الاحتجاجات والسخط المجتمعي ومستقبل نظام الحكم في العراق

فواد الكنجي

التحركات الاحتجاجية التي يشهدها العراق تتواصل في عديد من المدن العراقية وخاصة الجنوبية منها؛ ومن المرجح أن تزداد الاحتجاجات وتتسع دائرتها لتشمل كل مدن العراق حسب المعطيات الماثلة على ارض الواقع، في وقت الذي يعلم الجميع بأنها احتجاجات معيشية أكثر من كونها سياسية رغم إن الاثنين لا ينفصلان عن بعضهما البعض كسبب للمسبب، إذ يطالب المتظاهرون بتوفير فرص عمل للشباب وتأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة و الخدمات العامة في ظل أوضاع مأسوية التي يعيشها الشعب العراقي وخصوصا في فصل الصيف اللاهث بارتفاع درجة الحرارة والتي وصلت ما بين 45 و 53 درجة مئوية؛ مع انقطاع دائم للتيار الكهربائي وشح المياه الماء الصالح للشرب وارتفاع نسبة الملوحة المياه نتيجة انحصار مياه دجلة والفرات اثر بناء سدود في تركيا وإيران قرب مناطق المنابع دون أن تبالي الحكومة بذلك، وكما يطالب المتظاهرين بتحسين أوضاعهم المعيشة وتأمين مستلزمات العيش الكريم، فجل شعارات التي يطلقونها تركز على هذه المطالب ونذكر منها؛ وحسب اللهجة العراقية الدارجة: ((إحنا أهل النفط، عطالة بطالة)) و ((باقونا الحرامية)) و (( هّ ..هّ ..هّ .. كلهم حراميه )) و( هّ.. هّ، الخضراء – داعشية)، والـ(خضراء) إشارة إلى منطقة الخضراء وهي منطقة الوزراء والمقرات الحكومية والرئاسية و(( لا نريد من يلتحي، نريد من يستحي)) و ((إيران برا برا كربلاء تبقى حرة)) و (( شلع قلع.. كلهم حراميه)) و(( أيها الساجدون في محراب الجوع ثوروا فان الخبز لا يأتي بالركوع والخنوع))، إضافة إلى قيام المحتجين بإطلاق شعارات مناوئة لإيران و للحكومة العراقية وسياساتها وساستها.


فالعراقيون قد ضاقوا ذرعا بالوعود الحكومية وهم اليوم يحترقون بلظى الشمس الحارقة؛ وانقطاع التيار الكهربائي بشكل كلي ولعدة أيام، وشح وملوحة المياه، ومن قلة الخدمات، واستشراء الفساد، ولم تتمكن الحكومة المركزية والمحلية معالجة أوضاع المتفاقمة في مدن العراق وتحديدا المدن الجنوبية؛ ولم يفلحوا بوعودهم في توفير المياه الصالحة للشرب ومعالجة شحه المياه لنهري دجلة والفرات والتي أدت إلى جفاف مزروعات الفلاحين وهلاك ألاف الماشية؛ مما اضطروا إلى النزوح و ترك قراهم، كما وان الحكومة لم تستطع توفير فرص عمل من اجل كبح جماح المتظاهرين؛ حيث تتفشى ظاهرة البطالة بين شريحة واسعة من الشباب وخريجي الجامعات والمدارس المهنية، لا وبل نجد اليوم في الشوارع العراقية ومدنها الآلاف المتشردين والشحاذين والمتسولين واليتامى والأرامل يبحثون عن لقمة عيش ويعيش الكثير منهم في الشوارع بلا معيل أو ملجأ وأصبحوا هدفا سهلا لتجنيدهم من قبل العصابات واللصوص والإرهابيين.
