التدخلات الإيرانية.. من منطلق الضعف أو القوة؟
*د.محمد الموسوي
تزامنا مع المفاوضات النووية بين النظام الإيراني مع الدول خمسة + واحد (5+1) وبعد إزاحة المالكي عن السلطة في العراق، أخذت تدخلات النظام الإيراني في العراق وفي باقي الدول بالمنطقة أبعادا غير مسبوقة وعلنية في الوقت ذاته حيث أعلن ويعلن النظام الإيراني ومسؤولوه وبكل صراحة وتبجح عن تدخلاتهم في الشؤون الداخلية لدول المنطقة منها العراق ولبنان واليمن وسوريا وبالغوا وتمادوا في تبجحهم ومازالوا فلا يمر يوم إلا وأشاروا فيه إلى جرائمهم تلك.، ففي آخر نموذج لهذه التبجحات كتبت وكالة أنباء (فارس) التابعة للحرس الثوري الإيراني في 30 كانون الأول/ ديسمبر2014 تقول:(أكد الجنرال حسين سلامي نائب قوات حرس للثورة الإسلامية أن ما نشاهده من تغيير في موازين القوى بالمنطقة يصب في مصلحة الثورة الإيرانية الإسلامية) وقد نقلت الوكالة عن سلامي قوله أن لدى الثورة الإسلامية علاقات وثيقة مع العراق وأنه عندما تتشكل القوى الشعبية في العراق ويقصد على غرار القوى الشعبية في نظامه المسماة بالبسيج ونسخة منها وبتشكيل هذه القوى فأنها ستكون متضاعفة بالمقارنة بحزب الله اللبناني.، ويضيف سلامي إلى أن فكرة تشكيل القوى الشعبية في سوريا أتت من فكرة وقيم الثورة الإيرانية الإسلامية وأن (ما تقوم به قوات أنصار الله في اليمن هو نفس ما يقوم به حزب الله في لبنان من أعمال كونهم قلدوا قيم الثورة الإسلامية).
وأكد احد قادة الحرس في وقت سابق على أن إيران تستحوذ وتهيمن على أربع عواصم عربية أي كل من بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.، والهدف مما يطلقونه من الدعايات الصاخبة القاضية بأن قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للنظام الإيراني هو الذي يشرف على الأوضاع في العراق كرسالة موجهة يوحون من خلالها بأن إيران تعززت قدراتها وأدوارها المتعددة أي أنها أصحبت أقوى بالرغم مما مر بالشرق الأوسط من تطورات في الآونة الأخيرة.،وعلى ضوء هذه الرسالة الموجهة يجب اعتبار النظام لاعبا اساسيا في صياغة المعادلات بالمنطقة.، وفي الحقيقة انه لو تمعنا بدقة في تفاصيل اوضاع النظام بمعزل عن الفرص المهداة اليه من المجتمع الدولي في اطار المساومة والابتزاز المتبع في مفاوضات الطرفين لوجدنا ان كل الادوار المكشوفة التي يلعبها النظام في سوريا والعراق واليمن ولبنان وفلسطين والخليج ما هي الا هروبا إلى الأمام وهذا هو نهجه سرقته للثورة وقفزه إلى السلطة عام 1979.
