الحديث عن تشريع تعدد الزوجات متشعب ومتكرر ويحتاج للمزيد والمزيد من الذكير لإبراز سلبياته والبدء من الجذور , وأيضا إلى تناول هذا الموضوع لما له من أثر كبير بكبر حجم معاناة المرأة منه .
لنستطلع هنا الأسباب الموروثة التي أعطت للرجل حقوق إضافية لا مبرر لها سوى أنانية الرجال والتي اهتمت بشهوات الرجال الجنسية فقط فأعطت له الحق في أن يعدد زوجاته ومن ضمنها :
— جاء تعدد الزوجات بحجة منع حالات الخيانة للرجل على اعتبار إن طبيعته تكمن في تلك الشهوة العارمة والغير مكتفية والذين يغلب على طابعهم الملل , فمن خلال السماح له بتعدد زوجاته ستُحصر تلك الطبيعة في تعدد الزوجات , وسيبتعد الرجل عن فعل الخيانة , لهذه الأسباب التي تحججوا بها كوفئ الرجل على ضعفه بتعدد زوجاته بدلاً من تحديد وكبح استهتاره بغرائزه الحيوانية ومحاولة جعله يقترب من الإنسان في داخله ومن ثم يحثه على احترام زوجته وعدم إعطائه المجال للاستهانة بها .
فمنع الخيانة لا يأتي بإباحيتها للرجل من خلال السماح له بتعدد زوجاته بحجج واهية وغبية , ولكنها ستكون بمثابة تشجيع لفعل الخيانة وليس العكس , وكذلك حلولهم اقتصرت على الرجال الذين هم بشهوة عارمة تجعله هائجا كالحيوان , متناسين بأن هناك نساء أيضا يعانين من تلك الشهوات , كما هم بعض الرجال الذين وضعوا لهم تلك الحقوق التي اعتبروها حلولا , فتغاضوا هنا عن رغبة المرأة فيما لو كانت لديها رغبة في التغيير أو كانت تعاني من تقصير الزوج في إشباع رغباتها أو لأسباب عديدة , واقتصرت الحلول على حاجات الرجال فقط , تجاهلوا طبيعة تلك النساء وابتعدوا عن الخوض بتلك الطبيعة , فكُتِمت رغباتها عمداً بالإضافة إلى إنهم اعتبروها من ضمن العار الذي يُلحق بها وبهم فيما لو أنها كانت لديها رغبات كتلك التي هي للرجال .
_جاء تعدد الزوجات أيضا لإعالة اليتامى في وقت كانت المجتمعات فيه بحالة من الحروب المستمرة وفوضى عارمة تعتمد على الغزو والسبي مما تسبب عنها ونتج منها أعدادا من اليتامى ليكونوا بدون معيل , فصار للرجل حقاً في ان يتزوج أربعة نساء بحجة أنه سيعيل هؤلاء اليتامى , ولكن ما بالنا اليوم وبعد أن خرجت المرأة للعمل وشاركت في أعالة بيتها , وأقول بيتها ولا أقول زوجها هنا لأنها صارت مسئولة عن إعالة أبنائها كما هي مسئوليته , فلم يعد الرجل المسئول الوحيد بعد ان امتلأت الدوائر الحكومية بالنساء , والشركات والمعامل الأهلية بالعاملات , بالإضافة إلى العديد من الأعمال , ولكن برغم هذا استمرت القوانين على العمل وفق احتياجات ذلك الزمان وعلى تعاليم قديمة دون ان تأخذ بعين الاعتبار تغيير طابع الحياة وتفكير الإنسان واختلاف طباعه , بل وصار عمل المرأة بمثابة إضافة لحقوق الرجل بعد أن سحب حق من حقوقها في تلك المجتمعات التي كانت المرأة تعتني بشؤون البيت فقط , وتناسى رجل اليوم بأنها غير مكلفة في الإسلام بالنفقة على بيتها بل كانت من واجباته ومسؤوليته فقط , أما اليوم فبدأت المرأة تعطي وتزيد من مسؤولياتها ولكن القوانين لن تعطيها البديل واستمرت على أعطاء الرجال الحقوق في أن يعدد زوجاته .
_ جاء ألتعدد أيضا لزيادة أعداد الأمة ولزيادة الأيدي العاملة في الوقت الذي نحن فيه اليوم لسنا بحاجة لتلك الأعداد بعد ان صارت مجتمعاتنا تعاني من الزيادة السكانية وبكمية دون أي نوعية .