فأن فشل الحكومات المتعاقبة في حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية وتحسين شبكات الإرواء والسقي ومنع تهريب النفط ومشتقاته وتوظيف الأجانب على حساب العراقيين في شركات النفط والغاز في حقول النفط الجنوبية؛ بعد أن تم إقرار قانون النفط – السيئ الصيت – الذي شرعته الحكومة واقره البرلمان العراقي وهو (قانون النفط الوطنية) الذي تم الإفراط في حقوق الملكية والإدارة وإنتاج النفط الوطنية لصالح الشركات الأجنبية، وكذلك لم يتم طوال السنوات الماضية تحسين مستوى ألمعاشي للعراقيين والقضاء على بئر الفساد والمفسدين، كل ذلك مثل وقودا للحراك الاجتماعي وحركة الاحتجاج المستمرة في مدن العراق؛ لان ما أثار الغضب الشعبي ضد الطبقة السياسية الحاكمة التي جاءت إلى السلطة بعد عام 2003 هي المماطلة في تنفيذ مشاريع تنموية وإصلاحية وسياسية واجتماعية تخدم الشعب العراقي، فتصاعد الحراك – هذه الأيام – في المحافظات الجنوبية من مدينة النجف وكربلاء وبابل وذي قار وميسان والديوانية، حتى وصلت إلى مشارف حقل مجنون النفطي شرق البصرة وإلى الحدود الكويتية في وقت الذي عززت فيه دولة الكويت من وجود قواتها على الحدود وتم إغلاق منفذ صفوان الحدودي؛ كما أدت المواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين إلى سقوط عدد تجاوز عن 323 جريحا وشهيدا في مدن الجنوب وبغداد، لحين كتابة هذه الأسطر، وتم قطعت خدمة الإنترنت في عموم البلاد، واستنفرت القوات الأمنية وأعلن حضر التجوال في وقت الذي لم تقوم الحكومة بأي إجراء فوري لمعالجة هذه الاختناقات، فحضور رئيس الوزراء السيد (حيدر العبادي) إلى ديوان المحافظة في مدينة ألبصره واجتماعه مع المسؤولين الآمنين ومدراء الطاقة الكهربائية والنفط، لم تسفر على أية نتيجة بقدر ما جاءت زيارته كدعاية إعلامية؛ وقد غادر المدينة اثر احتشاد ألاف المتظاهرين حول بناية ديوان المحافظة وهم منددين بزيارته هاتفين 🙁 ياعبادي اخرج برا .. برا ))، وهذا ما أدى بالحكومة المركزية والمحلية إلى رفع حالة الاستنفار الأمني وتوعدت بإجراءات رادعة ضد المتظاهرين في وقت الذي وضعت وزارة الدفاع العراقية قواتها في حالة تأهب قصوى ابتداء من يوم اليوم 14 تموز الجاري إثر احتجاجات في كل محافظات الجنوبية وبغداد، الأمر الذي يضع حكومة (حيدر العبادي) في موقف لا يحسد عليه ويحتم عليه اتخاذ قرارات جريئة وقوية كحل مجالس المحافظات وإقالة المحافظين، واتخاذ إجراءات عاجلة لاستيعاب المظاهرات ووقف تداعياتها قبل انتقالها إلى وسط البلاد وشمالها، لان كل مؤشرات توحي بذلك وخاصة بان الاحتقان الجماهيري وصلت إلى مستويات خطيرة جدا ينبئ بقيام ثورة جماهيرية عارمة تقضي على العملية السياسية برمتها.
