د. ميسون البياتي
عاش جان نيكولاس آرثر رامبو بين عامي 1854 _ 1891 وكان مولعا ً بالآداب والفنون , بدأ الكتابة وهو في المدرسة الإبتدائيه وتوقف عنها تماماً قبل بلوغه سن 21 وكانت أغزر فترات إنتاجه عندما كان في سنوات عمره ما بين 17 _ 20 سنه . توفي بمرض السرطان وهو في 37 من العمر
والدة رامبو كانت سيده متسلطه نقلت سكن اولادها الى حي جديد من أجل أن لا يختلطوا بالفقراء وكانت تقوم بتدريسهم في البيت بنفسها وتفرض عليهم عقوبات صارمه بحرمانهم من الأكل أو اعطائهم فروضاً دراسية شاقه لمجرد مخالفتهم تعليماتها . كتب رامبو فيما بعد أنها فرضت عليه إعادة كتابة موضوع من 700 كلمه لمجرد أنه اعترض على دراسة اللغه اللاتينيه , وحتى بلوغ أولادها سن 16 سنه كانت تقوم بنفسها بأخذهم وإعادتهم من المدرسه
من أجل مستوى دراسي متميز أجّرت له والدته معلماً خاصاً وكان والده يحثه على دراسة الآداب الكلاسيكيه باللغات اليونانيه واللاتينيه والفرنسيه مثلما يحفزه على الكتابه ولهذا نشر أول قصيدة له ( هدايا الأيتام في العام الجديد ) عام 1870 حين كان في السادسة عشرة من العمر
في نفس العام 1870 وقعت الحرب بين فرنسا وبروسيا فتم تحويل مدرسة رامبو الى مستشفى عسكري , وكان هو يشعر بالضيق فركب القطار الى باريس متسللاً لأنه لم يكن يملك أجرة التذكره فألقي القبض عليه وأعيد الى منزله لكنه هرب من البيت من جديد بعد عشرة ايام , وفي هذه الأثناء كانت طباعه قد تغيرت فأصبح يشرب الكحول ويدخن بشراهه ويسرق الكتب من المتاجر وتخلى عن مظهره الأنيق ثم بحث عن وظيفة له فنصحوه بأن يكتب الى الشاعر الرمزي الفرنسي بول فيرلين , فكتب له رسالة وأرفق معها بعض من قصائده , فرحب به فيرلين وأرسل له تذكرة للوصول الى باريس التي وصلها عام 1871 وعاش في بيت فيرلين
زوجة فيرلين كانت في السابعة عشرة من العمر وحاملاً , شعر فيرلين بالإعجاب برامبو وبدأ يمعن في الشرب , ثم بدأت بين الرجلين علاقة مثليه قصيره ومتقده وسط أجواء الحشيش والهيروين , عندها تخلى فيرلين عن زوجته وطفله الرضيع وسافر مع رامبو الى لندن عام 1872 حيث عاشا معا ً في بيت فقير وكانت والدة فيرلين هي التي تنفق عليهما , وكان رامبو يقرأ كثيرا ً داخل المتحف البريطاني .. وأخيراً ساءت العلاقه بينه وبين فيرلين , فعاد فيرلين الى باريس وحيداً شاكيا ً من هجر رامبو له وكان ذلك عام 1873
بعد طول معاناة مع الهجر كتب فيرلين الى رامبو طالبا ً منه ملاقاته في أحد الفنادق في بروكسل , وفي نوبة عتاب وسكر سحب فيرلين مسدسه وأطلق طلقتين على رامبو أصابته إحداهما في ذراعه .. كان رامبو وقتها في الثامنة عشرة من العمر
في البدايه أهمل رامبو جرحه معللا ً الأمر بأنه جرح بسيط , ثم غادر بروكسل وكان فيرلين يتصرف كالمجنون ويغلي من الغيض فخاف منه رامبو لئلا يقوم بالمزيد من التصرفات الحمقاء , عندها توجه رامبو الى أحد رجال الشرطه راجياً منه إعتقاله لغرض حمايته
تم تجريم فيرلين بمحاولة قتل وحكم عليه بالسجن سنتين , وأحيل هو ورامبو الى كشف طبي مهين لغرض التأكد من العلاقة المثليه التي بينهما , بعدها عاد رامبو الى بيت العائله وأكمل كتاباته التي جعلته واحداً من أبرز امثلة الكتابة الرمزيه الحديثه
التقى رامبو بفيرلين لآخر مره بعد إطلاق سراح فيرلين من السجن عام 1875 في شتوتغارت , وفي هذه الفتره كان رامبو قد توقف عن الكتابه بسبب سخطه على حياته السابقه والتي كان تهورها هو ملهمه للكتابه , وبدأ بالسفر الى دول أوربا وأغلب سفراته كانت سيراً على الأقدام
في العام 1876 تطوع في الجيش الهولندي لكي يسمح له بدخول مستعمرة هولندا الشرقيه ( اسمها الحالي إندونيسيا ) وبعد شهور تسلل الى منطقة الغابات فيها محاولاً العودة الى فرنسا على متن إحدى السفن معرضاً نفسه للإعدام رمياً بالرصاص من قبل الجيش الهولندي في حالة إلقاء القبض عليه
عام 1878 سافر الى لارنكا في قبرص وعمل في شركة للبناء لكنه غادر لارنكا في العام التالي بسبب إصابته بالتيفوئيد
عام 1880 ذهب الى عدن في اليمن ومنها إنتقل الى هراري في اثيوبيا وتحول الى تاجر للقهوه والأسلحه المستعمله واضعا نفسه في خدمة ملك إثيوبيا ( منليك الثاني ) الذي كان يعمل على صد هجومات الإيطاليين عن بلاده , وفي هذه الأثناء عقد رامبو صداقة مع حاكم هراري الذي أصبح فيما بعد والد الإمبراطور هيلاسي لاسي , وبهذه العلاقات أصبح رامبو ثالث أوربي يسمح له بالإقامه والعمل بالتجاره في أثيوبيا
عام 1891 كان رامبو في عدن فأصيب بإلتهاب في ركبته لم يكن يستجيب لعلاج , وقد شخصه الطبيب البريطاني خطأ على أنه سرطان في العظام وأوصى ببتر الساق فوراً , بقي رامبو في عدن لتنظيم أموره الماليه ثم عاد الى فرنسا وأجرى عملية بتر ساقه , عاش بعد العمليه حوالي شهر وكان يعاني من آلام شديده وإنتكاس صحي ثم توفي في 10 نوفمبر1891