الشاعره الروسيه أنا أخماتوفا

ana-akhmatova

د. ميسون البياتي

عاشت الشاعره ( أنا أندريافنا جورينكو ) بين عامي 1889 _ 1966 وبسبب معارضة والدها منذ بداية كتابتها الشعر لأن تنشر أي قصيدة تحمل إسمه ( المحترم ) لذلك تخلت الشاعره عن إسمه وحملت الإسم التتري لعائلة والدتها فأصبح إسمها : أنا أخماتوفا

يتراوح شعر أخماتوفا بين القصائد الغنائيه القصيره , والقصائد الطويله المعقده مثل قصيدة ( القداس ) التي نشرتها على شكل أجزاء بين عامي 1935 _1940 شعرها لافت للنظر بأسلوبها العاطفي في ضبط النفس في صوت أنثوي قوي وواضح , ويمكن تقسيم كتاباتها الى فترتين : الأعمال المبكره بين عامي 1912 _ 1925 ثم أعمالها اللاحقه التي بدأتها منذ عام 1936 وحتى وفاتها عام 1966 تفصل بين الفترتين مرحلة سكوت بسبب متابعة السلطات لها وصعوبة العيش والكتابه في ظل نظام ستالين الدموي

المعلومات عن أنا أخماتوفا ضئيلة جداً لأن الحكومة الشموليه لبلادها كانت قد أتلفت الغالبيه العظمى مما كتب عنها أما المقربين لها فزوجها الأول ( نيكولاي جوميليوف ) كان قد تم إعدامه على يد الشرطة السريه , إبنها الوحيد ( ليف جوميليوف ) عاش فترات طويلة جداً بعيداً عنها بسبب إعتقاله عدة مرات في معسكرات أعمال شاقه , أما زوجها المدني ( نيكولاي بونين ) فقد امضى سنوات طويله في معسكر الإعتقال حيث مات هناك

بعد إنهاء أخماتوفا دراستها الثانويه إنتسبت الى جامعة كييف لدراسة الأدب , وكانت منذ سن 11 سنه تكتب الشعر . إلتقت أثناء دراستها الجامعيه بالشاعر ( نيكولاي جوميليوف ) الذي شجعها على كتابة الشعر وتزوجا بعد فترة قصيره من لقائهما عام 1907

في العام 1910 بدأت الخلافات تظهر بين الزوجين فتركها زوجها وسافر الى أفريقيا بينما هي وبعد فترة قصيره بدأت علاقة عاطفية لها مع الرسام الإيطالي أماديو مودلياني إلتقت به في باريس ورسمها فيما يزيد على 20 لوحة من أعماله ظهرت في بعضها عارية تماماً

في نفس العام 1910 كانت أخماتوفا قد إتفقت مع الشاعر ( أوسب ماندلستام ) و ( سيرجي غورودتسكي ) على تأسيس ( نقابة الشعراء ) بناء على مفاهيم ( المدرسه التصويريه في الرسم ) ونبذ الرمزيه التي تبنى على الإلهام والغموض ولهذا فموضوعاتها سريعه الزوال , وكان هذا الحدث بالتزامن مع نمو وإزدهار المذهب التصويري في الرسم في عموم أوربا , وبعد نهاية علاقتها مع مودلياني بدأت علاقة أخرى مع الشاعر أوسب ماندلستام . إبنها ليف جوميليوف ولد عام 1912

في العام 1912 قامت نقابة الشعر بطباعة مجموعتها الشعريه ( المساء ) في 500 نسخه بيعت سريعاً وجلبت لها الكثير من المديح الأدبي . مجموعتها الثانيه ( الخرز ) صدرت عام 1914 فتم تلقيبها ( ملكة نهر نيفا ) ونهر نيفا يقع في روسيا , كما تم تلقيبها ب ( روح العصر الفضي ) والعصر الفضي للشعر الروسي كان قد بدأ نهاية القرن التاسع عشر وتدمر على يد الثورة البلشفيه في 1918 , وفي هذه الفتره أصبحت قريبه من بوريس باسترناك الذي كان متزوجاً ولذلك سرعان ما بدأت هي علاقة أخرى مع الشاعر ( ألكسندر بلوك ) كما كانت لها علاقه مع فنان الموزائيك والشاعر ( بوريس أنرب ) وكثير من قصائدها التي كتبتها هذه الفتره كانت له

إندلعت أاحداث الثورة الروسيه عام 1917 فتم تحويل اسم العاصمه ( بطرسبرغ ) بعد ثورة فبراير البيضاء على يد المناشفه الى ( بتروغراد ) وعمت المدينه في الفوضى والظلام والجوع ثم تحولت على يد البلاشفه بعد 6 أشهر الى ( لنينغراد ) , العديد من أصدقاء أخماتوفا ماتوا حولها , والعديد منهم هاجروا الى دول أوربا وأمريكا للتخلص من الكارثه أما هي فأصرت على البقاء كشاهد على ما يحدث . في هذه الأوقات وقع الطلاق بينها وبين زوجها نيكولاي جوميليوف , وفي نفس العام قامت بالزواج مرة ثانيه من المستشرق الروسي والشاعر والمترجم ( فلاديمير شليجكو ) وعن ذلك الزواج كتبت فيما بعد : هذا الزواج جعلني أشعر أنني قذرة جداً , إعتقدت أن العلاقه ستكون تطهيراً أو مثل الذهاب الى الدير , لكني كنت ذاهبه لأفقد حريتي فقط , وقالت انها بسبب ذلك بدأت علاقات جديده مع المخرج المسرحي ميخائيل زيمرمان والملحن آرثر لوري اللذين صمما مسرحياً ولحنا لها الكثير من أشعارها