لنجد بعد أسبوعين من اندلاع الاحتجاجات الجماهيرية في مدن الجنوب وصول عواصفها إلى العاصمة بغداد، لتشهد منطقة (شعله) و(الحسينية) و(ساحة التحرير) وهي من مناطق بغداد تظاهرات حاشدة التي خرجت احتجاجا على نقص الخدمات وانتشار البطالة، ولكن على الفور وصلت القوات العسكرية والأمنية إلى هذه الموقع وقامت بإطلاق الرصاص الحي لقمع المتظاهرين بغية تفريقهم وقمع احتجاجاتهم و بوحشية ليس لها أي مبرر، في وقت الذي ما زالت كل التظاهرات التي خرجت في مدن الجنوب تلتزم السلمية، كما جاءت تظاهرات بغداد؛ ولكن يبدوا إن الإحداث الأخيرة التي حدثت في بغداد يوم 17 من الشهر الجاري وتحديدا في منطقة (شعله) لم تدم سلمية سوى ساعات، وبدأ مجرى الاعتقالات والقمع والضرب يتصاعد بعد انتشار القوات العسكرية بكثافة في الشوارع والإحياء المنطقة لتتحول الإحداث بدراماتيكية تشبه الانتفاضة؛ ليتم قمعها بوحشية وهو أمر طالما تم تحذير منه لأنه لا يمكن- بأي حال من الأحوال – توجه بندقية الجيش نحو صدور العراقيين فيطلقون الرصاص الحي عليهم بغية تفريقهم؛ وهم عزل خرجوا في التظاهرات احتجاجا على انتشار البطالة و نقص الخدمات ليسقط عد من الشهداء دون أي مبرر بقدر ما سيؤدي مثل هكذا تصرفات الغير المدروسة عواقب وخيمة سيصعد من حدة التظاهرات بشكل التي تخرج من سلميتها وبما لا تحمد عقابه.
فالتحركات الاحتجاجية لجماهير العراقية لم تأتي إلا بعد وصل اليأس بهم حد الاختناق والموت، فبعد إن أخفقت كل الحكومات المتعاقبة على إدارة شؤون الدولة و طوال خمسة عشر عاما من عدم إيجاد حلول و معالجات جذرية في إعادة بناء البنى التحية والفوقية لدولة و استشراء الفساد في كل مؤوسساته، ولهذا فان الشعب العراقي ذاق مر الحياة طوال هذه الحقبة القاسية من تاريخه لأسباب تتعلق بهيكلية نظام الحكم البرلماني الذي اقره الدستور العراقي والذي شرع واقر في عهد الحاكم العسكري (بول بريمر) الذي عين من قبل الأمريكان اثر احتلالهم الدولة العراقية بعد أن اقر في الأمم المتحدة بكون (العراق) تحت الاحتلال الأمريكي، فتم كتابة الدستور العراقي من قبل هيئة بإشراف الأمريكان وممثلي للأمم المتحدة برئاسة (غسان سلامه) الذي هو من كتب مسودة الدستور وترك للعراقيين الذي جاءوا على متن دبابات أمريكية وضع ملاحظاتهم البسيطة على بعض من نقاط وعلى هوامش المسودة، لذا فان الدستور العراقي لا يعبر بأي شكل من الإشكال عن الإرادة العراقية بقدر ما تم إملاءه، لذا فهو سبب كل هذه الاختناقات؛ لذلك يرى الشعب العراقي بان لابد من تغيره ليتم تغير الهيكلية النظام البرلماني الذي عزز روح الانقسام في المجتمع بالمحاصصة الطائفية والمذهبية والقومية واستشراء الفساد في مؤسسات الدولة، وعليه لا بد من تغيره واخذ بنظام رئاسي يقضي على بئر الفساد الذي انتشر من خلال النظام البرلماني واستشرى الفساد في كل مؤسسات الدولة العراقية التشريعية والتنفيذية، وهذا ما قاد العراقيون خلال الانتخابات أيار الماضي النيابة في 2018، عزوفهم وامتناعهم من المشاركة في الانتخابات؛ حيث تم بما يتجاوز عن (ثمانين بالمائة) من عدد سكن العراق ممن يحق لهم الاقتراع من عدم المشاركة في التصويت؛ وهذه النسبة المرتفعة من الممانعة لا يكون مغزاها إلا بكون الشعب العراقي غير مقتنعا بسير العملية الانتخابية بسبب ما آلت إليه الانتخابات السابقة؛ ورغم ذلك فان من شارك في التصويت اصطدم بواقع أمر من ذلك بعد فضائح وعمليات تزوير الواسعة النطاق وما ترتب من سجالا داخل البرلمان قبل نهاية دورته ليتم إعادة فرز الأصوات عبر أزمة متفاقمة يوميا تدور رحاها في لغة التخوين بين الكتل المشاركة وعبر السجال السياسي المتصاعد حول تركيبة الحكومة المقبلة والكتل الرئيسية فيها، والتي أزادت هذه الانتخابات ونتائجها من حدة الاختناقات وعدم الهدوء والاستقرار في عموم الدولة العراقية .
