علي الكاش كاتب ومفكر عراقي
عجائب البرلمان العراقي لا تعد ولا تحصى، فهو بحد ذاته يصلح أن يكون أعجوبة من عجائب البرلمانات في العالم، والذي لم يشهده مثله أي برلمان منذ أن وضع أفلاطون كتابه الجمهورية ولحد الآن. برلمان الخدمة الجهادية هو بلا منافس أفسد من الفساد نفسه، واكثر عمالة من العمالة نفسها، واكثر عهرا من المباغي. برلمان لا يمثل إلا نفسه، ويستفر كل قواته للدفاع عن حصون الفساد والرذيلة والظلم. برلمان عقيم غير قادر على تخصيب الحكومة، وعاجز عن إستدعاء قائد أمني واحد لمناقشته بشأن تردي الأوضاع الأمنية في البلد، الذي تجاوز فوهة الهاوية وينحدر إلى الأعماق يوما بعد يوم. إن هروب البرلمان من مواجهة الحكومة وتخوفه من مساءلتها، يذكرني بقصة الحمار الذي شوهد هاربا من الغابة، سألوه عن سبب هروبه؟ فأجابهم ان ملك الغابة قد جنٌ وقرر قتل كل ذئاب الغابة! فقالوا له لكنك حمار ولست ذئبا! فقال هذا صحيح، ولكن من يجرأ على إفهام ملك الغابة.
العام الماضي صوت البرلمان بكل وقاحة على رفض تحويل إحدى جلساته الخاصة بمناقشة الملف الامني الى جلسة سرية. وبوقاحة أشد عزف القادة الأمنيون عن الحضور للبرلمان عدة مرات لمناقشة أسباب التردي الأمني، فقط لمناقشة وليست مساءلة أو معالجة! ومن بين 325 عضو لم يحضر سوى (188) نائبا من ممثلي الشعب والباقي تبخر الى أوربا ودول الجوار. لا غرابة فممثلوا الشعب لا يعرفون الشعب إلا عند موعد الإنتخابات، وتوزيع البطانيات والمدافيء والدولارات على الناخبين الجهلة والحمقى ممن يسهل شراء ولائهم، فهم صورة طبق الأصل عن نوابهم. الذي ينتخب الفاسد والجاهل والمزور والعميل ليمثله في البرلمان، هو بالنتيجة ليس إفضل منهم.
البرلمان العتيد رفض مناقشة الوضع في الأنبار قبل أن يتحول من أزمة إلى ثورة، وقطعت كتلة متحدون بزعامة رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي في واحدة من مسرحياتها الهزيلة جلسات البرلمان لحين عقد جلسة خاصة بـأزمة الانبار حسبما إدعت. وإنتقدت موقف اللامبالاة في التعامل مع المبادرات السلمية التي رفضتها الحكومة جملة وتفصيلا.
فقد ذكر المالكي وهو في مايوه السباحة واقف على ضفاف بحر الدماء للغوص فيه بصحبة الكي مون الدولي” نرفض دعوات تغليب الحوار على الحل العسكري في محافظة الأنبار الغربية، لا حوار مع القاعدة وانما العمل لانهائها”. فهذا الدراكولا أغلق الباب بوجه كافة المبادرات السلمية، منقادا لرغبة سيده الجنرال سليماني زعيم الحرس الثوري الإيراني. فهو يعتبر أهل الأنبار جميعا من عناصر القاعدة! من أن جرذه محافظ الأنبار أشار بأن عدد عناصر القاعدة لا يزيد عن(35) عنصرا! لقد جعل المالكي من نفسه بسبب احاديثه الطائفية مضغة في الأفواه، ومرمى لسهام الآخرين.
كالعادة أخذ النجيفي وكتلته المنحرفة عن أهل السنة يلعبون على الحبل لأغراض إعلامية وإنتخابية فقد ذكر سلمان الجميلي” الكتلة مستمرة بعدم حضور جلسات البرلمان لحين عقد جلسة خاصة تبحث الازمة الحالية التي تشهدها محافظة الانبار، لأن أزمة الانبار تنذر بمزيد من الخطر ولم تبقِ محصورة في نطاقها المحلي وستمدد إلى الامن الاقليمي، بعد أن اصبح العراق ساحة صراع مكشوفة في مواجهة الارهاب العالمي”. وصرح طالح المطلك بأن على مجلس النواب” اتخاذ موقف سريع لإيقاف معاناة آلاف العوائل التي نزحت إلى العراء بسبب العمليات العسكرية والقصف العشوائي الذي تتعرض له الأحياء السكنية”.