الواقع يخالف ذلك تماما وخير دليل ما أدلى به علي شمخاني أمين مجلس الأمن القومي للنظام الإيراني من تصريحات في مراسم تشييع حميد تقوي قائد فيادة رمضان في الحرس والذي قتل في 29كانون الأول/ ديسمبر في العراق حيث قال:(مروجو الإشاعات الذين في قلوبهم مرض يشيعون هذه الأيام سؤالا أنه ما العلاقة بين مدينة سامراء وحميد تقوي وما العلاقة بيننا وبين ما يجري في كل من العراق وسوريا) وبحسب وكالة أنباء فارس حيث صرح شمخاني في هذا الشأن قائلا:(الجواب على هذا السؤال واضح إذا لم يدفع أمثال تقوي دماءهم في العراق فعلينا أن ندفع دماءنا في مدن سيستان وآذربايجان وشيراز وإصفهان) مشددا:(يدفع تقوي وأمثاله اليوم دماءهم لأنه لا بد لنا من أن ندافع في العراق و ندفع دماءنا هنالك بدلا من أن ندفع دماءنا في طهران)ويعني بذلك أنها حرب استباقية لحماية نظامهم المنهار داخليا والمهدد بالزوال هو وشخوصه خاصة في ظل المتغيرات السياسية والاقتصادية اقليميا ودوليا .، ويشن النظام حربه الاستباقية هذه على حساب شعوب المنطقة واستنزافا لاموال الشعب الايراني الذي يعاني الفقر الشديد بسبب تلك السياسة الإستبدادية الهوجاء.
وتتضح هذه التصريحات كثقافة انتهجها وقام عليها النظام الإيراني في المنطقة منذ وصول الخميني إلى السلطة حتى الآن إذ أكد الخميني على أن الحرب نعمة والآن يؤكد المسؤولون في هذا النظام على أن فقدانهم خوزستان وهي (محافظة جنوبي إيران) أفضل من فقدانهم سوريا لأنه وفي حالة فقدانهم لـ خوزستان يبقى النظام ويستمر في السلطة ولكن في حالة إسقاط نظام الأسد فإن في ذلك سقوطا حتميا للنظام الإيراني.
والحقيقة هي أن النظام الإيراني الذي لا يستوعب حكم القرن الحادي والعشرين في أمس الحاجة إلى التدخل في دول المنطقة كصانع أزمات من أجل بقائه ليتمكن ومن خلال ذلك من التغطية على أزماته الداخلية.، وااليوم ونتيجة العقوبات الدولية ورغم عدم صرامتها احيانا الا انه وبسببها أصبح الاقتصاد الإيراني على وشك افلاس تام (خاصة في ظل انخفاض سعر النفط إلى نصف ما كان عليه سابقا مما خلق ازمات داخلية شديدة كتضاعف سعر الخبز وهو الغذاء الرئيسي أو النزر الميسور للإيرانيين) إضافة الى تنفيذه لأكثر من ألف إعدام خلال العام الحالي في إيران وقد بلغ الصراع القائم على السلطة بين كل من الخامنئي ورفسنجاني ذروته وفقد النظام مواطئ قدمه في العراق عقب ازاحة المالكي عن السلطة حيث بدأ العراق ينفتح على دول المنطقة والعالم بما لا يروق له لذلك حاول النظام ومن خلال تقديمه دعوات متتالية لوزراء ومسؤولين عراقيين لزيارة طهران ليضع عراقيل في هذا الطريق ويوحي بأنه يسيطر على الحكومة الجديدة وقد يحتاج النظام الى ازمات عدة داخل العراق كداعش وغيرها تتماشى مع توجهاته موفرة الاسباب لادامة هيمنته على العراق.، إلا أن النظام وببساطة شديدة متجه الى صناعة الازمات وافتعالها وتضخيم اجوائها بسبب ضعفه وسعيه للبقاء في السلطة وسعيه ومساومته ليكون بإمكانه وبتنازلات غربية واقليمية جزءا من المعادلات الدولية. ويتضح للمتابعين وبشكل جلي من خلال ما أدلى به شمخاني من تصريحات أن هدف النظام الإيراني من الحرب في العراق ليس التصدي لـ داعش التي توفر له اسباب الازمات ومبررات الوجود ولا لحماية للمراقد المقدسة وإنما ذلك يهدف إلى وقاية النظام من تبعات العزلة الدولية والانتفاضة الداخلية وإنقاذه أخيرا من الانهيار.