ولهذا فان الشعب العراقي ومنذ 2003 والى يومنا هذا؛ حيث انتشار زمر الإرهاب وفصائل الإجرام بشتى أنواعها وصنوفها وتسمياتها؛ وبما تم ارتكاب أبشع أنواع من الجرائم المنظمة بحق الأبرياء من الشعب العراقي من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه؛ ولم يستثنوا أحدا إلا وآلة الجريمة وصلت إليه من قتل وخطف وابتزاز وتهجير ونزوح قسري وجماعي؛ وتم عبر تلك الفصائل الإجرامية المتدفقة إلى داخل الوطن من خارج العراق؛ بعد إن استطاع المحتل الأمريكي من تفكيك وتدمير كل مؤسسات الدولة العراقية الأمنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية و السياسية؛ لتصبح العراق ساحة مفتوحة لكل من هب ودب يدخل ويخرج من العراق بدون رقيب؛ ليكون العراق ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات المحلية والإقليمية والدولية؛ وليتم تعزيز روح الانتقام والتفرقة بين مكونات الشعب العراقي حيت التميز الديني والقومي والمذهبي ليصل الأمر إلى احتلال مدن كاملة عبر ما سميي بـ(الدولة الإسلامية) الداعشية؛ والتي كانت ولادتها في العراق وامتد نفوذها إلى عدد من المحافظات العراقية الشمالية والغربية ومن ثم إلى الدول العربية؛ لا وبل وصل امتداد جرائمهم إلى الدول الغربية، نتيجة للاختناقات السياسية الحادة وانتشار التميز العنصري والمذهبي والطائفي والقومي الذي خلفه نظام الدولة البرلماني والمحاصصة، ولهذا لم تهدأ الاحتجاجات في العراق والتي رائها الشعب العراقي بأنها أتت نتيجة منظومة الحكم بعد الاحتلال الأميركي والقائمة على المحاصصة الطائفية والحزبية والقومية وهي التي كانت من الأسباب الحقيقية لهذه التجاذبات الداخلية والخارجية وعلاقتها وآلياتها التي فشلت في تكريس التمثيل العادل لكل مكونات الشعب العراقي والاستقرار السياسي الكفيل بالاتجاه نحو التنمية، ولكن كيف تأتي (التنمية) والفساد يستشري على قدم وساق وعلى طول وعرض البلاد، فالدولة العراقية التي اليوم تنتج بحدود أربعة مليون برميل من النفط الخام تهدر عائداته عبر عمليات تهريب والسرقات؛ و مما نذكر على سبيل المثال وليس الحصر فان ما بين عامي 2004 و 2005 نهبت و اختفت من الميزانية الدولة من عائدات النفط تريليونات الدولارات دون إن يعرف احد أين ذهبت واجهتها، حيث تشير بعض التقارير التي نشرتها هيئة النزاهة عام 2016 إلى أن أكثر من ألف مليار دولار (تريليون دولار) دخلت موارد الدولة العراقية منذ عام 2003، في وقت الذي لم يشهد المواطن العراقي أي تحسن في الخدمات الأساسية إن لم تتراجع إضعاف ما كان الحال قبل 2003، إضافة على ما أشارت تقارير إلى وجود أكثر من ستة آلاف عقد وهمي في العراق نهبت بواسطتها عشرات مليارات الدولارات، كما ويذكر بان وزارة الكهرباء صرفت أكثر من 50 مليار دولار خلال 15 السنة الماضية ذهب تسعين بالمائة منها إلى جيوب حيتان الفساد من الساسة المتنفذين في