_ زيادة أعداد النساء على الرجال وللتقليل من نسبة العوانس , وتناسوا بأن هذه النسبة هي غير ثابتة بجميع المجتمعات , وهناك مجتمع تفوق به أعداد الرجال على النساء , بالإضافة إلى أن هذا لا يُعتبر حلاً لمشكلة امرأة عانساً لأنه سيكون على حساب امرأة أخرى والتي هي بالتأكيد سوف لن ترتضي بمشاركة زوجها من امرأة أخرى, وعليه
فأنها ستكون معادلة خاسرة وغير صحيحة , بل إنها زادت عليها مشكلة أكبر منها لما تتضمنه من خراب للأسرة وتفكّكها وضياع الأبناء وزيادة الحقد والكراهية فيما بينهم باستثناء العواقب النفسية وما سيترتب عنها من أضرار تُلحق بهم .
_ قد تكون الزوجة مريضة فيحق للزوج أن يرميها للشارع فيما لو رغب في هذا , ويستبدلها بأخرى صالحة وسليمة , فأي عدل يجعلنا نقتل بصمت من صار غير صالحاُ للخدمة أو للاستخدام ؟
كل ما جاء ذكره هنا يُبعد الإنسان عن إنسانيته ويحثهّ على علاقات خالية من المودّة والرحمة , وكذلك استُثنيت هنا المرأة وما سيترتب عليها من معاناة جمة بسبب تهميش دورها ورغباتها فيما لو أُصيب الزوج بمرضاً أو بروداً معيناً ولم يعد يُلبي غرضها واحتياجاتها منه فهي في النهاية إنسان لو أردنا أن نعدل فيما بينهما , وكذلك عدم اعتبار لمشاعرها ولغيرتها من جراء ذهاب الزوج إلى امرأة أخرى .
لا أقول هذا حثاً لعلاقات تخلو من المشاعر ولإباحية الرغبات لكلا الجنسين بقدر ما هو حصر وتشذيب لتلك الرغبات وللجنسين معاَ , لكنهم تجاهلوا نار الغيرة التي ستحرقها عندما يتركها الزوج ويذهب ليتمرغ بين أحضان ضرّتها وهي وحيدة , بحجة اكتفاء المرأة برجل واحد , وأكيد هي ستكتفي وستتعود مرغمة بعد ما لاقته وتعرضت له من قمع وفرض عليها زوجاً واحداً , وهي ليست طبيعة بكل الأحوال بل هي جاءت كنتيجة , فطبيعة الإنسان لا تختلف منذ ولادته بقدر ما تتغير بفعل المفاهيم والقيم المجتمعية السائدة .
لا انشد الاعتناء بالغريزة هنا لمن سيتصور ذلك , ولا أنشد إعطاء المرأة سخاءً منقوصا لها رغم ان هذا حقها الإنساني , فهي تغرق بكم من النواقص لا تُعد ولا تُحصى , وسيكون من السخف لو إننا اعتنينا بتلك الرغبات أمام ما تعانيه من إذلال وإهانة , ولكني اعتني هنا بالعدل والمساواة الذي يتشدقون به وللرجال فقط دون النساء , ولو أرادوا تطبيق هذا العدل عليهم بالاهتمام برغبات الجميع دون استثناء .
ولكن كل ما جاء ذكره من حجج في أن تعدد الزوجات جاء لمنع حالات الخيانة والبلاوي الزرقة الباقية هي واهية وقامت على تدليل الرجل وإعطاءه حق التغيير فيما لو أصابه الملل لا أكثر من هذا .
نحن ننشد لمجتمع راقي يصب اهتماماته على تطوير وضعه وان يجد حلولا لمشاكله بعد معرفته لمسبباتها , لا ان نعتني بغرائز الرجال ومحاولة تشجيعها وتلبيتها له على أساس حقوق المرأة وكرامتها , فما أسهل توظيف الإنسان وتشذيب غرائزه الحيوانية لو وجد المحيط الذي يكبح بداخله جميع أنواع ضعفه ويعتني بالإنسان بداخله أكثر من ما يعتني بالحيوان الكامن بداخله , ولكن مجتمعاتنا لعبت على أوتار ضعف الإنسان وصارت تتغنى بتلك النفوس التي صبت جلّ اهتمامها لغرائزها .
