التفسير الليبرالي للنصّ الإسلامي

لم يوضَع هذا العنوان لأجلِ جلبِ الأنظار بجمع النقيضين بطريقة ( خالِفْ .. تُعرَف ) . ولا حتى لأجلِ إغاضة المُتدينيين المتزمتيين . رغم أنّي اُفضّل طريقة ( الصدمة ) مع هؤلاء ,معناها .. [ رعوداً وصواعق , يجب أن يتكلّم المرء الى الحواس المُرتخية النائمة / حسب نيتشه ]
كُلّ ما في الأمر , أنّ حوارات (( الفيس بوك )) , هي كباقي الأشياء في عالمنا .. سلاح ذو حدّين !
فرغم جمال الأفكار التي نتبادلها مع التنويريين ( من أجيالنا ) , والمتنوّرين ( من الشباب ) . فقد تقع علينا بذاءات وسفالات من أدعياء الدين والتديّن .
ويالهُ من تديّن , يُنسي صاحبه أيّ نوع من الحصافة والكياسة ويجعل لسانه مُنفلت الزمام على الدوام !
*****
و كي لا أطيلَ عليكم , فالذي حصلَ أمس ودفعني اليوم لتحرير هذهِ الورقة ,هو تعليق ( أحدهم ) على موضوع الساعة ( الأهمّ ) في جريدة المصري اليوم . ألا وهو قرار محكمة القاهرة للأمور المُستعجلة , التي أصدرت حُكماً تأريخياً ( في الواقع هو مُش تأريخي أوي فهذا ثالث قرار من نوعهِ ) يقضى بحلّ جماعة الإخوان المسلمين وحظر نشاطها ومصادرة مُمتلكاتها / صدرَ ونُشرَ الحُكم يوم الإثنين 23 سبتمبر 2013
و كالعادة عندما تتشعب تعليقات المتابعين , فإنّها ستطال في هذهِ الحالة الحديث عن الدستور المُنتظرْ , ولجنة ال 50 المنهمكة هذه الأيام في صياغة دستور عصري مصري مدني , يقود هذا البلد الأمين ( وهو القدوة في المنطقة ) وشعبهِ النبيل الى أعتاب النهضة الحضارية الحقيقية التي طال إنتظارها .
وعندما كتبّ أحد العقلاء جملة تقول : نحتاج الى نصّ في الدستور المصري يحظر إنشاء الأحزاب على اُسس دينية أو طائفية أو قومية .
كون تلك الأسس تُفرّق الشعب , بدل أن تجمعهُ على طريق الوطنية في حُب مصر , والعمل لنهضتها .
أجاب أحد ( البائسين ) … عجييييييييييييب !!!
أتقبلون في دستوركم كلام الليبراليين والديمقراطيين وأفلاطون وديمقراط ولا تقبلوا ب قال الله وقال الرسول ؟
وأضاف : أبغيرِ حكم الله ترضون ومن أحسنُ من اللهِ حُكماً ؟
و مقالي هذا , هو الرّد المُفصّل على هذا المخلوق ( أبو ديمقراط ) وأمثالهِ

