الإخوان المسلمون والعنف: حسن البنا وسيد قطب وجهان لعملة واحدة (1)

بقلم بابكر فيصل بابكر/
يدعي كثير من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين أن الأفكار التي تدعو لاستخدام القوة لتغيير الأوضاع القائمة لا تمثل بنودا أصيلة في المنهج الذي أرساه المرشد المؤسس حسن البنا، وإنما هي مجرد اتجاهات طارئة فرضتها ظروف السجن والتعذيب والتنكيل التي جابه بها النظام الناصري الجماعة وقياداتها، مما دفع الأخيرة ممثلة في الأستاذ سيد قطب لاستحداث فكر العنف والتكفير، وهو الفكر الذي تبرأت منه الجماعة في مرحلة لاحقة كما يزعمون.
لكن الباحث المدقق في أدبيات الجماعة سيكتشف زيف هذا الادعاء، ويدرك أن فكرة استخدام القوة والعنف تعتبر من الأفكار الجوهرية التي نهض عليها بنيان المنهج الذي وضع لبناته الأساسية ومنطلقاته الرئيسية المرشد المؤسس. والخلاف بين الأخير وسيد قطب في طريقة استخدام القوة، ليس سوى خلاف في التوقيت والأسلوب وليس في المبدأ والفكرة.
نحن هنا إزاء رجل لا يؤمن بالديموقراطية كنظام للحكم ولا الأحزاب كمنظومات سياسية للتنافس
تستمد فكرة استخدام القوة عند الإخوان المسلمين مشروعيتها من المفاهيم والتصورات والعقائد التي قامت عليها الجماعة وتأسست عليها مبادئ الدعوة، وهي تصورات تجعل من العنف ضرورة لازمة وأمرا لا غنى عنه في سبيل الوصول للحكم وتطبيق المنهج الرسالي/الكوني للجماعة الذي يطمح للسيطرة على العالم.
يبدأ المرشد المؤسس التبرير لفكرة استخدام العنف بشرح ما أسماه نظرية “السيف في الإسلام”، والتي يوضح فيها أن الإسلام انتشر بالقوة من أجل هداية البشرية الضالة، ويقول: “وما كانت القوة إلا كالدواء المر الذي تحمل عليه الإنسانية العابثة المتهالكة حملا ليرد جماحها ويكسر جبروتها وطغيانها، وهكذا نظرية السيف في الإسلام، فلم يكن السيف في يد المسلم إلا كالمشرط في يد الجراح لحسم الداء الاجتماعي”.


