البطولة ليست قرارا تتخذه بعد دراسة بل خطوة خاطفة يفرضها عليك حسك

weslyamercanheroلا يستطيع الطفل أن يتعلم المشي مالم يملك الشجاعة لمغادرة حضن أمه، ولا تستطيع الأم أن تدفش ابنها خارج حضنها مالم تمتلك الشجاعة لفعل ذلك.
هذه الحقيقة تؤكد أننا لا نستطيع أن نمو ونتطور مالم نملك الشجاعة لاكتشاف عوالم أخرى خارج المكان الذي تعلمنا عليه ونشعر فيه بالأمان!
…..
هناك مثل أمريكي يقول: الجيد يمنعك أحيانا من أن تبحث عن الأفضل!
فعلا، لكي تنال الأفضل يجب أن تمتلك الشجاعة كي تتجاوز حدود الجيد!
هل هناك جيد أكثر مما يحس الطفل في حضن أمه، لكن الطبيعة زودته بالشجاعة اللازمة لمغادرة هذا الحضن، وهل هناك أقسى من أن تدفش الأم طفلها خارج حضنها، لكنها وطالما تحلم له بالأفضل، لا بد أن تمتلك الشجاعة لفعل ذلك!
…..
الشجاعة لا تتوقف على قوة عضلاتك، بل على حجم عزيمتك..
غاندي كان يزن أقل من أربعين كيلو غرام، لكن شدة عزيمته، أركعت أعتى امبراطورية في زمنه، بريطانيا التي كانت تحكم ثلثي العالم آنذاك!
مصدر الشجاعة الثقة بالنفس والإيمان بالذات…
الشجاعة ترفع الإنسان العادي إلى مستوى البطولة…
لكي تكون شجاعا لا تحتاج إلى عضلات، بل إلى حس مرهف يدفعك لإدراك ما هو واجب، وللقيام بذلك الواجب!
لكي تكون شجاعا لا تحتاج إلى قوة بل إلى قدرة تمكنك من أن تقوم بما يجب عليك القيام به!
…..
لا أستطيع أن أشرح هذا الحس المرهف وتلك القدرة على شحذ الهمّة للقيام بما يمليه عليك ذلك الحس، إلا من خلال قصة تكاد تكون خالية لو لم تكن موثقة بالمكان والزمان!

Wesley Autrey
رجل أمريكي أسود، عامل بناء وفي الخمسين من عمره، في أحد الأيام عام ٢٠٠٧، وفي مدينة نيويورك، كان ينتظر القطار مع طفلتيه البالغتين من العمر أربع وست سنوات، عندما وقع شاب أبيض في العشرين من عمره على الأرض بجانبه وراح يتخبط بجسده، على أثر نوبة صرع.

ركض باتجاهه محاولا أن يساعده بما يستطيع، فتمكن الشاب من أن يستعيد بعضا من عافيته ووقف منتصبا!
لكن ماهي إلا ثوان لاحقة، حتى تعرض لنوبة أخرى أوقعته من على ناصية الانتظار لمنتصف المسافة الفاصلة بين سكتي القطار، ليس هذا وحسب، فلم يكد يلامس أرض السكة إلا وأومضت مصابيح القطار القادم بسرعة البرق ليقف في المحطة!
…….
لم يعد هناك سوى ثوان، ثوان خالها الرجل الأسود دهرا، لكنه وبدون أدنى تفكير قفز إلى السكة وألقى بجسده فوق جسد الشاب الذي كان يرتجف تحت تأثير نوبة الصرع، وكبسه بصلابة على الأرض.
مرّ القطار فوق الجسدين اللذين حولتها قدرة ذلك البطل إلى جسد واحد، جسد ملتصق بالأرض بطريقة سمحت للقطار أن يمرّ فوقهما بدون أن يسبب لأي منها أذية!
الأذية الوحيدة كانت لقبعة السيد ويسلي، فلقد اتسخت من شحم القطار، بعد أن مرت فوقها خمس عربات، قبل أن يتمكن القطار من أن يقف!
لم يتطلب الأمر سوى ثوان، ثوان، كي يقوده حسه المرهف ليتخذ قرارا، قرارا كاد يودي بحياته، لكنه أنقذ حياة.
تصور نفسك في هذا الموقف، ومعك طفلتان، وعليك أن تتركهما لجنون اللحظة وتحت رحمة الغرباء، في سبيل إنقاذ حياة أخرى!
……..
لم يفكر في تلك اللحظة بأنه أسود وبأن الضحية أبيض….
لم يفكر في تلك اللحظة بتاريخ السود في أمريكا، ولا بالاضطهاد الذي عانوه على يد البيض، لأن البطولة تتطلب قرارا سريعا لا يعطيك وقتا كي تفكّر بالانتقام!
لم يفكر في تلك اللحظة بأنه قد يخسر حياته….
لم يفكر بطفلتيه اللتين تركهما بين غرباء شهدوا على بطولته الخارقة في ذلك اليوم…
لم يفكر إلا بقيمة الحياة وبواجبه تجاه حماية تلك القيمة!
معروف طبيّا أنه أثناء النوبة الصرعية، يجب أن تربط المريض بقوة إلى طاولة الفحص وأن تحقنه بجرعة عالية من مضادات الاختلاج، لأن قوة الاختلاجات كفيلة باحداث رضوض وكسور خطيرة!
لم يفكر السيد ويسلي بقوة عضلاته، ولم يتساءل إن كانت تلك القوة كفيلة بالسيطرة على الاختلاجات الصرعية عند ذاك الشاب، بل قام بما أملاه عليه حسه المرهف في تلك الثوان، تلك الثوان القصيرة جدا، لكنها طويلة كفاية لتتخذ قرارا بحماية حياة!
صاح من تحت القطار: نحن بخير، أخبروا ابنتيّ أنني سأعود إليهما في دقائق!
وعندما سأله الصحفين عن سرّ تصرفه الخاطف، رد: (لا تجعلوا من ذلك التصرف قضية كبيرة، فكل ماهناك أنني تصرفت بما أملته عليّ مشاعري في تلك اللحظة!)
…..
في معظم الحالات، البطولة ليست قرارا تتخذه بعد دراسة وتمحيص، بل خطوة خاطفة يفرضها عليك حسك المرهف ولا تحتاج إلى الكثير من التفكير، فالحس المرهف لا يُخطئ!
ليست هناك حسابات يجب أن تأخذها بعين الاعتبار عندما يتطلب الأمر منك أن تكون بطلا…
في اللحظة التي تتهدد فيها الحياة لا يمكن أن تأخذ بعين الاعتبار من كان من الشبيحة…..من الذبيحة… من السنة النواصب….من الشيعة الروافض….من النصيريّة الكفار….من اليهود المغضوب عليهم….من النصارى الضالين….
الأمر الوحيد الذي يجب أن تأخذه بعين الاعتبار هو أن حياة ما قد تهددت بالفناء، والغاية من وجودك حماية الحياة!!!!
…..
مقطع من كتابي القادم (دليلك إلى حياة مقدسة)
أتمنى أن تستمتعوا بقراءته مع خالص محبتي.

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.