( لكي تفهم الأمور بشكل جيد …. فتش عن المستفيد ) .
ولهذا سأبدأ من البيئة التي ولد فيها كارل ماركس .. ثم أشرح سيرته الذاتيه لأعود بعدها الى البيئة التي تركها بعد وفاته .
استقلت الولايات المتحده الأمريكيه في 4 يوليو / تموز 1776 ودخلت الى ساحة الصراع الدولي تبحث عن مناطق للنفوذ , لكن ذلك لم يكن سهلا بوجود امبراطوريات استعمارية كبرى مثل بريطانيا وفرنسا واسبانيا والبرتغال وألمانيا , لذلك بدأ الأمريكان ( بتصدير ثورتهم ) الى أوربا وهكذا وقعت الثورة الفرنسيه التي ابتدأت سنة 1789 وانتهت تقريباً سنة 1799 مغيرة وجه أوربا وفاتحة الطريق لتصدير المصالح الأمريكية الى أصقاع الأرض المختلفه .
بعد حوالي عشرين عاما ً من هذه الأوضاع السجال ولد كارل ماركس عام 1818 في عائله غنيه من الطبقة المتوسطه وعلى الرغم من أن ماركس وكل ما دعا له من أفكار ظل مجهولاً نسبياً أثناء حياته إلا أن الماركسية بدأت تغزو العالم بعد وقت قصير من وفاته وأعزو هذا الى سبب واحد قوي ومؤثر هو استعمال الأمريكان لهذه الماركسيه كأداة ( لتصدير الثورات ) بشكل عابر للقارات يعلو فوق الحدود والحواجز والنظم من أجل تكسير الإشكال القائمة الموجوده وإحلال أشكال جديده تكون فيها منفعة للمصالح الأمريكيه وكما سنرى , فقد أدت هذه الماركسيه الى تأسيس الإتحاد السوفييتي عام 1922 , والى تأسيس الصين الشعبيه عام 1949 حيث تعتبر نظرية ماركس هي المؤديه الى ( اللينينيه ) و( التروتسكيه ) و ( الماويه ) ويعد ماركس و ( أميل دوركهايم ) و ( ماكس فيبر ) أهم ثلاث شخصيات رائده في مجال العلوم الإجتماعية الحديثه .
ولد كارل ماركس عام 1818 في بروسيا ( ألمانيا النمساويه ) مقاطعة جنوب نهر الراين متحدراً من جهة الأب من عائلة يهوديه من حاخامات اليهود ويعتقد أن والده هو واحد من أوائل من تلقوا تعليماً علمانياً , أما جده من ناحية أمه فقد كان حاخاماً ألمانياً .
والد كارل كان يملك عدة مزارع للكروم , لكنه وبسبب يهوديته كان يعد من غير المنتفعين إقتصاديا أو قانونياً ولهذا السبب فقد ترك اليهودية وإعتنق المسيحية البروتستانتيه مغيرا إسمه الى ( هنريش ) بعد ان كان في اليهودية يدعى ( حسقيل ) وبدأ العمل في المحاماة تلك المهنة التي كان سيحرم منها لو بقي على يهوديته , وفي عام 1819 نقل عائلته من شقه ذات خمس غرف الى دار به عشر غرف قرب ( بورتا نيجرا ) وكان الأب معجباً بفلسفة الفيلسوفين ( عمانويل كانط ) و ( فولتير ) وكان يعمل من أجل الدستور والإصلاح في بروسيا .
لا يعرف إلا القليل عن طفولة كارل ماركس حيث تم تعليمه بشكل خاص حتى عام 1830 ودخل الى المدرسة الثانويه التي كان يديرها صديق لوالده كان قد عين فيها العديد من الليبراليين كمعلمين مما أغضب السلطات التي داهمت المدرسة عام 1832 بعد إكتشافها ان هؤلاء المعلمين ينشرون الأفكار السياسيه الليبرالية بين الطلاب .