السلطة، ولهذا فان الشعب العراقي يقرأ ويلاحظ بأم عينه المشهد السياسي وكيف يستشري الفساد في مؤسساته وان كل الحكومات التي تعاقبت على إدارة ملفات الدولة منذ 2003 لم تستطع تلبية أدنى متطلبات الحياة الأساسية للمواطنين، والتي أفرزت أمراض خطيرة في المجتمع بانتشار ظاهرة الأطفال المشردين والمتسولين في عموم محافظات العراق نظرا لانتشار ظاهرة البطالة بين شرائح واسعة من الشباب بل عجزت الحكومة عن تنفيذ خطط الإصلاح وتامين مستلزمات المواطنة لكل أبناء الشعب العراقي دون تميز وحرمانهم من أبسط حقوقهم، حيث اليوم هناك ما يزيد عن مليوني مهجر يعيش في مخيمات نزوح تحت وطأة ظروف جوية قاسية وحرمان أطفالهم من المدارس والرعاية الصحية، بل وصل الأمر بها إلى عدم دفع رواتب ما يزيد على ستة ملايين موظف وهم يمثلون نحو نصف بالمائة من القوة العاملة في البلاد؛ بقدر ما انشغلت الأحزاب السياسة الممثلة والمشاركة في الحكومة والبرلمان بالخصومات السياسية وعقد الصفقات باعتبار العراق غنيمة لهم بأخذ العمولات بأي عقد أو شراء يتم عقده أو تنفيذه، وهذا كله ولد سخطا مجتمعيا كبيرا تجسد في الاحتجاجات و التحركات الاحتجاجية الأخيرة التي تزداد سخونة على عكس ما قبلها؛ والتي تشكل اليوم أزمة حقيقية تهدد مستقبل نظام الحكم في العراق والتي تأتي في ظل انقسام حاد داخل المشهد السياسي العراقي وتفاقم أزمة الانتخابات أيار الماضي 2018 التي لم تفرز أي رغبة في التغيير.
ومن خلال طبيعة التحركات الاحتجاجية فإننا نرى بان الاحتجاجات سوف تزداد لان كل إجراءات المتخذة من قبل الحكومة لم ترتقي إلى مستوى الحدث لاستيعاب متطلبات المتظاهرين ووقف تداعياتها أو اتساع نطاقها، فبغياب الحلول الجذرية تبدو رسائل الاحتجاجات مصوبة باتجاه (التغير) لان المواطن العراقي قد يأس من حلول التي يقدمها ساسة المنخرطين في إدارة الدولة العراقية الحالية و بات على يقين بان الفساد المستشري سيستمر وان لا أمل في أي إصلاح حقيقي وجذري في البلاد ينخر جسده الفساد؛ طالما إن الوجوه ذاتها هي التي تسيطر على زمام الأمور في المشهد السياسي العراقي .
فاليأس قد دب في حياة الشباب وبات متيقنا من إن أوضاع وطنه تسير من سيئ إلى أسوأ؛ كونه يعيش واقعه بحذافيره وهو يرى كيف تتراجع القيم المجتمع فكريا واجتماعيا و تاريخيا دون إن يأخذ المنطق السليم مكانه الفعلي في التفكير العقلاني الواقعي وبشكل صحيح في كل مؤسسات الدولة السياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ مع تراجع العلم والمعرفة والتربية والتعليم والصحة وتدهور أوضاع الثقافات الأصيلة والنخبة الواعية عن أداء أدوارهم المطلوبة نتيجة فرض الأمور فوقيا وبفعل مجموعة من الجهات ليس لها من الوطنية والشعور بالمسوؤلية من شيء، مما جعل ثقة الشباب وعموم الشعب العراقي يفقد بحكومة الدولة وساسته؛ لتصل إلى أقصى درجات الضعف والبعد بينهما؛ إن لم تنعدم .
