في معظم الدول الأوروبية الصناعية المتحضرة لا يمكن أن نجد تمييزا بين السلطة والدولة, فالدولة هنالك تملك السلطة, والسلطة جزء من مكونات الدولة, وتتكون الدولة في العوالم الصناعية المتحضرة من: المواطن, والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية بإشراف حكومي عليها, ووزارات ذات سيادة, والبوليس…إلخ, أما في عموم أرجاء الوطن العربي فإننا لا نجد دولة بكافة مكونات الدولة, فعندنا الدولة غائبةً قولا وعملا , فنحن مثلا في الأردن عندنا (سلطة) ولكن لا توجد عندنا دولة بمعنى الشمولي لكلمة دولة, نحن هنا نملك(سُلطة) والسلطة لا يوجد معها مكونات أخرى من مكونات الدولة المحترمة, فنحن نفتقر لمؤسسات الحكم مثل: مؤسسات المجتمع المدني, وهذه المؤسسات غائبة عن الوجود وحتى إن وجدت يكون وجودها وجودا صوريا فقط لا غير أي وجودا شكليا, وهو عبارة عن حركة تجميلية, مثل الأدوات والمناظر التي نضعها في بيوتنا للزينة وليس للاستعمال الشخصي أو الجماعي, فأنا مثلا يوجد في بيتي عدة أشجار أغلبهن بدون ثمر وهن فقط للزينة لكي يشاهد الناظر أن في بيتي أشجار زيتون, أو ليمون أو أسكي دنيا, ويوجد في بيتي أشياء كثيرة للزينة فقط لا غير دون أن أستفيد منها أنا شخصيا, وإذا أخرجتها من بيتي فسيكون منظر بيتي مقرفا لذلك أنا أحافظ على تلك المناظر الطبيعية من أجل الزينة والمباهاة والمفاخرة فيها.
وهذا ما ينطبق على مفهوم وجود مؤسسات المجتمع المدني في الأردن, فمعظم المؤسسات هذه موجودة فقط للزينة لكي يشاهدها الناس ويستمتعوا بمنظرها وهي غير فاعلة في الوطن وغير مؤثرة وليس لها أي أنشطة أو أي مخرجات على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي, والمشكلة الأخرى والتي تتأرجح بين مفهوم الدولة والسلطة هو أننا أو أن هنالك جماعة مشكلة من جيوب العشائر القبلية بيدها السلطة وهذه السلطة تتنقل من يد عشيرة إلى يد عشيرة وقبيلة أخرى, فمرة تكون السلطة بيد العشيرة الفلانية ومرة تنتقل إلى عشيرة أخرى داخل المملكة ولهذه العشائر سلطة على الوطن والمواطن, وكما قال غاندي( كثيرون حول السلطة وقليلون حول الوطن) فعندنا أناسٌ كثر من العشائر والقبائل كلهم يحيطون بالسلطة ويمسكون بزمامها ولكن لا يمكن أن نجد هؤلاء حول الوطن والمواطن ومصلحة الوطن, إن السلطة إحدى مكونات الدول ة ولكنها ليست الدولة بالكامل أو بالمفهوم الشامل للدولة, فالدولة تتكون من عناصر ونقاط كثيرة تخدم الوطن وتخدم العقل والعقلانية وتنهض بالأمة إلى مستويات مختلفة من النمو والازدهار.
هنا نحن قابعون تحت سلطة الدولة نمشي والعصا على رقابنا والجلاد من خلفنا, هنا سلطة تحكم بالحديد وبالنار ولا يوجد عندنا لا أحزاب سياسية ولا مؤسسات مجتمع مدنية , والمصانع هي التي تتكون من مخرجاتها مؤسسات المجتمع المدني ذلك أن المصانع تفتح أبوابها للمرأة وللرجل فيقفون خلف خطوط الإنتاج لينتجوا ويعملوا وبذلك تتأسس من أجلهم القوانين الجديدة والنقابات والجمعيات وتنشر تلك المؤسسات ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة العاملة , وتنتعش الطبقة الوسطى فيستهلكون منتجات السوق والمنتجات التي ينتجونها وتنتج عن ذلك أرباح مالية كبيرة جدا فتقطع الدولة منها الضرائب التي تعود بالنفع وبالفائدة على السلطة فتدعم السلطة مؤسسات المجتمع المدني من تلك الأرباح وتنتشر الثقافة والمؤسسات الحقوقية والمهتمة أيضا بحقوق المرأة وتمكين المرأة, وتتجه الناس لحضور المسارح ومشاهدة السينما والأفلام وتكثر الألسن المطالبة بالتغيير وعلى رأس قائمة التغيير تحرير المرأة لتمارس الفنون والأدب والثقافة بكل أشكالها وألوانها وبذلك تكبر وتتعاظم مؤسسات المجتمع المدني وتظهر عندنا الدولة وتتحول الدولة من مجرد سلطة تحكم بالحديد وبالنار وتتحول من مفهوم الدولة البوليسية إلى مفهوم : دولة القانون والمؤسسات.
إن المصانع غائبة ولذلك مؤسسات المجتمع المدني غائبة فعلا عن الوجود وفي الوقت الراهن عندنا سلطة تحكمنا ولا يوجد عندنا دولة ترعانا وتهتم بحقوقنا وواجباتنا, والفقر عندنا خطة تنتهجها السلطة ومؤامرة حقيرة تديرها أجهزة السلطة على المثقفين وعلى المطالبين بالتغيير ذلك أن النهضة تتكون من المثقفين ومن الحقوقيين المطالبين بالتغيير لكي تحصل الناس على الحرية والانطلاقة النوعية لبناء مؤسسات الدولة, والفقر مخطط له بصورة بشعة جدا ومعظم الذين يملكون المال من الجهال والأغبياء و(المنايك) الذين لا يفقهون شيئا في فقه الدولة الحديثة القائمة على مؤسسات المجتمع المدنية, عندنا مؤامرة إضعاف المثقفين وكسر عظامهم وتحطيم جماجمهم من أجل أن لا يصحو المجتمع أبدا, إن التغيير الشامل والتنمية الشاملة مخطط من مخططات النهضة وهو المطلب الأساسي للمثقفين ولذلك عزيزي القارئ إذا نظرت خلفك أو أمامك فإنك لن تجد مثقفين حقيقيين بل أغلبهم متورطون مع السلطة والسلطة تقمعهم إما بالسجون وإما بتوريطهم بقضايا مالية وديون تؤدي بهم في النهاية إلى أن يجلسوا خلف القضبان.
إننا نمتلك أو تملكنا وتحكمنا هنا السلطة وليس الدولة, والدولة في الأردن لا وجود لها من أساسه, وجهاز الحكم الإداري في الأردن مرتبطٌ إرتباطا وثيقا بمؤسسة القبيلة والعشيرة التي تقمع كل فنون التغيير والنماء والازدهار, فأين هي الدولة وأين هم المثقفون وأين هم الغوغاء,أي(الطبقة الأولغارشية), المثقفون لا يملكون ثمن الخبز والجهال والأغبياء والمتخلفون بأيديهم رؤوس الأموال.