عام 1835 وكان ماركس في السابعة عشرة من عمره دخل الى جامعة بون حيث رغب دراسة الفلسفه والآداب لكن والده أصر على دراسته للقانون كتخصص عملي , وحين اصبح عمره ثمانية عشر عاما ً تمكن من التخلص من الخدمة العسكريه بسبب متاعب يعانيها في صدره , ولولعه في شرب الكحول فقد انتسب الى أحد نوادي شرب الكحول في مدينته وعمل في نفس النادي كنائب لرئيس النادي , وكان مهتماً بشرب الخمر والعلاقات الإجتماعية أكثر من إهتمامه بدراسة القانون وبسبب ضعف معدلاته فإن والده أجبره على الإنتقال الى دراسة أكثر جدية وأكاديميه في جامعة برلين حيث قل إهتمامه بالقانون وولع بدراسة الفلسفة والتاريخ .
عام 1836 تمت خطوبة ماركس الى ( جيني فون ويستفالين ) وهي أميره بروسيه من الطبقة الحاكمه فسخت خطوبتها من ملازم ثاني من الطبقة الأرستقراطيه لكي يخطبها ماركس , وكان زواجهما مثيراً للجدل بكسره إثنين من المحرمات في تلك الفتره : التصاهر بين الطبقة الحاكمة والمتوسطه , وبين رجل يصغر كثيراً المراة التي إقترن بها , وكان الذي سهل عملية هذا الزواج تلك الصداقة بينه وبين والد عروسته المفكر الليبرالي الأرستقراطي الذي أهداه ماركس موضوع أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه , وبعد الخطوبة بسبع سنوات تم الزواج عام 1843 .
خلال هذه الفتره كان ماركس مفتوناً بفلسفة هيغل ( 1770 _ 1831 ) الذي انتشرت افكاره بقوه بين طبقات المتفلسفين الأوربيين تلك الفتره , وسرعان ما تحول الإفتتان الى عدم اتفاق مع آراء هيغل حيث كتب ماركس (( مع شديد الإمتعاض اضطررت الى عبادة وثن من أفكار أمقتها )) ثم إنضم الى جماعة من المفكرين الراديكاليين تعرف بإسم ( الهيغليين الشباب ) تجمعوا حول الفيلسوفين ( لودفيك فيرباخ ) و ( برونو باور ) وكان شباب هذه المجموعة مثل ماركس ينتقدون أفكار هيغل وفرضياته الميتافيزيقيه لكنهم مستمرون في اعتماد منهجه الجدلي في نقد المجتمع القائم والسياسة والدين .
كان ماركس قد أصبح صديقاً حميما ً ل ( برونو باور ) حيث تعرض الإثنان الى موجة نقد إجتماعي لاذع في بون بسبب سكرهما وعربدتهما وضحكهما في الكنسية وتسابقهما في الشوارع على ظهور الحمير . وكانت معظم أعمال ماركس في تلك الفتره تتركز على نقد أفكار هيغل وبعض من رفاقه الهيغليين الشباب .
وجد ماركس في نفسه موهبة الكتابه وهكذا في العام 1837 صدرت له روايه قصيره عنوانها ( فيلكس والعقرب ) ومسرحيه وبعض القصائد لم تنشر جميعها لأنه سرعان ما ترك هذا النوع من الكتابه وإتجه الى تعلم اللغتين الإنكليزيه والإيطاليه وبدأ في كتابة أطروحته للدكتوراه المعنونه ( الفرق بين طبيعة الفلسفه الديمقراطيه والأبيقوريه ) حيث أنهاها عام 1841 وحين تعرضت الى النقد من قبل أساتذة جامعة برلين بوصفها ( أطروحه جريئه ومبتكره تظهر بأن على اللاهوت أن يستسلم الى حكمة فلسفة أكثر تفوقاً ) ولهذا حمل ماركس أطروحته وقدمها الى ( جامعة يينا ) الأكثر ليبرالية حيث منحته عنها شهادته في الدكتوراه .
رغم ولع ماركس بالعمل الأكاديمي إلا أنه إتجه للعمل في الصحافه , ذهب الى كولون عام 1842 وعمل في احدى الصحف مستعرضاً افكاره الإشتراكيه , وفي هذه الصحيفه لم ينتقد حكومات اوربا وسياستها فقط , ولكن حتى الليبراليين وبقية الجماعات المنضويه تحت تسمية ( الحركات الإشتراكيه ) التي أعتقد بأن أفكارها ستفضي الى مناهضة الإشتراكيه .
