جون كيري
إن أحد أسباب السجل الرائع الذي يتمتع به فريق «نيو إنغلاند باتريوت» لكرة القدم الأميركية هو تركيزه الشديد في التحضير للمباريات المستقبلية. الأمر ذاته ينطبق على إدارة شؤون العالم؛ فهي تتطلب القدر ذاته من التركيز على تحديات المستقبل، لأن الإنجازات الماضية لا تضمن استمرار النجاح، لكنها قد تمنح الثقة، ومع الإعداد والجهد المناسب يمكن الاستمرار في تحقيق النتائج الإيجابية.
ونحن نودع عامًا ونستقبل آخر، أمام قادة العالم الفرصة للبناء على المنجزات الكبرى الكثيرة لعام 2015.
من بين هذه المنجزات ليس هناك ما هو أهم من الاتفاق العالمي الأخير في باريس للحد من التأثيرات الضارة لتغير المناخ، حيث باءت الجهود التفاوضية السابقة بالفشل، نتيجة الانقسامات بين الدول الصناعية والنامية. لكننا استطعنا التوصل إلى اتفاق يرسل الرسالة الصحيحة للجميع من خلال التواصل مع الصين – الباعث الأكبر للغازات المسببة للاحتباس الحراري – ومن خلال التأكيد على الإمكانات الاقتصادية الهائلة التي توفرها تكنولوجيا الطاقة النظيفة. لدينا مسؤولية مشتركة الآن للحفاظ على الزخم الذي تولد في باريس، بحيث لا تكون الأهداف التي حُددت في الاتفاق سقفًا لما يمكن إنجازه، وإنما منصة لتحقيق المزيد من المكاسب.
في يوليو (تموز) الماضي، توصلت الولايات المتحدة وشركاؤها إلى خطة شاملة للعمل المشترك مع إيران، وهي عبارة عن برنامج عمل لإغلاق الطريق أمام المسارات الإيرانية المحتملة للوصول إلى امتلاك سلاح نووي. وكجزء من موافقتها على هذا الاتفاق، بدأت إيران بتفكيك الأجزاء الحساسة لمنشآتها النووية، وقامت بشحن جزء كبير من اليورانيوم المخصب إلى خارج البلاد في 28 ديسمبر (كانون الأول) . وهذه الشحنة ترفع بمعدل ثلاثة أضعاف من جدولنا الزمني السابق للمدة الكافية لإيران للحصول على ما يكفي من اليورانيوم لإنتاج قنبلة نووية واحدة، التي كانت تتراوح بين فترة شهرين أو ثلاثة. وهذه معادلة فنية مهمة تضمن الانتهاء من التطبيق النهائي للاتفاق بسنة واحدة على الأقل بحلول موعد التنفيذ. لكن يتحتم علينا الاستمرار في مراقبة تنفيذ إيران للاتفاق عن كثب، للتأكد من إزالة خطر امتلاك إيران للسلاح النووي، لما يمثله ذلك من تهديد للشرق الأوسط والسلام العالمي.
وفي شهر أغسطس (آب)، كان لي شرف السفر إلى العاصمة الكوبية هافانا، لرفع علم الولايات المتحدة لأول مرة منذ 54 عامًا، حيث يعكس قرار الرئيس أوباما الجريء بتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع كوبا، مصلحتنا الوطنية العليا ورغبتنا في مساعدة مواطني ذلك البلد في العيش في مجتمع أكثر انفتاحًا وازدهارًا. وأنا أسير في شوارع هافانا القديمة، شعرت بقوة أكثر من أي وقت مضى بأننا يجب أن لا نسمح لخلافاتنا مع النظام الكوبي بمنع التعاون الوثيق مع شعب كوبا.
