التنوير في كنيستنا الجامعة الرسولية

Worshippers hold candles as they take part in the Christian Orthodoxالتنوير مهمة رئيسية لعمل الروح القدس فينا.فلا نور إلا أن يكون منبثق من مسيحنا نور العالم.و أي نور بدونه هو نور زائف أو ظلمة مخادعة.و التنوير عمل دائم.لا توجد لحظة يتوقف عندها إنسان و يقول أنا إستنرت و لا جاجة لي إلي تنوير.أو تقف فيه أي كنيسة و تقول أنا مستنيرة و مكتفية بنوري.إذ ليس لعمل الروح القدس في الفرد أو في جماعة المؤمنين معاً نهاية.الروح القدس هو الإله غير المحدود و عمله أيضاً غير محدود ما قبل الزمان و في الزمان و ما بعد الزمان.
و الروح القدس هو الذي وضع لنا السراج.و سراجنا هو الكتاب المقدس.كانت أدوات الروح القدس في وحيه أناس قديسين إنقادوا به و عصمهم من أي خطأ في تلبية ما يريده الوحي الإلهي في كتابه المقدس.فصار لدينا كتاب مقدس معصوم من الخطأ.غير قابل للحذف أو ألإضافة. صار لنا كتاب الحياة الكامل.يصلح للجميع في جميع الأجيال.و هكذا صار الكتاب المقدس نوراً و تنويراً لجميع الأجيال و لكل من يرغب أن يهرب من الظلمة.
عصر النور
كذلك الروح القدس أرشد كثيرين من آباء الكنيسة الأوائل إلي تفسير ما إستعصي فهمه علي البسطاء إستكمالاً لتثبيت الإيمان في بدايات الكنيسة في العالم أجمع.و حظيت تفسيراتهم علي موافقة المجامع و علماء و قديسي أزمنتهم حين كانت الكنيسة بالحقيقة واحدة جامعة رسولية.فالروح القدس إستخدم أيضاً آباءنا في التعليم أو في وضع أساس متين من تفسير ما في الكتاب المقدس من تعليم حي أبدي .فالحقيقة أنه لا توجد تعاليم آباء بل يوجد آباء علموا الكتاب المقدس بمهارة و موهبة خاصة و نعمة من الروح القدس.فنحن لا نتبع تعاليم آباء بل نتبع تعاليم المسيح له المجد التي قدمها لنا الآباء مشروحة و مفصلة بعد بحث و حوار مع عظماء المفسرين في أجيالهم.لذلك إن أردنا أن ندقق اللفظ فلا يجب أن نسرف في القول أننا نتبع تعاليم الآباء.لأننا نتبع التعاليم التي إتبعها الآباء أنفسهم و هي تعاليم السيد المسيح الموحي بها بالروح القدس.فليس للآباء تعاليم خارجة عن الكتاب المقدس و إلا لا يمكن أن تسمي تعاليم مسيحية.فالتعليم إلهي سماوي.و ليس إنساني.أما هؤلاء الآباء القديسون فكانوا أدوات طيعة في يد الروح القدس ففاض عليهم بإستنارة جعلتهم متمكنين في فهم اللغة السمائية الكامنة في الكتاب المقدس.لذلك نحن لا نخالف هذه الإستنارات التي إستمرت قرون طويلة حتي إنقسمت الكنيسة و ضاع كثير من التراث المستنير .
عصر الظلمة
من بعد الإنقسامات المتوالية مرض جسد الكنيسة.فالبتر يضعف الجسد كله و قد تعرضت الكنيسة الواحدة إلي بتر متوالى و لا أعرف الآن أي عضو في الكنيسة قد تبقي بغير بتر.لذلك فإستنارة الكنيسة تبدأ بالإلتجاء لصانع الكمال وحده ليعيد للكنيسة كمالها و يزرع أعضاءاً جدداً عوض المبتورة.أو يعيدها كما أعاد أذن عبد رئيس الكهنة إلي مكانها و وظيفتها.و في عصر الإنقسامات لا تسأل عن التعليم.إذ صار التعليم متأرجحاً بين ذات متمردة و مصالح متعددة و نفوس صارت مشردة.
لا نستطيع أن نقول أن التعليم لم يتأثر في كل العالم بأحداث الإنقسامات و التحزبات و إختلاط الكنيسة بالإمبراطوريات و بالأنظمة الحاكمة.لا نستطيع أن نأخذ كل ما هو قديم لمجرد أنه أصبح تاريخ عتيق .فكثير من القديم كان نتاج نفاق تاريخي و صراع سلطوي لا يليق أن نحييه لمجرد أنه عتيق فهو كالإنسان العتيق الذي لا يصلح لشيء سوي للموت و الدفن و النسيان.