إبداعنا بوعينا وقوتنا بأملنا …. بهم نهزم التخلف وننصر الإنسانية
وكأنها لأول مرة تسمع كلماته وترى فيها وجهه , ولأول مرّة تجسّمت بنظراته الخائبة لها والخاوية من المعنى باستثناء تلك التي جسّدت سيطرة الرجل على المرأة لا لسبب سوى لتلك المفاهيم والعادات الموروثة التي وضعت الفوارق في مجتمع بنيَّ على أساس الكراهية والتفرقة بين الجنسين وبين الطبقات والمذاهب والطوائف والكثير من الفوارق التي صارت لا تعد ولا تحصى في يومنا هذا , لتُشعر الرجل بعلوه وبذلك الفارق ما بينه وبين المرأة , ومن ثم يشعر بتلك القوة الوهمية التي تصل به إلى حالة من الزهو واكتمال شخصه لأجل أن يغفل عن نواقصه .
دققتْ النظر إليه أخيراً وفتحت عيناها بعينيه لترى عيونه المزهوة بقدرتها لتخفي بها ما اعترته من ضيق أوصله إلى أن يتدخّل بمشاعرها وتفكيرها وجسدها أيضاً , لم تدرك حينها معناً لتصرفاته وما سيترتب عليها من زيادة في سلّطته عليها ليشعر بقوته كلما شعر بضعفها , فهذه هي وسيلته الوحيدة التي تشعره بفحولته أمام القمع الذي يشعر به من مجتمعه , لم تدرك محاولاته ولم تكن تبالي لتلك التدخلات بالرغم من إنها لا تتذكر عددها في الوقت الذي كانت الدنيا تنحصر بشخصه وتحيى هي لأجله فقط , كان وجوده بما يحمله من ضيق يشكّل لها كل حياتها لتُلغي وجودها بمحيطه الضيق دون أن تدري , فبعد أن صيّره المجتمع مُمثلاً للحياة أمامها رغم وسعها اختزلتها هي به ليصير الرقيب الأول على عدد أنفاسها وشكلها من صعودها إلى نزولها وإلى أدق تفاصيلها .
كان عليها ان تعرف كيف يفكر رغم ضيق عالمها الذي حددوه لها مسبقاً والذي لا يرحم أمثالها اللواتي رغبنّ بالمعرفة , فكان عليها أن تعرفه دون أن تلتقي به بعد أن أناب عنها المحيط بتلك المهمّة , إضافة إلى حاجتها في تخمين كيف سيفكر في المستقبل فعليها أن لا تكتفي بمعرفته الحالية فقط ولكن عليها أن تعرف ما لا يمكن أن يعرفه هو عن نفسه , لتؤمّن مستقبلها وحياة أطفالها وسعادتهم , هكذا كانت مسؤوليتها تجاه نفسها قبل أن تقترن به , ولكن هيهات لها من تلك المسؤولية التي تخص حياتها , وهيهات لها من تلك المعرفة التي ستؤهلها بتخمين مستقبلها وحياتها معه والتي بها ستخترق كل تلك المعوقات بعد أن صارت أشبه بضربٍ من الخيال , فكيف ستعرف كل هذا وهي مكبّلة وسجينة المحيط والمجتمع الذي التفّ حولها بكل ما أوتيّ من قوة للاستهانة بحقها ليجرّدها من أي مسؤولية سوى من لهوها بتلبية رغباته والوقوف عليها ليلاً ونهاراً ؟.
هو لم يتمكن رغم يقينه بصدقها ونقاء أخلاقها من ناحية ميولها في أن يثق بقدراتها , كان يعتبر ميولها للحقيقة أثمٌ لا يُغتفر, فكيف يسمح لها بالميول التي تتعدى نطاقه والاهتمام به , وكيف يتقبّل انفتاحها للحياة ومحاولة رؤيتها بوضوح وعلى حقيقتها وبالتالي رؤية حقيقته ؟ .
ولم تكن تشعرهي بذلك الفارق الكبير بالحقوق ما بينها وبينه , أو إنها كانت مقتنعة بقدرها , ومقتنعة بأن الحقوق والواجبات قد تم توزيعها وفق قياسات ومفاهيم عادلة ومتساوية حسب الشرع الذي لا يعلى عليه , وحسب القانون الذي لا غبار عليه , خصوصاً بعد أن سار عليهما المجتمع قرون عديدة , وكذلك ما تعلّمته من محيطها بأن ما تسير عليه الغالبية لابد من أن يكون صحيحاً , وما عليها سوى الرضوخ وعدم التشكك بهذا العالم , فمن غير المعقول إنها على صواب وجميع من حولها على خطأ , علاوة على أن تلك الفترة الزمنية الطويلة نسبة لتطور المجتمع كانت لها دليلاً يقتل شكوكها تلك .