جذبت الصحيفه انتباه الرقيب الحكومي البروسي الذي بدأ بقراءة كل مادة فيها قبل التصريح بالنشر ولهذا وصف ماركس ذلك بقوله (( صحيفتنا يجب أن تقدم الى الشرطه لتشمها فإن شمت الشرطه أي رائحه غير مسيحيه أو غير بروسيه فلن تسمح للصحيفة بالظهور )) وبعد نشر الصحيفه مقالاً لماركس ينتقد بشده النظام الملكي المطلق في روسيا والقيصر الروسي نيقولا الأول الذي كان حليفاً للنظام الملكي البروسي طلب القيصر من حكومة بروسيا منع الصحيفه فتم إغلاقها عام 1843 .
ثم كتب ماركس في صحيفة تعود لجماعة ( الهيغليين الشباب ) منتقداً الرقابه على الصحف التي وضعها الملك البروسي ( فريدريك وليام الرابع ) مما أدى الى إغلاق الصحيفة ايضاً في العام 1843 . بعدها كتب ماركس في مشكلة اليهود وميز بين السياسة وحقوق الإنسان والدور الذي يلعبه الدين في بناء المجتمع حيث كتب في هذا الفتره تصريحه الشهير ( الدين أفيون الشعوب ) وذلك قبل مغادرته كولون بفترة قصيره .
بعد إغلاق الصحيفه بفترة قصيره التحق ماركس للعمل في صحيفة أصدرها ثوري اشتراكي ألماني يدعى ( أرنولد روج ) وكانت تصدر من باريس التي انتقل اليها ماركس وزوجته بعد زواجهما مباشرة في 1843 وعاشا مع روج وزوجته لكنهما وجدا الحياة صعبة مع الغير ولهذا فحالما ولدت ابنتهما جيني إنتقل ماركس وعائلته الى سكن مستقل .
على الرغم من أن الصحيفه كانت مصممه لجذب الكتاب من فرنسا والولايات الألمانيه إلا انها اجتذبت كاتباً روسيا يعيش في المنفى هو ( الشيوعي الأناركي ) ميخائيل باكونين وكانت صحيفة ناجحه نظراً لنشرها قصائد الشاعر هنريش هاينه الساخره ضد الملك لودفيج ملك بافاريا مما أدى الى جمع نسخ هذا الصحيفه ومصادرتها من قبل الشرطة الألمانيه .
عام 1844 تعرف ماركس على الإشتراكي الألماني فريدريش أنجلز في أحد المقاهي واستمرت صداقتهما الى نهاية العمر , أهدى أنجلز الى ماركس في هذا اللقاء كتابه الذي نشره حديثا وعنوانه ( حالة الطبقة العامله في إنجلترا عام 1844 ) .
عام 1844 كتب ماركس كتاب ( المخطوطات الإقتصاديه والفلسفيه ) وضم العديد من المواضيع شرح فيها ماركس فرضياته عن العمالة المغتربه , وبعد عام واحد كتب ( رساله عن فيورباخ ) وأصبح الكتاب مشهوراً بسبب قوله (( يفسر الفلاسفة العالم من أجل تغييره )) ويحتوي العمل على نقد ماركس التأملي للماديه , وانتقاده للمثاليه وأسلوب وضع الحقائق المجرده مثل إشارات فوق عالم مادي , وفي هذا الكتاب تحدث ماركس للمرة الأولى عما سيدعى لاحقاً ( مادية ماركس التاريخيه ) وأن العالم لا يتغير بالأفكار وإنما بالعمل المادي الفعلي والممارسه .
بعد إغلاق صحيفة ارنولد روج بقي ماركس في باريس وأخذ يعمل في صحيفة أخرى أسستها وتديرها (الرابطه الثورية الإشتراكية للعداله ) والتي عرفت فيما بعد بإسم (الرابطه الشيوعيه ) وفيها نظم ماركس أفكاره الإشتراكيه حول الهيغليه والفيورباخيه والماديه الديالكتيكيه وانتقد خلال هذا الفترة العديد من الليبراليين والإشتراكيين في أوربا , وبوصولنا الى عام 1845 قامت الحكومه الفرنسيه وبعد تسلمها طلباً من ملك بروسيا بإغلاق الصحيفة التي يعمل فيها ماركس وقام وزير الداخلية الفرنسي بطرد ماركس من فرنسا .
