الحلم الممنوع :ـ

أعظم ما يمكن أن أحظى به هو منحي حياة أخرى تتطابق مع حياتي السابقة ، على أن أكون مدركا ومتذكرا لما جرى لي في brainshitingحياتي الأولى وقادر على تغييره أو التلاعب به ، حيث يمكنني بهذه المنحة أن أكون الأقوى والأكثر سعادة وغنى ومعرفة بين الناس ، فبإمكاني التراجع عن مساري التعليمي وإختيار تخصص مغاير لذلك التخصص الذي إخترته وندمت عليه أشد الندم ، بإمكاني أن أشطب من حياتي تلك السنوات الجدباء التي تعلق قلبي فيها بفتاة تزوجت في نهاية المطاف وفطرته بمنتهى العبث واللا إكتراث ، بإمكاني أن أتجنب تلك المناسبات والحوادث العابرة التي جمعتني بأصدقاء ثقيلي الظل ووجدت نفسي بعد تلك السلسلة من المصادفات والحوادث العشوائية مضطرا للتواصل الإجتماعي المستمر معهم .

بإمكاني إطالة حياة الكثيرين من أحبابي ممن غيبتهم السكتات القلبية والذبحات الصدرية وإرتفاع ضغط الدم أو الهبوط أو الإرتفاع في السكر أو حوادث السيارات ، بإمكاني أن أسبق ذلك الأخرق الذي سبقني ببضعة أسابيع وأحب تلك الفتاة التي إنتظرت أنا بترددي الغبي أكثر من اللازم ورغم ذلك لم أتجاسر وأبثها عشقي الجنوني ، أستطيع أن أُراهن على نتائج المباريات والسباقات والمنافسات وأكسب الاف الدولارات يوميا ، بإمكاني أن أتلاعب بأسهم البورصات العالمية كما أشاء ، بإمكاني أن أغير من التفاصيل الصغيرة التي تسببت في فشل الإنقلابات أو الهفوات التي أودت بحياة الثوار أو الأسباب التي صعدت بالقادة والزعماء إلى كراسي الحكم وسُدد الرئاسات ، بإمكاني أن أغير التاريخ الإنساني برمته عبر التلاعب بتلك التفاصيل الصغيرة التي سطرت أعظم الملاحم وشكلت أهم محطات التاريخ الإنساني .

بإمكاني أن أكون أكثر إنسانية وأقل أنانية وأجنب الملايين خطر فقدان حياتهم في الزلازل والبراكين والأعاصير والقارات الجوية في المعارك والحروب والعبوات الناسفة والعمليات الإنتحارية الإرهابية
ولكن حلم الحياة مرة أخرى والقدرة على تغييرها أو الحلم بإمتلاك تلك القوة الخارقة لا بد من أن يتضمن ضربا من الأنانية ، فلكي تكون تلك القوة فاعلة وقادرة على تحقيق السعادة فيجب أن تتفرد لوحدك بإمتلاكها حيث تقل فاعليتها بمقدار من يشاركونك فيها . لذلك أنا أحلم بأن أمتلك تلك القوة لوحدي لست لأنني أناني إطلاقا ، بل على العكس تماما ،لأنني أخشى على مستقبل الإنسانية لذلك أريد أن أمتلكها أنا وحدي ، فأنا لا أثق بأي أحد يمتلك تلك القوة غيري ، لا أثق في قدرة الناس على كبح جماح شهواتهم التي تستثيرها تلك القوة المفرطة والقدرة الخارقة ، أو ذلك الغرور الذي يمكن أن تولده في المرء الذي إمتلكها ، لا أثق في وجود الخير المطلق إلا بدواخلي ، متيقن تماما من أن الاخرين لهم القابيلة لإتيان الشرور أكثر مني ، مناعتهم ضد بريق النفوذ والسلطة والقوة ضعيفة جدا عكسي أنا الذي أستند إلى قيم ومبادئ وأخلاقيات راسخة رسوخ الجبال الشوامخ وتشكل سدا صلبا وحصنا منيعا ضد الإستبداد بتلك القدرة أو إستخدامها في الشر .

ولكني رغم قناعتي وثقتي وتيقني من خيريتي المطلقة ومن ثباتي على قيمي وأخلاقياتي وكرهي للإستبداد متأكد تماما أنها ثقة زائفة قارة في وجدان جميع الاخرين الذين اعتقد بأنني أتفوق عليهم خيريا وأخلاقيا ، إنني لا أثق في ثقتي تلك ، لأن التاريخ علمنا أن جميع من إمتلكوا القوة برروا لأنفسهم إمتلاكهم للقوة وحرمان الاخرين منها بأنهم الأكثر تقا وورعا وإيمانا بالخير والحق والجمال ، وأن تلك الخصائص تعطيهم الحق بإحتكار القوة والسيطرة على الآخرين ولو غصبا بالإنقلابات العسكرية أو الإحتلال والغزو و تمنحهم الوصاية عليهم ، و معظمهم غالبا ما يكونوا صادقين في قناعاتهم تلك لكنهم أخطأوا في الثقة فيها ، كان يجب عليهم أن يكذبوا صدقهم بقناعاتهم تلك ، كان عليهم أن يدركوا أن ذواتهم ليست حصينة ضد تلك العدوى التي تصيب جميع من يحتكر القوة لوحده ويستبد بالسلطة . الجميع حتى اولئك الذي اعتقدوا أن السماء من تحركهم للسيطرة على السلطة بالإنقلاب العسكري كانوا أكثر المستبدين إستبدادا وطغيانا ودموية وبشاعة ووحشية وهمجية وبربرية ، رغم أنهم كانوا اكثر الناس يقينا بحصانتهم من أمراض السلطة والعدوى التي تصيب الحاكم جراء إشعاعات بريقها المميتة .
نعم أحلم بأن أتفرد بتلك القدرة التي تجعلني مطلعا على المستقبل وقادر على تغييره ، ولكنه حلم لا أريده أن يتحقق لأنني أخشى من مثل تلك القوة ولا أثق بثقتي بخيريتي ونذاهتي ومعصوميتي . لا أرى ما سيجعلني نشازا من تلك السلسلة من العظماء الذين امتلكوا مثل تلك القوة وحكموا بموجبها شعوبا ومساحات شاسعة من كوكب الأرض وكانوا يظنون أنهم سيملئونها عدلا بعد أن إمتلأت ظلما وجورا فإذا بهم يزيدون الطين ضغثا على إبالة ويرسمون بممارستاهم فصولا جديدة ومستمرة من معاناة تلك الشعوب . نعم يا سادة السلطة والقوة المطلقة مفسدة مطلقة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
معاً ضد كلّ سلطة ظلامية تمنع العقل الإنساني من الوصول إلى نور الحرِّية حباً في الإستبداد وتعلقاً بالسيطرة !

About محمد ميرغني

محمد ميرغني ، كاتب ليبرالي من السودان ،يعمل كمهندس معماري
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.