للمرة الثانية ينزل إيرانيون إلى الشارع مرحبين بوزير خارجية إيران محمد جواد ظريف.. الأولى كانت حين عاد بعد الإعلان عن خريطة طريق الحل. الثانية بعد الإعلان عن الاتفاق النهائي مع «الشيطان الأكبر» على قاعدة المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل!
في المرتين، من نزلوا إلى الشارع، نزلوا للاحتفال بالانتصار المتأخر للحركة الخضراء، بوصفها قرار النخبة الشبابية الليبرالية الإيرانية الكاسحة بالاندماج مع العالم ومغادرة أدبيات الثورة الخمينية. هم الذين رفعوا شعار «نه غزة نه لبنان.. جانوم فدائي إيران» أي: «لا غزة، لا لبنان.. روحي فدا إيران»، في أصرح اعتراض على فكرة تصدير الثورة ورهن قدرات البلاد من أجل ذلك.
مرشد الثورة يعلم أن الهدية الوحيدة والأخيرة التي يمكن لنظام الثورة أن يهديها إلى هذا الشباب، هي في فتح أبواب المصالحة مع الغرب وإطلاق طاقات المجتمع الإيراني واقتصاده، وهو ما ليس ممكنًا من دون تنازلات مرة في الموضوع النووي، على ما حصل. فلم يكن التوقيع ممكنًا لولا موافقة المرشد عليه، ومباركته، على الرغم من اضطراره للتنازل عن خطوطه الحمر الأساسية وأبرزها القبول بصيغة ملتوية تسمح بتفتيش المواقع العسكرية، بعد طول ممانعة، وربط رفع العقوبات بمدى التزام إيران بتنفيذ الاتفاق.
ولأنه يعرف ذلك، دأب المرشد المتشدد مؤخرًا على بعث إشارات خاصة من التراث الشيعي تستلهم تجربة الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب. العارفون بتاريخ التشيع يعرفون منزلة الحسن الذي حكم لأشهر قليلة خلفًا لوالده المقتول على يد أحد غلاة أتباعه، الخارجي عبد الرحمن بن ملجم. وعلى الرغم من مبايعة الكوفة والبصرة والمدائن وسائر العراق والحجاز واليمن وفارس له، فإن الحسن تنازل عن الملك حين نازعه عليه معاوية بن أبي سفيان وكان واليًا على الشام عينه عمر بن الخطاب. وسمي عام 661 م، أي عام الصلح الذي خالطته خيانات وتخليات وتفاصيل كثيرة، «عام الجماعة» لما انطوى عليه من حقن لدماء المسلمين.
وإذ يستلهم السيد خامنئي التجربة الحسنية في تاريخ التشيع، فلأنه يسعى لإسناد منطق التسوية والتنازلات بمشروعية شيعية من صلب تجربة أهل البيت، على الرغم من قيام التجربة الثورية الإيرانية على مداميك المدرسة الحسينية، نسبة إلى الإمام الثوري الحسين بن علي بن أبي طالب، الذي قُتل طالبًا للحكم وساعيًا إليه بعد وفاة معاوية.
الواقع أن إيران تتقدم على جبهات مختلفة بمنطق الحسن حينًا وبمنطق الحسين حينًا آخر. فإذا كانت التسوية مع الغرب تتطلب أداء فيه من المرونة والتراجع الكثير، فإن ما بعد الاتفاق يحتاج إلى مقاربات مختلفة.
لا شك أن الاتفاق النووي رفع حجم التوقعات الإيرانية، لا سيما لدى جيل الشباب الإيراني لناحية انعكاسه على أوضاع الإيرانيين الاقتصادية العامة. لكن هذه التوقعات ستصطدم بالوقت الطويل نسبيًا الذي تتطلبه ترجمة التحولات الاقتصادية المقبلة على إيران، جراء رفع العقوبات، إلى عائدات مباشرة يشعر بها المواطن العادي. ولئن احتل عناوين الأخبار مبلغ المائة وخمسين مليار دولار الذي ستحصل عليه إيران بعد التأكد من مدى التزامها بالاتفاق، فإنه من المفيد التنبه إلى أن هذا المبلغ صغير جدًا بالنسبة لحاجات إيران ومشكلاتها، فهو ببساطة يعني حصول كل مواطن إيراني على نحو 1500 دولار فقط لا غير. دعك من أن عشرين في المائة فقط من طبيعة أزمة الاقتصاد الإيراني مرتبطة مباشرة بالعقوبات، في حين أن ثمانين في المائة من طبيعة الأزمة مرتبطة بمشكلات هيكلية مزمنة في النظام الاقتصادي الإيراني وستحتاج إلى سنوات طويلة لمعالجتها ووضعها على السكة التي تلبي مطامح الكتلة الشبابية الإيرانية.
