النشاط السياسي الذي تمارسه السيدة مريم رجوي على جميع الصعد في المحافل الدولية أخذ يعطي ثماره الطازجة داخل إيران وخارجها، وهذه الثمار ما كانت تنضج بهذه الشكل المميز لو لم تكن الشجرة التي تحملها أصيلة ومتأصلة الجذور في الأرض، وقادرة على العطاء المستمر. هذه السيدة الكبيرة رغم رقة مشاعرها لكنها تحمل هموم شعوب إيران بكل ثقلها، جملتها وتفاصيلها، يؤلمها ويؤرقها ما يعانيه العرب والأكراد والبلوش والأذربيجان والفرس وبقية الأقليات الإيرانية من قمع وإضطهاد وظلم على أيادي جزاري النظام الدموي، بقدر ما تؤلمها وتؤرقها معاناة أبطالها في أشرف وليبرتي.
صحيح ان الفرس هم من يحكمون لكن هذا لا يعني مطلقا بأن النظام يمثل القومية الفارسية، مثلما يحصل في بغداد ودمشق واليمن، فلا النظام الحاكم الشيعي في العراق يمثل الشيعة، ولا النظام العلوي الحاكم في دمشق يمثل علويي سوريا، ولا ميليشيا الحوثي تمثل حوثيي اليمن. المجرم والإرهابي سواء كان نظاما او فردا يمثل نفسه ولا يمثل دينه وقوميته ووطنه، وهذه حقيقة قد تكون غافلة عن البعض. أنظر الى معاناة الأشرفيين في مخيمي أشرف وليبرتي من مؤمرات ودسائس نظام الملالي وأقزامه في العراق مع إنهم من الفرس أيضا!
السيدة رجوي من خلال حضورها اليومي وخطاباتها وتصريحاتها كما نستشف اليوم لم تعد ظاهرة إيرانية فحسب بل ظاهرة دولية تستقطب كل المظلومين في العالم ممن يقعون فريسة لأنظمتهم الساقطة. السيدة رجوي في كل خطاباتها تصحب معها مآسي العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين وغيرها من الدول والشعوب، هذه المآسي مثل ظلها لم تفارقها يوما، علاوة على مصيبة شبعها داخل إيران وخارجها، صحيح أن هذا الموقف ذو بعد إنساني عام، وإطار ديني بحت، ولكن عندما ينظر المسؤول بمنظار واحد الى مظالم العالم وليس مظلوميته فقط، فهذا يعني إن القائد أصبح ظاهرة دولية لأنه تخلى عن رداء القومية والوطنية وإرتدى رداء الدولية والإنسانية، ومثل هؤلاء القادة لا يجود بهم الزمان دائما، إنهم خالدون مخلدون في صفحات التأريخ مهما مرت الدهور، تستذكرهم الأجيال تلو الأجيال كعناوين بارزة للنضال من أجل الحرية والقيم الإنسانية العليا.
القيادة ليست فن وممارسة سياسية فقط، بل هي مسؤولية جسيمة وتضحية كبيرة، إنها ليست مزايا ومصالح، بل جهد وإيثار، ليست أخذ بل عطاء، وقد أحسن أحمد سوكارنو بقوله ” إذا كنت قد نبذتُ كلّ أسباب الرفاهية، وإذا كنتُ قد أبعدتُ منّي جميع أقاربي وأصدقائي، وإذا كنتُ أعيشُ عيشة الفاقة، فذاك لأنني أعتقد أن رئاسة الشعوب ليست تجارة ومنصباً، بل خدمة وتضحية”. هذه هي النظرة الصحيحة للقيادة، إنها خدمة الشعب والجهد المتواصل للرقي به، وكلمت خدم القائد شعبه أكثر، صار في نظر شعبه أكبر وأكبر.
عندما تستمع إلى الخطابات التحريضية والطائفية الصادرة عن نظام الملالي الحاكم في إيران ضد دول الجوار وبقية الدول في العالم، تجدها إنها أشبه بعواصف رعدية لكنها لم ولن تمطر أبدا، مجرد أصوات نشاز صادرة عن أبواق إعلامية مأجورة، الغرض منها تأجيج الفتنة والكراهية بين الشعوب. ولكن عندما تستمع إلى تصريحات السيدة رجوي تشعر بأنها بسمات هادئة تَمرٌ مَرٌ السحاب على سراج العقل فتوقده وتضيء الدرب لمن ظل الطريق أو جهل الحقيقة في متاهات الظلام.
هناك فرق شاسع بين من يقول الحقيقة بلا مخافة، وبين من يدعيها باطلا، وفرق أكبر بين من يغطي الحق بغلاف الباطل، وبين من يمزق الغلاف ويكشف الحقيقة للعالم. شتان بين من يدعي وبين من يفعل.
