(( لا يمكن تبرير الوسيلة بغايتها فقط , لأن الغاية بحد ذاتها تحتاج الى تبرير )) . ليون تروتسكي
منذ إنهيار دولة الإتحاد السوفييتي فإن دهشتي وخيبة أملي لا تختلفان كثيراً عن تلك الدهشه والخيبه التي أصيب بها جميع اليساريين حول العالم في جميع دولهم ومختلف فصائلهم اليساريه . ولهذا بحثت عمن يكون غورباتشوف وكتبت عنه موضوعاً منشورا ُ على الموقع تحت عنوان ( الرفيق غورباتشوف ) وبحثت عن ماركس فكتبت ( الأمريكان والماركسيه ) ثم بحثت عن الشيوعيه في الصين فكتبت ( الأمريكان في الصين ) , بعدها كتبت عن ( الشيوعيه والحرب الكوريه ) و ( الشيوعيه والحرب الفيتناميه ) و ( الشيوعيه في البلقان ) . كتبت عن ( الرفيق كاسترو ) وكان آخر ما نشرته هو ( الشيوعيه الكوبيه والبوليساريو ) .. وفي نيتي الكتابه عن ( الشيوعيه في الكونغو ) و ( الشيوعيه في الصومال ) خلال الفترة المقبله , وهاأنذا أحوم حول جثة الإتحاد السوفييتي مثل ( محقق ) يحوم حول مسرح جريمه لأني أريد فهم الحقيقة ( مثلما هي ) وليست ( مثلما قيلت لنا ) .
السؤال الكبير الذي أبحث الإجابة عنه هو : هل كانت تنظيماتنا اليساريه جميعاً غافلة عن العلاقه الحقيقيه بين الأمريكان والإتحاد السوفييتي وتصدق فعلاً بكذبة الحرب البارده ؟
كتب جالرس ليفنسون كتاب ( فودكا _ كولا ) عام 1977 كتبه باللغة الفرنسيه وتحدث فيه عن العلاقه الخفيه بين الحكومة الأمريكيه وجميع الحكومات الشيوعيه في العالم تلك العلاقه التي يدعوها الأمريكان ب ( الإنفتاح ) بينما دعتها موسكو ب ( التعايش السلمي ) ومختصر هذه الحكاية أن الحكومه الأمريكيه تلتزم بمختلف أنواع الدعم المادي والمعنوي للدول الشيوعيه , لكن هذا التعاون ( الحكومي ) لا يجوز تعميمه الى ( إنفتاح _ تعايش سلمي ) بين المؤسسات والنقابات والمنظمات العامله في كلا النظامين ( الرأسمالي ) و( الإشتراكي ) بل تبقى متناحره فيما بينها بما يجعل العالم أجمعه ( أرضاً محروقه ) أمام أي شكل من أشكال الإستعمار القديم وإمبراطورياته الآيلة للسقوط والزوال .
بقي هذا الكتاب مجهولاً ولم يترجم بأمانه سوى الى اللغتين البرتغاليه والإسبانيه إبان إنهيار الإتحاد السوفييتي … أما ترجمته الى اللغة الإنكليزيه فقد تم التلاعب بها كثيراً .. وأحمد الله كثيراً أن عندي صديقه جزائريه أعانتني على فهم الكتاب .. عند مقارنة فقراته الغامضه بالإنكليزيه بمثيلاتها التي كتبت بالفرنسيه .
جارلس ليفنسون لمن لا يعرفه هو نائب سابق لرئيس ( المكتب المركزي في الإتحاد الأوربي للمعلومات الصناعيه ) بمعنى ( المخابرات الصناعيه ) ولد عام 1920 وتوفي عام 1997 ودفن في المقبرة اليهوديه في جنيف . جميع مؤلفاته خطيرة للغايه وتصب في الحديث عن علاقة التخادم الخفيه بين الولايات المتحدة الأمريكيه والإتحاد السوفييتي ولا أظن أن أيا ً من كتبه قد ترجم الى اللغة العربيه , لأن مثل هذه الترجمه لو حصلت فإنها ستضع أنظمتنا العربية الحاكمه العميلة في ( حيص بيص ) بين شعاراتها المرفوعه , وواقع الحياة الحقيقي .. وهذه الكتب هي :
# رأس المال . التضخم والشركات المتعددة الجنسيات .
# الأكل والشرب . وكلفة نظام مراقبتهما .
# صناعية الثوره الديمقراطيه .
# العمل النقابي في التجارة العالميه .
# القدرة على طلب الغذاء .
# فودكا _ كولا .
# الفاليوم على سبيل المثال _ وشركات صناعة الأدويه المتعددة الجنسيات .
قراءتي لهذه الكتب جعلني أدرك بأن الإتحاد السوفييتي ( كدوله ) ما هو إلا صنيعه أمريكيه , وأن إنقلاب أكتوبر البلشفي 1917 ما هو إلا حركه مضاده للنجاح الذي أحرزه اليساريون في ثورة شباط 1917 وإلتفاف أمريكي على منجزات ثورة شباط من أجل تحقيق الهدف الأسمى الذي أوقعت من أجله الولايات المتحدة الأمريكيه الحرب العالمية الأولى في أوربا رداً على التحالف البريطاني مع روسيا القيصريه لتقوما ( روسيا وبريطانيا ) بتطويق قارة أوربا من الشرق والغرب ومنع تغلغل النفوذ الأمريكي فيها ( أرجو العوده الى موضوعي المنشور على الموقع وعنوانه _ الحرب العالمية الأولى والبلشفيه ) من أجل مزيد من التفاصيل .
منذ ماركس وحتى لينين وصولاً الى ستالين , تبقى في نظري كباحثه تاريخيه متخصصه شخصية الرفيق ليون تروتسكي , هي الشخصيه الأكثر حيوية ووعياً , وفي الوقت الذي يعد الكثير من اليساريين خلافه مع ستالين ( إنشقاقاً ) فأنا أعده ( حركة تصحيحيه ) ولكي نخوض في هذا الموضوع أكتب موضوعي لهذا اليوم عن الرفيق تروتسكي .
