إنطلقت ثورة الكرامة السورية فكانت مفاجئة إقليميا ودوليا من حيث التوقيت والأداء والتجاوب الشعبي وسرعة الإنتشار رغم أنه لم يكن لها أية مقدمات فكرية أو تنظيمية ولكن الخطط لمواجهة هكذا حالة إستثنائية تهدد أحد مراكز توازن وإستقرار النظام الدولي كانت مجهزة بالأدراج لكل إحتمالات وربيبه نظام الإستبداد الأسدي الغاصب يعد العدة لمواجهتا منذ عقود … وإنقسمت الانظمة والقوى الدولية إلى فريقين متفقين في الباطن مختلفين في الظاهر ولكل منهما دور ومهمة … فريق وقف علانية إلى جانب النظام … وفريق آخر ولأسباب موضوعية وقف ظاهريا إلى جانب الثورة وسمي مجموعة ” أصدقاء سورية ” … وهناك محاور رئيسية ركز عليها ” أصدقاء سورية ” … أعداء الثورة والشعب والوطن السوري والأمة … في حربهم على ثورة الكرامة السورية … وعمل عليها بالتوازي واضعين نصب أعينهم هدف إستراتيجي ثابت في جوهره مرن في شكله مع مراعاة الأولويات وفق نضج الظروف الموضوعية المحلية والإقليمية والدولية للثورة …:
– القيادة السياسية :
تم تأسيس نواة القيادة السياسية بتاريخ 28/08/2011 ” المجلس الوطني الإنتقالي ” … وطور المشروع عندما أشهر بتاريخ 02/10/2011 ” المجلس الوطني السوري ” … وعندما إنتهى دوره وظيفيا ومرحليا … تم إعادة التدوير وإنتقاء بدقة وفق معاييرهم القياسية وإنتاج طور جديد بإسم ” الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة ” وما أحدث وألحق به من مشتقات وظيفية وأدوات مساعدة ملحقة به ورديفة له وخاصة … ” وحدة الدعم ” و” الحكومة المؤقتة ” وما سمي ” المجالس المحلية ” للتحكم بالمجتمع المدني والحراك الثوري السلمي والتأثير في الحواضن الشعبية للثورة … وكانت بمثابة بقعة زيت ملوثة كتيمة فرضت وصبت على وجه الثورة مبكرا فأفسدتها ومنعتها من إنتاج قيادتها الحقيقية … وأفسدتها وحرفتها عن المسار ومنعتها من التقدم بإتجاه هدفها الرئيس وحولتها من حركة تحرر من الإستبداد وتحرير من الإستعمار إلى راغبة في السلطة وطامحة إلى المشاركة فيها وتقاسمها مع النظام وليس إنتزاعها وهدمه … وكان لهذا المحور الأولوية القصوى لخطورته .
– الحراك الثوري المسلح :
بالتزامن والتوازي مع التقدم في المحور السياسي … كان الإعداد والتحضير للعمل جاري على قدم وساق فيما يخص الشق المسلح من الثورة وبهدف الإستحواذ عليه والسيطرة والتحكم به … بداية بحرق المراحل وتسريع الأحداث وتدمير تطوير أدوات تمويل ذاتي محلية وحصر والتحكم في مصادر الدعم الشعبي ثم بدء ضخ الدعم الحكومي الموجه والمال السياسي المشروط في سياق العمل على جعل هذه الفصائل تعتمد بشكل كلي على الدعم الخارجي … وكانت ولادة الجيش الحر تلاها القيادة المشتركة وصولا إلى تأسيس المجلس العسكري الأعلى وهيئة الأركان كأذرع وأدوات تنفيذية ومن ثم الوصول إلى التعاطي المباشر مع الفصائل التي سمح لها بالنشوء وهيئت لها أسباب التضخم ومنحت أريحية في العمل والنشاط لخدمة أغراض وظيفية مستقبلية وتم إصطناعها على حساب الأخرين وتدجين غالبيتها بالتنسيق ما بين النظام وشركائه وما يسمى ” أصدقاء سورية ” وأتباعهم … بحيث أنها تنشغل في تنافس بيني ونزاعات عبثية ولا تتجاوز الخطوط الحمراء ويتم التحكم والسيطرة في العمليات المسلحة بما يخدم المشروع بشقية … إعادة إنتاج النظام وتحضير الأرض والظروف المناسبة لمشروع ” التقسيم “… وتكون هي أدوات لتفيذه … والقضاء على أي قوة مسلحة أفراد أو مجموعات أو فصائل حرة مستقلة غير مؤدلجة أو تيارات داخلية في هذه الفصائل لا تقبل بذلك ويحتمل ان تشكل مقاومة للمشروع مستفبلا .
