الخبث حاصل جمعي للغيرة، الحسد، الإحساس بالمرارة، كره الذات واالرغبة في الإنتقام

wafasultan2015إذا كنت تعتبر فلانا من الناس خبيثا تذكر: كلما ازداد قدرة على التظاهر بالطيبة كلما ازداد سميّة وخبثا… هذه هي إحدى الحكم التي علمتني إياها الحياة!
….
ناديا سيدة تعرفت عليها في مستهل حياتي الأمريكية.. لا أريدها أن تظن بأنها استغفلتني لعقدين من الزمن، فمنذ بداية علاقتي بها وأن أعرف أنها خبيثة… لكن، والحق يقال: هي حلوة اللسان، خفيفة الظل وجميلة المعشر. ربما كانت كذلك لتغطي باللاوعي برميل القمامة الذي كانت تحتويه، علما بأنه لم يكن أي من تلك الصفات الثلاث سببا في استمرار علاقتنا!
لم يربطني بها خلال العقدين الأخرين من صحبتنا (وليس صداقتنا) سوى إحساسي بالشفقة عليها. وهو إحساس نابع من ظروفها التعيسة، رغم أنني اؤمن ايمانا قطعيا بأن تلك الظروف هي نتيجة حتمية لخبثها.. هناك قول أمريكي: أكثر الناس بحاجة إلى شفقتنا هم الذين لا يستحقونها.. لا أرى عيبا في هذا القول إلى حد ما، فكل منها ـ الصالح والطالح ـ يستحق الشفقة، ولولا الشفقة لانقرض الجنس البشري!
…..
زارتني ناديا هذا الإسبوع بغية قضاء يومين في بيتي، فهي بأمس الحاجة إلى بعض الراحة والكثير من الشفقة..
كالعادة فتحت لها قلبي قبل بابي… نزلت من سيارتها وأشارت إلى سيارة تقف أمام بيتي: لمن هذه السيارة الجميلة؟
قلت: لأنجيلا!
ـ هل أنجيلا تزوركم؟
ـ لا، جاءت البارحة تركت سيارتها وأخذت سيارة والدها، فلقد حان موعد تغيير الزيت لسيارتها، وأنت تعرفين الأولاد لا يعودون إلينا إلا عندما يحتاجوننا.
ابتسمت ناديا بخبث وقالت وهي تلتقط أغراضها بعصبيّة ملوحظة من سيارتها: حبيبتي يا أنجيلا، اشتقتلك كتير!
….
في الصباح الباكر، وقبل أن يتوجه زوجي إلى محل الميكانيك لتغيير الزيت لسيارة أنجيلا، ركبت وناديا معه وتوجهنا لنتاول قهوة الصباح… كالعادة طلبت ناديا فنجان قهوة من القياس الكبير، فهي مدمنة قهوة من الدرجة الاولى! القياس الكبير لفنجان القهوة في أمريكا يكفي لتطهو فيك دجاجة… وقبل مغادرتنا، عادت تطلب فنجانا آخر.. …. في اليوم التالي جاءت أنجيلا إلى مكتب والدها واستبدلت سيارته بسيارتها…. بعد حوالي ساعة، اتصلت بي وهي تبكي بحالة هستريائية.. ـ ماما، لماذا فعلتم هذا بسيارتي؟؟؟ لا يمكن أن أصدق ما أرى!! صرخت بأنجيلا لتهدأ ولتتكلم بوضوح كيف أفهم القضية!

في الطريق إلى الجامعة توقفت أنجيلا في محل لغسل السيارات، وسلمت السيارة للعمال في المحل، فهي مهوسة بالنظافة!
اقترب منها أحد العمال وقادها لترى المقعد الخلفي، حيث كانت ناديا تجلس! رفعت ناديا “الدوّاسة” ـ ممسحة القدمين ـ من تحت قدميها وصبت فنجان القهوة في السيارة، وأعادت الدوّاسة إلى مكانها لتغطي القهوة، وكأن شيئا لم يكن! هدّات من روع أنجيلا وغضبها، ودفعت 100 دولارا لإزالة القهوة “آثار جريمة الخبث البشري”!
….
“حبيبتي أنجيلا اشتقتلك كتير”، هذا الخبث المبطن لم يكلفني مائة دولارا وحسب، بل كلفني علاقة عمرها عقدين ونيف..
وكلفني إحساسا بالفشل وعقدة الذنب في آن واحد! أحسست بالفشل لأنني حاولت طيلة علاقتي أن أتغاضى عن خبثها شفقة على ظروفها، وأنا الأدرى أنك لا تستطيع أن تغيّر معدن الإنسان مهما حاولت! وأحسست بالذنب، لأنني ساهمت في استفحال خبثها عندما قبلت أن أحضنه.. كان من المفروض أن استوقفه منذ أن شعرت به في المرة الأولى..
….
عقدان من الزمن، وأنا أغض االنظر عن خبث ناديا، والقي باللوم على ظروفها، ابتداءا من زوجها المدمن على الكحول، ومرورا بأولادها الذين انتهوا إلى الشوارع، وانتهاءا بأخوتها وأخواتها الذين تخلوا عنها. لقد سبق وعضتني أكثر من مرّة، وتجاهلت اسنانها في كل مرة… لكنني شعرت بسميّة نابها هذه المرّة لأنها حاولت أن تعض ابنتي… ….. الخبث ليس صفة، وإنما الحاصل الجمعي لبعض المشاعر السلبية، من بينها: الغيرة، الحسد، الإحساس بالمرارة، الكراهية والغل.. وأهمها على الإطلاق: كره الذات واالرغبة في الإنتقام وخصوصا ممن يحب ويحترم ذاته! تلك هي ناديا! فكم ناديا في حياتك؟؟؟ مع الإعتذار مقدما لمن تحمل اسم ناديا، فأنا على ثقة أن بعضهن قد صُنع من الذهب!
******************
أعزائي القرّاء: في الحلقات القادمة من كتابي “دليلك إلى حياة مقدسة” سأشرح بالتفصيل كيف تتخلص من مشاعرك السلبية كي تمتلك روحا طيبة خالية من كل أثر للخبث، فتغني بها حياتك وحياة الغير…

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.