفعل والدافع ضمن رؤية جدلية أنا .
***************************************
شمس الدين الاخلاطي
– هو شمس الدين بن عبد الكريم بن موسى بن سليمان يتصل نسبه ” حسين الاخلاطي ” يعتبر قطباً من أقطاب الشعر والتصوف في كردستان رغم ندرة المصادر عنه وندرة شعره قياساً بشعراء آخرين معاصرين معه .
– ولد في عام 1588مفي مدينة “خه لات” التابعة لبدليس وكانت معرضة للخراب والدمار بسبب الحرب المستعرة بين الدولتين العثمانية والصفوية فهاجر مع الناس والتجأ للسلطان عماد الدين الهكاري ،وعند مرورهم بالعمادية طلبوا من أمير بهدينان في العمادية ” سيدي خان” للمكوث في المنطقة فوافق الأمير بعد أن اطلع على علمه وفضله .
– كتب حفيده الشاعر نور الدين البريفكاني في كتابه ” البدور الجلية عن جده شمس الدين الاخلاطي ” ألف ديوانه في كل حرف من حروف الهجاء على وفق الدواوين المشهورة في الترتيب وله في كل بحر من بحار الشعر أكثر من عشرة الغاز ” .
– كتب عن حياته وشعره العديد من الباحثين والأدباء ومنهم ” أنور المائي في كتابه الأكراد في بهدينان عام 1999م والمؤرخ عبد الرقيب يوسف في كتابه ديوانا كرمانجي 1971موالأديب صادق بهاء الدين في كتابه شعراء الكرد 1980م والأديب عبد الرحمن مزوري مجلة كاروان 1984م والشاعر نور الدين البريفكاني في كتاب البدور الجلية وآخرين .
– كان الشاعر شمس الدين عالماً ومتصوفاً شهيراً وشاعراً معروفاً ينظم الشعر بالكردية والعربية والفارسية .
– توفي في عام 1674م ولا زال مرقده ماثلاً للعيان .
*********************************
كتاب – فرحة السلام – من الشعر الكوردي الكلاسيكي ، دعوة للمؤسسات الثقافية والشخصيات الثقافية المعنية لطبعه ، لعدم إمكاني طبعه .. عصمت شاهين دوسكي ، 07510324549

About عصمت شاهين دو سكي

- مواليد 3 / 2 / 1963 دهوك كردستان العراق - بدأ بكتابة الشعر في الثامنة عشر من العمر ، وفي نفس العام نشرت قصائده في الصحف والمجلات العراقية والعربية . - عمل في جريدة العراق ، في القسم الثقافي الكردي نشر خلال هذه الفترة قصائد باللغة الكردية في صحيفة هاو كارى ،وملحق جريدة العراق وغيرها . - أكمل دراسته الابتدائية والثانوية في مدينة الموصل - حاصل على شهادة المعهد التقني ، قسم المحاسبة - الموصل - شارك في مهرجانات شعرية عديدة في العراق - حصل على عدة شهادات تقديرية للتميز والإبداع من مؤسسات أدبية ومنها شهادة تقدير وإبداع من صحيفة الفكر للثقافة والإعلام ، وشهادة إبداع من مصر في المسابقة الدولية لمؤسسة القلم الحر التي اشترك فيها (5445) لفوزه بالمرتبة الثانية في شعر الفصحى ، وصحيفة جنة الإبداع ، ومن مهرجان اليوم العالمي للمرأة المقام في فلسطين " أيتها السمراء " وغيرها . - حصلت قصيدته ( الظمأ الكبير ) على المرتبة الأولى في المسابقة السنوية التي أقامتها إدارة المعهد التقني بإشراف أساتذة كبار في الشأن الأدبي . - فاز بالمرتبة الثانية لشعر الفصحى في المهرجان الدولي " القلم الحر – المسابقة الخامسة " المقامة في مصر " . - حصل على درع السلام من منظمة أثر للحقوق الإنسانية ، للجهود الإنسانية من أجل السلام وحقوق الإنسان .