المهم في الكلام، قوله” طالبنا قبل خمسة أيام رئاسة البرلمان بإدراج أزمة الأنبار على جدول أعمالها لكن لم نلمس أي استجابة حتى هذه اللحظة رغم الأوضاع الصعبة التي تعيشها العوائل في الوضع الإنساني والخدمي والصحي وعجز الحكومة والمنظمات الدولية الإنسانية عن تقديم المساعدات الكافية لتلك العوائل”. وتوالت مزايدات الكلام حول الأنبار من قبل بقية الأعضاء ما عدا النواب الشيعة والأكراد بالطبع! لشدة وطنيتهم، وصلابة عزائمهم، وعمق إيمانهم وسمو أخلاقهم، وحبهم العميق لعموم الشعب العراقي.
بالرغم من نزوح(140) ألف عائلة من الأنبار، وبالرغم غارات الطيارين الصناديد على مواطنيهم المدنيين الأبرياء، وعلى الرغم من القصف الرقيق من جيش المالكي الصديق، سياج الوطن المنيع، الذي طال البيوت والمدارس والمستشفيات، وبالرغم من قوافل الشهداء الأنباريين، وفطائس القطعان المالكية، وبالرغم من الحصار الدوائي والغذائي والوقودي على أهل الأنبار وعشرات الأزمات. فإن مجلس النواب كان منشغلا بما هو أهم من أزمة الأنبار، وذلك في منح العملاء الذين كانوا يقاتلون مع الجيش الإيراني ضد الجيش العراقي السابق، وبقية الجواسيس راتب الخدمة الجهادية على خدماتهم الوطنية في العدوان على العراق. أول مرة في تأريخ الأمم يسمى الجواسيس والخونة بالمجاهدين ويأخذون رواتب تقاعدية عن عمالتهم للأجنبي! إنه فعلا العراق الجديد.
لكن لا عجب في موقف البرلمان! لنرجع للماضي القريب طالما ان البرلمان نفسه والحكومة نفسها. لقد صوت مجلس النواب بجلسته الاعتيادية العشرين التي عقدت في شهر آب عام 2011 برئاسة أسامة النجيفي رئيس المجلس وحضور (187) نائبا من مجموع (325) على قرار يمنع بث مسلسل (الحسن والحسين) في الفضائيات العراقية. وصوت مجلس العقيمين والعاقرات على القرارالذي نص على ” بناء على ماعرضه مجموعة من اعضاء مجلس النواب ووافقت عليه رئاسة المجلس، اصدر مجلس النواب القرار الاتي: اولا: يستنكرمجلس النواب العراقي عرض مسلسل (الحسن والحسين) لما يتضمنه من مواضيع تثير الفتنة في المجتمع الاسلامي. ثانيا: على هيأة الاعلام والاتصالات اتخاذ الاجراءات الكفيلة بأيقاف بث المسلسل في القنوات العراقية”. يا لخيبتنا بكم! وأي عار لحق بمن لوث إصبعه بالحبر البنفسجي لينتخب الأمعين والأمعات!
إذن مجلس النواب عنده الوقت الكافي لمناقشة مسلسل تلفازي لا يقدم ولا يؤخر، إنتج لإستمتاع الجمهور، ولكل الخيار في مشاهدته أو الإعراض عنه، القناعة بأحداثة أو عدم القناعة, . لكن ليس عند مجلس النواب الوقت لطرح موضوع الأنبار للنقاش. من الطريف إن البرلمان بموقفه التافه قد عمل أفضل دعاية للمسلسل حينذاك، فإنقلب السحر على الساحر.
لكن أليس من العجب أن يرفض البرلمان مجرد مناقشة مطالب محافظة مساحتها ثلث مساحة العراق ونفوسها بالملايين!
