لا يُستغرب أن يجوّع النظام السوري عمدًا آلافًا من الناس، لأنه على مدى أربعين عامًا من الحكم كان يمارس ذلك كسياسة في أقبية السجون وضد خصومه. وليست الوحشية غريبة على إيران، التي يدير جنرالاتها الحرب في سوريا على الأرض، وهي وراء عملية المحاصرة. وليس مستغربًا من حزب الله، كتنظيم ديني متطرف، أن يتولى رجاله وظيفة الحصار حتى الجوع والموت ضد المدنيين في سوريا. فقد كان الحزب في لبنان ينصب صواريخه داخل القرى الجنوبية، شيعية ومسيحية، ليستخدم أهلها دروعًا ودعاية في مواجهته مع إسرائيل عام 2006.
أربعون ألف إنسان يعيشون اليوم، أو على الأصح يموتون، في بلدة مضايا السورية، نصفهم لجأوا إليها من البلدات المجاورة هربًا من القتل. ومنذ ستة أشهر يحظر عليهم مغادرتها من قبل قوات الأسد وميليشيات الحزب، التي تحظر أيضًا دخول فرق الإغاثة، حتى نفد الطعام منهم. العشرات من السكان ماتوا جوعًا، والبقية صارت شبه هياكل عظمية، على حافة قبورها.
المستغرب هو أن العالم بحكوماته، وجيوشه، ومنظماته الحقوقية، وإعلامه، لم يفعل شيئًا ملموسًا لوقف جريمة الموت بـ«التجويع الجماعي» الذي يمارس علانية أمامه.
في الوقت نفسه، تجري هناك عملية تحالف دولي ضخم من أسراب الطائرات التي تقصف تنظيمات مثل «داعش» و«النصرة» لأنها قامت بجرائم ضد الإنسانية، وهي تستحق الحرب عليها. لكن السؤال: لماذا التمييز في الجرائم وبين المجرمين؟ كيف يمكن السكوت عن مثل هذه الجريمة الأكبر، تجويع أربعين ألف إنسان حتى الموت؟
لقد كانت قمة المأساة في سوريا قصف المدنيين حتى يتم تشريدهم. واليوم صارت المأساة منع الناس من الخروج من أجل تجويعهم حتى الموت. يقوم النظام السوري والإيرانيون بمحاصرة البلدة بالأسلاك الشائكة، وتلغيم محيطها حتى لا يهرب الأهالي! كان بوسع الميليشيات على الأقل تركهم ليهربوا منها، ثم اقتحامها للاستيلاء على البلدة من المقاتلين المتحصنين داخلها، وعددهم أقل من مائة وخمسين من مسلحي المعارضة. لكن إيران وميليشياتها الحليفة، بدلاً من اجتياح البلدة، تتعمد فرض الحصار، وتجويع السكان، وذلك من قبيل الضغط على المعارضة لاستعادة بلدتين محاصرتين، الفوعة وكفريا، اللتين لم تتعرضا للتجويع.
صار ارتكاب جرائم جماعية ضد المدنيين العزل في سوريا يمارس على نطاق واسع، بما يجعلنا نتساءل: ما هي الحدود، إن كانت هناك حدود؟ فقد جرى خنق آلاف المدنيين وقتلهم بالغازات الكيماوية المحرمة دوليًا، وتم قتل عشرات الآلاف من سكان المدن عمدًا برمي البراميل المتفجرة من الطائرات، وجرى توثيق عمليات قتل في السجون نفذت بشكل جماعي، وظهرت آلاف الصور وأكدت صحتها المنظمات الدولية، والآن يتم قتل السكان بمنعهم من الهروب، وقطع مدد الأغذية عنهم، وتركهم يموتون جوعًا.
لا يعقل أن تُمارس عمليات القتل الجماعي منذ خمس سنوات دون أن يتحرك المجتمع الدولي لحماية السكان، وكل ما يفعله هو البحث في كيفية التوصل إلى حل لمد حكم النظام. القتل الجماعي الذي مورس ضد الشعب السوري باستخدام كل الوسائل، من الغاز الكيماوي، والبراميل المتفجرة، ودفن السجناء أحياء مقيدين، والآن التجويع الجماعي في مضايا، سيولد كمًا أكبر من الحقد والكراهية داخل سوريا، وفي المنطقة، ونحو العالم.
*نقلاً عن “الشرق الأوسط”