حـازم الأميـن
NOW الآن
تخلّى الإيرانيون في خطوة “حكيمة” عن نوري المالكي في العراق، وقبل ذلك كانوا تخلّوا عن حكومة نجيب ميقاتي في لبنان.
قضية عرسال تمّت معالجتها على نحو مختلف عمّا عولجت به قضية مسجد عبرا. عاد سعد الحريري إلى بيروت. جميعها مؤشرات حاسمة إلى أن طهران بصدد إجراء تعديل جوهري على شكل إدارتها الملفات الإقليمية التي بيدها.
ثمة فشل كبير في هذه الإدارة. الموصل كانت ذروته، لكن لبنان أيضاً كان مسرحاً لهذا الفشل. فقد أُرسلت القوات إلى القلمون لإنشاء حزام أمان حول دمشق، فتهجر أهل القلمون إلى لبنان، وأضيفوا إلى كتلة ديموغرافية معادية لـ”حزب الله”. النصر في القلمون لم يكتمل ذاك أن حرب عصابات باشرتها فصائل تكفيرية وأخرى سورية هناك، كشفت هشاشة “الإنجاز”، ومما ضاعف من الانهيار انتقال المقاتلين السوريين إلى لبنان بعد أن طُردوا من قصبات القلمون، خصوصاً القصير ويبرود.
ويبدو أن الجنرال قاسم سليماني يقف وراء الفشلين الإيرانيين في العراق وفي لبنان. فالرجل هو من كان وراء سياسة المالكي الإقصائية.
الجميع في العراق، سنّة وشيعة كان يقول، إن سياسات إقصاء واستهداف السنّة هي خدمة مجانية لـ”القاعدة”، وحده قاسم سليماني كان يدفع بالمالكي إلى مزيد الإقصاء. طُرد الزعماء السنّة واستهدفت المدن ولم يتعظ المالكي. فسقط الجيش العراقي في يوم واحد، و”داعش” التي لم تولد في ذلك اليوم، تحولت دولة تفوق مساحة الأرض التي تسيطر عليها في العراق وفي سورية مساحة بريطانيا.
في لبنان لطالما نُصح “حزب الله” ومن ورائه الجنرال سليماني بأن سعد الحريري هو خير شريك في ظل صعود الراديكالية السنّية في المنطقة كلها. ومنذ عام 2006 لم يفوّت “حزب الله” فرصة إلا واستهدف بها الحريري. بدءاً بـ7 أيار ومروراً بالقمصان السود ووصولاً إلى مسجد عبرا. أطيح الحريري وجيء بحكومة “حزب الله” وحلفائه. فكانت النتيجة صفراً من المكاسب، ومزيداً من الراديكالية السنّية.
ومثلما جرى في العراق عبر إطاحة المالكي، كان جرى في بيروت أن تم التراجع عن الميل الإقصائي، فشكلت حكومة برئاسة ومشاركة “المستقبل”، وها هو سعد الحريري قد عاد إلى بيروت.
ثمة من يقول إننا نشهد بداية تراجع في النفوذ الايراني في المنطقة كلها. قد يكون هذا استنتاج سابق لأوانه، لا سيما أن لا قوة إقليمية مؤهلة للاستثمار في الانتكاسة الإيرانية، وأن الأميركيين مستمرون في انكفاءتهم، لكن الأكيد أن طهران تُجري مراجعة قد تفضي إلى التضحية بسليماني بعد الفشل الحاسم في العراق، والنسبي في لبنان، والمتوقع في سورية.
الاعتقاد أنه في إمكان أحد القفز فوق العامل الديموغرافي في ظل الانقسام المذهبي الحاد هو ضرب من الانتحار. في لبنان اليوم نحو ثلاثة ملايين سنّي (لبناني وسوري وفلسطيني). هؤلاء سنّة قبل أن يكونوا أي شيء آخر في ظل ارتفاع منسوب الاحتقان المذهبي. لا أحد إلا السنّة يمكنه أن ينتصر على “داعش”. قفز “حزب الله” في السنوات الأخيرة فوق هذا الاعتبار الواقعي. المالكي أيضاً هو اليوم ضحية قفزة من هذا النوع. فهل نحن أمام مُراجعة؟