ليس من طبعي الكتابة من الأحلام والخيال والفرضيات التي لا تستند على وقائع محدده بتاريخها وأسماء شخصياتها , لذلك ذهبت الى المكتبه وإستعرت جميع هذه الكتب عن تروتسكي لكي أدقق من خلال ما ورد فيها كل معلومة مهما كانت صغيره , عن رجل فذ ينبغي مراجعة تاريخه وإنجازه , بعد مضي ما يزيد على القرن على مولده ومسيرته النضاليه و70 عاماً على وفاته , وهذه الكتب هي :
# حياة وموت تروتسكي . تأليف روبرت باين . لندن , 1978 . 498 صفحه .
# حياتي / محاوله لكتابة سيره ذاتيه . تأليف ليون تروتسكي . نيويورك . مطبعة دوفر , 2007 . 599 صفحه .
# حياتي / صعود وإنهيار ديكتاتور . تأليف ليون تروتسكي . لندن . مطبعة ثورنتون . لا سنه , 512 صفحه .
# النبي المسلح تروتسكي . تأليف إيزاك دويتشر . أوكسفورد . مطبعة جامعة اوكسفورد , 1890 , 540 صفحه .
# النبي المنبوذ تروتسكي . تأليف إيزاك دويتشر . لندن . مطبعة جامعة أوكسفورد , 1983 , 543 صفحه .
# السياسه السوفييتيه ومنتقديها . تأليف جي . آر . كامبل . لندن , مطبعة كولانكز , 1939 , 381 صفحه .
# الإله المنتقم من ستالين ( نفي وقتل تروتسكي ) . تأليف برتراند بتناود . لندن . مطبعة فيبر أند فيبر , 2009 , 340 صفحه .
# تروتسكي . تأليف ديفيد رينتون . لندن . مطبعه هوس , 2004 , 180 صفحه .
# مذكرات تروتسكي . تأليف روبرت سيرفس . لندن . مطبعة ماكميليان , 2009 , 600 صفحه .
# تروتسكي , قدر ثوري . تأليف روبرت ويسترخ . لندن . مطبعة روبسون , 1979 , 235 صفحه .
# تورتسكي للمبتدئين . تأليف الباكستاني طارق علي و فيل إيفانز . كمبريدج . مطبعة أيكون بوكس , 1998 . 164 صفحه .
# الثوري العالمي تروتسكي . تأليف ديمتري فولكوغونوف . ترجمة هارولد شوكمان . لندن . مطبعة هابركولينز , 1996 , 524 صفحه .
# مذكرات تروتسكي في المنفى عام 1935 . تأليف ليون تروتسكي . ترجمة إلينا زارودنايا . لندن , مطبعة فيبر , 1959 , 179 صفحه .
ولد ليون تروتسكي في أوكرانيا 7 نوفمبر 1879 وكان إسمه ( ليف دافيدوفتش برونشتاين ) وكان الطفل الخامس لعائله يهوديه غير متدينه لها 8 أبناء وكانت العائله تتكلم اللغتين الروسيه والأوكرانيه .
تزوجت ( أولغا ) أخته الصغرى من القائد البلشفي ( ليف كامينيف ) الذي سيصبح أول رئيس للدوله السوفييتيه بعد أكتوبر 1917 , أما تروتسكي فحال بلوغه التاسعه من العمر أرسله والده الى مدينة ( أوديسا ) للدراسة في مدارسها , وهي ميناء متطور يلتقي فيه الكثير من البشر وتختلف الحياة فيه عن بقية المدن الروسيه , والحياة في هذه المدينه ساهمت كثيراً في تعميق وتوسيع نظرة تروتسكي الى الحياة .
في أوديسا تعرف على الكثير من التنظيمات والمفاهيم الأناركيه التي تنظر الى الماركسيه على أنها مجرد ( يسار رومانسي ) يلتقي في محصلته مع أقصى غايات اليمين المتطرف لأنها تحول الفرد من ( عبد لفرد يملك رأس المال ) الى ( عبد للدولة التي تملك رأس المال ) .. ولهذا سيرفض تروتسكي الماركسية حين ستعرض عليه فيما بعد للإنضمام الى تنظيماتها . وعلى الرغم من أن تروتسكي يخبرنا في مذكراته ( حياتي ) أنه لم يكن يتحدث غير الروسيه والأوكرانيه .. غير أن الكثير من كتّاب سيرته يقولون أنه كان يتكلم الفرنسية بطلاقة ايضاً , وهذا معناه أنه كان يريد إخفاء شيء ما بإنكاره التحدث بالفرنسيه .
إنخرط تروتسكي في العمل الثوري منذ عام 1896 حين كان في 17 من العمر . وعرضت عليه فكرة الماركسيه لكنه لم يتفق معها , غير أنه أثناء نفيه وتعرضه الى السجن أصبح ماركسيا ً .
منذ قيام ماركس بنقل مقر الأممية من لندن الى نيويورك عام 1872 كان الأمريكان يدعمون التنظيمات الماركسية خارج الولايات المتحدة الأمريكيه بكل ما لديهم من إمكانيه رغم أنهم يناهضون تنظيماتها داخل القارة الأمريكية نفسها .. ولهذا كان التنظيم الماركسي الروسي هو أقوى التنظيمات الشيوعيه الموجودة على الساحة الروسيه أمام تروتسكي .
كان على تروتسكي من أجل إحداث التغيير داخل روسيا الإختيار بين عدة خيارات : أما أن يناضل فرداً وتلك مهمة مستحيله , وأما أن ينضمّ الى تنظيم ضعيف محكوم عليه بالفشل أو الموت وذلك إنتحار لا داعي له , أو أن يختار الخيار الأصعب .. وهو الإنتماء الى تنظيم قوي رغم خلافه العقائدي معه على أمل إحداث التغيير على مراحل .. ولنعد الى مقولته التي توّجنا بها هذا الموضوع (( لا يمكن تبرير الوسيلة بغايتها فقط , لأن الغاية بحد ذاتها تحتاج الى تبرير )) لندرك كم هي رهيبة تلك المحاكمة التي دارت في عقل الفتى السجين تروتسكي .. قبل أن ينطق بالحكم على نفسه بأن يصبح ماركسيا ً , وليكون هذا القرار هو البذرة التي ستنبت منها في المستقبل نظريته الثوريه في ( الثورة الدائمه ) .