غير قادر على البقاء في فرنسا وغير قادر على العودة الى ألمانيا _ لذلك فضل ماركس الهجرة الى بروكسل في بلجيكا ولكن بعد إجباره على كتابة تعهد بعدم نشر أي شيء ينتقد السياسه قبل الدخول الى بلجيكا . وفي بروكسل إنضم ماركس الى مجموعة الإشتراكيين المنفيين وسرعان ما لحق به انجلز .
عام 1845 قام ماركس وانجلز بزيارة ( الچارتيين ) وهم حركه اشتراكيه مقرها لندن , واستغلا المناسبة للقراءة في مكتبات لندن ومانشستر.
وبالتعاون مع أنجلز تمكن من إنجاز كتابه ( الماديه التاريخيه ) و ( الفكر الألماني ) الذي لم ينشر في حياته , ثم أعقبهما بكتاب ( فقر الفلسفه ) عام 1847 وهو نقد للإشتراكيين الفرنسيين بشكل عام ورد على الشيوعي الأناركي الفرنسي ( بيير جوزيف برودن ) في كتابه المعنون ( فلسفة الفقر ) .
بعد ذلك نشر الكتاب الذي جلب الشهرة لماركس وأنجلز ( البيان الشيوعي ) الذي صدرت طبعته الأولى في 21 شباط 1848 حيث تأثر به أفراد الرابطه الشيوعيه الذين قال ماركس إن عليهم أن يجعلوا أهدافهم وأفكارهم معلنة للناس وعدم إخفائها .
الأسطر الإفتتاحيه للبيان الشيوعي أوضحت المباديء التي تقوم عليها الماركسيه وهي : إن تاريخ المجتمع هو تاريخ الصراع الطبقي فيه , وان هذا الصراع مستمر وقائم على تضارب المصالح بين البرجوازيه ( أغنياء الطبقة المتوسطه ) والبروليتاريا ( طبقة الشغيله الصناعيه ) كما ناقش : لماذا الرابطة الشيوعيه وعلى العكس من الأحزاب السياسيه الإشتراكية الأخرى تتصرف حقاً في مصلحة البروليتاريا للإطاحة بالمجتمع الرأسمالي وإستبداله بالإشتراكي .
في نفس العام 1848 إندلعت شرارة الثوره الأوربيه في فرنسا وأدت الى الإطاحة بالحكومه وتأسيس ( جمهورية فرنسا الثانيه ) التي رأس وزراءها ( لويس بونابرت ) الذي قام بعد أربع سنوات من ذلك بتتويج نفسه وإعلان فرنسا إمبراطوريه , ومن فرنسا عمت الثورة جميع أرجاء أوربا .
كان ماركس داعما لنشاط الثوره ليس في فرنسا وحدها , فحين وصله ميراثه من والده وكان مبلغ 6 آلاف فرنك يعد ضخماً ذلك الوقت استخدم ثلث المبلغ لتسليح ماركسيين بلجيكيين يخططون القيام بقلب نظام الحكم في بلجيكا , وحين علمت الحكومة البلجيكية بذلك وكان هو مقيماً على أراضيها في بروكسل فقد حاكمته وزارة العدل واجبرته على مغادرة بلجيكا فذهب الى فرنسا حيث اعتقد أنه سيكون آمناً في ظل حكومتها الجديده .
حالما وصل الى باريس افتتح فيها مقراً جديداً للرابطة الشيوعيه , كما فتح نادي للشغيلة الألمانيه مع مجموعه من الإشتراكيين الألمان الموجودين في باريس وطامحاً الى نشر الثورة في كل أوربا . وفي نفس العام 1848 عاد الى كولون في ألمانيا وبدأ بتوزيع منشور يطالب بتأسيس حزب شيوعي في ألمانيا من أجل الإطاحة بالعائلة المالكه الأرستقراطيه , ثم ساعد احدى الصحف من المال الذي ورثه عن والده فبدأت تنشر له على صفحاتها وأعتمادا على مراسليه الماركسيين في مختلف دول أوربا أصبح واحداً من كتاب الصحيفه الرئيسيين .