أثبت التأريخ أن الحل في مواجهة هكذا نظام لا يكمن في المساومة وإنما يكمن في الوقوف بوجهه وابداء قدر عال من الصرامة تجاهه وإضعاف خياراته وبعبارة أخرى اذا أردتم أن يوقف النظام الإيراني شره في المنطقة فإنه عليكم مجابهته بكل قوة وصرامة.، ولا يعبر الاستعراض المزيف للعضلات ونهج المساومة والابتزاز الا عن ضعف يدفع الى الهروب الى الامام.،وعلى من يعتقد ان نظام طهران يقاتل داعش أن يتساءل قليلا (ألا يمكن محاربة داعش والانتصار عليها في العراق بمجرد دعم الجيش العراقي وفي فترة وجيزه دون التدخل العسكري الايراني.. لماذا كل هذا التباطؤ ..وهل هناك هناك حاجة لاعلاء دور الميليشيات الموالية لطهران فوق دور القوات النظامية العراقية التي توالي النظام أيضا ولكن بدرجات متفاوتة واقل .. ألا تستوجب معاناة أهل الموصل والأنبار جدية اكبر في مقاتلة داعش ..ألم يكن بعض قادة الجيش العراقي الموجهة اليهم تهمة التخاذل وإخلاء الموصل امام داعش التي بنت قدراتها من خلال هذا الإخلاء ألم يكن بعض هؤلاء القادة من الموالين لنظام إيران والمساندين له في قتل وقمع معارضيه فلو كانت للنظام جدية في مقاتلة داعش فلم تقاعس الضباط الموالون لها عن اداء واجبهم في الموصل وغيرها.
واهم من يعول على نظام طهران ومخطىء من يذهب بعيدا عن حقيقة حاجة النظام الإيراني لازمة كازمة داعش التي ستمكنه من بناء وتعزيز سياجها الامني والسياسي الخارجي مما سيحميها ويكسبها المزيد من الوقت وفرص المناورة والمساومة ونقل جزء من صراعاته الاقليمية والدولية خارج اراضيها في العراق واليمن ولبنان والخليج ويبقى العراقيون وكل من يعول على اسناد نظام الملالي له ضحية لاهدافه ومخططاته.،ويأتي اسهابنا لنؤكد على ان التدخلات الايرانية المخلة بالمنطقة والعالم هي من منطلق الضعف وفقدان الشرعية وليس من منطلق القوة ولا قوة له ولا تقدم للامام الا من خلال تراخي وانكسار اقليمي ودولي.،والعمل على مجابهة نظام طهران بصرامة هو الحل الغائب اليوم.
*كاتب عراقي
-
بحث موقع مفكر حر
أحدث المقالات
كيف تفكك مجتمعا ما وتدمر حاضره ومستقبله؟
Published by:علي الكاشمباحث في اللغة والادب/ 78 وسامة الرجل في التراث
Published by:مفكر حردراسة موجزة عن ديوان (فصائد في قصيدة واحدة) للشاعر والأديب ميخائيل ممو.