وفي شهر أكتوبر (تشرين الأول)، انضمت الولايات المتحدة بعد سبع سنوات من التفاوض إلى إحدى عشرة دولة مطلة على المحيط الهادي في التوقيع على اتفاقية للشراكة عبر المحيط، وهي اتفاقية تجارية من شأنها أن تضمن رفع معدلات العمالة والمعايير البيئية بنسبة 40 في المائة في الاقتصاد العالمي. وتم تقديم هذه الاتفاقية إلى الكونغرس للتصديق عليها. ومن شأن هذه الاتفاقية أن تدعم الرفاهية في الولايات المتحدة، عن طريق خفض الحواجز أمام صادراتنا، وتذليل العقبات أمام عمالنا ورجال أعمالنا.
وقبل عام، توقع العاملون في مجال الصحة العامة أن يصل عدد ضحايا انتشار وباء فيروس «إيبولا» إلى مليون شخص قبل أن يتم احتواؤه. بدلا من ذلك، بذلت الولايات المتحدة الجهود مع الشركاء في المجتمع الدولي وفي بلدان غرب أفريقيا، لتثقيف السكان المحليين عن هذا الفيروس وعن كيفية احتوائه، مما أسهم في إنقاذ حياة مئات الآلاف منهم.
وشهد العام الماضي أيضًا مكاسب ديمقراطية مهمة في بلدان مثل نيجيريا وبورما وسريلانكا وفنزويلا. وبمساعدة الولايات المتحدة، باتت كولومبيا على أعتاب الانتهاء من أطول حرب أهلية في العالم. وفي الأمم المتحدة، وافقت الدول من مختلف أنحاء العالم على الأهداف الإنمائية المستدامة لعام 2030، بما في ذلك تحديد الأهداف لرفع معدلات التغذية لدى الأطفال والمساواة بين الجنسين والتعليم والفقر والصحة.
غير أن التحدي الأهم لنا جميعًا يبقى في الصراع الدائر في سوريا، وما نجم عنه من أزمة لاجئين وتغذيته للتطرف العنيف. وفي هذا الصدد، تتبنى الولايات المتحدة استراتيجية من ثلاثة محاور، وهي: أولا: تكثيف الحملة الدولية لهزيمة تنظيم داعش الإرهابي عبر تحالف دولي من 65 بلدا قمنا بتحشيده. وفي هذا الأسبوع بالتحديد استعادت القوات العراقية بدعم من قوات التحالف مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار، مما أسهم في انحسار المناطق التي تقبع تحت سيطرة الإرهابيين. وتتركز جهودنا على تشديد الضربات على الشبكات الرئيسية لتنظيم داعش في العراق وسوريا، وفي تضييق الخناق على الإرهابيين لمنعهم من إنشاء فروع جديدة أو في إلهام المتعاطفين معهم بشن الهجمات في المناطق الأخرى – بما في ذلك في الولايات المتحدة. ثانيا: نحن نعمل من الشركاء لمنع تمدد العنف في الشرق الأوسط وتقديم الرعاية للاجئين وضحايا الصراعات.
ثالثا: أطلقنا مبادرة دبلوماسية جديدة لنزع فتيل الصراع في سوريا، وتشجيع عملية الانتقال السياسي وعزل الإرهابيين. وكان لهذه المبادرة الفضل للمرة الأولى في جمع جميع اللاعبين الدوليين الرئيسيين معا وتحديد موعد زمني للمفاوضات بين المعارضة المسؤولة والنظام السوري.
لا تزال هناك عقبات شاقة أمام عملية السلام في سوريا، غير أن الحاجة إلى التسوية تمثل ضرورة ملحَّة. وكلما أحرزنا المزيد من التقدم نحو هذا الهدف، أصبح من السهل أن تتوحد وتتضافر الجهود في الحملة ضد تنظيم داعش الذي هو تجسيد للشر المطلق الذي يواجه جيلنا الحالي، وعدو نحن عازمون على هزيمته شر هزيمة.
رغم ما شهده من اضطرابات ومآسٍ، قدم لنا العام الماضي أملا جديدا في قدرة المجتمع الدولي على الالتئام والعمل معا لمعالجة أصعب المشكلات. وهذا أمر حميد، فلا هوادة في التزامنا بمتطلبات القيادة، وعلينا أن نستعد لتقويم العام الجديد، ونحن بالفعل نستعد للاختبارات الجديدة التي تنتظرنا في العام الجديد.