أثناء الكتابة في هذه الصحيفه كان دائم التعرض لتحرش الشرطه وتعرض للتحقيق عدة مرات وتمت محاكمته حين دعا الى الإمتناع عن دفع الضرائب الحكوميه , في هذه الأثناء إنهار البرلمان الديمقراطي البروسي فقام الملك فردريك وليم الرابع بدعوة انصاره من الرجعيين لتشكيل حكومة جديده تعمل على ابعاد العناصر الثوريه والإشتراكية من البلاد , ولهذا تم تضييق الخناق على ماركس وأمر بمغادرة البلاد فعاد الى باريس التي كانت ذلك الوقت مجتاحه بوباء الكوليرا وتم طرده منها من قبل الحكومة بإعتباره مثيراً للفتن والمشاكل , لذلك قام مع زوجته التي كانت على وشك انجاب الطفل الرابع بالسفر الى لندن في شهر مايس 1849 وعاش كل ما تبقى له فيها .
إفتتح في لندن مقراً للرابطة الشيوعيه , وعمل بشكل مكثف مع الشغيلة الألمانيه في لندن حيث كانت اجتماعاتهم تتم في قلب لندن في حي سوهو وفي هذه المرحله نذر ماركس نفسه لشيئين : التنظيم الثوري لمختلف فئات الناس , ومحاولة فهم الإقتصاد السياسي والرأسماليه , وفي هذه الفتره كان مصدره الوحيد للعيش الإعتماد على ثراء صديقه أنجلز , وعمله الذي أشك بماهيته كمراسل لصحيفة نيويورك تربيون الأمريكيه , فقد بحثت للأطلاع على أعماله لهذه الصحيفه وهل كان يراسلهم بمواضيعه الثورية التي يكتبها في الصحف الأوربيه أم يراسلهم فقط بأخبار أوربا فلم أعثر على شيء , لكن الشيء المهم الذي يثبته هذا العمل هو أنه كانت للأمريكان علاقة وطيده مع ماركس ستدفعه الى عمل آخر في المستقبل حين سيشعر بالتهديد .
بين عامي 1851 و 1852 نشر كتاب ( 18 برومير لويس نابليون ) تحدث فيه عن الثوره الأوربيه التي اندلعت شرارتها في فرنسا عام 1848 وكيف كانت ( صراعاً طبقياً ) وكيف أن دكتاتورية البروليتاريا أطاحت ببرجوازيه الدوله .
خمسينات وستينات القرن التاسع عشر كانت الحد الفاصل بين ماركس الهيغلي الشاب وبين ماركس الناضج الأكثر عملية ويتفق على هذا جميع الدارسين للفكر الماركسي الهيغلي .
عام 1864 أصبح رئيساً للجمعيه الدوليه للعاملين من أجل الشغيله وتعرف ب ( الأمميه الأولى ) ومن خلال الأممية الأولى ناضل ضد جناح الأناركيه الذي تشكل حول الروسي ميخائيل باكونين , ففي عام 1868 إنضم باكونين الى جناح جنيف من الأممية الأولى وكان نشيطاً للغايه وله الدور الفعال في فتح فرعي الأمميه في اسبانيا وإيطاليا , لكن ماركس طرد باكونين وأتباعه من الأمميه خلال مؤتمر الأمميه في لاهاي عام 1872 .
نقطة الخلاف بين باكونين وماركس أن الأول كان يدعو الى إلغاء الدوله والرأسماليه وترك الناس ينظمون أمورهم فوضوياً وينتقد ماركس في دعوته الى أن تستولي الطبقة العامله على مقاليد الحكم موضحاً له أن هذا سيؤدي الى الحكم الشمولي واستبداد حكومة الطبقه العامله وتحولها الى بديل عن البرجوازي المتحكم بالمجتمع . والأيام والتجربه قد أثبتتا صحة كلام باكونين عن الحكم الشمولي وإستبداد الطبقة العامله في كل الدول التي طبقت الماركسيه فأفقرت شعوبها ولم تحقق لهم السعاده المنشوده .
وعلى الرغم من تغلب ماركس على باكونين إلا انه وحفاظاً منه على منظمته الماركسيه , فضل نقل مقر الأممية من لندن الى نيويورك عام 1872 معتقداً أن بإمكانه تأسيس ( أممية موسعه ) تضم طبقة الشغيلة الأوربيه والأمريكية معاً .
الحدث الأهم الذي وقع خلال فترة وجود الأممية في أوربا هو ( كومونة باريس ) حين ثار سكان باريس ضد حكومتهم وإحتلوا المدينة مدة شهرين عام 1872 وقد كتب ماركس عن ذلك واحداً من أشهر كراساته ( الحرب الأهلية في فرنسا ) .
