الخروف السعيد..!!

slautershipاقترب العيد ، وطلب مني أولادي أن أشتري خروف نضحّي به كعادة الناس !. ولكني رفضت الفكرة لاني لا أحب ان أنفق على
أمور غير ضرورية مثل خروف العيد ، ولكن الأولاد أصرّوا ، بل هددوني بأنهم سيعتصمون إحتجاجا على تصرفي غير الديمقراطي والتعسفي والذي يهدد العيش المشترك !.
لم أرضخ لهم رغم الأعتصام الصامت أمام غرفة نومي ..!
ولكنهم قرروا النزول الى الصاله والأعتصام هناك بالخيام .. وقاموا بإلقاء الخطب والكلمات التي تتهمني بالدكتاتورية ، والعمالة للغرب وانتهاك حقوق الأنسان ، وبأني برجوازي مكتنز، انتهازي مصاص دماء ، واتهموني بالفساد المالي والسياسي ، وبأني أنفق وأقترض الأموال بدون حساب من أحد ، وأني اغرقت العائلة بالديون بسبب تصرفاتي المشبوهة ، وطالبوا بتقديمي للمحاكمة ومعرفة اذا كانت اموالي نظيفة ، ام لا ؟!
وخوفا من تشتت العائلة وحفاظا على السلم الأسري والعيش المشترك، نزلت عند رغبة الأبناء ووافقت على شراء الخروف بعد عدة مفاوضات .

قبل العيد بيوم واحد ، ذهبت مع إبني الكبير الى السوق ، واشتريت الخروف ، واتصل ابني باخوانه في المنزل هاتفيا واخبرهم بلزوم ازالة الخيام وانهاء كل مظاهر الرفض والاحتجاج بعد ان تحقق النصر الالهي العظيم .! وبهذا حصلوا على مطلبهم .
أجلست الخروف بالمقعد الأمامي في سيارتي ، وربطت له حزام الأمان ، وقدت سيارتي في شوارع خالية من سوق للجزّارين ، ومحلات بيع اللحوم المبردة خوفا على مشاعر الخروف السعيد والعزيز ! وحتى لا يكتشف المؤامره اللئيمة التي تعدها المعارضة له !.
وعندما وصلنا الى المنزل، انزلته من السيارة بكل احترام ووقار، وأدخلته صالة الضيوف .
طلبت من زوجتي ان تذهب وترتدي ملابس أكثر احتشاماً ، لأن الخروف قد تربى في بيئة اجتماعية محافظة ! ، ولم يعتد على المرأة السافرة والمتبرّجة ، حتى انه يعتبر جسد المرأة عورة ! ، ولا أحد يضمن تصرفه الذكوري ، وخاصة ان زوجتي قد احتضنت الخروف عند دخولنا وداعبت صوفه ، وهذا التصرف لا تمارسه معي رغم سنوات الزواج الطويلة ، مما أشعرني بالغيرة ، وتمنيت أن أكون مكان الخروف ..!!
وفي هذه الأثناء كان الأولاد يلعبون مع الخروف ، وبعد عودة زوجتي الى الصالة وقد ارتدت الجلباب الشرعي ، والحجاب !، طلبتُ من الأولاد الذهاب الى غرفهم للنوم ، وترك الخروف يرتاح من السفر!.