*******
أولاً / مَن قالَ أنّ المُتاجرين بالدين الإسلامي والمُشتغلين الرسميين به وكلّ الأشياخ والمشايخ على الساحة , هم مُمثلي الله على الأرض ؟
هل يحمل هؤلاء صَكّاً أو تفويضاً ربانياً بذلك ؟
لماذا لا يكون أيّ رجل (أو سيّدة ) / علماني أو ليبرالي أو إشتراكي أو مجرّد مثقف عقلاني ,هو مُمثل الله ومُفسّر كلامه ؟
أنا أستطيع الإدعّاء بأنّ رجلاً عالماً باحثاً في أصول الأديان ,وطبيباً ك (( د. كامل النجّار)) أقدر من ثلاثة أرباع هؤلاء في تفسير الآيات والأحاديث
فهو كان منتمٍ لجماعة الإخوان ردحاً ليس بقصير من حياتهِ قبل أن يقرف من أعمالهم وأقوالهم ,لينفتح على باقي الثقافات ويختار طريقاً مُخالفاً .. هو طريق العلم والبحث العلمي والعمل والإبداع !
أنا نفسي ( وأيّ إنسان مُماثل ) يُمكنني كشخص من اُصول إسلاميّة ومتمّكن بدرجةٍ ما من اللغة العربية , أن اُفسّر الكثير من الكلام أفضل من هؤلاء الكُسالى الذين إختاروا طريق العمل بالدين , لفشلهم في الدراسة العلمية أو لهروبهم من التجنيد الإجباري مثلاً ( تذكرون أنّ بعض دولنا المتخلّفة تعفي طالب الدين من الخدمة العسكرية ) !
وشوفوا من جهة اُخرى كم يكره أبنائنا تلك الخدمة ويبحثون عن طُرق بديلة حتى لو كانت بائسة !
ثُمّ أنّ أدعياء الدين أنفسهم لا يتّفقون على رجل واحد , ويقولون في الإختلاف رحمة .
حسناً في الإختلاف رحمة , لكن ليس لحّد تخوين وتكفير مفتي الديار المصرية السابق وعضو هيئة كبار العلماء (الشيخ علي جمعة ) .
ومَن إعتدى عليهِ وأهانهُ وكفّرهُ ودعى عليه بالويل والثبور ؟
إنّهم شباب الإخوان المسلمين في كليّة دار العلوم في جامعة القاهرة .
( إنظر الرابط الأوّل )
*****
ثانياً / ظهر في أوقات مختلفة من التأريخ الإسلامي , أفراد و جماعات وحركات وأحزاب … تدعو وتُعلن تقدميّة الأسلام .
بعضهم رفع شعار الإسلام الليبرالي , أو الإسلام الإصلاحي التقدمي … وما شابه ذلك .
فقبلَ أن يتجمّد الفكر الإسلامي ( بعد عصر المأمون بقليل ) ظهرت آنذاك حركات المعتزلة والمرجئة وإخوان الصفا وإبن رشد وإبن سينا …
و حوالي بداية القرن الماضي ظهرعبد الرحمن الكواكبي و جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا وآية الله الشيخ إياد الركابي ( وهذا يُكنّى بمؤسس الفكر الليبرالي في الإسلام في العصر الحديث ) … وصولاً الى جمال البنّا ونصر حامد أبو زيد وأحمد صبحي منصور وأحمد القبانجي , وغيرهم كثير .
هؤلاء عموماً أتقنوا الفلسفة التي تعتمد على الإجتهاد والتفكير والمنطق , بدل النسخ والنقل بالطرق التقليدية من الكتب الصفراء .
تلك الكُتب التي جلبت الحرج والتناقض الشديد في أغلب الأحيان لمستخدميها أنفسهم .
وعندما تسألهم لماذا إستشهدتم بكلام فلان ( إبن سعد أو إبن كُثير أو القرطبي أو الطبري أو العسقلاني … الخ الهلُمّه ) , رغم ضعفهِ الذي تقولون ؟ لماذا لا تحرقوا تلك الكُتب البائسة , لتتخلصوا من قرفها ؟
يجيبونا ((مهما يكن الأمر فأنّها تراث إسلامي لا يجب الإقتراب منه )) !
أرأيتم غباء أكبر من هذا ؟
*****

ثالثاً / هناك آيات وأحاديث ونصوص إسلاميّة عديدة , يمكن للمرء الناطق بالعربية أن يُفسّرها بسهولة ويُسر الى مظاهر مدنية علمانية توافق حقوق الإنسان كما في شكلها الدولي الحالي . فلماذا المبالغة في الإبتعاد عن هذا السبيل ؟
1 / ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً))
أمر ربّاني صريح بإتخاذ السلم مبدأ للحياة !

