الانتخابات البرلمانية الأوربية القادمة
نهاية عصر الأحزاب الكلاسيكية.
تعتبر الميثولوجيا اليونانية القديمة ، الانتخابات عيداً للديمقراطية . وهو يوماً يتضمن مجموعة من الطقوس الاحتفالية ، ينتهي بتناول النبيذ احتفالاً بالفائزين. دون إطلاق عيارات نارية ولا تبادل اتهامات وشتائم . لأن صوت المواطن الانتخابي لا يباع ويشترى بكيلو من اللحم ولا بوعود زائفة . فصوت المواطن غير قابل للسرقة. ولا شرطيا يحمي مركز الاقتراع.
في أثينا جرت ممارسة أول انتخابات ديمقراطية قبل الميلاد، ويوم الأحد 18 / 5 / 14 / جرت في اليونان واحدة من أهم الانتخابات المفصلية التي ستؤرخ لفترة انتقالية جديدة من حياة ومستقبل اليونان على الصعيد اليوناني المحلي وموقعها على خارطة بلدان الإتحاد . وستجري في الأسبوع القادم إعادة انتخابات للمناطق التي لم يتمكن فيها المتنافسون بالحصول على أغلبية من مجموع الناخبين المسجلين في دوائر المحافظة والبلديات.وتحديدا محافظة وبلدية أثينا وتسالونيكي .
كما ستجري انتخابات ممثلي اليونان لعضوية البرلمان الأوربي كما هي في كافة بلدان الإتحاد .
أبرز الملاحظات حول انتخابات دوائر البلدية والمحافظات هي التالية:
تمكن اليسار اليوناني ” سيريزا ” من تحقيق تقدم ملحوظ على منافسه حزب ” الديمقراطية الجديدة ” لكن هذا التقدم ليس كافياً لإخراج خصمه من رئاسة البلديات والمحافظات . وستحسم إعادة الانتخابات في محافظة أثينا وتسالونيكي ومناطق أخرى الصراع بين القوتين المتنافستين . اليمين واليسار.
اضمحلال حزب ” الباسوك ” كذوبان الملح في الماء . إضافة الى حزب اليسار الديمقراطي ” كوفيلي ” كذلك حزب الإنذار الشعبي اليميني ” يورغوس كرزا فيلي ” لصالح صعود حزب أقصى اليمين الفاشي ” الفجر الذهبي ” الذي احتل المرتبة الثالثة في نتائج الانتخابات المحلية بسبب عاملين الوضع الإقتصادي والبطالة وتدفق الهجرة غير الشرعية.مع تقدم طفيف لصالح الحزب الشيوعي .
وبتقديري انه من المهم ملاحظة ، أن الانتخابات القادمة للبرلمان الأوربي ستضع الى حد كبير نهاية غير متوقعة لعدد من الأحزاب الكلاسيكية المعروفة في بلدان الإتحاد . أي أنها ستغير الخارطة السياسية لأوربا . ربما ليس بالشكل المطلوب، بيد أنها ستوفر أرضية أكثر خصوبة لتنامي قوى سياسية معارضة جديدة أكثر التصاقاً بمصالح الناس سواء أطلقت على نفسها اسم يسار أو مسميات أخرى.
عموماً التسمية لا تعني شيئاً بقدر ما يعني في المحصلة الأخير حجم الإنجاز ميدانياً. لاسيما على صعيد معالجة مشكلة البطالة التي تقدر بأكثر من 27 مليون عاطل عن العمل ومشكلة تزايد الهجرة الغير شرعية التي ساهمت في صعود اليمين الفاشي.