نظراً للفشل المتكرر والإحباط من الثورات والحركات العماليه , سعى ماركس الى فهم الرأسماليه وانفق من وقته الكثير للقراءة في مكتبة المتحف البريطاني , وبحلول عام 1857 كان قد كتب ما يزيد على 800 صفحه من الملاحظات والمقالات القصيره عن رأس المال , الملكيه , العماله المأجوره , تجارة الدوله الخارجيه , الأسواق العالميه .
عام 1859 نشر كتاب ( مساهمه في نقد الإقتصاد السياسي ) وهو الجزء الأول من كتابه المتسلسل في الإقتصاد . وفي ستينات القرن التاسع عشر عكف على تأليف ثلاثة أجزاء ضخمه من كتاب ( نظريات فائض القيمه ) ناقش فيه منظري الإقتصاد السياسي ( آدم سميث ) و ( ديفيد ريكاردو ) .
عام 1867 صدر الجزء الول من كتاب ( رأس المال ) الذي حلل فيه إجراءات الرأسماليه الصناعيه على ناتج العمل وناقش فكرة أن الإستغلال يؤدي الى خفض معدل الأرباح وبالتالي انهيار الرأسماليه .
بوصولنا الى ديسمبر عام 1881 توفيت زوجته وكانت صحة ماركس في اعتلال تام حيث عانى من نزلة صدريه مدة 15 شهر تحولت الى نزله شعبيه والتهاب ذات الجنب الذي قتله في 14 آذار 1883 في لندن , ولم يحضر جنازته غير تسع أشخاص .
رغم أن ماركس حين نقل الأممية الى نيويورك كان يظن أنه سيتمكن بها من تأسيس أممية موسعه تضم الشغيلتين الأوربيه والأمريكيه , إلا أن تصوره لم يكن في محله , فالحكومة الأمريكيه التي كانت تدعم التنظيمات الشيوعيه خارج أراضيها بشكل أو بآخر .. كانت تناهض التنظيمات الشيوعيه والإشتراكية والأناركية فوق أراضيها , ولهذا فلم تتمكن التجمعات الشيوعيه من تأسيس حزب إلا بعد 47 عام من نقل الأممية الى نيويورك حيث تمكن الشيوعيون الماركسيون واللينينيون والإشتراكيون والأناركيون ( مجتمعين ) من تأسيس الحزب الشيوعي الأمريكي عام 1919 إنضوت تحت لوائه جميع التيارات التي ذكرناها .
وكان هذا الحزب ماركسياً لينينياً وكان تأسيسه رد فعل على نجاح ثورة اكتوبر الإشتراكيه في روسيا وضم في عضويته نصف مليون منتمي , غير أن هذا العدد وبسبب ضغط الحكومه أخذ في التناقص , وبوصولنا الى عام 1957 كان العدد قد تضاءل الى 10 آلاف منتمي محذوف منهم 2000 شرطي فيدرالي مندسين في الحزب بملابس مدنيه يبقى صافي العدد 8 آلاف شيوعي أمريكي .
على العكس من ذلك ما وقع في اوربا , قلنا أن ماركس نقل مكاتب الأممية الأولى الى نيويورك عام 1872 لكن التجمعات الإشتراكيه والشيوعيه والأناركيه الأوربيه تمكنت من تنظيم أنفسها لتأسيس الأمميه الثانيه في باريس بتاريخ 14 تموز 1889 .
وضمت في عضويتها أحزاباً شيوعيه من عشرين بلداً , ومن انجازات الأممية الثانية المعمول بها الى حد اليوم : ا أيار عيد العمال العالمي , 8 آذار يوم المراة العالمي , تحديد ساعات العمل ب 8 ساعات في اليوم فقط وتم حل الأممية الثانيه عام 1916 .
فلاديمير لينين عضو في الأممية الثانيه منذ عام 1905 , في الموضوع المقبل سأكتب عن أهمية وقوع الحرب العالمية الأولى خدمة للمصالح الأمريكيه , ومن هو فلاديمير لينين وما فائدة الأمريكان من وصوله هو بالذات الى سدة الحكم دون جميع نظرائه الشيوعيين .ميسون البياتي – مفكر حر؟