عليه، فإن هذا الاصطدام بين التوقعات والوعود التي أطلقها روحاني، وما يمكن تحقيقه خلال فترات زمنية قريبة، سينقل المشكلة إلى الداخل الإيراني، وسيصيب الشباب بالخيبة، مفقدًا إياه مزيدًا من الإيمان الضعيف أصلاً بنظام الثورة وكفايته. وبالتالي سيجد النظام نفسه مجددًا أمام خيار التشدد لتمرير مرحلة صعبة عنوانها إدارة الفجوة بين التوقعات والوقائع، لا سيما أن إيران ستدخل قريبًا مناخ الانتخابات العامة المتوقع إجراؤها في فبراير (شباط) المقبل.
حرس النظام يدركون الاستنزاف الحاصل في منسوب التعبئة الثورية للإيرانيين جراء المصالحة أو بدايتها مع الشيطان الأكبر، وبالتالي يتحسسون خطورة الاتفاق على تماسك «المواد اللاصقة» لنظام الثورة، ولن يسمحوا بأن تكون الانتخابات فرصة لإعادة عقارب الساعة إلى عام 2009 والاصطدام في الشارع بين الثورة وأحفادها.
التشدد المرتقب في الداخل، لحماية عملية هضم الاتفاق، سيقابله أيضًا تشدد في الخارج والمضي قدمًا بالمنطق الثوري كأن شيئًا لم يكن، في مرحلة أسميها مرحلة «الإنكار الثوري»! مما يعني أن إيران ما بعد الاتفاق ستستمر في اللغو الثوري حيال إسرائيل، وستضاعف من تدخلها في العراق وسوريا ولبنان واليمن تحت عنوان مكافحة الإرهاب، الذي هو امتداد للصهيونية بحسب هذا اللغو. وهذا مسار سيدخلها في حلقة مفرغة. الثورية الحسينية في الخارج ستزيد الهوة بين الشباب الذي ينتظر مفاعيل التسوية الحسنية، والنظام، والنظام الذي يعتمد الحسنية في الخارج لا يستطيع سريعًا الإيفاء بوعوده فيلجأ إلى ثورية حسينية مجتزأة وبلا أفق.
الاتفاق النووي كأس سم تجرعها النظام الإيراني. درجة السم وتأثيراتها على جسد نظام الثورة هو ما ستكشفه الأيام المقبلة. الأكيد أن إيران دخلت في مغامرة معقدة كان لا بد منها.. مغامرة تقوم على قاعدة الحسن في طهران (السياسة الخارجية حيال الغرب) والحسين في الضاحية (ما هي كناية عن ساحات الحرب بالوكالة).. فهل تنجح؟
المصدر الشرق الاوسط
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلامية
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
خير الكلام … بعد التحية والسلام ؟
١: منطق (يقول من مقاس سروالك يعرف مقاس خلفيتك)كيف وإذا كان الشيطان الاكبر من يصنعه ويلبسه ؟
٢: الحقيقة تقول أن تبعيات هذا الاتفاق لا يعرفها غير من خططوا له وسعوا إليه ؟
٣: صدقني بعد الاتفاق لا حسن ولا الحسين سيفيد الفقيه ؟
٤: وأخيرا …؟
الاتفاق النووي ليس إلا مقدمة لفلم هوليودي كبير ينتظر المنطقة برمتها ، كما هى حمامات الدم الحالي إلا أول المخاض ، ربنا يستر ، سلام