عام 1845 باعت الولايات المتحده الأمريكيه درنات بطاطا مريضه معده للزراعه الى آيرلندا فتلف جميع محصول البطاطا لذلك العام وأدى الى المجاعة في آيرلندا ومنها عمت المجاعه الى جميع اوربا ولهذا فبوصولنا الى عام 1848 اندلعت الثورة الشعبيه الأوربيه في باريس وعمت منها الى أغلب دول اوربا . أثناء إندلاع هذه الثورة الأوربيه شجعت الولايات المتحده الأمريكيه سكان دول بحر الشمال على الهجرة الموسعة إليها فهاجر إليها من ألمانيا وحدها 6 ملايين ألماني أطلقت عليهم تسمية ( ألمان 48) وعن طريق هذه الجاليه الأوربيه المهاجرة الى الولايات المتحده بدأ الأمريكان بإدخال نفوذهم الى القارة الأوربيه .
بريطانيا وروسيا وهما تريان النفوذ الأمريكي يتغلغل في أوربا عقدتا فيما بينهما معاهدة عام 1907
لحصر كل دول أوربا بين روسيا من الشرق وبريطانيا من الغرب وإعاقة أي خطوة تقدم أمريكيه داخل القاره لا بل ويعيق أي تقدم أمريكي حتى داخل قارة آسيا … ولهذا كان يجب أن تقع الحرب .
تم إشعال الحرب بواسطة مسرحيه مرتجله ( كوميديا ديلارتي ) هابطه سيئة الإخراج , الجنرال اوسكار بوتيوريك حاكم المقاطعه النمساويه ( البوسنه ) قام بدعوة ولي العهد النمساوي الأرشيدوق فرانز فرديناند وزوجته الكونتيسه صوفيا الى البوسنه لإفتتاح مستشفى , وكان الأرشيدوق يعلم ان زيارة البوسنه شيء خطر بسبب تنظيم إرهابي يدعى ( اليد السوداء ) مناهض للحكم النمساوي في البلقان … لكنه رغم ذلك لبى الدعوه .
في حدود التاسعه صباحاً وصل الأرشيدوق وزوجته بالقطار الى سراييفو وكان في مقدمة مستقبليهما عمدة سراييفو وقائد الشرطة فيها , استقل الجميع موكباً من السيارات كان في سيارة المقدمه العمده ومدير الشرطه , السياره الثانيه فيها الأرشيدوق وزوجته الكونتيسه صوفيا يرافقهما الجنرال اوسكار بوتيوريك حاكم المقاطعه وكان السائق قد ترك مسافة بينه وبين السيارة الأولى كي يتمكن الناس من رؤية الأرشيدوق وزوجته … ستة متعقبين من تنظيم اليد السوداء كانوا بإنتظارهم على الطريق , وما هي إلا لحظات وترمى رمانه يدويه على السياره تمكن السائق من تجاوزها لتسقط على السيارة الثالثه , وتم تهريب الأرشيدوق وزوجته .
الغباء نعمه .. لهذا أصر الأرشيدوق ومن معه على زيارة من أصيبوا في الحادث للإطمئنان عليهم واتفقوا على أن يسلكوا طريقا مختلفاً عن طريقهم السابق لكن ( نسوا ) ان يخبروا السائق بذلك .. فسار بهم في نفس الطريق الذي قدموا منه , وهنا شاهدهم متعقب آخر يدعى ( برنسيب ) فسحب مسدسه واطلق طلقتين واحدة جاءت في رقبة الأرشيدوق والثانيه في صدر الكونتيسه .. عند الساعة 11 صباحا كان الإثنان قد فارقا الحياة .
لأن عمر برنسيب كان يقل عن عشرين عاما وقت اقترافه للجريمه فقد حكم عليه بالسجن عشرين عاما .. لكنه مات بعد أربع سنوات نتيجة النزف من ذراعه بعد اصابته بسل العظام داخل السجن .
