منذ قرابة أربعة عقود بعد زيارة الرئيس المصري أنور السادات للقدس وتوقيع إتفاقية ” كامب ديفيد ” الشهيرة للسلام – إستسلام – عام 1978 عقب حرب أكتوبر/تشرين التحريكية … كنت في الصف الثاني الثانوي وكتبت مقالة كنت أنوي نشرها على لوحة الحائط في المدرسة … وصادف عصر ذلك اليوم زيارة رئيس تحرير جريدة الرأي العام الكويتية ومالكها الأستاذ عبد العزيز المساعيد و الشاعر الأديب المؤرخ الأستاذ خالد سعود الزيد للسيد الوالد – رحمهم الله – بعد صلاة العصر … وكنت أقوم على خدمتهم ودار نقاش حول الموضوع … وكنت أجلس أنصت لحديثهم وإقترب وقت غروب الشمس …
إستغليت فسحة صمت وتفكر … وتوجهت مستأذنا بالحديث إلى السيد الوالد … فنظر إلى الحضور ثم أذن لي قائلا …: خير ماذا عندك يا نبيه … !
قلت ….: لي طلب عند العم الأستاذ عبد العزير …!
فنظر إليه السيد الوالد فقال الأستاذ عبد العزيز …: خير يا نبيه … تفضل …!
قلت له …: لقد كتبت مقال عن الموضوع الذي تناقشونه … وإذا عجبكم أتمنى أن تنشره وأرجو أن تحكم عليه وتقومه حضرتك والعم الأستاذ خالد …!
فضحكوا جميعا … وقال لي العم خالد بس هذا سياسة … أليس هناك ما هو أهم يا ولدي …!
قلت له يا عم …: هذا أيضا مهم … وأتمنى أن تقرأه … وتحكم …!
فتدخل الأستاذ عبد العزيز قائلا …: … ولكن شرط النشر أن يوافق عليه السيد الوالد والأستاذ خالد وأنت تقرأه علينا …!
فأخرجت الورقة من جيبي وبدأت القراءة بعد البسملة … وكان الخاتمة على ما أذكر … :
لماذا الملوك والرؤساء العرب والمسلمين يرضون لأنفسهم أن يجلسوا كالكلاب على الأرض قرب طاولة المائدة بين أرجل قادة الغرب والشرق ينتظرون الفتات وبقايا الطعام يهزون أذنابهم منتظرين عظمة ترمى لهم بينما بإمكانهم أن يكونوا كالأسود ويقفزون على الطاولة يأكلون ما يشتهون …!!!؟
فساد الصمت بين الحضور وتبادل النظرات وإرتسمت إبتسامة على وجه السيد الوالد بعد أن أخفى ضحكته … لم أفهمها … وقطع الصمت شخص آخر لا أذكر إسمه قائلا …: والله كلام جميل والمقال لا غبار عليه وأجمل ما فيه خاتمته …!
ثم تحدث الأستاذ خالد قائلا … : ما شاء الله … المقال جيد ولكن يحتاج الى إستبدال بعض الكلمات … مع المحافظة على المضمون …!
وتوجه بالحديث إلى الاستاذ عبد العزيز …: ما رأيك … هل يمر …!
فتبسم الأستاذ عبد العزيز …: أنا على إستعداد أن أنشره ولكن بتعديل بسيط لا يؤثر على المضمون … والأفضل نغير الخاتمة … ما رأيك سيد أبو نايف – يقصد السيد الوالد – …!
فقال له السيد الوالد …: هو صاحب المقال وله القرار … أن مع رأي الأستاذ خالد …!
قلت …: عم خالد ما قصدك … ” يمر ” … لم يجاوبك العم عبد العزيز …!
أجابني … لا تشغل بالك بهذا الأمر … ما رأيك أن تعدل بعض الكلمات …!
فوقفت وقلت مخاطبا الجميع بحزم …: ماذا أعدل … إذا كان يوجد خطأ لغوي أو إملائي طبعا ولكن غير ذلك لا أقبل تغيير حرف واحد … أنا أقصد تمام كل كلمة ولا أرى أي إساءة في توصيف الحالة … إما كما هو وإلا فلا … وطويت الورقة وجلست مطرقا …!
ساد الصمت … حتى قطعه السيد الوالد … القهوة يا نبيه …!
واليوم … أتذكر ذلك الموقف … أبعد أن من الله علينا بالثورة وأكرمنا أن نكون من الثوار الأحرار المجاهدين … هل نكون معارضة ونقبل بعظمة ترمى لنا …!!!؟
الثائر الحر المجاهد الحق … لا يستجدي حقه ولكن ينتزعه إنتزاعا بالقوة .
تنويه …:
رفض المشرف وإدارة المدرسة نشر المقال على لوحة الحائط في المدرسة بذريعة أننا يجب أن نركز على العلم ولا نتدخل في السياسة … وتم تأنيبي على ذلك رغم أن معلم اللغة العربية أشاد بالموضوع وكان مع نشره …!