سألت نفسها بعد أن استفاقت من أعباءها الكثيرة التي كبّلها بها , وبعد أن لمست منه عدم إنصافها ورغبته الجامحة في أن يسلبها قيمتها وحياتها , وبعد أن كان شعورها قاسياً عندما كان يُراقب بعيونه الوقحة حركاتها , وبعقله الضيق تصرفاتها , ليحصرها رغم وقاحته المقرونة بضعفه وفساده سوى من حكمه عليها , يحكمها ويمنعها من أي فعل وقت ما يشاء لتنصاع لرغبته .
سألت بعد تفكير كان يلاحقها في نهارها الرتيب وفي ليلها الطويل عن حقيقة قيمتها, وعن الجديد الذي قدّمته لحياتها ولمجتمعها غير خدمته وإنجاب الأطفال له , أخذها السؤال إلى أفكارٍ أوسع , وبدأت تبحث عن شيء مفقود لا تعلم كنههُ , بدأت تبحث عن تلك الحلقة التي أفقدتها توازنها منذ أن كانت طفلة لا يحق لها ألتمتع بحريتها ولا يحق لها الخروج كما يحقّ لأخيها أو جارها الذكر, وأن ألحت حاجتها في الخروج كان يرافقها ذلك الأخ رغم صُغره بحجة حمايتها , فكانت تكابد خجلها وتشعر بضعفها ليرسخ بداخلها شيء مقيت إلى نفسها يريدون إلصاقه بها ليصغر شأنها به , كانت تشعر بذلك الشيء منذ طفولتها كما هو شعورها بتلك الحلقة المفقودة التي تسببت في ضياعها وضياع بنات جنسها , وسط محيط يغرق بجموده ليتسبب لها بجميع آلامها وآلام المحيطين معها, فلابد لآلامها تلك من تأثير عليهم سلباً لا أيجاب كما توهموا , بدأت تبحث بشغف وتلتهم المعلومة بطريقة كمن كانت بسباتٍ عميق واستفاقت منه في رغبةٍ منها لتُلحق سنواتها التي سُرقت منها , ولتحلّق عالياً لأجل ان تنتزع قيودها وما فاتها من حياتها التي ذهبت ولا تعرف كيف ذهبت بسرعة البرق هكذا , صارت بحال كلما زاد عليها القهر والظلم من محيط فقد أهليته , كلما نمت بصيرتها باتجاه الحقيقة التي أرادوا لها الحجب , فتزداد إصراراً وقوة في سبيل حريتها وإنسانيتها المسلوبة , وكلما زادت معلوماتها كلما ابتعدت أكثر عن تلك القيود التي صارت واعية لها تماما بعد ان توضّحَ لها شكل ومعالم تلك القيود التي طالما ففدت ملامحها لعدم تمكنّها من الوصول لأسبابها الحقيقية حين كانت محصورة بين تلك الأسوار التي أخذت بالارتفاع أمامها شيئاً فشيء .
اكتسبتْ قوة وإصرارا على الخلاص من تلك القيود , وأدركت جزء من الحقيقة التي أراد أن يخفيها عليها منذ أن مثّلت له مشروعاً ليُكمل من خلالها سُنّة حياته وإنجاب أطفاله , أدركت بعض الحقائق التي أشعرتها بحرية عتقتها من جهلها , وبقوة لا تثنيها عنها تلك الرقابة ولا ذلك القيد, وسرعان ما تبخّرت مخاوفها وتوضّح لها سؤ تقديرها .
فظهرت تلك الملامح التي كانت خافية عنها لسنين ملاصقته لها ليلا ونهار , وفوجئت بنظراته التي أكدتْ لها مكانتها, وعززت الفكرة القائلة بأنها من حبائل الشيطان, وبأنها مجرد مصدراً ليطفئ به نيران شهواته فقط .
أدركت بوعيها حقيقة أنها ليست الجنس الأدنى منه ولا هي خطيئة ولا مصدراً لفتنته وغوايته كما افهموها ذلك , بعد أن أدركت هذه الحقيقة شعرت بحركة أعضاءها وبسريان الدمٍ النقي والإنساني في أوصالها , انفتحت حينذاك أذناها لسماع كلماته والإصغاء لها , وشعرت به كيف كان مصدراً لعرقلة حياتها ومنعها من أن تحيى كإنسان مكتمل لا ينقصه شيء , وتيقنت من إن إحساسها كان على صواب والمحيط كان هو الخطيئة , خطيئة كبيرة بحقها حين حمّلها عيوبه وضعفه ليتمادى هو بأخطائه دون حسيبٍ ولا رقيبٍ , ابتهجت لهذه الحقيقة وكان طعمها حلو المذاق رغم مرارته , كون هذه الحقيقة أبعدت عنها جهلها , فمهما كانت مرارتها لاذعة فستكون أجمل من إنها تبقى على ذلك الجهل الذي أشعرها بأمانها واستقرارها العاطفي المزيّفين , أمان تلك الرابطة التي اعتبرتها مقدّسة كان وهماً وزيفاً , وشعورها بأنها وجدت من خلاله نصفها المكمّل كان وهماً, هذا النصف الذي صوّر لها حقائق مزيّفة أشعرتها في يوم زفافها بالبهجة , وبأنها امتلكت العالم به بعد أن شعرت بأن روحيهما اندمجت بواحدة وصارت تحتوي جسديهما معاً , ولكن سرعان ما اكتشفت بأنها قد كبّلت نفسها بقيودً وأثقالاً لا طائل لجسدها ألذي جعلوه ضعيفاً بها , ومن ثم خسرت سنواتٍ من عمرها لكنها غير نادمة عليها اليوم , كونها كانت ثمناً لحريتها ولمعرفتها ولابد من ان تدفع ثمن لقدرها .
بعد أن ظهرت تلك الملامح رأت بأنه من الغباء ان تقتل نفسها وتفقد أكثر مما فقدَته بالأمس لأجل موروث مسخها ومسخَ كل من سار خلفه , ولأجل أُناس تتلذذ بظلمها وسلطتها استعبدتهم تقاليدهم فصاروا كما لو أنهم لا يستحقون الحياة , أوهم فعلا لا يستحقوها , ومن نساء صار الخوف لهنّ حاجزاً يمنعهنّ من إضافة أي جديد , فكيف تهب هؤلاء حياتها وحريتها والفارق يكبر كل يوم ويكبر ؟ كيف تستسلم لمحيط يدور بحلقة فرغت من محتواها , وكلما زادت عدد دوراته كلما توسعت الدائرة بهم أكثر ليلجئوا إلى خرافات تزيد معاناتهم معاناة .
كان إحساس معرفتها وشعورها بأنها وجدت ضالتها جميلاً رغم إنها كانت تعاني من قسوة هذا الشعور أحياناً , ولكن بتلك القسوة سوف تتعلم وتتعلم , تتعلم ضرورة أن لا تُكمل سراب حياتها وهي مغمّضة العينين, وخصوصا بأن حياتها ستكون خالية من معالم الحياة الحقيقية .
شعور إنها وعت لتلك الكارثة المسماة فكر طبقي , أبوي , ذكوري , عليه ان يكون متسلطاً عليها دون استحقاق لهذه السلطة جعل من نظرته لها تختلف بعد أن تيقن تماماً بأنها تمتلك لقوة التغيير , وتغيّر نهجه معها , ولعمق جذوره الخاوية هيهات له من أن يقتنع بحقوقها المساوية له سوى من تلك المخاوف في أن يخسر هو أيضا سنواته.
***************
من يفقد ردة فعله للظلم الواقع عليه سيفقد إنسانيته , ومن يفقد إحساسه بالألم الذي يسببه للطرف المتضرر سيفقد إنسانيته أيضا . هناك تشابه بين المُضطهَد والمُضطهِد رغم تناقضهما .فالمضطهَد لا يبالي لمن يضطهده وكذلك المضطَهِد يصبح بحالة من اللامبالاة لاضطهاده .
الظالم والمظلوم , علتان مدمرتان للإنسانية , عندما لا يجد الظالم أرضا خصبة ليمارس عليها ظلمه سيضطر من الاقتراب من إنسانيته , فهنا المظلوم يكون في حالة تشجيع للظالم في أن يمارس ظلمه ومن ثم يبتعد عن إنسانيته أيضا بخنوعه ورضوخه للظلم .
مع اجمل الأمنيات لكم