الدكتور رضا سعيد أبو الجامعة السورية – 1876 – 1945

 لا يمكن ان نذكر جامعة دمشق -التي كانت تحمل اسم الجامعة السورية لدى تأسيسها في العشرينات- من دون أن نذكر معها اسم الدكتور رضا سعيد , مؤسسها وأبيها الروحي, رجل العلم العنيد, الذي أمضى عمره في مشروع تنويري علمي وطني, مشروع خضع لمخاض عسير مع نهايات الحكم العثماني, وبدايات الانتداب الفرنسي.. مشروع تعليم أجيال من الاطباء والحقوقيين, -ومن تخصصات اخرى لاحقة-, يحملون شهادة جامعية عليها ختم.. “الجامعة السورية”..
ولد الدكتور رضا سعيد في دمشق عام 1876 اثناء فترة الاحتلال العثماني , عندما كانت ملامح النهضة العربية قد بدأت تتضح, بكل ما تحمله من افكار التنوير واصلاح الانظمة الاجتماعية والمعيشية والتعليمية, واعادة المجد للغة والتاريخ العربيين. درس رضا سعيد المرحلة الابتدائية في المدرسة الرشدية العسكرية , ثم غادر الى استنبول ليدرس المرحلة الاعدادية في المدرسة الطبية العسكرية .. تخرج من هذه المدرسة عام 1902 وتم تعيينه كمساعد للسريريات العينية في المدرسة نفسها, ثم معاونا لاستاذ امراض العين .
في عام 1908 رفع إلى رتبة (قول آغاسي) وفي العام التالي اوفد الى باريس للاختصاص كطبيب مختص بالامراض العينية حيث درس في مشفى (اوتيل ديو) مدة سنتين, نال بعدهما شهادة الاختصاص في الطب العيني من جامعة باريس, وحصل على لقب (مونيتور) اي طبيب باحث .
بعد عودته من باريس الى دمشق عام 1913 عين طبيب عيون او كحالاً كما كان يسمى آنذاك, في المشفى العسكري المركزي بباريس , وفي عام 1914 عين رئيساً لأطباء الخط الحديدي الحجازي ثم رئيسا للخطوط الحديدية السورية.
عام 1917 عينته السلطات العثمانية رئيس بلدية دمشق, في فترة كانت دمشق تعاني الجوع وآثار الحرب, ليركز جهوده على محاربة المجاعة وإبعادها عن أهالي دمشق. .
بعد انتهاء الحرب وتولي الملك فيصل عرش سوريا, عمل الدكتور رضا سعيد على إعادة افتتاح المعاهد العليا المغلقة في سوريا , وأسس مدرسة لتعليم الطب باللغة العربية أطلق عليها اسم (مدرسة الطب العربية) ثم (المعهد الطبي العربي) ليحل محل المكتب الطبي التركي، عمل فيه الى جانب الدكتور رضا سعيد مجموعة من أبرز أطباء ذلك العصر, مثل الدكتور عبد الرحمن الشهبدر والدكتور أحمد العائدي وغيرهم . وبعد انسحاب عدد من الأطباء الأساتذة من هيئة التدريس في المعهد لأسباب لها علاقة بتوليهم مناصب أخرى في الدولى أو لضعف في لغتهم العربية, تم تعيين الدكتور رضا سعيد عميداً للمعهد. حاولت السلطات الفرنسية إغلاق المعهد إلا أن الدكتور رضا سعيد عمل جاهداً دون الإغلاق, ونجح في ذلك, كما نجح في إبقاء اللغة العربية لغة التدريس في المعهد, واشتغل في تعريب المصطلحات العلمية والطبية.
وفي عام 1920 ترجم عن الفرنسية كتاب (مبحث في أمراض العيون للمتمرنين) الذي يعد من كلاسيكيات مراجع طب العيون في العالم .
بعد المعهد الطبي العربي بدأ د. رضا سعيد رحلة جديدة في العالم الاكاديمي الذي كان مازال يحبو في سوريا.. فأسس فروعا للمعهد في أقسام الصيدلة وطب الاسنان والتمريض والقبالة .. انطلق بعد ذلك بكل الطاقة التي لديه, لتنفيذ مشروعه التنويري الوطني, بزرع بذرة تأسيس الجامعة السورية انطلاقاً من نجاح مشروع المعهد الطبي العربي, وبعد إصرار ودأب ومعاناة أمام كثير من العقبات السياسية والاجتماعية والمادية, وافقت سلطات الانتداب الفرنسي على قرار تأسيس الجامعة عام 1923 وعينته رئيساً لها الى جانب عمادته للمعهد… كما ساعد في نفس الوقت في تأسيس معهد الحقوق.
عام 1924 عين د. رضا سعيد وزيراً للمعارف, أول وزارة سورية تشكل في ظل الانتداب, إلا أن بقاءه في منصبه لم يدم طويلا بسبب قيام الثورة السورية الكبرى عام 1925, حيث استقالت حكومة صبحي بركات وقتها, ليعود رضا سعيد الى رئاسة الجامعة وليعمل على تطوير أنظمة المعهد والجامعة ورفع مستواهما في وجه منافسة قوية من جانب معهدي الطب الفرنسي والامريكي في بيروت. وفي عام 1929 أصبحت البكالوريا السورية المعادلة للبكالوريا الفرنسية بفضل رضا سعيد شرطا لقبول الطلاب في الجامعة.. وبعد جهد كبير قام به سعيد وعدد من زملائه في تعريب الكتب والمحاضرات اصبحت الجامعة السورية وأيضا بفضله, الجامعة الوحيدة في العالم التي تدرس باللغة العربية. ليعيد للغة العربية وهجها كلغة تدرس بها العلوم الى جانب لغات العالم .

من خلال عمله كعميد للمعهد الطبي العربي والجامعة السورية نجح رضا سعيد في كسب احترام الاوساط العلمية والحكومية داخليا وخارجيا .. ورغم انخراط طلابه في العمل الحزبي والسياسي إلا أنه حاول جهده لعدم تسييس نشاط الجامعة. وبعد نحو ربع قرن من العمل والبحث والنضال في سبيل الارتقاء بوضع التعليم الاكاديمي في سوريا, وعندما وصل أبو الجامعة السورية الدكتور رضا سعيد الى سن الستين, وبعد أن أرسى قواعد الجامعة السورية وأسسها كما كان يحلم, طلب إحالته إلى التقاعد عام 1936 , فأصدر رئيس الجمهورية آنذاك محمد العابد مرسوما بإحالته الى التقاعد , ليتفرغ رضا سعيد لحياته الخاصة وعائلته..
تزوج رضا سعيد مرتين, الاولى من سيدة فرنسية أنجبت له رفيق وعدنان “وهو والد وزير الصحة السابق الدكتور رضا سعيد” .. وسيدة سورية أنجبت له ثلاث بنات وولداً. وفي اواخر تشرين الاول عام 1945 , توفي الدكتور رضا سعيد, تاركا وراءه صرحا علميا مازالت سوريا تعتز به الى الآن .. جامعة دمشق وما تلاها من جامعات سورية لاحقة.. تخرج سنويا عشرات الالاف من الطلبة السوريين.. جميعهم أبناء .. رضا سعيد.
الاوسمة التي حصل عليها الدكتور رضا سعيد:

• وسام الاستحقاق العثماني
• الوسام المجيدي
• وسام الحرب العثمانية
• وسام التاج الحديدي من حكومة النمسا
• وسام فارس في جوقة الشرف الإفرنسي
• وسام العارف المصري
• وسام الصليب الأحمر
• وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة
منقول

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.