في أربيل 2017 م - حصل على شهادة تقديرية من سفير السلام وحقوق الإنسان الدكتور عيسى الجراح للمواقف النبيلة والسعي لترسيخ مبادئ المجتمع المدني في مجال السلام وحقوق الإنسان أربيل 2017 م - حصل على درع السلام من اللجنة الدولية للعلاقات الدبلوماسية وحقوق الإنسان للجهود الإنسانية من أجل السلام وحقوق الإنسان . أربيل 2017 م . - عدة لقاءات ثقافية مع سفيرة الإعلام فداء خوجة في راديو وار 2017 م . - أقامت له مديرية الثقافة والإعلام في دهوك أمسية أدبية عن روايته " الإرهاب ودمار الحدباء " في قاعة كاليري 2017 م - تنشر مقالاته وقصائده في الصحف والمجلات المحلية والعربية والعالمية . - غنت المطربة الأكاديمية المغربية الأصيلة " سلوى الشودري " إحدى قصائده " أحلام حيارى " . وصور فيديو كليب باشتراك فني عراقي ومغربي وأمريكي ،وعرض على عدة قنوات مرئية وسمعية وصحفية . - كتب مقالات عديدة عن شعراء وأدباء الأدب الكردي - كتب مقالات عديدة عن شعراء وأدباء المغرب - كتب مقالات عديدة عن شعراء نمسا ، (( تنتظر من يتبنى هذا الأثر الأدبي الكردي والمغربي والنمساوي للطبع . )) . - كتب الكثير من الأدباء والنقاد حول تجربته الشعرية ومنهم الدكتور أمين موسى ، الدكتورة نوى حسن من مصر الأديب محمد بدري، الأديب والصحفي والمذيع جمال برواري الأديب شعبان مزيري الأستاذة المغربية وفاء المرابط الأستاذة التونسية هندة العكرمي والأستاذة المغربية وفاء الحيس وغيرهم . - عضو إتحاد الأدباء والكتاب في العراق . - مستشار الأمين العام لشبكة الأخاء للسلام وحقوق الإنسان للشؤون الثقافية . - صدر للشاعر • مجموعة شعرية بعنوان ( وستبقى العيون تسافر ) عام 1989 بغداد . • ديوان شعر بعنوان ( بحر الغربة ) بإشراف من الأستاذة المغربية وفاء المرابط عام 1999 في القطر المغربي ، طنجة ، مطبعة سيليكي أخوان . • كتاب (عيون من الأدب الكردي المعاصر) ، مجموعة مقالات أدبية نقدية ،عن دار الثقافة والنشر الكردية عام 2000 بغداد . • كتاب ( نوارس الوفاء ) مجموعة مقالات أدبية نقدية عن روائع الأدب الكردي المعاصر – دار الثقافة والنشر الكردية عام 2002 م . • ديوان شعر بعنوان ( حياة في عيون مغتربة ) بإشراف خاص من الأستاذة التونسية هندة العكرمي – مطبعة المتن – الإيداع 782 لسنة 2017 م بغداد . • رواية " الإرهاب ودمار الحدباء " مطبعة محافظة دهوك ، الإيداع العام في مكتبة البدرخانيين العام 2184 لسنة 2017 م . • كتب أدبية نقدية معدة للطبع : • اغتراب واقتراب – عن الأدب الكردي المعاصر . • فرحة السلام – عن الشعر الكلاسيكي الكردي . • سندباد القصيدة الكورية في المهجر ، بدل رفو • إيقاعات وألوان – عن الأدب والفن المغربي . • جزيرة العشق – عن الشعر النمساوي . • جمال الرؤيا – عن الشعر النمساوي . • الرؤيا الإبراهيمية – شاعر القضية الآشورية إبراهيم يلدا. • كتب شعرية معدة للطبع : • ديوان شعر – أجمل النساء • ديوان شعر - حورية البحر • ديوان شعر – أحلام حيارى • وكتب أخرى تحتاج إلى المؤسسات الثقافية المعنية ومن يهتم بالأدب والشعر لترى هذه الكتب النور في حياتي .
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.