2 / ((فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلا))
معناها حتى الكفّار , لا داعي لقتالهم إذا لم يبدؤوكم .
فما بالكَ مع أتباع باقي الديانات ؟ وهل يتطلّب الأمر ذكر فقرة الشريعة الإسلامية في كلّ دستور عربي ؟
3 / (وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ))
معناها طريق الحلم والصبر .. أفضل من طريق الغضب والشرّ .
4 / (( لكم دينكم وليّ دين )) … معناها حُرية الأديان لجميع العباد !
5 / ((وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فيسبوا الله عدواً بغير علم))
معناها : يا إخوانجية لا تشتمونا , كي لا نُشرشح عفونتكم وعطونتكم .
6 / ((وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ))
معناها .. حتى لو كان الطرف العلماني هو الباديء (في التهّجم )
عليكم ( يا إخوانجية ) , فهذا لأجل مصلحتكم في النهاية , كي تفتحوا عيونكم وعقولكم على هذا العصر والزمان الذي يحتاج الى العلم والعمل بدل الخداع والكسل . فتقبّلوا النصيحة العقلانية لأجل ذواتكم !
*******
والخلاصة :
هناك عشرات الأمثلة مثل التي سبقت أعلاه يمكن للمرء الإستعانة بها لقلب المنضدة على أصحاب التشدّد والتطرّف والتزمّت .
وكما قلنا مراراً , فإنّ نصوص الإسلام هي من الإتساع والإختلاف بمكان بحيث تشبه سوبر ماركت كبير ( وبعدّة طوابق ) يمكننا شراء ما نشاء حسب إمكانياتنا المادية . ( وهنا حسب قراءاتنا وثقافاتنا المتنوّعة )
فيا أيّها المتاجرون بالدين , تذكرّوا المقولة الخالدة لعالم الإجتماع الإنكليزي هربرت سبنسر / البقاء للأصلح !
survival of the fittest
وحاولوا وزن أموركم وأعمالكم بالعلم والمنطق والعقل الرشيد . وأوصي بقراءة مقال د. عبد الخالق حسين : قراءة في كتاب / أغلاق عقل المُسلم الذي يعرض فيه كتاب الدكتور روبرت رايلي (Robert R. Reilly). وعنوانه الثانوي كان /(كيف خلق الانتحار الثقافي أزمة الإسلام الحديثة)
وهذا بعض نصّ المقال لأجل التشويق لفتح الرابط المُرفق !
[ .. أما الإسلام الذي بدأ في القرن السابع الميلادي في الجزيرة العربية، ورغم أنه حقق نهضة سريعة، فخلال ثلاثة قرون إنتشرت الحضارة الإسلامية في شمال أفريقيا، والشرق الأوسط، ومناطق نائية في وسط وشرقي آسيا، وحتى غربي أوربا، وأسست المدن والمعاهد العلمية والمكتبات، ثم إنهارت هذه الحضارة في القرن الثاني عشر الميلادي وغاص العالم الإسلامي في ظلام دامس، ولم تنهض كما نهضت الحضارة الأوربية.
لذا يسأل المؤلف: لماذا لم تحصل النهضة في العالم الإسلامي بعد كبوته على غرار ما حصل للغرب؟
يركز المؤلف على ما حصل للفكر الإسلامي من تطور في العهد العباسي، وبالأخص في فترة الخليفة المأمون، حيث صعدت حركة المعتزلة الفكرية العقلانية، وهي امتداد لحركة القدرية (من القدرة والإرادة الحرة في أخذ القرار). فالمعتزلة هم دعاة منح الأولوية للعقل على النقل، وفلسفتهم تتركز على أن الإنسان مخيَّر ويتمتع بالإرادة الحرة، لأنه يمتلك العقل الذي بواسطته يستطيع التمييز بين الخير والشر، والعدالة والظلم .
لذا فهو المسؤول عن نتائج أعماله وفق الآية:
(فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يرى ومن يعمل مثقال ذرة شر يرى)
وبدون هذه الإرادة الحرة في الاختيار فالإنسان غير مسؤول عن أعماله . لذلك ليس من العدالة معاقبته إذا ارتكب جرماً.
وهذه المدرسة هي على خلاف المدرسة الفكرية الأخرى التي تسمى بـ(الجبرية) التي تقول أن الإنسان مسيَّر، ولا إرادة له في أخذ قراراته وصنع أعماله .لأن كل ما يعمله ويتعرض له هو مكتوب عليه من الله منذ الأزل وقبل ولادته.
والجدير بالذكر، أن خلفاء بني أمية شجعوا هذه المدرسة الفكرية لتبرير ظلمهم، بأنهم إذا كانوا ظالمين فإن الله هو الذي سلّطهم على رقاب المسلمين، فالظلم ليس ذنبهم، بل بإرادة الله ] .. إنظر الرابط الثاني

******
الروابط :
الرابط الأوّل / ردود فعل الطلاب حول الإعتداء على الشيخ علي جمعة

https://www.youtube.com/watch?v=zlpJp9Aom80

الرابط الثاني / مقال د. عبد الخالق حسين / قراءة في كتاب إغلاق عقل المسلم , لمؤلفهِ د. روبرت رايلي
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=572

تحياتي لكم
رعد الحافظ
24 سبتمبر 2013

About رعد الحافظ

محاسب وكاتب عراقي ليبرالي من مواليد 1957 أعيش في السويد منذُ عام 2001 و عملتُ في مجالات مختلفة لي أكثر من 400 مقال عن أوضاع بلداننا البائسة أعرض وأناقش وأنقد فيها سلبياتنا الإجتماعية والنفسية والدينية والسياسية وكلّ أنواع السلبيات والتناقضات في شخصية العربي والمسلم في محاولة مخلصة للنهوض عبر مواجهة النفس , بدل الأوهام و الخيال .. وطمر الروؤس في الرمال !
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.