طُرقُ التدريس في العالم المتحضر,هي: عبارة عن نقل المعلومة والخبرة والمناهج العلمية إلى الفئة المتعلمة أو إلى الفئة الراغبة بالتعلم, وذلك باستخدام نظريات التعلم الحديثة , وأيضا تستعمل النظريات السيكولوجية الحديثة لنقل المعلومة إلى المتعلم وتسهيلها عليه واحترام رأيه وشحذه بحب المعرفة والاستطلاع والاكتشاف المفيد للبشرية, وتستعمل لهذه الغاية وسائل مثل: التعليم الذاتي,أو ما يشار له تحت مصطلح(تعليم المقهورين) أو : المتعلم العصامي الذي يقرئ على نفسه ويتعلم من خلال القراءة والمتابعة بما يملكه من قدرة على البحث وتحقيق ثقافة التواصل بينه وبين العلم والمعرفة وبهذه الطريقة نبغ كثيرٌ من العلماء, وهذه الفئة غالبا ما تكون من المتعلمين الذين فشلوا في الدراسة بالمدارس والجامعات ولم ينسجموا مع المناهج أو مع طرق التدريس ولهؤلاء مزاج خاص في التعلم…إلخ,ثانيا: التلقين,ثالثا:الاستقراء, رابعا:الاكتشاف والمناقشة وتحفيز العقل واستثارته عن بعد وعن قرب, وغير ذلك بكل ما له صلة مما ذكرناه , وكل الذي ذكرناه يعتبر نظريات حديثة في التعلم إلا بندا واحدا ليس له صلة بالتربية والتعليم الحديثة وهو(التلقين) وهو ما درجت عليه المدارس العربية والجامعات العربية,وهذا أسلوب قديم إنتهى أجله مع الثورات العلمية الحديثة وظهور نظريات حديثة في علم النفس التربوي, فأسلوب التعليم في الدول العربية الإسلامية لا يعتمد على الاستقراء أو الاكتشاف , وإنما يقع كله تحت بند:التلقين وعدم السماح للمتعلم باستخدام ذكائه وعقله , وهذا النوع هو الدارج في البلدان العربية الإسلامية المتخلفة , والمواقع التي يقع فيها الإنسان تحت هذا الضغط من التعليم هي: الأسرة, المدرسة, الجامعة, رياض الأطفال, الجامع,مؤسسات الدولة, ومراكز صنع القرار,والمؤسسات العامة والخاصة بما فيها مؤسسة القبيلة ومؤسسات الدولة المدنية وغير المدنية, وأخيرا : القيادات العسكرية الكبرى.
إن الظلم الذي تتعرض له المدارس والمتعلمين لا يمكن السكوت عنه أو تجاوزه لهذا الحد, فكل مواقع صنع القرار يتعرض فيها المواطن والطالب إلى التهميش من خلال فرض نظام التعليم التلقيني, وهو ما يشار إليه علميا باسم(التعليم البنكي) والتعليم البنكي يقصد به أن عقلية المتعلم عبارة عن بنك معلومات يتم إيداع المعلومة بداخله دون السماح من البنك والمودع معاً للمتعلم بمناقشة الفكرة التي تتم عملية إيداعها في عقلية المتعلم , لذلك من الممكن أن نشاهد معجزة على وجه الأرض إذا قام أحد المصلين بمقاطعة الشيخ أو الخطيب وهو يخطب سائلا مولاه عن هذه القصة أو عن ذاك الحديث, فهذا من المستحيل أن نشاهده أو نسمع به, وهو فعلا من عاشر المستحيلات أن نشاهده على أرض الواقع, وكذلك في المدرسة, فالطالب في المدرسة من غير المسموح له أن يناقش مع المعلم فكرة الدرس أو حتى أن يعارضها الطالب أو يبدي رأيه ويكتفي المعلم بدور المودع في البنك, والمعلم هو المودع والطالب هو رقم الحساب, والعقل هو البنك, وكذلك في الأسرة إذ يعتمد رب الأسرة على تلقين أولاده للمعلومة التي يريدها غير سامح لأبنائه بالمناقشة معه أو حتى بالاعتراض على حجم المعلومة أو صحة المعلومة ودقتها, ويكتفي رب الأسرة بتلقين الأبناء على هذا النوع من التعليم, وكذلك سيد القبيلة يحشو رؤوس أراد هذه القبيلة(المؤسسة العشائرية) بما يريده من معلومات ولا يسمح مطلقا بالنقاش معه , معتبرا نفسه الفيلسوف والحكيم الذي يعرف الداء والدواء, لذلك معظم نظريات التعلم والتعليم في الوطن العربي مبنية على التلقين والحشو جاعلة من المواطن وهو طفل صغير وعاءً أو بنكا يحشون فيه المعلومات ويدخرونها للمستقبل مثلها مثل النقود التي يدخرونها, ويبقى الطفل على هذه الحال حتى يكبر ويدخل المدرسة, وفي المدرسة يعتبر عقله بنكا وفي الجامعة بنكا وفي الوظيفة بنكا , وأمام البرلمان بنكا, وهذا هو الخطر الذي يتربص بنا جميعا , فمدارسنا بنوك وجامعاتنا بنوك, وأهم 500جامعة في العالم لا توجد من بينهن ولا أي جامعة عربية وكل ذلك يعود لضعف مناهج التدريس ووسائل التعلم والتعليم وضعف مخرجات البحث العلمي , وكل الوطن العربي من شرقه إلى غربه لا يضاهي دولة صغيرة مثل إسرائيل في تسجيل براءات الاختراع ومخرجات البحث العلمي ونشر ثقافة حقوق الإنسان, حتى أن في التربية الحديثة هنالك حقوق للإنسان مثل: المناقشة والمشاركة والاستقراء وإبداء الرأي والرأي الآخر وكل تلك الأمور في وطننا العربي تعتبر غائبة عن عقلية المتعلم , والمتعلم غائب عن عملية التعلم, والمعلم ضحية المناهج والطالب ضحية المعلم والمنهج, والذي يوهم الجماهير في الوطن العربي يتعبر بحق سيدا وزعيما لهم, والذي يريد أن يزيل الأوهام عن أعين الناس يصبح ضحية لهم, وكل ذلك بسبب عملية التعليم البنكي,وهذا النمط يعتمد على:الحفظ والتذكر وإعادة ما يسمعه المتعلم,وتمجيده وتقديسه وعدم مناقشته , ومناقشته تعتبر جرأة نادرة,وأحيانا جريمة يعاقب عليها القانون في البيت والجامع والمدرسة والجامعة.وفي أيام الامتحانات المدرسية والجامعية يقوم الطالب المتعلم بتسليم المعلومات إلى المعلم,كما يقوم البنك بتسليم الأموال إلى المودع…..وشكرا.