الإفراز
أما كيف نفرز بين الدرر الثمينة و بين كتابات قديمة فلا مجال سوي البحث و التنقيب و الترجمة و التحليل و إتباع منهج روحي علمي يضع علي عاتقه مسئولية جسيمة و هي إستخراج التعاليم الصحيحة من طيات الكتب و المخطوطات و نضعها في نور الكتاب المقدس للحكم عليها دون النظر لإسم كاتبها أولاً حيث أنه في عصور كثيرة حصلت دسائس و مؤامرات حتي أن الخصوم دسوا تعاليم فاسدة و وضعوا أسماء عظيمة كأنهم أصحاب لهذه التعاليم و التفاسير فجعلوا المهمة صعبة لكنها بنعمة المسيح ليست مستحيلة لو تكرس لها رهبان مثقفين و علماء و دارسين من العلمانيين فنستخرج من المخطوطات و الكتب القديمة ما يجب أن نضعه في الإعتبار من تفسير سواء روحي أو عقيدي أو لاهوتي. و يصير إتفاق علي مرجعية هذه التعاليم فتكون حاكمة .
عودة مدرسة الإسكندرية
يجب أن تعود مدرسة الإسكندرية إلي الدير.و هي كانت كذلك في القديم لذلك خرج منها أعظم البطاركة الأوائل.حين تعود إلي الدير حيث يوجد متفرغين للتبحر في الكتاب المقدس و كتب التفاسير التي قدمت لنا الكتاب معاشاً و جعلته مفتوحاً قدام القلب و العقل و الروح. و كل من يلتحق بهذه المدرسة يعيش تلمذة بقدر ما يعيش بحثاً و تعليماً.فالتعليم الشارد يحدث حين لا يتأسس علي تلمذة.لذلك رب المجد تلمذ الرسل و أمرهم بتلمذة جميع الأمم.أما إكليريكياتنا الحالية فهي لا تختلف عن أي مدرسة و تعليم سائد في مصر فهي تلقين و حفظ و نظريات فيخرج منها متخرجون يصيروا كهنة غير مؤهلين لأنهم لم يشبعوا و يتتلمذوا علي روح الكتاب المقدس لكنهم فقط نجحوا في كتب أخري لا تصنع منهم رعاة و آباء. و يصنعوا لنا أجيالاً عميقة في سطحياتها متذبذبة في توجهاتها.حتي أنه يجب أن نلاحق كل متخرج من هذه الإكليريكيات و نعيد تأهيله حتي لو صار كاهنا منذ سنين. يجب إعادة النظر في جميع كليات الإكليريكية ليس في مناهجها بل في نظام و فكر التعليم نفسه.ليست الإكليريكيات هي مدرسة الإسكندرية بل هي أقزام و زوائد قدام هذا الإسم العملاق.
إن الحاجة إلي مدرسة الإسكندرية الحقيقية هي حاجة ماسة .يلزمها فتح الأدراج المغلقة.و العقول المتشبسة.فالتنوير قد يبدو في بدايته مثل معركة بين مدمني الظلام الخائفين من النور و بين الراغبين في الإستنارة الحقيقية حتي لوذابت فيها ذواتهم و سمعتهم و مكاسبهم.فالحقيقة أنه لا يوجد في جيلنا عمالقة كما كان قديماً .و لا لاهوتيين كما رأينا قبل الإنشقاقات.عندنا آباء يخلطون بين الوعظ و التعليم.و لا يفرقون بين التأمل و التفسير.عندنا آباء صنع شهرتهم إعلام العالم و تضخمت آراءهم لأسباب سياسية .أو أن البسطاء نسبوا إليهم الألقاب الرفيعة التي لا يدركون فحواها.عندنا آباء يتصدرون المشاهد و هم لا يمتلكون أساساً متيناً يؤهلهم لهذه الصدارة. عندنا كهنة و خدام فيهم نفس المآخذ.كذلك كُتاب يحنون إلي تقمص دور العلماء و العارفين دون أن يكون لهم سند من العلم و الدراسة. لذا نحن نريد مدرسة تقدم لنا علماء في الكتاب المقدس و في العقيدة و اللاهوت و الطقس و التاريخ و الترجمات و لا نريد طلبة متخرجين يصيروا كهنة أو رهبانا فاقدين لأساسيات التعليم .ثم يكتبون للشعب كتباً و كتيبات يتم تداولها كأنها هي التعليم الصحيح فيفسد التعليم الحقيقي بسبب هذه السطحية .