فالشعب العراقي بات يئن يوميا من سوء الإدارة وسياسة ساسته؛ بل بات مثقلا بمتطلبات وتكاليف الحياة في وقت الذي لم تعد موازنة الدولة قادرة على تغطية متطلبات المجتمع لعجز ميزانيتها التي تهدر بعبثية غير معقولة اثر استشراء الفساد واختلاس الأموال وتهريبها وبشكل غير معقول ولا يعقل، فكيف سيكون الحال المجتمع وفق هذا التصور؛ حيث اليأس والبؤس والفقر وتزايد عدد العاطلين واستشراء الفساد وسوء الإدارة وتفاقم الصراعات السياسية و الطائفية والعرقية والتي هي أساسا ليست بين أبناء الشعب العراقي بل بين الكيانات السياسية التي لا تمثل واقع المجتمع، والتي كانت لهذه الصراعات دورا كبيرا في استشراء الفساد في مؤسسات الدولة وما رافقها من سوء التخطيط؛ رغم ما يملك العراق من الثروات الهائلة، لذلك فان الاحتقان المجتمعي وسخطه مما وصلت ظروف المعيشة في الوطن يجعله يبحث عن أي حل لتغير وعن أي موجة يركبها للوصول إلى هدف التغير والقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، لذا فلم يكن لدى العراقيين سوى اللجوء إلى التحركات الاحتجاجية مجتمعية لا يقبلون إلا بإنهاء دور الأحزاب الدينية الذين هم من مهدوا لتدخلات إقليمية ودولية في شؤون الدولة العراقية والذين هم من دمروا البنى التحتية والفوقية لدولة بما لا تقوم أية قامة لها وهذا ما يلتمسه الشعب طوال خمسة عشر عاما الماضية، لذا فان التجاء الجماهير العراقية إلى الانتفاضة والتظاهرات والاحتجاجات عبر أساليب حضارية لتفادي التصادم مع الجيش والأجهزة الأمنية بغية احتفاظ بسلمية الثورة وإحداث التغير المطلوب، ورغم إن الجماهير استطاعت إثبات وجودها في الشارع العراقي إلا إن افتقادها إلى القيادات هي التي تأخر الوصول إلى أهدافها النهائية بالتغير، في وقت الذي نعلم بان الأحزاب الدينية المتسلطة على إدارة الأجهزة الأمنية هم من يسرقون الانتفاضة عبر الالتفاف علیھا وتجییرھا لصالحھم، و رغم إن الوعي المجتمعي يعي بذلك فانه لا محال عليه إن يدرس سبل تجنب ذلك بحذر شدید وعدم اليأس والمضي قدما لان العراقيين شعب حر وأبي ولن يقبل إن يمثله شلة من الفاسدين ولصوص فمن المخجل بتاريخ وحضارة العراق إن يمثله عملاء وقفوا مع الأجنبي ومع الأعداء ضد إرادة الشعب العراقي في الحرية والاستقلال، فهؤلاء الذي ركبوا عملیة سیاسیة التي صاغھا المحتل الأمريكي والذي هو من اختار رموزها قد اثبتوا فشلهم في إدارة الدولة العراقية و فشلوا في صیاغة مشروع وطني حر، فقد آن الأوان إن يقول الشعب كلمته ليوقف هؤلاء عند حدودهم من التلاعب بمصیر و ثروات و مقدرات الشعب العراقي، لذلك ومن خلال تجربة خمسة عشر عاما أصبح لدى الشعب العراقي من وعي بان يجب قلع هؤلاء الفاسدين، لان من رحم ارض العراق – الحضارة والتاريخ – أنجب الآلاف بل الملاين من العراقيين القادريين على قيادة السلطة بما يعزز روح الانتماء الوطني للأرض وللتاريخ وللحضارة العراق .

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.