هل قضية مسلسل الحسن والحسين أهم من قضية أهل الأنبار؟
أين هم من قسمهم في الحفاظ على أرواح وممتلكات الشعب؟
أين موقف الذين يدعون أنفسهم حماة أهل السنة؟ وهل تنازل النواب الأكراد من السنة عن عقيدتهم؟ وعن مواطنتهم التي ضاقت حدقتها وأصبحت لا ترى سوى كردستان العراق؟
هل المسلسل التلفازي يثير الفتنة، وتصريحات المالكي عن الفقاعات وبحر الدم وجيش الحسين وجيش يزيد لا تثير الفتنة؟
هل يلام أهل الأنبار في ثورتهم وهم يرون ان مطالبهم أقل أهمية في نظر الحكومة والبرلمان من عرض مسلسل تلفازي؟
يذكر طالح المطلك وهو نائب رئيس الوزراء ورئيس كتلة برلمانية” الأمر المعيب هو انشغال البرلمان بمناقشة القوانين الاعتيادية في وقت يتم إهمال معاناة آلاف العوائل النازحة والتي تعاني ظروفا قاسية”. عجبا من هؤلاء! إنهم رؤساء كتل وينتقدون البرلمان كأنهم خارجه وليسوا داخله! ولكن لا يغرنك هذا اللغو والثرثرة، لأنها لا تعبر عن مكنون صدروهم المجبلة على النفاق والعمالة والضحك على الذقون. فجميع أعضاء السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية بلا إستثناء قذى في عين الوطن، ومغص في معدة الشعب.
ان عدوان المالكي على أهل الأنبار وإستخدام العنف المفرط تجاه المدنيين قد أدى إلى إلغاء قانون الجاذبية بين المالكي والأنبار تماما وإلى أبد الآبدين.
كما إن إستمرار عشائر الجنوب بدعم المالكي وفتح باب التطوع لمقاتلة أهل الأنبار قد سلخهم من لحمة العراق، وأصبحوا بيادق على رقعة نظام الولي الفقيه بعد أن باعوا شرفهم وعرق حيائهم سعيا وراء المنصب والوجاهة. ولم يعد هناك منفذ لدخولهم قلوب الأنبارين. ولم يعد هناك سبب واحد للرأفة بالمتطوعين من أهل العشائر من قبل رجال المقاومة. المتطوعون مرتزقة ويجب التعامل معهم من هذا المنظور فقط.
أما الجيش الطائفي الذي إنتهك الدستور وأصبح أداة قمع بيد الحاكم الأوحد، فقد فقد شرف المهنة وأصبح عارا على الوطن. لم يعد جيش العراق، بل من الإجحاف أن يصحب إسمه كلمة العراق. إنه جيش المالكي، أو جيش حزب الدعوة، أو جيش الطائفة، لكنه ليس الجيش العراقي ولن يكون أبدا.
أما السلطة القضائية فقدت كل مقوماتها الشرعية والأخلاقية والمهنية. الآن فقط فهمنا معنى الحديث النبوي الشريف” قاضيان في النار وقاض في الجنة”. ويبدو ان هذا القاضي الواحد أيضا لا يتوفر في قضاء مدحت المذموم، فهنيئا لجهنم بهذا الحطب الجاف.
أما المرجعية الصامتة عن قول الحق فإنها لم تعد تشعر بالعار عن سكوتها أزاء الفضائح المتصاعدة من قبل البرلمان والحكومة التي لقحتها وأنضجتها. ولا عتب عليها طالما إن المراجع الأربعة ليسوا بعراقيين.
أما بقية المراجع الأخرى كالشيخ الخالصي والمؤيد والصخري واليعقوبي، فيبدو إن سكوت المرجعية العليا عن إنحراف ولدها العاق المالكي قد أثار إعجابهم وأذهلهم، فقرروا الإقتداء بها. نحمد الله تعالى ونشكرة فقد كشف جوهرهم وبان معدنهم الطائفي الصدي، لعن الله التقية! كم خدعتنا وصورت لنا الذئاب خراف.
أما السلطة الرابعة فإنها توفيت منذ الغزو أثر حادث إصطدام مؤسف بهبات المالكي، وقد واراها الشعب الثرى، ولم يقرأ الفاتحة على روحها لأن الشرع لا يسمح بقرائتها على الكفرة.
علي الكاش