عوضاً عن الحصول على شهادته في علم الرياضيات , قام بتنظيم ( إتحاد عمّال جنوب روسيا ) وقد إستخدم في تلك الفتره إسماً حركيا ً هو ( لفوف ) حيث قام بواسطته بكتابة وطباعة وتوزيع المنشورات لتعريف الناس بالأفكار الإشتراكيه خصوصاً في أوساط العمّال والطلبة الثوريين .
في نوفمبر 1898 تم إعتقال ما يزيد على 200 عضو في ( إتحاد عمال جنوب روسيا ) وبضمنهم تروتسكي حيث أمضى عامين في سجن إعتباطي بإنتظار المحاكمه . بعد شهرين من إعتقاله إنعقد ( المؤتمر التأسيسي للحزب الروسي الإشتراكي الديمقراطي العمالي ) فإعتبر تروتسكي نفسه على الفور عضواً في هذا الحزب .
أثناء وجوده في السجن تزوج رفيقته الماركسيه ( الكسندرا سوكولوفسكايا ) وبدأ بدراسة الفلسفه . بعد عامين من الحجز الإعتباطي حكم عليه عام 1900 بالنفي 4 سنوات الى سيبيريا , وفي سيبيريا ولدت إبنتاه ( زينيا فولكوفا ) التي ماتت منتحره حين أصبحت في 32 من العمر . و ( نينا نيفلسون ) التي ماتت بالسل وهي بعمر 26 سنه .
أثناء وجود تروتسكي في سيبيريا بدأ يفكر في إختلاف أفكاره مع الماركسيين , تلك الإختلافات التي تناساها أثناء فترة الأعتقال مدة سنتين بدات عام 1898 . بعض الديمقراطيين الإشتراكيين والذين يعرفون ب ( الإقتصاديين ) كانوا ينادون برفع المستوى المعيشي لطبقة الشغيلة العامله . بعض كوادر الحزب الأخرى كانت ترى بأن الإطاحة بالحكم القيصري أكثر أهمية وأن التنظيم الجيد والإنضباط الثوري أكثر أهمية للحزب . غير أن ليون تروتسكي وجد نفسه يقف في صف الرأي الذي تبنته صحيفة الحزب أسكرا ( الشراره ) التي كانت تصدر من لندن منذ عام 1900 .
هرب تروتسكي من سيبيريا عام 1902 ويقال بأن إسمه ( تروتسكي ) هو في الحقيقة إسم حارس السجن الذي كان معتقلاً فيه .. وهكذا أصبح إسمه الثوري الدائم هو : تروتسكي .
بعد هروبه من سيبيريا وصل الى لندن لينضم الى : فلاديمير لينين , ويوليوس مارتوف , وجورجي بليخانوف ( مؤسس الحركه الإشتراكيه الديمقراطيه الروسيه وأول من أعلن إنتماءه للماركسيه مما عرضه الى الملاحقه ) وبقية المحررين في صحيفة أسكرا ( الشراره ) . إتخذ تروتسكي لنفسه إسماً صحفياً هو ( بيرو ) ومعناه ( ريشة القلم ) باللغة الروسيه وسرعان ما أصبح واحداً من كبار كتّاب الصحيفه .
منذ هذه الفترة المبكره من النضال نستطيع أن نلاحظ أن لينين يحاول بناء مجده الشخصي على حساب روح النضال وطبيعة العلاقه التي تربط الرفاق فيما بينهم , ولهذا فمن دون أن يكون لتروتسكي أي علم بالموضوع . كان المحررون السته العاملون في صحيفة أسكرا ينقسمون الى فرقتين : ( الحرس القديم ) الذين يتبعون بليخانوف وكانت أعمارهم تتراوح بين 40 الى 50 سنه وعاشوا مع بليخانوف فترة 20 عام في المنافي الأوربيه . و ( الحرس الجديد ) الذين حاول لينين ومارتوف قيادتهم وهم شباب بأعمار 30 سنه قادمون حالاً من روسيا .
لينين الذي كان يحاول بناء أغلبية تدعمه مقابل أقليه تدعم بليخانوف داخل هيئة تحرير الصحيفه إقترح ضم تروتسكي الى هيئة التحرير وعدم تركه مجرد محرر عادي , نظراً للجهود التي يقوم بها تروتسكي في العمل الحزبي والصحفي ليصبح عدد المحررين 7 وهو العدد الذي لا يقبل القسمة على 2 وبهذه الطريقه يتم التغلب على مشكلة تعادل الأصوات عند التصويت على قرار ما داخل الهيئه .
بليخانوف لم يكن حديث عهد في علاقته مع لينين ولا غافل عن نواياه ولهذا عارض فكرة ضم تروتسكي الى عضوية الهيئه .. ومع هذا منح لينين الى تروتسكي وظيفة إستشاريه داخل هيئة التحرير أكسبت تروتسكي عداوة بليخانوف .
عام 1902 إلتقى تروتسكي ب ( ناتاليا إفانوفنا سيدوفا ) وتزوجها عام 1903 وعاشت معه حتى يوم مقتله , وأنجبت له ولدين ( ليف سيدوف 1906 ) و ( سيرجي سيدوف 1908 ) . في العام 1917 صرح تروتسكي بأنه ومن أجل أن يحصل ولداه على شهادة الجنسيه الروسيه فقد وافق على أن يحملا إسم عائلة والدتهما . ورغم زواجه الثاني إلا أن تروتسكي بقي على علاقة صداقه وطيده مع زوجته الأولى ( ألكسندرا سوكولوفسكايا ) التي إختفت 3 سنوات منذ العام 1935 في حملة التطهير الكبرى التي شنها ستالين الى أن تم قتلها عام 1938 .
بعد فتره من ملاحقة الشرطه , وبعض الإضطرابات الداخليه التي أعقبت المؤتمر التأسيسي الأول للحزب عام 1898 نجحت صحيفة أسكرا في عقد المؤتمر الثاني للحزب في لندن 1903 . حضر المؤتمر تروتسكي وبقية المحررين في أسكرا وسار المؤتمر كما كان مخططاً له وذلك بهزيمة جماعة ( الإقتصاديين ) أولاً , بعدها ناقش المؤتمر موضوع ( العصبه اليهوديه ) التي شاركت في تأسيس الحزب الروسي الإشتراكي الديمقراطي العمالي عام 1898 لكنها تريد البقاء تياراً منفصلاً بذاته داخل الحزب .