عندما تستمع إلى إقطاب النظام الحاكم في طهران، سيخيل إليك إن إيران هي إيران المقاومة والتضحية والإسلام الحقيقي، إنها بلاد الرخاء والإستقرار والأمن والسلام والتنمية والثقافة والوعي، إنها بلاد الحب والتآخي بين القوميات، سيخيل إليك إنها جمهورية طوباوية كجمهورية إفلاطون ومدينة الفارابي الفاضلة، ومدينة الشمس التي تحدث عنها كامبلاينا، لكن ذلك ضرب من ضروب الخيال لا أكثر، وهم ليس له من واقع الحال شيئا. وعندما تستمع الى السيدة رجوي ستتكشف الأوراق جميعا على الطاولة، حقائق دامغة تفرض نفسها على الواقع الإيراني، وستجد إن إيران الملالي هي خلاف ما يدعي الملالي تماما وما يروج له طبالو النظام. إنها إيران الجهل والتخلف وضياع وتبديد الثروات، إنها إيران الفقر والجوع والبطالة، إنها إيران التخلف والإنحدار، إنها إيران التعذيب والقمع ومصادرة الحريات الأساسية، إنها إيران السجون والإعتقالات والإغتصابات، إنها إيران الظلم للأقليات التي تعيش في كنفها، إنها إيران إنتهاك حقوق الإنسان. إن تقييم النظام، ليس في قول الكلام وإنما في صدق الأفعال.
الإيرانيون الذي يعيشون تحت مظلة الملالي هم غرباء عن وطنهم رغم إنهم يعيشون فيه. الوطن الذي لايؤمن إحتياجات مواطنية الرئيسة، بل على العكس يهضمها ويبدد ثروات الأمة على تصدير ثورة بائسة لم تتمكن من إثبات نجاحها في الداخل، والنظام الذي يحفز الملايين من المواطنين على هجرة بلدهم واللجوء إلى بلدان أخرى، ويملأ المعتقلات بالأبرياء، هذا نظام أقل ما يقال عنه إنه نظام بوليسي وأصدق ما يوصف به هو نظام إرهابي. المواطنة الصميمية رافد عذب يتدفق من منبع تمتع الإنسان بحقوقه الكاملة ومنها حقه في ثروة بلاده، لا أن يُحرم منها وتصرف على أنظمة قمعية كالعراق وسوريا ودويلة حسن نصر الله في لبنان ودويلة الحوثي في اليمن. ثروات إيران تتمتع بها ميليشيات ولاية الفقيه وخلاياه النائمة في القارات السبع وليس الشعوب الإيرانية المحرومة من أبسط مقومات الحياة. والإعلام المأجور يحاول ان يخفي تجاعيد النظام البارزة، ورغم كل عمليات التجميل الإعلامية، فأن وجه النظام قبيح وبشع للغاية.
لذا عندما أراد الكونغرس الأمريكي معرفة حقيقة النظام الحاكم في إيران رغم معرفته بالكثير من الحقائق داخل إيران، لكن هناك فرق بين ما تسمعه من النظام الحاكم، وبين ما تسمعه من معارضيه، سيما عندما يشوه النظام الحقائق ويزيف الواقع. إستضاف الكونغرس السيدة رجوي في جلسة حملت عنوان( داعش وتحديد العدو) وإستمع بإمعان إلى شهادتها التي صقلت الحقائق من إدعاءات النظام المصدأة في 29/4/2015. وركزت السيدة رجوي على موضعين مهميين وهما: الإرهاب الدولي والملف الإيراني النووي. وأوضحت الدور المحوري لمنظمة مجاهدي خلق بإعتبارها حركة إسلامية ديمقراطية معارضة للتطرف الإسلامي. وأشارت الى خطة نظام الملالي في زعزعة الأمن والسلام في المنطقة سيما دول الجوار تحت يافطة ما يسمى بتصدير الثورة الإسلامية. كما حذرت السيدة رجوي بأن غياب التصدي لتدخلات نظام الملالي في العراق بعد الغزو الأمريكي جعلها تحتل العراق وتنشر التظرف الديني في المنطقة، علاوة على الصمت الدولي تجاه الإبادة البشرية التي يمارسها جزار دمشق ضد الشعب السوري. هذا النظام لا يصدر الثورة الإسلامية كما يدعي بل يصدر الإرهاب والفتن والفوضى. إنه نظام سرطاني يدمر خلايا السلام والتآخي والتضامن والمحبة بين الشعوب، لا حل سوى إجتثاثه من جذوره الواهية.
عندما تتفجر الأوضاع في (21) مدينة إيرانية بمناسبة عيد العمال العالمي، وعندما تنتفض الأحواز معقل الأحرار بوجه الطغاة، وعندما تتفجر الأوضاع في المناطق الكردية إحتجاجا على مصرع الشهيدة (فريناز خسروي) التي إغتصبها وغد مجرم من مخابرات النظام الدموي الحاكم، وغيرها من الإضرابات والإحتجاجات، جميعها تؤكد بأن نظام الملالي نظام فقد صلاحيتة وهو على شفا حفرة من السقوط المخزي الذليل، إنها نتيجة طبيعية بل حتمية لكل الأنظمة الدكتاتورية التي تحكم شعبها بالحديد وتهدر حقوقه وتستبد وتطغي، وهذا ما أكدتة السيدة رجوي في عدة خطابات سابقة بأن النظام الحاكم يحمل بذور فنائه بين طياته. هذا النظام في حقية الأمر ميت سريريا رغم محاولة الأنظمة التابعة له بمده بالأوكسجين، إنه يلفظ انفاسه الأخيرة، فإلى جهنم وبئس المصير.
علي الكاش