تصدير: ربما يكون الإنسان الطيب كل مسيحي مخلص.
إذا شاهد الناس طيبة قلبك لا يمكن أن يقولوا عنك بأنك رجلٌ طيب القلب وعلى نياتك, الناس تمل من الطيبين وتحني ظهورها للأشرار وللمخادعين, يفتحون أبوابهم في وجوه المتملقين والأشرار ويغلقونها في وجوه الطيبين والأخيار, وأغلبية الناس تبحث عن الطيبين والأخيار لا ليكرموهم بل ليستثمروهم في مشاريع الفساد والضحك على اللحى والذقون, وبدل أن يقولوا عنهم بأنهم محترمون نجدهم يقولون عنهم بأنهم أغبياء ولا يتمتعون بالذكاء الذي يتمتع به الأشرار , والناس لا تحب التعامل مع الطيبين واستثمارهم في العمالة لأنهم بعيدون عن أساليب الغش والخداع, والطيبون دائما فريسة سهلة للناس لأنهم يثقون بكل الناس ويحبون كل الناس والذي في قلبهم يخرج بسرعة من على رأس لسانهم, طيبون جدا معناه أنهم معرضون بسرعة للخذلان وللسخرية, ويقع الطيبون بسرعة فريسة سهلة لكل الناس, الكل يأخذ منهم أكثر مما يعطوهم وهم مادة سهلة للآخرين من أجل اتخاذهم مطايا يركبها الأشرار وكثيرا ما تقال بحقهم النُكت والطُرف أي أن الناس يتندرون عليهم بالقصص وبالحكايات, ومن السهل جدا قيادة الناس الطيبين ومن السهل جدا أن يقعوا بغرام كل الناس ولكن من الصعب أن يعشق الناس الإنسان الطيب علما أن الكل يستفيد من طيبة قلوبهم.
الطيبون يقال عنهم كل شيء وأي شيء ويمكن أن يقال بحضورهم عنهم بأنهم أخيار وذلك كمجاملة , حتى أنت إذا كنت إنسانا طيب القلب من الممكن أن يقولوا عنك في وجهك وأمام ناظريك بأنك محترم ولكن حينما تذهب عنهم وتتوارى عن عيونهم يمكن أن يقولوا عنك بأنك أهبل,أو مجنون, أو أنك لا تفهم شيئا في هذه الدنيا أو بأنك لم تتعلم شيئا من هذه الدنيا, فأغلبية الناس كلما طال بهم العمر كلما ازدادوا خبرة في فن الكذب والرياء والدهلسة على عكس الطيبين لذلك يقال عن الإنسان الذي لم يتعلم طوال حياته الشر بأنه إنسان مخبول ولا يعرف كيف تمشي هذه الدنيا, الطيبون يقال عنهم بأنهم لم يتعلموا من الدنيا أي شيء ويقال عنهم بأن خبرتهم في الحياة ضعيفة جدا وليسوا محترفين ولا يمتون للشطارة بأي صلة, هكذا يقال عن الناس الطيبين بعكس ما يقال عن الأشرار, فالأشرار يقال عنهم بأنهم خبراء في فنون الحياة وقتال الجماهير المسالمة, الأشرار يقال عنهم بأنهم فنانون ومبدعون في فنون الحياة , الأشرار أينما ذهبوا يجدون لهم متسعا في كل مكان أما الناس الطيبون الأخيار المحبون للسلام أينما ذهبوا لا يجدوا لهم أي مكان, الكل يشمئز منهم وفي العمل الرسمي دائما يقعون ضحية قلوبهم الطيبة لأن الجميع يستغلهم ويستفيد منهم , والطيبون مفضوحون في كل مكان يذهبون إليه ومكشوفة أعمالهم ونواياهم الطيبة,ودائما مضطهدون.