ما يعكس روح الخلاف الحاد داخل تنظيم الحزب , وعدم الثبات على المواقف , هو ما حصل مباشرة بعد نهاية المؤتمر الثاني للحزب إذ إنقسم كادر أسكرا الى قسمين : ( لينين ومناصروه ) الذين يؤمنون بالبلشفيه ( سيطرة الأقليه على قرارات الحزب ) . و ( مارتوف ومناصروه ) الذين يؤمنون بالمنشفيه ( سيطرة الأغلبيه على قرارات الحزب ) . التغير العجيب الذي وقع هو أن تروتسكي وأغلب محرري أسكرا ناصروا مارتوف … ضد لينين والذي ولمزيد من الغرابه ناصره رفيقه اللدود بليخانوف .
خلال عامي 1903 و 1904 قام الكثير من هؤلاء بتغيير مواقفهم وتحالفاتهم . سرعان ما تضارب بليخانوف مع البلشفيه . تروتسكي ترك المنشفيه عام 1904 بسبب إصرارهم على التحالف مع حركة ( الليبراليين الروسيين ) ومعارضتهم إعادة التشاور مع لينين والبلاشفه . ومنذ هذه اللحظه وحتى عام 1917 كان تروتسكي يسمي نفسه : اشتراكي ديمقراطي بلا فئه .
خلال الفتره ما بين 1904 وحتى 1917 حاول التوفيق بين فصائل متعدده للحزب مما أسفر عن صراعات حاده مع لينين وبقية الأعضاء البارزين في الحزب , وخلال هذه الفتره أيضاً كان قد بدأ بتنظيم وتطوير عمله على نظريته في ( الثوره الدائمه ) ولهذا ربطته علاقة عمل قويه من ( ألكسندر بارفوس ) ما بين عامي 1904 و 1907 . الإسم الحقيقي لأكسندر بارفوس هو : ( اسرائيل لازاريفيج جيلفلاند ) وهو ثوري روسي ومنظّر ماركسي وناشط في ( الحزب الإشتراكي الديمقراطي الألماني ) ويعمل وكيل للمخابرات الألمانيه .
بعد حادثة ( الأحد الدامي ) حين فتحت الشرطة القيصرية النار على مظاهرة سلميه حول قصر الشتاء القيصري وقتلت الكثير من المواطنين , عاد تروتسكي سراً الى روسيا عام 1905 وكان يكتب ويطبع المنشورات في مطبعة سريه في كييف , لكنه سرعان ما إنتقل الى العاصمه ( سان بطرسبرغ ) حيث عمل مع بلاشفه من أمثال ( ليونيد كراسين ) وفي نفس الوقت مع جمعيات مانشفيه ذات إتجاهات متطرفه .
السيء في الأمر أن وشايه من مخبر سري كانت قد وصلت الى السلطات عن تروتسكي جعلته يهرب الى فنلندا لفتره وحين عاد الى سان بطرسبرغ عمل مع بارفوس على إصدار صحيفة ( الجريده الروسيه ) بنصف مليون نسخه للعدد الواحد . كما أنه قام وبالتعاون مع بارفوس بإصدار صحيفة ( ناتشالو ) أي ( البدايه ) للرفاق من المانشفيك وكانت صحيفة ناجحة أيضا ً .
من قبل عودة تروتسكي الى العاصمه كان المانشفيك وبشكل طوعي يعدونه ( الثوري المستقل حزبياً ) الذي يمكن أن يمثل الشغيله في ( المجلس السوفييتي الأول ) , وبعودته الى العاصمه أثبت تروتسكي أنه يحوز على رضا ومساندة طبقة العمال أكثر من رئيس مجلس السوفييت الأول ( بيوتر خروستاليوف ) رغم أعتراض بعض البلاشفه .
إرتبط تروتسكي بمجلس السوفييت الأول تحت إسم ( يانوفسكي ) وتم إنتخابه نائباً للرئيس , حيث عمل الكثير من أجل المجلس , وحين تم إعتقال رئيس المجلس , تم صعود تروتسكي تلقائياً الى رئاسة المجلس . وبعد أيام تمت محاصرة المجلس من قبل قوات تابعه الى الحكومه وتم إعتقال الجميع .. وفي العام 1906 وجهت الى تروتسكي وبقية قادة المجلس تهمة دعم العصيان المسلح , وحكم عليهم بالنفي الى سيبيريا .
عام 1907 تمكن تروتسكي من الفرار من سيبيريا والذهاب الى لندن حيث حضر المؤتمر الخامس للحزب الإشتراكي الديمقراطي العمالي الروسي . بعد ذلك انتقل الى فيينا حيث تولى بعض المهام في الحزب الإشتراكي الديمقراطي النمساوي والحزب الإشتراكي الديمقراطي الألماني لمدة 7 سنوات .
في فيينا توطدت العلاقة بين تروتسكي ورفيقه ( أدولف جوفي ) حيث بدأ معه ومنذ العام 1908 بإصدار صحيفه نصف شهريه باللغة الروسيه موجهه الى طبقة العمال الروس تدعى ( برافدا ) أي ( الحقيقه ) والتي شارك في الكتابة فيها إضافة الى تروتسكي كل من : أدولف جوفي , ماتفي سكوبوليف و فكتور كوبي . وكان يتم تهريب هذه الصحيفه الى داخل روسيا .
إنهارت العلاقه بين البلشفيك والمنشفيك عدة مرات بعد فشل ثورة 1905 – 1907 . على إثر ذلك تدارست كل من روسيا القيصريه مع بريطانيا من أين يأتي الدعم المالي والمعنوي لكل هذه الحركات البلشفيه والمانشفيه لتتحرك في عموم أوربا وداخل روسيا بكل هذه القوة والفاعليه !!؟ وحين تبين أن مصدر هذا الدعم كان أمريكياً .. تم توقيع معاهدة 1907 بين قيصر روسيا وملك بريطانيا في معاهده لتطويق أوربا من الشرق والغرب ضد تغلغل النفوذ الأمريكي فيها … وهذه المعاهده هي التي ستجعل الولايات المتحده الأمريكيه تشعل الحرب العالمية الأولى في أوربا .. وتسدل الستار الحديدي بين شرق أوربا وغربها حتى إنهيار الإتحاد السوفييتي 1991 .