Published by:آدم دانيال هومه** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا الإطاحة بالنظام الايراني ... غدت ضرورية غربية ودولية **
Published by:سرسبيندار السنديالحزب الشيوعي لايختلف عن الاحزاب الدينية الفاشية .. الداخل مفقود والخارج مولود
Published by:مفكر حر** كيف بلع نظام الملالي ... الطعم ألإسرائيلي **
Published by:سرسبيندار السندي** كيف يسخر ويضحك صبيان محمد الجدد ... على عقول ألمسلمين **
Published by:سرسبيندار السنديالمسيح في فكر الإسلام والعقيدة المسيحية
Published by:صباح ابراهيممن يوميات إمرأة حلبجية
Published by:مفكر حراسطورة الإسراء والمعراج
Published by:صباح ابراهيمالفيلم الألماني " حمى الأسرة"
Published by:طلال عبدالله الخوري** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
Published by:سرسبيندار السنديفيلم ايطالي عام 1959 عن تدمر والملكة العربية زنوبيا … علامة المصارع
Published by:مفكر حر** أمة الكُورد بين ألإسلام … والتخلف والتعصب والاوهام **
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/10
Published by:علي الكاشأفكار شاردة من هنا وهناك/51
Published by:مفكر حرقراءة متأنية في ديوان (قصائد منزوعة السلاح) للشاعر نينوس نيراري
Published by:آدم دانيال هومه** كيف رتبت أل سي اي ايه … لقاء الصحفي تايكر ببوتين ولماذا ألان **
Published by:سرسبيندار السندي** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/8
Published by:علي الكاشأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح( 18-19 )
Published by:حسن محموديأفكار شاردة من هنا وهناك/49
Published by:مفكر حرالانتخاب
Published by:مفكر حر" الاشياء البائسة" Poor Things
Published by:طلال عبدالله الخوريالأدب النسوي ما بين الإبداع والاستغلال
Published by:اسعد عبد الله عبد عليأفكار شاردة من هنا وهناك/48
Published by:مفكر حرالرب يفضح الأنبياء الكذبة
Published by:صباح ابراهيمأخطار تهدد الحياة على الأرض
Published by:صباح ابراهيمكأس عسل
Published by:عصمت شاهين دو سكيسليلة الآلهة
Published by:آدم دانيال هومهأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح ( 16, 17)
Published by:حسن محمودي** محنة العقل في الاديان ومعضلة كتبها … بالدليل والبرهان **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا قصف نظام الملالي الارعن … مدينة أربيل ألان **
Published by:سرسبيندار السندياوبنهايمر
Published by:طلال عبدالله الخوري** مَن سيُحاسب قادة حماس … على جرائمهم بحق غزة وأهلها **
Published by:سرسبيندار السندياسرار #الموساد عن #العراق - ج 1
Published by:صباح ابراهيمالمرأة بين الماضي والحاضر مسيرة كفاح وتنمية ونماذج معاصرة
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/4
Published by:علي الكاشالقاسم الأيمانيّ المشترك :
Published by:مفكر حرعام جديد..
Published by:مفكر حر** قصة مِيلادِ السيّد المَسِيحْ … العجيبة والفريدة **
Published by:سرسبيندار السندي#محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
Published by:محمد الماغوطأفكار شاردة من هنا وهناك/43
Published by:مفكر حرمن هو يسوع المسيح ؟ - يسوع المسيح يكشف لنا حقيقة الله-
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
Published by:علي الكاشفاطمة الزهراء و غموض تاريخها
Published by:صباح ابراهيم#نزار_قباني: أيها المسيح العظيم هل تقبل دعوتي إلى العشاء .
Published by:نزار قباني** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
Published by:سرسبيندار السنديهل روح الله هو الله ام جبريل ؟
Published by:صباح ابراهيمأُمة فيها العجب
Published by:عصمت شاهين دو سكيتجاعيد وايجار واتهام
Published by:اسعد عبد الله عبد عليتقاسيم على أوتار الريح
Published by:آدم دانيال هومهالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/1
Published by:علي الكاشالدعاء على المسيحيّين
Published by:مفكر حرمباحث في الأدب واللغة/63 الطعام والمطبخ العربي
Published by:مفكر حرأفكار شاردة من هنا وهناك/41
Published by:مفكر حرأحدث التعليقات
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on علماء النصارى كانوا يتسمون اسماء اسلامية
- س . السندي on فاطمة الزهراء و غموض تاريخها
- س . السندي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- س . السندي on سورة مريم اقتبست من شعر امية بن ابي الصلت
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on #محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
- Mohammad Al Kassab on ضحايا صدام حسين 7
- ابن الرافدين on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- قثيم بن سنحريب الفيروزي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- مسلم on القرآن زور التوراة والإنجيل
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- قثم بن عبد الات القرشي on هدف حماس من (طوفان الأقصى) وهدف إسرائيل من اعلان حالة الحرب
- طوفان البدروسي on ** لماذا ورطت إيران قادة حماس … بطوفان الاقصى ألان **
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية