لا يمكن في هذا الزمن الذي نعيش به أن يحكمنا دين سماوي أو أرضي أو ما شابه ذلك سياسيا, فاليوم لا يمكن أن يسمح أحدٌ بأن يقود الدين حزب سياسي أو دولة, ومن غير اللائق أن يترأس الدين حكومة عصرية مدنية, فالقوانين التي تحكمنا من كل الجوانب ناتجة عن طبيعة المجتمع المدني الحديث وهي بدورها مخرجات المصانع وحقوق العمال, أما في الدول العربية فما زال الدين مصرا على قيادة الحكومة وتزعم الأحزاب السياسية مع وجود (إله الحد الأقصى)أو(الإله الأكثري) وهذا معناه الإله الشمولي الذي يحكم جميع مناحي الحياة بدون استثناء وأهمها الحكومة والتعليم والثقافة العامة وقيادة الجيش, وهذا هو إله الحد الأقصى أو الإله الشمولي الأكثري, وهذا النوع من الدين بدأ ظهوره في القرون الوسطى تحت مسمى الإله الواحد الحاكم الأكثري لكل شيء يصادفه في الحياة, وهو ما يؤدي وسيؤدي بالنهاية إلى حافة الهاوية.
حافة الهاوية هذه هي أن الإله الأكثري لا يعترف بغيره من الإله تحت مسمى الإله الواحد, فقد بدأ ينظر لنفسه أو بدأ المنتسبون إليه ينظرون إلى هذا الإله على أساس أنه البديل عن إله الشمس والقمر والنجوم والمطر والحر والبرد والصحراء والشجر والغابات والمحيي والمميت والرازق, وهنا يدل على أنه قبل القرون الوسطى كانت الناس تعبد أو ترى لكل شيء إله, فالمطر له إله والثلج له إله والنار لها إله والربيع له إله…إلخ, وظهر في القرون الوسطى الإله القادر على كل شيء وهو ما ندعوه علميا بالتوحيد وحديثا سماه علماء الأديان إله الحد الأقصى أو الأكثري في أغلب الأمور.
وحتى الآن يبدو الوضع طبيعيا ولكن من غير الطبيعي أن يرى وكلاء الله على الأرض من الزعماء الدينيين أنهم يحكمون بسلطة أو برخصة من هذا الإله الأكثري, فيقود هؤلاء القادة الناس في كافة ميادين الحياة ويرون أنفسهم بأنهم يملئون كل فراغ وكل مكان, فيتحكمون بالناس ويحكمونهم سياسيا واجتماعيا وعسكريا,, وبما أن الإله الأكثري يخرج من ساحة الحياة تدريجيا ويبدأ يسن لنفسه قوانين تختلف عن تلك القوانين التي يسنها للناس, بما أن هذا يحصل فعلا مع الإله الأكثري فإن القادة الذين يحكمون بسلطة منه يخرجون هم شيئا فشيئا من ساحة الحياة العامة, فيلزمون أنفسهم بملتزمات تختلف عن تلك التي يلزمون الناس فيها, وإليكم المثل الأعلى.
من المعروف جيدا أن(ألله) في الدين الإسلامي إله أكثري وإله الحد الأقصى, ومحمد هو رسوله للناس كافة, وبذلك سن محمد لنفسه مثلا أعداد زوجات أكثر من التي سنها أو سمح بها لباقي المسلمين, أنا هنا لست بصدد النقاش حول موضوع تعدد الزوجات ولكن هنا على الأقل أحاول تقريب صورة مفهوم الإله الأكثري أو إله الحد الأقصى , فمن المعروف أن للمسلم أربع زوجات ولكن محمد لم يكن يقف عند أي حد, وهنا خطورة الموقف حين يخرج إله الحد الأقصى من الحياة العامة شيئا فشيئا, وكذلك منتسبيه أو المنتسبين إليه.
وهنا تبدأ تصرفات المؤمنين بإله الحد الأقصى تخرج عن المعقول, وعن المألوف, وعن غير السائد وعن الروتين العادي, حيث يبدأ جماعة المؤمنون بالإله الأكثري بالخروج عن المألوف والطبيعي والسبب في ذلك هو أن وظيفة إلههم نفسه تخرج أو خرجت فعلا عن الحد المسموح به لأنه حكم كل شيء وتحكم بالنظام البيئي برمته وأصبحت تصرفاته خارجة عن المألوف , لذلك لا نستغرب من ذلك حين يخرج الجماعة المؤمنة بالإله الواحد عن المألوف وعن الطبيعي والعادي وعن المنطقي وفي النهاية يصاب إله الحد الأقصى بنوبة من جنون العظمة تنتقل هذه النوبة بعد ذلك إلى الذين يعبدونه.
وهذا ما حصل مع الجماعات الإسلامية المتطرفة في الآونة الأخيرة مثل(داعش) التي أصبحت تصرفاتها تخرج عن الحد الطبيعي والمألوف والمنطقي وهذه هي شيئمة إله الحد الأقصى أو شيمة الإله الأكثري في معظم جوانبه وتقنياته, فظهرت جماعة داعش بطرق نكاح جديدة لا يألفها لا العقل ولا المنطق, وهذه تحدث حين يشعر عبدت الإله الأكثري أن إلههم مميز عن باقي الآلهة ويحكم كل شيء بدءا من الذرة الصغيرة وانتهاء بالشمس وحركة النجوم والكواكب مما يؤدي إلى تعاظم روح العظمة لديه ولدي عبدته الأوفياء له الذين يرون بأن إلههم قد خصهم عن دون الناس بخصوصيات كثيرة لا حد لها وليس هنالك من رادعٍ لها.
وبوسع الإله الشمولي والدين الشمولي أن يخالف العقلانيات والمألوفات وبوسعه أن يخرج من ساحة الحياة العامة تدريجيا شيئا فشيئا, وكذلك الملتزمون بعبادته بوسعهم مخالفة كافة الشرائع المنطقية والعقلانية , والمصيبة الكبرى أنهم يريدون من الناس الخروج مثلهم من ساحة الحياة العامة ومن المنطق ومن العقلانية شيئا فشيئا, فيبذؤن بمحاربة أفكار الناس ومعتقداتهم ويدمرون الحياة العصرية ولا يرون بالحرية إلا كفرا نظرا لأنها تخالف تعاليمهم وعقائدهم الواحدة وينسون بأن طبيعة التركيبة الاجتماعية العصرية قائمة على التعددية الفكرية والدينية والعقائدية تحت حماية حكومة تعترف بحق الجميع بأن يمارسوا معتقداتهم الفكرية والدينية وأن كل الناس ليسوا على عقلية واحدة ذلك أن الاختلاف في الرأي هو سُنة الحياة العصرية والمنطقية فمن المستحيل أن تتطابق أفكار الناس مع بعضها البعض والاختلاف سُنة طبيعية في الحياة خلقها الله في الناس ويجب احترام كافة المذاهب والأديان والمعتقدات, وهذا النوع من الحرية الفكرية لا تحقق أهدافه حكومة دينية تعبد إله أكثري شمولي وإنما حكومة مدنية عصرية تؤمن بالحرية وبالمساواة وبأحقية الناس كافة بممارسة ما يؤمنون به, لذلك هذا النوع من الحكومة هو المطلوب من أجل إنعاش المجتمع المدني الحديث وتوجيه أهدافه نحو خدمة الإنسانية, لذلك لا يوجد بلغة العلم الحديث حزب يقوده رجال دين وإنما حكومة علمانية تقود مجتمع متعدد الأفكار والآراء والمعتقدات على اعتبار أن الدين واحد والمعتقدات مختلفة, أي أن هنالك دين واحد عرفته البشرية منذ نشأتها ولكن المعتقدات بشأن هذا الدين مختلفة جدا, فالمسيحية معتقد, والإسلام معتقد آخر, واليهودية معتقد ثالث, والبوذية معتقد رابع, والهندوسية والسيخ…إلخ, حتى الفلسفات بعمومها هي معتقدات مختلفة ضمن إطار واحد وهو الدين.