بعد وقوع هذا الحلف الروسي القيصري _ البريطاني , كان على الفصائل الشيوعية البلشفيه والمانشفيه أن تعيد تنظيم أنفسها إستعداداً لمرحلة جديدة من النضال لأنها أصبحت مطارده في عموم أوربا , ولهذا ففي إجتماع اللجنة المركزيه للحزب الإشتراكي الديمقراطي العمالي الروسي في كانون الثاني 1910 الذي عقد في باريس , أصبحت جريدة برافدا التي يرأس تروتسكي تحريرها ممولة من قبل اللجنة المركزية للحزب , فيما قام تروتسكي بضم ( ليف كامينيف _ زوج أولغا أخت تروتسكى الصغرى , وهو بلشفي ) الى هيئة تحرير صحيفة البرافدا .
لم تستمر محاولة لم الشمل طويلاً , بوصولنا الى آب 1910 إستقال كامينيف من عمله في صحيفة البرافدا وسط سيل من الإتهامات المتبادله بينه وبين صهره , ومع هذه الإستقاله توقف تمويل الحزب للجريده .. لكنها استمرت تعمل بتمويل ذاتي حتى عام 1912 حيث توقفت عن الصدور .
قام البلاشفة بإصدار صحيفة بلشفيه في سان بطرسبرغ عام 1912 تحمل إسم ( برافدا ) أيضا ولهذا كان تروتسكي غاضباً جداً لإنتحال إسم صحيفته ولهذا فقد قام عام 1913 بكتابة رساله الى القائد المانشفي ( نيكولاي جيخايدز ) يذم فيها لينين والبلاشفه بمرارة وقسوه . وعلى الرغم من سرية الرساله إلا أن نسخة منها وصلت الى أرشيف الشرطه وحفظت فيه بأمانه , حين مات لينين عام 1924 إستل ستالين تلك النسخه من الأرشيف وعممها على الملأ للبرهنه على خيانة تروتسكي لأهداف الثوره وعداوته الى لينين منذ زمن بعيد .
التصعيد السياسي بين تروتسكي ورئاسة الحزب عام 1912 أدى الى إثارة قضايا خلافيه كبيره بين البلشفيك والمانشفيك كان أخطرها معارضة تروتسكي والمانشفيك لعمليات السرقه المسلحه التي قام بها لينين والبلشفيك للمصارف والشركات والبنوك بحجة تمويل نشاطهم الحزبي , ورغم المصادقة في المؤتمر الخامس للحزب على تحريم مثل هذه الأفعال .. لكن البلاشفة واصلوا القيام بها دون إهتمام بقرار الحزب .
كانون الثاني 1912 قام لينين والبلاشفه وبعض المانشفيك معهم بعقد مؤتمر في براغ وأعلنوا طرد منافسيهم من الحزب . رداً على ذلك نظّم تروتسكي إجتماعاً موحداً لجميع فصائل الحزب في فيينا عرف ب ( كتلة آب ) حاول فيه توحيد الحزب , لكن محاولته باءت بالفشل .
من فيينا واصل تروتسكي نشر مقالاته في صحف روسيه وأوكرانيه متطرفه مثل ( كييف سكايا ميسل )
تحت أسماء مستعاره كثيره أهمها إسم : أنتيد أوتو . في أيلول 1912 أرسلته هذه الصحيفه ليكون مراسلها الحربي من البلقان . وفي 3 آب 1914 إندلعت الحرب العالمية الأولى , وحيث تروتسكي يحمل الجنسية الروسيه وهي في حرب مع الإمبراطوريه الهنكاريه النمساويه ( دلمسيا ) لهذا أجبر على مغادرة فيينا فذهب الى سويسرا ليتحاشى الإعتقال اذا ما عاد الى روسيا .
إندلاع الحرب أدى الى توحيد موقف الصفوف داخل الحزب الديمقراطي العمالي الروسي , وبقية الأحزاب الإشتراكيه الأوربيه حول قضايا الحرب والسلم والثوره والأمميه . لينين وتروتسكي ومارتوف طالبوا بموقف عالمي مناهض للحرب , بينما بليخانوف وبعض الإشتراكيين الديمقراطيين ( بلاشفه ومناشفه ) كانوا يميلون الى جانب الحكومة الروسية القيصريه .
من سويسرا عمل تروتسكي من خلال الحزب الديمقراطي السويسري للتوصل الى إتفاقية عالميه ضد الحرب , وألّف كتاباً في هذا الموضوع هو ( الحرب العالميه ) ناهض فيه جميع الديمقراطيين الإشتراكيين الأوربيين الذين ناصروا الحرب .. وأولهم الحزب الإشتراكي الديمقراطي الألماني .
إنتقل تروتسكي الى فرنسا عام 1914 حيث عمل كمراسل حربي لصحيفة ( كييف سكايا ميسل ) . وفي باريس تبنى مقولة (( سلام بلا تعويضات أو ضم أرض , سلام بلا فاتحين او مفتوحين )) التي لم يتفق معها لينين الذي كان يطالب بهزيمة روسيا في الحرب وتقطيع أوصالها , وهذا ما أدى الى خراب علاقة لينين بالكامل مع الأممية الثانيه .
عام 1915 شارك تروتسكي في مؤتمر زميروالد الإشتراكي المناهض للحرب , وعا الى موقف وسط بين اشتراكيين مصرين على البقاء مع الأممية الثانيه مهما كان الثمن مثل مارتوف , واشتراكيين مصرين على فرط العقد مع الأمميه الثانيه لتأسيس أمميه ثالثه مثل لينين . وقد تبنى المؤتمر فعلاً هذا الموقف الوسط , وفي النهايه قبل لينين بقرار تروتسكي لتجنب إنشطار الإشتراكيين المناهضين للحرب الى فئات .
آذار 1915 تم ترحيل تروتسكي من فرنسا الى إسبانيا بسبب مناهضته للحرب . السلطات الإسبانيه قامت على الفور بترحيله الى الولايات المتحدة الأمريكية التي وصلها في ديسمبر 1916 . حين وصل الى نيويورك بدأ الكتابه الى صحيفه ( نوفي مير ) الناطقة باللغة الروسيه , والصحيفه اليوميه الناطقه بلغة اليدش ( دير فورفتس ) , كما قام بإلقاء الخطب بين جماعات الروس المهاجرين .