عام 1921 ألقى البلاشفة القبض على طليق أخماتوفا ( نيكولاي جوميليوف ) بتهمة تعاونه مع النظام القيصري في نشاطات معاديه للبلشفيه وأعدم رميا بالرصاص مع 61 شخص آخرين , وكانت الحادثة صادمة لأخماتوفا مثما كانت صادمه لجميع مثقفي المجتمع الروسي , تم إعتقال إبن أخماتوفا ( ليف جوميليوف ) بعد عشر سنوات من ذلك في معسكرات التطهير في عهد ستالين ولا تهمة له سوى إسم والده وتهمته ضد البلاشفه , وخلال هذه الفتره هاجمت الصحافة والنقاد أخماتوفا فتوقفت عن كتابة الشعر لكنها انجزت دراسات جديه ورصينه عن كتابات : فكتور هيغو , رابوندارات طاغور , جياكومو ليوباردي , بوشكين , دوستويفسكي , كما عملت كناقده وكاتبه في العديد من صحف الإتحاد السوفييتي وأوربا

خلال هذه الفتره أصبحت أخمانوفا فقيرة معدمه ولا تملك غير القليل من الأكل وعليها ملاحقة ولدها السجين من معسكر الىى معسكر وكانت تقف في صفوف انتظار طويله لتحظى بمقابلته لدقائق . في هذه الفتره إرتبطت مدنياً بالكاتب الروسي ( نيكولاي بونين ) وبقيت معه حتى عام 1935 ففي هذا العام تم إعتقاله وارسل الى معسكر الإعتقال حيث مات هناك

خلال الحرب العالميه الثانيه كانت أنا أخناتوفا شاهداً على حصار ( لينينغراد ) مدة 900 يوم . في العام 1940 بدأت بكتابة قصيدتها ( قصيده بلا بطل ) فأنجزت مسودتها في ( طشقند ) وحين عادت الى لينينغراد عام 1944 كانت المدينة قد حولتها الحرب الى مدينة أشباح

عام 1949 تم إعتقال إبن أخماتوفا ( ليف جوميليوف ) من جديد وحكم عليه بالسجن 10 سنوات في معسكر في سيبيريا فحاولت بكل الطرق المتاحه أن تستأنف له الحكم لكنها لم تتمكن فحاولت ( ترضية النظام ) بقصيدة كتبتها ونشرتها في صحيفه مدعومه من قبل ستالين , غير أن ولدها بقي في السجن حتى نهاية عهد ستالين حيث خرج من السجن عام 1956

بإعتبار أنا أخماتوفا واحده من آخر ( شعراء العصر الفضي الروسي ) فقد سمحت لها حكومة بلدها بالسفر الى الخارج لتمثيل البلاد , وفي العام 1964 ولمناسبة عيد ميلادها 75 صدرت لها مجموعة شعريه جديده , وعن طريق السفر تمكنت أن تلتقي في الخارج بمن عاصروها أيام العهد القيصري وما زالوا على قيد الحياة وكان ذلك عام 1965 حين سمح لها بالسفر الى صقليه لتلقي ( جائزة تورمينا ) وبريطانيا لتلقي درجة دكتوراه فخريه من جامعه اوكسفورد

بعد زيارتها الى جامعة اوكسفورد تعرضت أخماتوفا الى نوبة قلبيه دخلت على إثرها الى المصحه وتوفيت بعد ذلك ب 4 أشهر في عام 1966 وكانت في 76 من العمر

About ميسون البياتي

الدكتورة ميسون البياتي إعلامية عراقية معروفة عملت في تلفزيون العراق من بغداد 1973 _ 1997 شاركت في إعداد وتقديم العشرات من البرامج الثقافية الأدبية والفنية عملت في إذاعة صوت الجماهير عملت في إذاعة بغداد نشرت بعض المواضيع المكتوبة في الصحافة العراقية ساهمت في الكتابة في مطبوعات الأطفال مجلتي والمزمار التي تصدر عن دار ثقافة الأطفال بعد الحصول على الدكتوراه عملت تدريسية في جامعة بغداد شاركت في بطولة الفلم السينمائي ( الملك غازي ) إخراج محمد شكري جميل بتمثيل دور الملكة عالية آخر ملكات العراق حضرت المئات من المؤتمرات والندوات والمهرجانات , بصفتها الشخصية , أو صفتها الوظيفية كإعلامية أو تدريسة في الجامعة غادرت العراق عام 1997 عملت في عدد من الجامعات العربية كتدريسية , كما حصلت على عدة عقود كأستاذ زائر ساهمت بإعداد العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية في الدول العربية التي أقامت فيها لها العديد من البحوث والدراسات المكتوبة والمطبوعة والمنشورة تعمل حالياً : نائب الرئيس - مدير عام المركز العربي للعلاقات الدوليه
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.