لو تركنا فعلا قانون الغاب يحكمنا لانقرض الجنس البشري منذ مئات السنين,ولكن الحس الإنساني يبقى موجودا بيننا ,ولو عشنا حياتنا كالأسماك الكبيرة تأكل وتبتلع الصغيرة لانقرضنا أيضا منذ مئات الأجيال, ولكن حقا أننا بشرٌ مدعومون على وجه الأرض بمحبة الله وبروح الله, هذه الروح التي تدخل في كل نفس ضعيفة لتقويها, هذه الروح التي تدخل في كل نفس مكسورة فتقويها, سلاحنا على وجه الأرض هو المحبة وروح الإنسانية, وكل الفرص المغرية التي جاءتني وأنا بمقتبل العمر لكي أبتعد عن الثقافة والعمل الإنساني لم تغرنِ على الإطلاق, كل الصور المغرية لم تغير رأيي بالثقافة وبالمثقفين وبالعمل التطوعي, منذ كنت بسن ال20 سنة وأنا اعمل في العمل التطوعي بدون أي مقابل أو أجر, صحيح إنها تجارة خاسرة ماديا ولكن عبر الثقافة الحقيقية يربح الإنسان نفسه ويشعر بقيمته خصوصا عندما أقدم أعمالا ثقافية تهدفُ إلى رفع مستوى النمو والوعي الفكري والحس الإنساني عند أخي الإنسان مهما كان دينه أو اتجاهه الثقافي أو الأيديولوجي المُطعّم بالسياسة.
يشعرُ الإنسان بقيمته ومكانته أكثر عندما يعمل بالمجان من أجل خدمة أخيه الإنسان مهما كان لونه ويحس بإنسانيته خصوصا في تعاطفه مع القضايا الإنسانية ومع الناس المظلومين مهما كانت ديانتهم أو جنسهم أو عرقهم, علمتني الإنسانية بالثقافة وبالوراثة أنه لا يجوز ظلم الإنسان لأخيه الإنسان مهما اختلف معه في المبادئ والأفكار, ولا يجوز قتل الإنسان لمجرد أنه يهودي أو مسلم أو مسيحي او هندي أو صيني أو استرالي, لحم الإنسان ليس رخيصا مهما كان برتغاليا أو سودانيا أو مصريا أو آسيويا أو إفريقيا, لا يجوز الظلم مهما اختلفنا مع بعضنا, أنت لك حرية الرأي وحرية الدعوة لدينك أو مذهبك مهما كان نوعه حتى وإن اختلف مع المعايير الأخلاقية معك او مع غيرك, لأنه لا يجوز للإنسان أن يسيطر أو يسطو على الثقافة وحده وأن ينادي بمعاييره الأخلاقية, فمهما اختلفنا في الأخلاق فهنالك دائما من يتفق معنا في المبدأ, ما تراه أنت عيبا أخلاقيا يراه غيرك شيئا عاديا وما يراه غيرك عيبا تراه أنت شيئا عاديا أو أهم شيء في التربية والثقافة الجنسية.
إن ما نحاول قوله نحن الإنسانيون هو أن جنسنا البشري ينتمي على العاطفة والمشاعر والأحاسيس وتخيلوا معي لو نزع الله العاطفة والمشاعر والأحاسيس من صدر الإنسان نهائيا ماذا سيحدث لنا؟ بل كيف ستستمر الحياة؟ ستلقي الأمهات بأطفالهن في حاويات القمامة, وسيضغط الرئيس الروسي والأمريكي على زر بداية الحرب النووية, سنموت من الجوع ومن التفجيرات ومن الكوارث الصحية, إن مشواري الثقافي الذي بنيته من الأساس كان يعتمد على مبدأ أننا كلنا أخوة في الإنسانية ولا يجوز أن نُفضل المصالح التجارية والعسكرية على المصالح الإنسانية, كنت منذ بداية شبابي أنظر إلى شباب الانتفاضة في فلسطين وأبكي عليهم وأنا أقول: لماذا يقاتلون اليهود؟ ليسكن اليهود معهم وليعيش الجميع في سلامٍ دائم, لماذا نتقاتل, أنقاض إنسان واحد من الجوع أعظم عند الله من أنقاض مدينة من الحريق, ونحن لولا الإنسانية ولولا العاطفة عند بعض الناس لهلكنا من الجوع ومن العطش ولكن الحمد لله أن هنالك على وجه الأرض من يتعامل معنا بشيءٍ من العاطفة والإنسانية, هنالك غريزة تدفع بعض الناس للعمل دون مقابل وكل ذلك في سبيل خدمة الإنسانية.
الصليب الأحمر…..إلخ…..وكثيرٌ من المنضمات يعمل بعض الأفراد فيها بدون أجر أو مقابل, هنالك أناس يزورون مواقع ساخنة بالحرب وبالدمار من أجل تقديم العون والمساعدة للمحتاجين, هنالك رجال أعمال يتبرعون بأموالهم التي جمعوها من كدهم وعرقهم من أجل توصيل المؤمن للمحتاجين من الناس, هذه النزعة الإنسانية التي لولاها لفقدنا الاتصال ببعضنا البعض, هنالك شريحة كبيرة من الناس يعيشون على المساعدات الإنسانية, هؤلاء الضعفاء لم يقرر صُنّاعُ القرار في الدول الرأسمالية إبادتهم على مبدأ تفوق الأقوى والانتخاب الطبيعي, لو تركنا قانون ( داروين) يسري بيننا لأبيدت الأرض وسكانها منذ عشرة أعوام أكثر من عشر مرات, لو تركنا القوي يأكل بالضعيف لهلكنا جميعنا وأنا أول رجل وأنت الثاني وأنتم اللاحقون لأنني قوي وهنالك من هو أقوى مني والذي هو أقوى مني هنالك من هو أقوى منه, ولكن مبدأ الرحمة والإنسانية وقوى الخير تكاد أن تلقي بحزام التوازن على وجه الأرض, هذه الحياة بطولها وبعرضها ومهما بلغنا من الثراء لن نستطيع أن نعيش فيها أكثر من العمر المحدد وحتى إن عشنا كثيرا لن تكون حياتنا طبيعية فلن نستطيع الاستمتاع بالجنس كما ونحن شباب صغار وستغزونا الأمراض والتعب والإرهاق والشيخوخة, ولن نجد وقتا كافيا للعب, مهما بلغنا من الثراء لن نستطيع أن نأكل إلا وجبة واحدة أو وجبتين طوال النهار, لذلك لماذا نتقاتل ولماذا نجمع بالثروة؟ ويقال: يوجد على وجه الكُرة الأرضية ما يكفينا من طعام وشراب, ولكن لا يوجد ما يكفي طمع وجشع إنسانٌ واحد