كان تروتسكي يعيش في نيويورك حين وقعت ثورة شباط 1917 في روسيا , حال سماعه الخبر استقل سفينة للعودة الى روسيا للمشاركة في الثوره , لكن البحرية البريطانيه اعترضت السفينه في كندا ( وهي مستعمره بريطانيه ) حيث بقي محتجزاً حتى 29 نيسان .
حين وصل الى روسيا في 4 مايس كان على إتفاق أولي مع البلاشفه , لكنه وجدهم منقسمين الى 6 مجاميع على الأقل وينتظرون الإنعقاد التالي للمجلس الأعلى ليتم القرار كيف سيوحدون أنفسهم من جديد , ولهذا فقد إنضم مؤقتاً الى منظمه ( مزهرايانتسي ) الاشتراكية الديمقراطيه الإقليميه في سان بطرسبيرغ حيث أصبح على الفور واحداً من قادتها , وفي حزيران حين عقد ( المجلس الأول للسوفييت ) تم إنتخابه عضواً في أول ( لجنه مركزيه خاصه لعموم روسيا ) ممثلاً ل ( مزهرايانتسي ) في هذه اللجنه .
بوصولنا الى يوم 18 حزيران كانت روسيا قد تعرضت الى هزيمة كاسحه أمام الإمبراطوريه الهنكاريه النمساويه في واحدة من أكبر معارك الحرب العالمية الأولى أدت الى تصدعات خطيره في الحكومة الروسية الجديده فتم إعتقال تروتسكي يوم 7 آب 1917 ولكن تم إطلاق سراحه بعد 40 يوم للوقوف بوجه مسرحية الإنقلاب الذي قام به كورنيليوف ( أرجو العودة الى موضوعي المنشور على الموقع تحت عنوان : الحرب العالمية الأولى والبلشفيه ) لمزيد من التفاصيل .
أثناء إنقلاب أكتوبر 1917 على ثورة شباط من نفس العام , أصبح تروتسكي في صف لينين ضد ( جورجي زينوفييف) و ( ليف كامنيف ) حين ناقشت اللجنة المركزيه القيام بعمل مسلح للقضاء على الحكومة الإقليميه التي يرأسها ( ألكسندر كيرينسكي ) .
بعد إنقلاب أكتوبر وحين سيطر البلاشفه يدعمهم الأمريكان على الحكم في روسيا أصبح تروتسكي ( المفوض الشعبي للشؤون الخارجيه ) بمعنى ( وزير خارجيه ) وهو الذي قام بنشر المعاهدات السريه بين كل من روسيا وبريطانيا وفرنسا على تقاسم العالم بنهاية الحرب العالمية الأولى و ( معاهدة سايكس بيكو ) كان من ضمن ما قام بنشره .
ترأس تروتسكي الوفد السوفييتي الى محادثات السلام في ( بريست ليفستوك ) من 22 ديسمبر 1917 – 10 شباط 1918 . لينين الذي كان يطمح الى ثورة سوفييتيه في ألمانيا واجزاء اخرى من اوربا وكان يرى بأن الصراع في ألمانيا دون تدخل قوات سوفييتيه قويه سيؤدي الى سقوط الحكومة السوفييتيه في موسكو ولهذا لم يهتم لطول فترة مفاوضات السلام , أما تروتسكي فكان يؤكد على أن الجيش الروسي الذي ورثته الحكومه السوفييتيه عن روسيا القيصريه , والجيش الذي ورثته عن حكومة شباط التي أطيح بها , هما من الضعف بحيث لا يمكن زجهما في مثل هكذا حرب , أما الحرس الأحمر والجيش الأحمر فهما لا يكفيان , ولهذا ينبغي حث الجيش الألماني على العصيان وشن العمليات الإرهابيه داخل ألمانيا لتدمير النظام فيها .
تم توقيع معاهدة بريست ليفستوك يوم 3 آذار وصودق عليها يوم 15 آذار 1918 عندها إنسحبت روسيا من الحرب العالمية الأولى وإستقال تروتسكي من منصبه ك ( مفوض شعبي للشؤون الخارجيه ) يوم 13 آذار فتم تعيينه على الفور بمنصب ( المفوض الشعبي للشؤون العسكريه والبحريه ) وبطرد القائد العام للجيش أصبح تروتسكي يملك كامل السيطره على الجيش الأحمر , وقيادة الحزب وحدها القادره على مساءلته عن أي قرار يتخذه , وكل هذه تدابير للمرحلة التاليه من الحرب .
الحرب العالمية الأولى ما هي إلا مسرحية أمريكيه هابطة المستوى بجميع تفاصيلها الهدف منها هو شق التحالف الروسي البريطاني الذي تم توقيعه عام 1907 من أجل منع تغلغل النفوذ الأمريكي في قارة أوربا . وحالما تمكن الأمريكان من إيصال البلاشفه الى حكم روسيا في إنقلاب أكتوبر 1917 كان على الفصل الأول من هذه المسرحيه أن ينتهي وهكذا إنتهت الحرب العالمية الأولى بهدنه , لكي يأخذ الجمهور فتره راحه قصيره بعدها يبدأ الفصل الثاني من المسرحيه .
الفصل الثاني من المسرحية الأمريكيه ( الحرب العالميه الأولى ) تمت تسميته ب ( الحرب الأهليه الروسيه ) . حالما انسحبت روسيا من الحرب العالمية الأولى ووقعت معاهدة صلح مع ألمانيا . تم توقيع الهدنه مع دول المحور يوم 11 تشرن الثاني 1918 .
بريطانيا وهي ترى نفسها وقد خسرت الحلف مع روسيا القيصريه ولا أمل البته مع البلاشفه الذين لا يتقبلون ولا يتعايشون ولا يتحالفون مع أي شكل من أشكال الرأسماليه , لم يكن بيد بريطانيا غير خيار مقاتلة البلاشفه وهكذا وقعت الحرب الأهلية الروسيه واستمرت 6 سنوات , شاركت في هذه الحرب جيوش من 14 دوله على رأسها الولايات المتحده داعمه للبلاشفه من جهة _ وعلى الجانب الآخر تقف ( بريطانيا وفرنسا , استراليا , كندا , الهند , تشيكوسلوفاكيا , فنلندا , اليونان , ايطاليا , اليابان , بولندا , رومانيا , صربيا ) داعمين لكل ماهو معادي للبلشفيه .
