الجهاديون الأجانب في خدمة الأسد
الجزيرة السعودية
محمد آل الشيخ محمد آل الشيخ
كلّ من شدّ الرحال إلى سوريا ممن يُسمون المجاهدين، ومنهم للأسف سعوديون، لا يعلمون أنهم مجرد أحجار صغيرة في لعبة شطرنج استخباراتية كبيرة، تديرها وتتحكم فيها المخابرات السورية وكذلك الإيرانية، والغرض منهم، ومن تسهيل دخولهم الأراضي السورية، بل وتمويل (جهادهم) إذا تطلب الأمر، خلط الأوراق، وجعل سوريا ما بعد الأسد تبدو للعالم أجمع، وكأنها أفغانستان جديدة، بؤرة للإرهاب والإرهابيين؛ وبالتالي يكون إسقاط نظام بشار يعني نصراً للإرهابيين في النتيجة، سيدفع العالم أجمع، والغرب على وجه الخصوص، ثمن هذا السقوط من أمنه واستقراره. وهذا ما يُشير إليه «فهد الرداوي» عضو المكتب التنفيذي في تيار التغيير الوطني المعارض الذي يؤكد أن الجماعات الجهادية في سوريا هي صناعة أسدية خالصة؛ وقال في تصريح لصحيفة (إيلاف) الإلكترونية: (لو نظرنا في سيرة ونشأة تلك الجماعات لرأيناها ضبابية المنشأ ومجهولة التمويل وآمنةً من هجمات النظام الأسدي أينما استقرت أو ظهرت على امتداد الجغرافية السورية، على عكس ما يحدث في المناطق التي تُسيطر عليها المعارضة؛ فالقصف والتدمير عنوانان أساسيان فيها وتصفيات واختطاف في صفوف الجيش الحر داخل الأراضي السورية وخارجها بتركيز استخباراتي عالي الجودة شيءٌ لم نشهده يطال رموز تلك الجماعات المتطرفة).
والسؤال الذي يطرحه السوريون، وهو السؤال الذي يؤكد ما ذهب إليه عضو المكتب التنفيذي في تصريحه سالف الذكر: لماذا تبتعد هجمات قوات الأسد عن المناطق التي يسطر عليها هؤلاء الجهاديون، في حين تصب جام غضبها على المناطق التي يُسيطر عليها (الجيش الحر) المكون فقط من السوريين؛ ما جعل كتائب الجيش الحر تقع بين مطرقة قوات النظام الأسدي من جهة، وسندان ضربات (المجاهدين) الأجانب القادمين من خارج سوريا، من الجهة الثانية؟
وما يُثير السخرية والحزن في آن أن بعضاً من تمويل المجاهدين الأجانب في سوريا يأتي من الخليج، من خلال وسطاء يستثيرون لدى أبناء الخليج العاطفة الدينية، ويوظفون في (جبايتهم) مقولات دينية مثل الحديث الشريف (من جهّز غازياً فقد غزا)، فتتحول هذه العاطفة الدينية الجياشة إلى دجاجة تبيض ذهباً، يستفيد منها طرفان: الأول (الجُباة)، وبعضهم بالمناسبة سوريون يعيشون بيننا، والطرف الثاني نظام الأسد؛ أما من يدفع الثمن باهظاً في النهاية فهم سوريو (الجيش الحر)!.
ولعل الصراع الذي ظهر مؤخراً بين فصائل الجهاديين (الأجانب) والجيش الحر، يؤكد أن ما يحدث في سوريا هو بالفعل نشاطات استخباراتية، يأتي (الجهاد) فيها كمجرد شعار لدفع المجاهدين الأجانب إلى سوريا وفي الوقت ذاته يستدر التمويل، وليس أبعد من ذلك.
وقبل أيام احتفل الجهاديون السعوديون في (تويتر) بما سموه (نفير) ثلاثة صبيان إلى سوريا للجهاد، وذُكرت أسماؤهم، ونُشرت صورهم مبتسمين، فرحين. أحدهم كما يقولون (أصغر مجاهد حائلي) أو هكذا يشير (الهاشتاق) الذي وضعه المصفقون له احتفالاً بذهابه إلى هناك، والاثنان الآخران من مدينة بريدة، والثلاثة لم يتجاوزا السبعة عشر عاماً. السؤال: هل يدري أهل هؤلاء الصبية أنهم يُلقون بفلذات أكبادهم إلى التهلكة؟ وأنهم (يجاهدون) هناك لخدمة بشار، وترسيخ بقائه، وأن المسألة لا تعدو أن تكون (فخاً)، رموا فيه أبناءهم بسذاجة منقطعة النظير وهم في عمر الورود؟
لا مناص من الاعتراف أن هناك صوتاً قوياً نافذاً (تضليلياً) يستخدم كل وسائل التواصل الاجتماعي على الإنترنت، وخُطب الجمع تلميحاً، وبعض معلمي المدارس، وربما أيضاً حلقات تحفيظ القرآن، للوصول وتجنيد المغرر بهم.. وفي ظل صمت مشايخنا الكبار، وربما خوفهم من سلاطة ألسنة هؤلاء الدعاة الحركيين، استطاع من يُجند هؤلاء الغلمان البسطاء أن يُغرر ليس بهؤلاء الضحايا المحتملين فحسب، وإنما بأهليهم أيضاً، وإلا فهل يُعقل أن (تبعث) أمٌ متزنة ومدركة وعاقلة بابنها (الغلام) من أجل أن يموت خدمة لبشار الأسد؟..
إنه الجهل، والسذاجة، والتخلف، والعيش خارج الزمان والمكان، والتقوقع في شرنقة التاريخ، والغياب الكامل عن العصر ومؤامرات العصر.
إلى اللقاء