ثم يمضي ليجعل من مطلب الوصول للحكم “ركنا من أركان الإسلام”، وفي هذا الإطار يقول البنا في رسالة المؤتمر الخامس: “فالإخوان المسلمون يسيرون في جميع خطواتهم وآمالهم وأعمالهم على هدى الإسلام الحنيف كما فهموه، وكما أبانوا عن فهمهم هذا في أول هذه الكلمة. وهذا الإسلام الذي يؤمن به الإخوان المسلمون يجعل الحكومة ركنا من أركانه، ويعتمد على التنفيذ كما يعتمد على الإرشاد، وقديما قال الخليفة الثالث رضي الله عنه: “إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”.
إن البنا يجعل من الحكومة ركنا من أركان الدين، شأنها شأن الصلاة والصوم والحج والزكاة. وإذا كان من الطبيعي أن يمثل الوصول للسلطة هدفا غائيا لجميع المنظمات السياسية التي تسعى لتطبيق برامجها إلا أننا في حالة الإخوان المسلمين لا نتعامل مع حزب سياسي يؤمن بالديموقراطية والانتخابات كوسيلة لإدراك الحكم، بل نحن إزاء منظمة تسعى بكل الوسائل لتغيير الحكومات التي لا تطبق الإسلام كما تفهمه وتقره وتنادي به.
يقول البنا في رسالة “مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي”: “ولو أخذنا بالحزم وأعلناها صريحة واضحة: أننا معشر أمم الإسلام لا شيوعيون ولا ديمقراطيون ولا شيء من هذا الذي يزعمون”. وهو لا يكتفي بذلك بل يصف الديموقراطية بأنها نظام تافه، حين يقول في “حديث الثلاثاء”: “هذه هي دعوتنا ليس لها منهاج إلا الكتاب الكريم، ولا جنود إلا أنتم ولا زعيم إلا رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه، فأين من نظامنا هذه النظم التافهة المتداعية؟ هذه الديمقراطية، والشيوعية، والديكتاتورية”.
ثم يمضي أبعد من ذلك في ذم الأحزاب التي هي أهم أدوات العملية الديموقراطية، ويقول: “ويعتقد الإخوان كذلك أن هذه الحزبية قد أفسدت على الناس كل مرافق حياتهم وعطلت مصالحهم، وأتلفت أخلاقهم، ومزقت روابطهم، وكان لها في حياتهم العامة والخاصة أسوأ الأثر ويعتقدون كذلك أن النظام النيابي، بل حتى البرلماني، في غنى عن نظام الأحزاب بصورتها الحاضرة في مصر وإلا لما قامت الحكومات الائتلافية في البلاد الديموقراطية فالحجة القائلة بأن النظام البرلماني لا يتصور إلا بوجود الأحزاب حجة واهية وكثير من البلاد الدستورية البرلمانية تسير على نظام الحزب الواحد وذلك في الإمكان”.
ويضيف: “أحب أن أقول لإخواننا من دعاة الأحزاب ورجالها: إن اليوم الذي يستخدم فيه الإخوان المسلمون لغير فكرتهم الإسلامية البحتة لم يجئ ولن يجئ أبدا، وإن الإخوان لا يضمرون لحزب من الأحزاب أيا كان خصومة خاصة به، ولكنهم يعتقدون من قرارة نفوسهم أن مصر لا يصلحها ولا ينقذها إلا أن تنحل هذه الأحزاب كلها، وتتألف هيئة وطنية عاملة تقود الأمة إلى الفوز وفق تعاليم القرآن الكريم”.
جعل حسن البنا من مطلب الوصول للحكم “ركنا من أركان الإسلام”
نحن هنا بإزاء رجل لا يؤمن بالديموقراطية كنظام للحكم ولا الأحزاب كمنظومات سياسية للتنافس، بل هو ينادي بسيادة “هيئة وطنية” واحدة تقوم على تعاليم القرآن، ولا شك أنه يعني أن تنشأ هذه الهيئة وفقا لأفكار ومبادئ جماعته، وفي حال تعذر قيامها يضحى العنف ـ وليس صناديق الاقتراع ـ الوسيلة الوحيدة للتغيير، وهو الأمر الذي دعا له البنا بكل جرأة وصراحة.
يقول البنا في ذات الرسالة: “قد يكون مفهوما أن يقنع المصلحون الإسلاميون برتبة الوعظ والإرشاد إذا وجدوا من أهل التنفيذ إصغاء لأوامر الله وتنفيذا لأحكامه وإيصالا لآياته ولأحاديث نبيه، وأما الحال كما نرى: التشريع الإسلامي في واد والتشريع الفعلي في واد آخر، فإن قعود المصلحين الإسلاميين عن المطالبة بالحكم جريمة إسلامية لا يكفرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدي الذين لا يدينون بأحكام الإسلام الحنيف. فالإخوان المسلمون لا يطلبون الحكم لأنفسهم فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني فهم جنوده وأنصاره وأعوانه وإن لم يجدوا فالحكم من منهاجهم وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله”.
ويضيف قائلا: “وكلمة لابد أن نقولها في هذا الموقف: هي أن الإخوان المسلمين لم يروا في حكومة من الحكومات التي عاصروها ـ ولا الحكومة القائمة ولا الحكومة السابقة، ولا غيرهما من الحكومات الحزبية من ينهض بهذا العبء أو من يبدي الاستعداد الصحيح لمناصرة الفكرة الإسلامية، فلتعلم الأمة ذلك، ولتطالب حكامها بحقوقها الإسلامية، وليعمل الإخوان المسلمون”.
خطورة الحديث أعلاه تتمثل في أن البنا يقرر بوضوح لا لبس فيه أن جميع الحكومات القائمة لا تطبق الإسلام كما تفهمه جماعة الإخوان المسلمين، ولهذا السبب فإن الجماعة لن تتورع عن استخلاص الحكم من أيدي كل حكومة “لا تنفذ أوامر الله”، وهذا الاستخلاص لقوة التنفيذ “السلطة” مشروع بجميع الوسائل بما فيها القوة والعنف ذلك لأنه فرض واجب التنفيذ ويمثل ركنا من الأركان التي لا يكتمل الدين بدونها بحسب فهمه.

شبكة الشرق الأوسط للإرسال

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.