البنت الآدمية بتزور اما بعيد الأم

ـ مساء الخير نجولي (أمي اسمها نجلا)
ـ هلااااا مين معي؟؟
ـ أنا وفاء!
ـ وفااااااء؟ وين أنت؟
ـ بأمريكا، اليوم عيد الأم، كل عام وأنت بخير!
ـ عيد الأم؟؟؟؟ معقول؟؟؟ البنت الآدمية بتزور اما بعيد الأم!!
(كان هذا أول صاروخ أطلقه عقل حاد الذكاء)
ـ كيفيك يا أمي؟
ـ منيحة، كيفك أنت؟
ـ مشتاقتلك!
ـ وأنا كمان…
ـ شو تغديت اليوم؟ شو غديتك سوزان؟
ـ مابعرف…..مابتذكر…..يمكن ماحدا غداني!
كانت الساعة التاسعة ليلا وأمي تعيش عند أخت تكرم كما أكرمها الله، وستعيطها بؤبؤ عينها لو أحتاجت إليه!
ـ دخيلك يا أمي ما تموتي قبل ما تزوريني!
ـ أكيد….أكيد…..اتفقت مع عزرائييل!
(كان هذا هو الصاروخ الثاني الذي أطلقته أمي)
لقد استطاعت السنين أن تنال من ذاكرتها، لكنها لم تستطع أن تنال من عقل حاد الذكاء، ذلك العقل الذي تستخدمه كلما استطاعات إليه سبيلا…
…..
آخ يا أمي….آخ….آخ ياليت الآآآآخ تجرح، عل الجرح الجسدي يخفف من ألم الجرح النفسي… لم أكن يوما ابنة عاقة، لكن الحياة هي التي كانت عاقة… لقد أرسلتنا إلى أوطان لا تعرف الله، ولا تعرف قيمة الإنسان… تلك الأوطان التي شردتنا، والتي أبعدتنا، والتي أنستك ما تناولتيه على مائدة الغداء…
…..
ما أسعدك يا أماه لأنك تباركت بنعمة النسيان… وما أتعسني لأنني مازلت أحتفظ بذاكرة تعيدني كل ثانية إلى واقع خراب…
إن كل ما يحيط بي من جمال، وما أكثره، لا يمكن أن يكون كفارة لما أقاسيه من عذاب.. عذاب على وطن بودي لو أخلعه من ذاكرتي، ولكن الذاكرة أبت إلاّ أن تكون هي الأخرى عاقة…
…….
مازالت أمي في قطر، وما زلت أذكر زيارتي لها.. أكثر ما كان يؤلمني خلال تلك الزيارة سماع تعبير “لاجئين سوريين”
السوريون لا يمكن أن يكون لاجئين، لأن الأرض كلها ملكهم.. هي لهم أينما رحلوا وحلوا… كل شيء جميل في قطر كان متخما ببصماتهم… لقد ذرفت دموعا في مطعم “دماسكا” الدمشقي الساحر أكثر مما شربت…
……
سأحتفل معك يا أماه في عيد الأم القادم هنا في بيتي… سنأكل معا، وسنفرح معا، وسنرقص على أنغام أغاني سميرة توفيق ـ التي طالما أحببتيها ـ معا… وسنضحك على عزارييل معا، وعلى ترمب وقوانينه معا.. فالسوريون لا يعترفون بالموت ولا يعرفون الحواجز، هم ملائكة الأرض التي تقفز فوق البحار…
……
كل عام وأنت بخير… كل عام وكل أمهات العالم بخير