دون الدخول في التفاصيل .. اندلعت الحرب العالمية الأولى منذ عام 1914 كانت فيها الولايات المتحدة الأمريكيه تبيع السلاح الى جميع الأطراف المتقاتله مثلما تبيعهم الرز والدقيق والسكر وحديد الصلب لبناء الغواصات التي ينكلون بها بعضهم بالبعض الآخر واهدافها من وراء ذلك : أن تتعاظم مديونية الدول الأوربيه للولايات المتحده الأمريكيه بما يسهل فرض الشروط عليهم , وأن تقوم الحرب بإسقاط دول وتغيير حدود وإثارة نزاعات جديده تهدم كل البنى المستقره والراكده التي لا يمكن تحقيق مصلحة بوجودها . وأثناء إنشغال اوربا بالقتال في الحرب كان يجري الإعداد لعمل حاسم يخرج روسيا القيصرية من حلفها مع البريطانيين , وهكذا فما أن دخلنا يوم 22 فبراير 1917 بالتقويم الجولياني – ويصادف يوم 7 آذار بالتقويم المعمول به في يومنا هذا , حتى وقعت ثورة فبراير التي أطاحت بالقيصر نيكولاس الثاني وقضت على الحكم القيصري في روسيا .
بدلاً عن القيصر حلت حكومه مؤقته تحت حكم الأمير ( جورجي لڤوڤ ) ورأس وزرائها ( كيرنسكي ) , وكانت هذه الحكومه المؤقته في تحالف مع الليبراليين والإشتراكيين ويهدف الجميع الى الإصلاح السياسي والإجتماعي للوصول الى حكومه دستوريه منتخبه ديمقراطياً , وفي نفس الوقت قام الإشتراكيون بتشكيل قيادة ( سوفييت بتروغراد ) التي كانت تحكم الى جانب الحكومه المؤقته بما يعرف بالسلطه المزدوجه .
ليس من قبيل الصدفه , بل بتخطيط عالي الهمه , دخلت الولايات المتحده الأمريكيه الى الحرب بعد 27 يوما فقط من وقوع ثورة فبراير وكان ذلك يوم 3 نيسان 1917 بإعلان ويلسون الحرب على ألمانيا . الهدف من ذلك هو نشر الجيش الأمريكي في أوربا الغربيه لحماية المكتسب الجديد الذي يقع في اوربا الشرقيه والتأثير في سير الحرب والتأثير في مجريات الثورة الروسية نفسها من أجل منع أي احتمال لتنسيق روسي بريطاني في المستقبل _ ومن أجل هذا كانت البلشفية هي الحل .
نعود الى تاريخ 26 حزيران 1907 وقعت سرقة ( بنك تفليس ) وهي عملية سطو مسلحه قام بها البلاشفه في المدينة الجورجيه ( تفليس ) التي تعرف اليوم بإسم ( تبليسي ) . بينما كانت الأموال تنقل في عربه من خزينة البريد الى خزينة البنك محاطه بعناصر الأمن تمت مهاجمتها بالقنابل والبنادق مما أدى الى قتل أربعين شخصاً وجرح حوالي خمسين آخرين وسرقة مبلغ 341 ألف روبل أي ما يعادل حوالي 4 مليون دولار أمريكي في يومنا هذا , قام بالتخطيط وشارك في التنفيذ بلاشفه من كبار الحزبيين بضمنهم : فلاديمير لينين وجوزيف ستالين ومكسيم ليتفينوف وألكسندر بوغدانوف , من أجل الحصول على المال لتمويل أنشطتهم الحزبيه , بعد هذه الحادثه هرب الجميع الى الخارج حتى لا يتعرضوا للعقاب , ومنذ عام 1907 وحتى عام 1917 كان لينين خارج روسيا .