هنا يمكن الإشارة الى المناظرة التلفزيونية التي تمت في بروكسل بين خمسة مرشحين لرئاسة البرلمان الأوربي ومنهم السيد ” اليكس تسيبرا ” رئيس اليسار اليوناني ” سيريزا ” تشير الى حصول السيد ” تسيبرا ” على نسبة 18% في استطلاعات الرأي العام وهي أفضل نسبة حتى الأن بين المرشحين المتنافسين الخمسة . ومن المتوقع حصوله على نسبة اكبر في الانتخابات المقبلة الأحد القادم . لكن أيضاً هذا النسبة قد لا تخوله هزيمة مرشح اليمين المدعوم من البنوك والدوائر السياسية الأمريكية. إلا إذا قررت هذه الدوائر إجراء تعديلات ما على سياساتها المحلية والعالمية على ضوء التطورات الحاصلة في المنطقة . فعلى سبيل المثال شخصية مثل الرئيس الفرنسي ” هولا ند “تراجعت شعبيته نتيجة فشلة في تحقيق وعودة الانتخابية وأصبح يرمز اليه كممثل من الدرجة الثالثة أو ” كومبارس ” لصالح السياسية الأمريكية وأمراء النفط .
وبالتالي ما هو متوقع هو زيادة كبيرة في حجم المعارضة الأوربية للسياسات الإقتصادية الراهنة ، وتحديداً لمعسكر السيدة ” مركيل ” المستشارة الألمانية القوية . بيد أن هذه المعارضة أيضاً ستوفر لها فرصة الابتعاد نسبياً عن المعسكر الأمريكي وأكثر قرباً من معسكر الرئيس الروسي القوي ” السيد بوتين ” لأن مصالحها مع روسيا الاتحادية ( 40 % من التجارة الألمانية مع روسيا ) عدا عن موضوع النفط والغاز . أهم من مصالحها مع القطب الأمريكي المتراجع عالمياً أو المتوجه نحو جنوب شرق أسيا.
طبعاً هناك كميات كبيرة من المناديل الكافية لمسح دموع الأحزاب الكلاسيكية التي أفل نجمها.سواء أكانت يساراً أو يميناً مقابل صعود تجمعات جديدة شابة أو هو بالتعبير الجديد ( اليسار الإليكتروني ) الذي يعتمد على تقنيات العصر. وليس كأحزاب المنطقة العربية المسماة ” يساراً ” وأمينها العام الأبدي يمارس سلطته المطلقة حتى بعد انتقاله الى رفيقه الأعلى .انتهي عصر الزعامات الفردية والفترينة السياسية ، والدكاكين الصغيرة سواء أكانت نقابية أم سياسية . حتى تلك الاتحادات النقابية الكبيرة أصيبت بمرض الهرم والشيخوخة والضمور. وتحولت الى مجرد يافطات لعمال وشغيلة وهميين .
تراجعت الشعارات الأيديولوجية لصالح البراغماتية . ماذا يحتوى برنامجك وماذا يمكن أن تقدم بشكل عملي وبنتائج محددة. هذا هو سؤال المواطن الأوربي ..؟
هنا يمكن القول أنه في حال فوز القوى الجديدة الصاعدة الى المسرح والمشهد السياسي الأوربي فهذا يعني تحولات وتغييرات جدية في الانتماءات السياسية للشارع الأوربي وبعيداً عن المظلة والهيمنة الأمريكية سياسياً .أنه عصر التحولات وموديل جديد من العمل السياسي ينتظر الساحة الأوربية سينعكس بصورة ايجابية على العلاقات أولاً مع بلدان الإتحاد الروسي . ثم لصالح تراجع البروباغندا الأمريكية فيما يتعلق بالشرق الأوسط .
في المنطقة العربية …لا زلنا نعاني من ذات الإشكال الجوهري في تفكيرنا السياسي فما يسمى بأحزاب معارضة تفكر بعقلية حاكمها. ولم تتجرأ على طرح تقييم لعملها وتقديم رؤية وطنية مستقبلية واضحة ومحددة . ولازالت مفاصل العمل والأدوات القديمة هي التي تتحكم بصنع القرار. كما حالة الأنظمة العربية الفاشلة. فالجميع لازال يتمسك بالماضي القريب والبعيد . ولم يغادر عصر الخلافة .