منذ العام 1918 برز الخلاف بين تروتسكي وستالين الى السطح بسبب تعيين أو عزل قائد عسكري . والحرب سببت خسائر ماليه أدت الى تشظي الحزب الى عدة كتل منذ العام 1920 , كتلة لينين , كتلة تروتسكي , وكتلة بوخارين , وكتل أصغر لكنها أكثر تطرفاً مثل الكتلة العماليه المعارضه التي ترأسها ( ألكسندر شلايبنكوف ) , والكتله المركزيه الديمقراطيه التي كانت نشيطة للغايه .
تروتسكي من موقعه كقائد عسكري ومفكر ثوري رأى أن إصلاح الطرق وخطوط السكك الحديد التي تدمرها الحرب هو وسيلة ناجحه لتحسين الوضع الإقتصادي للبلد والقضاء على جزء من الضائقة الماليه , فإنتقده لينين بشدة معتبراً كلامه ( إزعاج بيروقراطي للنقابات العماليه ) وتحريض على فئات من الشعب .. وهكذا الى أن خرج النزاع بينهما عن حدود السيطره الى الحد الذي توزع فيه حتى أعضاء اللجنة المركزية للحزب الى مناصرين أما الى لينين أو الى تروتسكي .
نهاية عام 1921 إشتد المرض على لينين ولهذا كان أغلب الوقت خارج موسكو . أصيب بثلاث سكتات دماغيه ما بين 26 مايس 1922 حتى 10 آذار 1923 سببت له الشلل وفقدان القدره على النطق حتى مات يوم 21 كانون ثاني 1924 .
منذ العام 1922 وبتدهور صحة لينين شكّل كل من ستالين وزينوفييف و ليف كامنيف ( ترويكا ) أي تحالف ثلاثي فيما بينهم على أن لا يحل تروتسكي الرجل الثاني في الدوله , محل لينين عند رحيله عن الحياة , وفيما بعد إنضم الى هذه الترويكا بقية أعضاء اللجنة المركزيه للحزب : رايكوف , تومسكي , بوخارين .
كان تروتسكي في القوقاز حين سمع بخبر وفاة لينين فقرر العودة فوراً الى موسكو , وصلته برقيه من ستالين تعلمه بتواريخ غير صحيحه عن مواعيد تشييع الجنازه من أجل أن يكون غائباً يومها لأنه قائد جماهيري محبوب رغم بعض أخطائه وحضوره الجنازه قد يؤدي الى ما لا تحمد عقباه بالنسبة الى ستالين .
في المؤتمر الثالث عشر للحزب وجه الرفاق جميعاً إنتقاداتهم الى تروتسكي والتي تركزت حول عدة مزاعم هي :
# الزعم بعدم إتفاق تروتسكي مع لينين والبلاشفه وصراعه معهم منذ أكتوبر 1917 .
# الزعم بتشويه تروتسكي لسمعة أحداث أكتوبر 1917 من أجل تسليط الضوء على نفسه وما قام به هو وليس البلاشفه .
# الزعم بعلاقة تروتسكي السيئه مع مرؤوسيه , وبعض أخطائه أثناء فترة الحرب الأهليه الروسيه .
لم يتمكن تروتسكي من الرد بسبب مرضه رغم أن الرفاق دمروا له سمعته العسكريه مما جعله يستقيل من منصبه كمفوض شعبي للجيش والبحريه , ومن منصبه كقائد للمجلس العسكري الثوري .
زينوفييف طالب بإقالة تروتسكي من الحزب أيضاً لكن ستالين رفض ذلك ولعب دور المتسامح , حيث ترك لتروتسكي مقعده في الحزب لكنه وضعه تحت رقابة مشدده . تم تعيينه في 3 وظائف جديده : رئيس لجنة الإمتيازات , رئيس مجلس الكهرباء , ورئيس المجلس العلمي للتقنيات الصناعيه . كتب عن ذلك في كتابه ( حياتي ) يقول : (( أخذت قسطاً من الراحه من العمل السياسي وشغلت نفسي ببرنامج عمل أعلى من أذني , لكن بعض الروايات ترسم لي لي صورة رجل مبعد ومشتت )) .
أخيراً إنفرط العقد بين الرفاق , بوخارين ورايكوف بقوا الى جانب ستالين , بينما كوربسكايا وجورجي سوكولنيكوف أصبحوا الى جانب زينوفييف وكارمينيف وأصبح الصراع بينهم مفتوحاً أثناء إنعقاد مؤتمر اللجنة المركزيه للحزب عام 1925 . زينوفييف وكارمينيف أطلقت عليهما تسمية ( المعارضه الجديده ) في حين إلتزم تروتسكي الصمت ولم يتكلم .
مناصروا زينوفييف وكارمينيف في المعارضة الجديده تقاربوا من مناصري تروتسكي خلال عام 1926 وتم عقد تحالف بينهما اطلقت عليه تسميه ( المعارضه المتحده ) والتي عارضت مواقف ستالين من الثوره في الصين خلال الأعوام 1926 _ 1927 مما دفع ستالين الى استعمال الشرطه السريه لتعقب ومطاردة المعارضين .
أكتوبر 1927 تم طرد تروتسكي وزينوفييف من اللجنة المركزيه ثم طردا من الحزب الشيوعي في الشهر التالي .
إصرار تروتسكي ومؤيدوه على إستمرارهم بالمعارضه جعلت السلطات تنفي تروتسكي الى كازاخستان عام 1928 ثم تبعده الى تركيا عام 1929 مع زوجته ناتاليا سيدوفا وإبنه ليف سيدوف . أما مناصرو تروتسكي الذين بقوا في داخل الإتحاد السوفييتي فقد تم سحقهم بالكامل في حملة التطهير العظمى التي وقعت في عهد ستالين في وقت لاحق .
وصل تروتسكي الى اسطنبول عام 1929 حيث بقي فيها 4 سنوات . وكان فيها الكثير من مناصريه الذين عملوا لديه تطوعاً كأفراد حمايه لأنه كان مستهدفاً من سلطات بلده .