بعد اسبوعين من دخول الولايات المتحده الأمريكيه الى الحرب العالمية الأولى عاد لينين الى روسيا وكان ذلك يوم 16 نيسان 1917 وكان في استقباله الى جانب حشد من حملة الأعلام الحمراء , الشيوعي المنشفي رئيس ( سوفييت بتروغراد ) الذي تجاهله لينين ووجه خطابه الى الجمهور محدثاً اياهم عن الأهميه الدوليه للثورة الروسيه قائلا ً : (( حرب القرصنه الإمبرياليه بدأت خلال الحرب الأهليه الأوربيه – يقصد حرب 1848 – …… لقد بزغ فجر الثورة الإشتراكيه في جميع أنحاء العالم …….. ألمانيا تغلي ….. الآن وفي أي يوم يحتمل ستتحطم رأسمالية أوربا ….. بحاره ورفاق علينا أن نقاتل من أجل الثورة الاشتراكيه , ونقاتل الى أن تتمكن البروليتاريا من الفوز بالنصر , عاشت الثورة الإشتراكيه في جميع أنحاء العالم )) .
مباشرة قام بعد ذلك بنشر أطروحة ابريل في صحيفة البرافدا وهي برنامج عمل الحزب البلشفي قال فيها بأن على البلاشفه أن لا يكونوا على علاقة مع البرجوازيين , مثل بقية الأحزاب الإشتراكيه التي قامت بثورة فبراير, بل على البلاشفه المضي قدماً من أجل الثورة الإشتراكيه من أجل العمال والكادحين الأفقر . وأنه نظرا لقلة وعي طبقة البروليتاريا فإنها وبعد نجاح ثورتها قامت بوضع السلطة بيد البرجوازيين كمرحلة أولى , المرحلة الثانيه ينبغي أن تؤدي الى وضع السلطه بيد البروليتاريا وأفقر قطاعات الكادحين .
بوصولنا الى يوم 18 حزيران كانت روسيا قد تعرضت الى هزيمة كاسحه أمام الإمبراطوريه الهنكاريه النمساويه في واحده من أكبر معارك الحرب العالمية الأولى .
يوم 12 تموز قام رئيس الوزراء كيرنسكي بزيارة الجبهه بنفسه , وشدد العمل بقانون الإعدام الفوري لكل جندي هارب أو متراجع وأجرى حركة تنقلات واسعه في صفوف الضباط أثارت حنق الجيش عليه , كما قام بتعيين ( كورنيلوف ) رئيساً لأركان الجيش . أصر كورنيلوف على أن يحصل على موافقة الحكومه بالتصرف على عاتقه دون الرجوع الى أحد لكي يتمكن من إعطاء الأوامر الفوريه ودون الحاجه للعوده الى موافقة الحكومه بسبب ضعف المواصلات والإتصالات ذلك الزمان …. فمنح هذا الحق .
بريطانيا لا يهمها إن كان القيصر قد مات أو من يحكم اليوم .. المهم لديها أن تنسق بشكل جيد من أجل إعادة العمل بالحلف المبرم بينها وبين القيصر ولم يكن ذلك ممكناً إلا في ظل وجود حكم فردي وليس ( حكومة مؤقته مزدوجه ) يشارك فيها الشيوعيون , ولهذا أرجو التركيز معي لنعاين بدقة كيف تم هذا الإنقلاب العسكري المزدوج ( بريطاني – أمريكي ) الذي أوصل البلاشفة الى حكم روسيا وكان بالضبط على العكس من أمنيات البريطانيين .
القائد العام للقوات المسلحه كورنيلوف كانت له علاقه جيده مع الملحق العسكري البريطاني في روسيا ( البرغادير جنرال ألفريد كنوكس ) أرسل كنوكس نائباً سابقاً في ( التحالف المقدس ) الى كورنيلوف في الجبهه لإقناعه بتحريك الجيش الى العاصمه لعمل واحد من ثلاث خيارات : أما لتشكيل حكومه ديكتاتوريه تحت حكم رئيس الوزراء كيرنسكي , وأما تشكيل حكومه استبداديه يكون كورنيلوف بارزاً فيها , أو تشكيل حكومه عسكريه يكون كورنيلوف هو رئيسها من أجل الخروج بالبلاد من أزمتها الراهنه , فوافق كورنيلوف على الخيار الثالث وحرك بعض قطعاته لتكون قريبة من العاصمه ودون علم الحكومه .