التعليم
إن كلمة التعليم صارت مجالاً خصباً للمشاحنات…نتصارع بسببها و ننقسم بسببها و نهاجم بعضنا البعض بسببها.و قد يسفه البعض البعض الآخر بسببها.و يطول تسفيهنا الكثيرين دونما إحترام و يسير البعض في طريق أدي في عصور مختلفة إلي إحتقار الكهنوت و التمرد عليه.فعلينا أن نتوقف قليلاً و نلتقط أنفاسنا و نتساءل كيف نعالج الأمر دون إخلال و تجاوز.لا من رتبة كنسية و لا من إنسان بسيط و لا من كاتب أو من معلق علي مقال. إننا يجب أن نجد التعليم أولاً .فالبعض يتصارع لأجل تعليم لم يقرأ عنه و لا بحث فيه و لا درسه .البعض يستغل أي نقد علمي ليهاجم الكنيسة التي لا يتفق مع عقيدتها فيكون كمن يرمي جريحا بحجر مخالفاً السامري الصالح.إن أول مهمة و أهم دور يجب أن نلتفت إليه هو أن نجد التعليم المسيحي الموثوق فيه أولاً.نجده متاحاً للجميع.لا نريد أن يفتخر واحد أن فلاناً من الآباء قال ما يؤيد كلامه و نحن لم نقرأ ماذا قال الآباء.وفروا التعليم للشعب.ترجموا كتب الآباء بأمانة كما يحاول جاهدا الأب المبارك علامة العصر الهادئ أبونا تادرس يعقوب ملطي .
حين يكون التعليم موجوداً لجميع الآباء الثقات.حين يكون هناك تحليل و نقد علمي و موضوعي لنقاط الخلاف التي حدثت حتي بين الآباء القدامي .حين تكون لكنيستنا مدرسة علي أعلي مستوي علمي أكاديمي روحي ملتزمة بالتلمذة للمسيح تحت إرشاد المختبرين , ساعتها نسترد الوعي التعليمي.ساعتها نجد مادة نتناقش و نتحاور بشأنها و تكون لذة التحاور حول كلمة الله لذة مشبعة و ليست كما هي الآن صراعاً و شتائماً و إتهامات و تكفيراً في لقاءات تليفزيونية و كتابات علي مواقع التواصل و هذه كلها لا تصلح أن تكون تعليماً.نحن لم نجد التعليم بعد.نحن نعيش بفكر شخصي ثم نتهم بعض الطوائف أنهم يفسرون الكتاب تفسيرا شخصيا .نحن محتاجون للتعليم المسيحي الذي يتلمذنا علي كلمة الروح القدس حين يخرج المعلم عن نفسه.و يصبح التعليم صافياً من الذات.ليس له أغراض سوي خلاص النفس .أما الإفتخار بالتعليم فهو آفة من آفات الذات.تقدم للناس المعلم البشري و يتوارى المعلم الصالح الإلهي. فليس كل من قرأ كتباً للقديس أثناسيوس صار لاهوتياً و لا كل من إقتبس قولا أو قولين صار من الآباء العظام و ليس كل من كتب عدة كتب صار عالماً فكفي إفتخاراً و علمونا التلمذة بتلمذتكم للمسيح و وفروا لنا تنويراً نحتاجه في هذا العصر المضطرب.لتعد الكنيسة بمسيحها و عمل الروح القدس فيها سر ثبات الحب في عالم لا يعالج جراحاته سوي المحبة المسيحية.
من أجل سلام الواحدة الوحيدة نطلب
أيها القدوس الذي تجسد مرة واحدة.و مات مرة واحدة.قام و صار في الأعالي و سيبقي كما كان دواماً.الذى من جنبه روى نبتةَ واحدةَ هي كنيسته المقدسة التي إقتناها بدمه.يا خالق العروس الذي أصلحها و جملها لكي تكون فيه ملكة.ها العروس قدامك دائماً. إنضح عليها فتتلاشي كل عيوبها.أردد أعضاءها الناقصة و أجزاءها المبتورة فتكون عروستك الواحدة الوحيدة علي مثالك الكامل أيها الواحد وحده الحقيقي.
من جنبك وُلدت و لن تحيا بعيدا عن جنبك الجريح.منه خرجت و إليه تعود حتي تصبح بالحق ملكة.من كل تجاعيد الزمان إمسح وجهها بيدك الحانية فتسترد شبابها.
يتقولون علي عروسك فهل تصمت أيها العريس.إصنع ما شئت لكي تتمم وعدك الذى وعدت و عهدك الذى قطعته لأجلها أنك ستحارب الأباطيل عنها.و تبطل آلات الفساد إن كان فكراً أو فعلاً أو شخصاً. حان أوان تدخلك السريع لأننا ندمي من الداخل و الخارج.نحن المدعوين المشوهين.نحن القطع و العمي و العرج و العسم.فهل نكمل فيك أيها الصالح لنبق في وليمة العُرس.و كيف نبق بدونك.و خطايانا إمتدت آلاف الأعوام.لكن مراحمك فوق الأزمنة كلها .فإرحم عروسك و كل عضو فيها.و نق القلوب من كل شر و شبه شر.فما أحلي أن يقل بك الضعيف بطلٌ أنا .

About Oliver

كاتب مصري قبطي
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.