الحمام الذي كنا نستحم به كان نفسه غرفة نوم أمي وأبي وغرفة نومنا وكان نفسه غرفة استقبال الضيوف, ولربما أننا
الوحيدون في الحارة الذين كنا نملك مراحيض عدد 2 خارجية ولكنهن لم يكن إلا للصرف الصحي أما الحمام كحمام فقد كنا نمارسه في اللجن.
أيام زمان أذكر ونحن أطفال صغار كنا نتضايق ونهرب إذا سمع أحدٌ منا بأن أمه ستدخله إلى الحمام ,كنا أحيانا نختبأ عند الجيران حين تبدأ أمي بإدخالنا إلى الحمام, كنا نعرف لك عندما تشعل نار البابور وتضع عليه الطاسة الكبيرة وتقوم بتحضير اللجن ودلو(التوت) هكذا أسمه, وكانت تقوم بإصطيادنا واحدا تلوى الآخر باستعمال الحيلة والخديعة معنا.
وكنتُ أنا أموتُ خوفا إذا سمعت بكلمتين وهما: الحمام والطبيب,أما الطبيب فقد كان هو أيضا عقابا ووسيلة من وسائل الانتقام والتعذيب, كانت أمي وأمهات الحارة إذا ذهبنَ بمشوار ولم يردن اصطحابنا معهن كن يقلن لنا: بدنا إنروح على الدكتور وهسع الدكتور إذا شافك بدقك وبغزك بالإبرة, لذلك تربينا وما زلنا على الخوف من الطبيب وعلى الخوف من الحمام حتى أن هذه الثقافة ما زالت حتى اليوم مستعملة فهذه زوجتي تهدد أولادي بالحمام وتهددهم بالذهاب إلى الطبيب .
كان أهلنا وما زالوا يستعملون الحمام كوسيلة للعقاب, وها أنا اليوم منذ ساعات الصباح الباكر اسمع صوت زوجتي وهي تتجادل مع أولادي وتهددهم بالحمام كما كانت أمي تفعل ذلك, كان الحمام وسيلة من وسائل التعذيب,ما علينا,.. كان الحمام طريقة أيضا من طُرق التعذيب, كانت جدتي رحمها الله إذا غضبت مني وهذا نادرا ما كان يحدث, كانت تقول لي: بسيطه…وينها أمك؟والله غير أخليها هسع(الآن) إتحممك.
ومن الطبيعي جدا أن نصف الحمام بأنه بداية الطريق إلى التعذيب, يبدأ التعذيب من تشليحي ملابسي فقد كانت أمي تقوم بتشليحي ملابسي بطريقة تعذيب عدى الضرب على ظهري وأحيانا دق رأسي بخاتم الفضة الذي بإصبعها وعدى الكفوف التي كنت آكلها منها على آذاني وكانت تخلع لي ملابسي وكأنها تقوم بتخليع وتكسير الخشب, وكانت الناس المارة من الشارع بعد المغرب يسمعون صوت صراخي وصراخ أخي وأخواتي , والموضوع لا يتعلق بالخوف من الماء, فقد كنا نفرح إذا ذهبنا برحلة إلى مكان فيه الماء نلعب ونسبح فيه, كان غضبنا من الطريقة التي نستحمُ فيها, وكما قلت لكم إنها وسيلة من وسائل التعذيب وكانت مثلا تقوم أمي بتغسيل رأسي بالصابون الأبيض أبو مفتاحين وكانت تضع الصابونة على رأسي ومن ثم تقول لي: إخرس ولا بدي أسمع ولا كلمة, وكنت أقول لها متوسلا:” ول ول ول الصابون فات بعيوني” فتقول لي: هاظا من عماك وقلّة إهداك,طل على الوسخ حتى الصابونه مش راضيه تلوب(تذوب) من كثر الوسخ إللي عليك يقطعك ويقطع تاليكوا, يلعنك ويلعن اللي خلفوك وبعدهم بخلفوا فيكوا.
أما أخي الأصغر مني فقد كان يجلس بمقابلتي منتظرا دوره وهو يصرخ من البكاء لأنه يعرف بأن دوره في الحمام صار وشيكا ويد أمي على بعد ذراعين منه,وكانت أمي تنظر إليه وتقول له:(أيوه عيط كمان وكمان إستنى عليّ إشويه والله أديك هذول غير أكسرلك إياهن) والكل كان يصرخ ويتلوى من كلمة الحمام, فبالإضافة إلى كونه نظافة إلا أننا كنا نشعر وكأننا في معتقل سياسي للتعذيب, ويا عيني على طريقة فرك الظهر, كانت أمي تفركلي ظهري وكأنها تبرشه كجبنة لصناعة البيتزا, وكانت تخبط الليفة على ظهري خبط وكأنها تنتقم مني, وأخيرا تمسك منخاري بيدها اليمنى وتضغط عليه وتقول لي(يلله نُفْ…نُفْ) وكنت حين أنف يطلع الماء من فمي ومن أنفي ومن أذاني وحتى من عيوني ويقلب لون وجهي أحمرَ أحمرَ.
بس والحق يقال: كان الواحد يطلع من الحمام وكأنه سيارة نيسان 2015م طالعة من الغسيل والتشحيم, وكنت أقف بعد الحمام بالبيجاما وأفتح باب الخزانة وأطلع على حالي أمام المرآة والبخار طالع من راسي وظهري مثل طنجرة الضغط وأمشي قصدره بشويش وكأني قيطار بخاري الصنع, ومع كل العذاب الذي كنا نتذوقه من الحمام إلا أننا كنا ننام مرتاحين جدا, وكان كل واحد منا بعد الحمام ينظر إلى الآخر وهو يقول: أنا أحلى منك,لا أنا اللي أحلى, وبيجامتي أنظف من بيجامتك وأحلى منها.
مواضيع ذات صلة: المرحاض هو أفضل مكان