قلت لزوجتي همساً : ضعي بعض الملفوف والخس والخيار في صينية وقدميه كوجبة شهية وطازجة للخروف ، وكنت راغبا بأن أقدم له قدحا كبيرا من الجعة المثلّجة ، ولكني خشيت ، وبصراحة ردة فعله .!!
تناولت ريموت كونترول التلفزيون من على الطاولة التي أمامنا ، أنا وضيفي العزيز ” الخروف السعيد ” واحترت ماذا يرغب ان يتفرج الضيف الجالس الى جانبي ؟!
وبعد استثناء قنوات العهر العربية الفضائية الدينية والسياسية والحكومية ، وكنت أظن انه لربما يفضل الموسيقى الهادئة ، ولكن عندما كانت “هيفاء وهبي” تغني وهي شبه عارية .. خشيت على مشاعر الخروف الدينية في تلك اللحظة !!، فبادرت سريعاً وأخترت قناة” سبيس تون” كي يستمتع الخروف في مشاهدة برامج الاطفال كونها محايدة ، ولأذهب انا الى الجحيم !.
وفي صباح يوم العيد ، أقتدت الخروف الى الجزّار ، بعد ان قلت للخروف ,,لا تخف .. فهذا كوافير، وسيقص صوفك” تسريحة سبايكي” الجميلة ,, !!.
طلبت من الجزّار أن يكون لطيفا مع الخروف ، وأن لا يسبب له الألم ..
وبعد دقائق معدودة ، كان دم الخروف يسيل على الأرض ، ونظرت اليه بجزن وأسى ، وانا اتسائل : دم من هذا من الأضحية ؟ نحن أم الخروف ؟؟
من يُقتل في العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان ولبنان وفلسطين ، هل هم أضحية لتسيل دمائهم؟ ولماذا؟ وكم عندهم من الأعياد في بلدانهم ؟؟

عدت الى المنزل، وانا أحمل لحم الخروف السعيد في أكياس بلاستيكية ، وعند المطبخ ألقيتها على الأرض بعصبية ، ولم أنبس بكلمة أمام دهشة زوجتي ..
ذهبت الى حيث البار الصغير في زاوية الصالة ، وأحتسيت كأساً من الفودكا لعلني أهدأ قليلاً .
واليوم هو عيد الأضحى . أليس كذلك ؟؟
من ضحّى بمن ..؟؟؟
ولماذا لا نضحّي بمرتب يوم واحد لعائلة نازحة ؟
ولماذا لا نضحّي بقلم وقرطاس وحقيبة مدرسة لطفل محروم من المدرسة ؟
ولماذا لا نضحّي بقنينة دم لمن يحتاج ؟
ولماذا لا نضحّي بكسوة الشتاء وهو على الابواب الى يتيم ؟
ولماذا لانضحّي بكرسي طبي لمعاق أو معاقة ؟
ولماذا لا نضحّي بوجبة من طعام أطفالنا الى طفل جوعان ؟
ولماذا ؟… ولماذا؟ … ولماذا ؟ …ولما… ذا ؟؟؟؟

(عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ…بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ )

أيوب المفتي

About المفتي ايوب

اني أيوب ناصر المفتي من مواليد بغداد /العراق ، اكملت دراستي الابتدائية والثانوية في بغداد ، واكملت تعليمي الجامعي في جامعة الحكمة / كلية الآداب في بغداد ، وبعدها في المملكة المتحدة لنيل شهادة الماجستير في الادب المقارن . عند عودتي الى بغداد ،تعرضت الى المضايقات والضغوطات التي مارستها الاجهزة الامنية والجهاز الحزبي البوليسي التابع الى السلطة البعثية الصدامية والدكتاتورية ،والتي ادت الى اعتقالي في معتقل الحاكمية السيئ الصيت التابع الى جهاز مخابرات السلطة دون تهمة محددة ، امضيت في المعتقل اكثر من تسعة شهور ، واطلق سراحي بتهمة الاشتباه. غادرت العراق في ١٩٨٠ قبل حرب الخليج الاولى الى المملكة المتحدة دون رجعةا لى في عام ٢٠٠٥ ،اقمت في بغداد لاسبوعين ،ثم غادرتها لعدم قناعتي بعراق مستقر تحت ظروف وطبيعة الاحزاب السياسية القائمة على المحاصصة والطائفية . وعند عودتي الى المملكة المتحدة ، قررت التوجه الى كندا لتكون المحطة الاخيرة في حط الرحال...
This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.