الطيبون من المؤسف له أنهم يتصرفون على حسب ما توحي لهم به طيبة قلوبهم وأن الأشرار ينعتونهم بالشر ويصفون تصرفاتهم على أساس أنها خبيثة وهم دائما ضحية ولقمة مدفع للآخرين , من المؤسف له أن يقال عن تصرفات الطيبين بأن وراء تلك الوجوه الطيبة والبريئة عملية خداع كبيرة, علما أن الطيبين لا يضمرون الشر وطوبى لهم أينما ذهبوا, وإذا كنت أنت إنسانا طيبا من الممكن أن يقال عنك كل شيء لكن أن يقولوا عنك بأنك طيب القلب فهذا محال, الناس هنا لا تفسر الطيبة بمعناها كما هو, يمكن مثلا أن يقولوا عن طيبة قلبك وابتسامة وجهك بأن وراءها شيء خبيث ومنفعة شخصية, ومن الممكن لهم حين يشاهدوا ابتسامتك على خدك أن يقولوا عنها كل شيء لا تتوقعه , من الممكن أن يفسروها كما يريدوا هم أن يفسروها ولكن من الصعب أن يفسروها كما يحلوا لك , هنا لا أحد يصدق بأن وجهك بريء وبأن قلبك طيب وبأن معدنك ثمين , وإذا أحس الناس بطيبة قلبك ونقاء سريرتك لا يمكن لهم أن يساعدوك على اتساع رقعة النقاء في قلبك, بل يحاولون جاهدين أن يستغلوك لتمرير ألاعيبهم ومخططاتهم,ويحاولون دوما أن يعززوا في داخلك عدم الثقة بالآخرين, وأغلب الذين يقعون فريسة سهلة للمحتالين هم الأناس الطيبون, الناس هنا يستغلون الإنسان الطيب ويستغلون الإنسان النقي, الناس هنا يركبون سطح البيت الواطي(المنخفض) , والفقير في بلادنا لا أحد يحبه ومن النادر أن يدعوه الناس إلى بيتهم لتناول الطعام, هنا يدعون الأغنياء ويعطون الأغنياء ويحترمون الأغنياء والفقير يلقى القليل من الاحترام حتى وإن كان محترما جدا , والغني يلقى الكثير من الاحترام والترحيب حتى وإن لم يكن الغنيُ محترما جدا , هنا المعادلة مقلوبة فمن المفترض أن يلقى المعاملة الطيبة كل قلب طيب, وأن يلقى الاحترام كل إنسان محترم, ولكن الأمور على العكس.
والإنسان الطيب مثل الإنسان المثقف من المفترض أن يواجه مجتمعا وحكومة داعمة له, ولكن هنا الكل يتعامل مع الثقافة بمنظور آخر مختلف جدا فإن لم يقولوا عنه خائنا أو مجنونا يقولون عنه كافرا ويقولون عنه ملحدا أو مشركا أو خارجا عن المِلة أو زنديقا,هنا لا أحد يتعامل معك بنفس المستوى المطلوب, وإذا دعوت إلى السلام وإلى التعايش السلمي مع الجيران من الممكن أيضا أن يقولوا عنك بأنك عميلا لإسرائيل ولا يمكن لهم أن يقولوا عن عقلك وقلبك بأنهما متنوران,من الممكن أن يصفوه بكل الأوصاف غير اللائقة به , من الممكن أن يصفوه بأقذع الأوصاف ما عدى أن يقولوا بحقه شيئا جميلا.
هنا الإنسان الطيب والإنسان المثقف لا يمكن أن يتلقى معاملة الناس الطيبين والمثقفين, وشعار الناس إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب, والكل يتصور نفسه حملا وديعا ويتصور غيره ذئبا ويريد أن يصبح ذئبا لكي يعيش مع الذئاب, لا يمكن أن يجد الطيبون معاملة طيبة, وكما قال أحد الفلاسفة وهو على ما أظن(مارك توين):كلما ازداد نقاء المرء كلما ازدادت تعاسته, في حين أنه من المفترض أنه كلما ازداد نقاء المرء كلما ازدادت سعادته , ولكن الأمور تجري بالشكل المعكوس , الطيبون يستغلهم الناس ولا يفسرون طيبتهم بالطيبة , ولا يمكن أن يفسروا نقاءهم بالنقاء.