منحته فرنسا اللجوء عام 1933 ولكن تم إعلامه أنه لم يعد مرحباً به في فرنسا عام 1935 فإنتقل الى النرويج وعاش في منطقة قريبة من أوسلو , وبعد عامين وبطلب من الحكومه السوفييتيه تقررت عليه الإقامة الجبريه في بيته في النرويج .
بطلب من الرئيس المكسيكي ( لازارو كرديناس ) تم نقله بكل حفاوه الى المكسيك حيث عاش في نيو مكسيكو في ( البيت الأزرق ) مع الرسّام ( دييغو ريفييرا ) وزوجته , وصديقتهما الرسّامه ( فريدا كاهلو ) التي كانت على علاقة مع تروتسكي . ثم غيّر سكنه الى بيت قريب عام 1939 بعد مشكله حصلت بينه وبين صديقه الرسام صاحب البيت .
خلال هذه الفتره ألّف كتباً عديده من بينها ( تاريخ الثورة الروسيه ) و ( خونة الثوره ) وإنتقد الإتحاد السوفييتي تحت حكم ستالين و الستالينيه حيث وصفه بأنه أصبح دوله عماليه تسيطر عليها بيروقراطيه غير ديمقراطيه أطاحت بالثورة السياسيه من أجل التحول الى طبقه رأسماليه على حساب العمال .
أثناء تواجده في المكسيك عمل تروتسكي مع : جيمس كانون و وجوزيف هانسن وفاريل دوبس من ( الحزب الإشتراكي العمالي في الولايات المتحده الأمريكيه ) .
في آب 1936 وقعت محاكمه في موسكو الى كل من زينوفييف وكامينيف و14 رفيق آخر إعترفوا أنهم خططوا مع تروتسكي من أجل إغتيال ستالين . وجدتهم المحكمه مذنبين وحكمت عليهم بالإعدام .. أما تروتسكي فقد حكم عليه بالإعدام غيابيا ً . محاكمه ثانيه وقعت في كانون الثاني 1937 الى كل من كارل راديك وجورجي سوكولنيكوف ويوري باياتاكوف و14 آخرين إعترفوا بجرائم كلها ذات علاقه بتروتسكي .
كل هذا من أجل التهيئة لعمل سيقع ضد تروتسكي لأنه ومنذ العام 1933 بدأ يتعارض مع الأممية الثالثه التي وافقت على صعود الحزب النازي الى الحكم في المانيا , والحزب النازي لم يصعد الى السلطه عن كفاءة أو جداره ولكن كلنا نعرف اليوم أن ذلك الصعود تم بدفع من البنوك الأمريكية العاملة في أوربا بعد الحرب العالمية الأولى . ومثلما صنعت المخابرات البريطانيه موسوليني والحزب الفاشي في ايطاليا فإن البنوك الأمريكيه هي التي صنعت هتلر والحزب النازي في ألمانيا .
تعارض تروتسكي مع الأممية الثالثه منذ العام 1933 جعله يعلن عن تأسيس الأممية الرابعه عام 1938 لتكون بديلاً عن الأممية الثالثه التي أسسها لينين وورثها عنه ستالين ليوافق بها على صعود الحزب النازي الى قمة السلطه في ألمانيا والذي يتعارض مع مصالح جميع دول أوربا ولا يخدم غير مصلحة الولايات المتحدة الأمريكيه وبنوكها التي تشفط ثروات اوربا أولاً بأول .
عام 1939 وافق تروتسكي على الذهاب الى الولايات المتحده الأمريكيه للمثول أمام لجنة مارتن دايز للشهاده على إضطهاد وقمع الحزب الشيوعي الأمريكي من قبل الحكومة الأمريكيه , ولكن لأنه قرر قول الحقيقه وهي أن الحكومة الأمريكية تضطهد ليس شيوعييها وحدهم وإنما تضطهده هو وأتباعه ايضا ً .. رفضت اللجنة الإستماع إليه وإتهمته بأنه مدفوع الثمن بأموال أصاحاب شركات النفط الأمريكيين .
خلال هذه الفتره كان تروتسكي مريضاً ويعاني من إرتفاع حاد في ضغط الدم ويخشى من حدوث نزيف في الدماغ أية لحظه ولذلك كان يقول بأنه قد ينهي حياته بالإنتحار في أية لحظه .
وكان يشعر بالألم كل لحظه على زوجته الأولى ورفاقه الذين سحقهم ستالين في حملة التطهير الكبرى عام 1935 . 27 شباط 1940 كتب وثيقة عهد تروتسكي ومن ضمن ما قاله فيها (( لمدة 42 سنه قاتلت تحت الراية الماركسيه , لو كانت لي إمكانية البداية من جديد فإني بالطبع سأتحاشى ذلك الخطأ )) .
يوم 24 مايس 1940 تعرض منزله الى غاره قامت بها مجموعة من الشرطة السريه السوفييتيه تحت قيادة ( إوسيف غريغ وايفتج ) حيث كان تروتسكي برفقة عدد من أصدقائه الفنانين .. وتم إختطاف حارسه الشخصي وقتله فيما بعد .
20 آب 1940 تعرض تروتسكي الى هجوم في منزله بواسطة فأس وقام بالهجوم شرطي سري يدعى ( رامون مركادير ) . ذكر شهود ان تروتسكي حين شعر بمهاجمه بصق عليه وأخذ يقاتله بقوه لكن القائل كان يحمل فأساً ضربه بها ضربه لم تقتله في الحال . حين دخل حارس تروتسكي الغرفه حاول قتل القاتل لكن تروتسكي أمره بتقييده وتسليمه للشرطه لمعرفة من هو ومن أرسله .
أخذ تروتسكي الى المستشفى حيث أجريت له عملية جراحية في الحال عاش بعدها يوماً واحداً ثم مات يوم 21 آب 1940 نتيجة الصدمه والنزيف الحاد وكان عمره ستون عاما ً فقط .
آخر عبارة قالها قبل أن يموت سجلها لنا رفيقه وصديقه جيمس كانون سكرتير الحزب الإشتراكي العمالي في الولايات المتحده الأمريكيه حيث قال : (( أنا لن أنجو من هذا الهجوم . أنجز ستالين أخيراً العملية التي حاول معها كثيراً دون جدوى )) .ميسون البياتي – مفكر حر؟