دعا الامين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله السبت في إطلالته، الى التعامل مع اقتراحات العماد ميشال عون في شأن الرئاسة بجدّية ” لأنّ عون يحاول ان يقدم مخارج وأدعو القوى السياسية الى البحث جدياً في هذه المخارج ودرسها وعدم إدارة الظهر لها”.
لعل الدعوة الى المشاركة في البحث عن مخارج، تبدو جيدة في ظاهرها، لأنها تعبّر عن همّ وطني لدى كل الفئات والمجموعات والاحزاب اللبنانية في ملف الاستحقاق الرئاسي الذي يعطّله أصحاب الدعوة أنفسهم والذين يقدّمون الاقتراحات.
لكن قراءة في “الحلول الممكنة للخروج من الأزمات الدستورية المتراكمة، لإنقاذ الواقعين في هذه الورطة”، على حد قول العماد عون نفسه، تكمن في الآتي: “اعتماد الانتخابات الرئاسية المباشرة من الشعب على مرحلتين، الاولى مسيحية والثانية وطنية، وثانياً اجراء استفتاء شعبي ومَن ينلْ الأكثرية ينتخبه المجلس، وثالثاً ان يختار المجلس بين الأول والثاني من الموارنة الأكثر تمثيلاً فيه، ورابعاً إجراء انتخابات نيابية، قبل الانتخابات الرئاسية، على أساس قانون انتخاب جديد يؤمّن المناصفة بين المسيحيين والمسلمين وفقاً للدستور ووثيقة الوفاق الوطني”.
ولو عدنا الى قراءة هذه الاقتراحات بـ”جدية”، بناء على تمني السيد نصرالله، لوجدنا أنها، أو اكثرها، غير قابل للتنفيذ عملياً الا اذا توافق اللبنانيون على تعديل الدستور. فالانتخاب من الشعب يتطلّب تعديلاً، والاستفتاء الوطني لاختيار مَن ينال الأكثرية تغيير في صيغة النظام وإلغاء لعملية الانتخاب، ومثله ان يختار المجلس بين الاول والثاني الأكثر تمثيلاً فيه، اذ يلغي حق كثيرين في الترشح، ويحرمهم ما يسمح لهم به الدستور.
تبقى النقطة الرابعة وفيها اجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية بموجب قانون جديد. لعل الجنرال يدرك جيداً في قرارة نفسه، أن حلفاءه هم أوائل الرافضين لقانون انتخاب يؤمّن صحة التمثيل المسيحي، وهو يدرك جيداً مدى إفادتهم من القانون الحالي، والا لكانوا مضوا معه في اقتراحاته السابقة ولم يطيّروا عليه الفرصة. ولعل الجنرال يدرك جيداً ان كل الاطراف السياسيين في البلاد غير مستعدين لإعطائه قانون انتخاب نيابي يبدل الواقع والتقسيمات والبوسطات الحالية، وتالياً فإن الاتفاق على قانون انتخاب نيابي واعتماده واجراء الاستحقاق بموجبه، تطيل الأمد كثيراً، لا أمد الرئاسة فحسب، بل مجمل الحياة السياسية وتدفع في اتجاه تدهور المؤسسات، أو ما بقي منها غير معطّل.
الجدية في التعامل مع اقتراحات الجنرال تتطلب بعضاً من الواقعية في تلك الاقتراحات، وبعضاً من مراعاة المصلحة الوطنية العليا، وبعضاً من التواضع في الطرح، وبعضاً من التنازلات المشتركة، وبعضاً أو كثيراً من التزام الدستور، والا تحولنا مجدداً، كما في زمن الحرب، الى شريعة الغاب، وليقم كل فريق بما يحلو له في نطاقه الجغرافي والمذهبي.
*نقلاً عن “النهار”