يوم 26 آب قام نفس النائب السابق في ( التحالف المقدس ) بالعوده الى العاصمه لإبلاغ الحكومه بتحرك كورنيلوف ضدها , يوم 27 آب أمر كيرنسكي القطعات المحيطة بالعاصمه بصد الهجوم , لكن حنق الضباط عليه نتيجة تشديد الأحكام وحركة التنقلات التي وقعت قبل شهر جعلتهم لا يهتمون بأوامره , ولهذا فحين شعر بالتهديد لجأ الى حل بمنتهى الغباء العسكري والسياسي وأظنه كان بنصيحة ثمينة ومخلصه من أصدقائه في الحكومة الأمريكية التي كانت تقدم له كل أنواع الدعم منذ بداية ثورة فبراير , فقد أطلق المليشيات البلشفية التي كانت في السجن وقام بتسليحها على أمل أن تقف بدلاً عن الجيش في صد هجوم كورنيلوف .
حين بدأ القتال كان بضمن جيش كورنيلوف قوات بريطانيه ترتدي الزي العسكري الروسي يقودها بسيارة مدرعه الضابط البحري البريطاني ( أوليفر لوكر لامبسن ) بمعنى أن المعركة كانت بين الجيش الروسي والبريطانيين من جهه – وعلى الجهة الثانيه كان البلاشفة يسندهم الأمريكان … فكيف يكون الإستعمال بالنيابه ( بروكسي ) ؟
من أجل أن لا يتعرض البلاشفة الى أذى كبير قام الشيوعيون في الحكومة المزدوجه والذين يتشكلون في سوفييت بتروغراد بمخاطبة الجنود الشيوعيين في جيش كورنيلوف بعدم حمل السلاح في وجه رفاقهم الشيوعيين , فألقت اعداد كبيرة سلاحها وفشل انقلاب كورنيلوف .
الآن أصبح الوضع مختلفاً .. المليشيات البلشفيه مسلحه ومصرح لها بالحركه , وهكذا في مدة عشرين يوماً تمكنت من احتلال المقرات الحكوميه وطردت حكومة فبراير منها , وتشكلت حكومه جديده بقيادة لينين فيما يعرف بإسم ثورة اكتوبر .
طبعاً بريطانيا لم تستسلم وواصلت القتال منذ عام 1917 وحتى عام 1923 تحت قناع ما يسمى بالحرب الأهلية الروسيه , التي هي في الحقيقه ليست أكثر من امتداد للحرب العالمية الأولى , ففي يوم 3 آذار 1918 انسحبت روسيا من الحرب العالمية الأولى ووقعت معاهدة صلح مع ألمانيا . الولايات المتحده الأمريكيه وجيشها كان موجوداً على الأراضي الأوربيه وبواسطتهم تم توقيع الهدنه مع دول المحور يوم 11 تشرن الثاني 1918 .
تفرغ الحلفاء الى قتال بعضهم من وراء قناع ما يدعى بالحرب الأهلية الروسيه لمدة ست سنوات , شاركت في هذه الحرب جيوش من 14 دوله على رأسها الولايات المتحده داعمه للبلاشفه من جهة _ وعلى الجانب الآخر تقف ( بريطانيا وفرنسا , استراليا , كندا , الهند , تشيكوسلوفاكيا , فنلندا , اليونان , ايطاليا , اليابان , بولندا , رومانيا , صربيا ) داعمين لكل ماهو معادي للبلشفيه .
عند نهاية هذه الحرب نجحت الولايات المتحده الأمريكيه في تأسيس دولة بلشفيه لا تتعايش مع برجوازية أوربا ولا تتحالف معها .
مالذي استفاده المواطن الروسي ؟ وكم إختلف حاله ومستوى معيشته في ظل الدولة الشموليه عن حاله ومستوى معيشته أيام القيصر ؟ هذا السؤال متروك لكم الإجابة عليه , ولكي تفهم الأمور بشكل جيد …. فتش عن المستفيد .
في الموضوع المقبل سنبحث عن كيفية وصول الماركسية الى الصين لبناء ستار الخيزان في آسيا … على غرار الستار الحديدي الذي تم تنفيذه في اوربا .ميسون البياتي – مفكر حر؟