– سياسة الإنهاك المنهج :
تواطأت تلك القوى ” أصدقاء سورية ” بشكل مباشر وغير مباشر في جريمة الإنهاك المستمر المتدرج الممنهج لعامة الشعب مع النظام والإحتلال وخاصة في المناطق الثائرة وتبادلت الأدوار وتقاسمت المهام وكانت المعارضة السياسية المعتمدة ومشتقاتها إضافة إلى القوى والفصائل المسلحة العاملة في الثورة المصطنعة والمدجنة أحد الأدوات المنفذة لتلك السياسة – الإنهاك الممنهج – على الارض ميدانيا في المناطق التي تخرج عن سيطرة النظام وتسمى مجازا ” محررة ” مع منع أي محاولة لفك الإرتباط في أبسط الصعد مع النظام والإحتلال.
– الوعي الثوري :
نظرا لإدراك تلك القوى المناهضة لحركات تحرر الشعوب عامة لخطورة ومركزية معركة الوعي وأهميتها البالغة عملت مبكرا على هذا المحور وذلك بداية عبر إستيعاب الإعلام الثوري المتمرد البسيط العفوي الذي نشأ في بداية الثورة وكان له اكبر الأثر محليا ودوليا عبر تأطيره في أطر تنظيمية معدة لهذا الغرض وليس نتيجة تطور طبيعي ونضج للحالة ومن ثم تدريجيا تدجينه وتحويله من سلطة رابعة محتملة حرة مستقلة أطلقت الثورة وقوة شبابية قادت الحراك الثواري المدني ونظمته ورافعة للوعي وناشرة له إلى ملحقات ومؤسسات خدمية هامشية غير فعالة تابعة إلى الشق السياسي أو المسلح … في ظل آلة إعلامية إحترافية جبارة بأذرع مختلفة متمثلة بالقنوات الفضائية المختلفة التي حولت بقاياهم من ثوار أحرار عاملين في الثورة إلى مرتزقة ماجورين يعملون لديها بعلم أو عن جهالة عملت على التضليل والتخدير وتسويق الأدوات المصطنعة … ومنقادون لتلك القوات ويعملون بإمرتها وينفذون سياساتها التضليل والتسميم الفكري وموزعين صغار للقات الفكري .
بإجتماع الشقين الأساسيين – السياسي والمسلح – وما أعلن عنه عبر البيان الصحفي الأخير للهيئة السياسية لإئتلاف قوى الثورة والمعارضة المشترك مع الأجنحة السياسية للفصائل المسلحة العاملة في الداخل المصطنعة والمدجنة والمستحوذ عليها تكون قد إكتملت العناصر الأساسية والمساعدة المطلوبة وتهيأت الظروف الموضوعية لوأد الثورة بإجراء التسوية وإعادة إنتاج النظام ورسم الشكل الجديد للخارطة السياسية للمنطقة عبر الحل السياسي – المزعوم – منذ اليوم الأول للثورة … وفق نطرية الفوضى الخلاقة وادواتها في الثورة السورية.
إن توقيع الفصائل المسلحة العاملة في الثورة على بيان الهيئة السياسية للإئتلاف وإنضائها تحت جناحه رسميا … لم يكن بالأمر المفاجئ للمتتبع والمواكب لتطور وتاريخ الفصائل وما يحدث من حراك تحت السطح وفي الكواليس ومجريات الأحداث … لسببين أحدهما موضوعي والثاني منطقي … أما الموضوعي فهو كونهم عملوا طويلا ككوادر ضمن مؤسساته … والثاني المنطقي يتمثل في وحدة الصانع والراعي والمشغل …!
لقد بلغت الثورة ذروتها ما بين الشهر الثالث والرابع – يوليو أغسطس 2011 – من إنطلاقتها المباركة بتاريخ 18/آذار 2011 … ومن ذلك الحين بدأ المنحنى البياني الكلى للثورة في الإنحدار رغم ما يظهر من تقدم … وفي نهاية العام الثاني دخلت في المنطقة السلبية تحت الصفر ولا زالت مستمرة في ذلك وتقترب بوتيرة متسارعة مؤخرا من القاع ونتوقغ أن تبلغه خلال أشهر … ونسأل الله أن لا يطول المكوث فيه … فالثورة مستمرة لم تتوقف وهناك مؤشرات كثيرة على حيويتها والنهوض مجددا … ورغم سوداوية المشهد والواقع الأليم الذي نمر به اليوم … ولكن هناك بوارق أمل كثيرة تلوح في الأفق والأمر محسوم وفق الحتميات الثلاث والسنن الكونية … وهي مسالة زمن وثمن وستولد الأمة من جديد وإن كان من الخاصرة ولو كره الجميع .