الإنسان يأتي إلى هذه الحياة دون أي خيارات من جانبه، فهو لا يختار أباه أو أمه، ولا يختار جيناته الوراثية، ولا يختار لغته ولا في أي بلد يولد وينشأ، وبالتالي فهو لا يختار معتقده الديني. الوالدان والمجتمع والمدرسة يفرضون على الشخص لغته ومعتقده، والجينات الوراثية تفرض على بعض الناس أنواعاً من الأمراض الوراثية كما تفرض عليهم القابلية للإدمان.
ملايين الناس حول العالم قد استنشقوا أو دخنوا أو حقنوا أنفسهم ببعض العقاقير مثل الأفيون لمساعدتهم على الاستمتاع بالحفلات أو لتنسيهم هموهم. قليل من هؤلاء الناس يدمن الأفيون والعقاقير الأخرى لأن جيناته قد هيأته لذلك. ومع الجينات هناك بعض الظروف والأحداث التي تجعل الشخص قابلاً للإدمان مثلاً، الإطار العائلي يهيئ للإدمان، إذا كان هناك من أدمن المخدرات في العائلة فالأرجح أن يدمن بعض إخوان أو أخوات ذلك الشخص المخدرات. وكذلك إذا تعرض الشخص للإهانة والمذلة والضرب أو الاعتداء الجنسي وهو طفل صغير، تزداد فرصة إدمانه العقاقير عندما يكبر. وبعض الأمراض النفسية كذلك تشجع على الإدمان.
نفس هذه العوامل الاجتماعية والنفسية التي تقود إلى الإدمان على الأفيون تقود إلى الإدمان على التدين. فالطفل الذي ينشأ في عائلة متزمتة دينياً تؤذن في أذنه ساعة مولده وتكرر على مسامعه التكبير والتهليل وهو ما زال في المهد، أو الطفل الذي يدخله والداه الكتاتيب لتحفيظ القرآن ويضربه الشيخ ويحقره لأنه غلط في “يا أيها الكافرون”، أو ربما يغتصبه ذلك الشيخ، لا بد أن يكبر ملتحفاً بالدين ومدمناً عليه ليعوضه عما سلبوه إياه في طفولته ويمنحه بعض الهدوء النفسي. وهناك بالطبع المرضى النفسيين الذين يدمنون التدين بسبب المرض النفسي الذي يجعلهم يرون الله أو يسمعون جبريل يحدثهم كلما اختلوا بأنفسهم في مكان معزول عن الأخرين.
لماذا يستمرأ الناس الإدمان؟ الدماغ البشري يفرز كميات بسيطة من مادة كيمائية اسمها دوبامين
Dopamine،
هذه المادة تساعد الإنسان على الارتخاء والشعور بالراحة النفسية. عندما يحقن الإنسان نفسه بالأفيون أو المواد الكيمائية الأخرى التي تسبب الإدمان، يزيد الدماغ من إفراز مادة الدوبامين، وبالتالي يشعر الشخص بالسعادة وبأنه يحلّق في مجالات عليا ما كان ليصل إليها لولا الأفيون.
نفس الشعور يجده الشخص المدمن على التدين عندما ينغمس بكليته في شعائر وممارسات معتقده. فمثلاً إذا أُتيح لك أن تشاهد أفراداً من الصوفية يمارسون شعائرهم على وقع ضربات الطبول، فسوف ترى أشخاصاً قد خرجوا عن أطوار أجسادهم التي يتصبب منها العرق وتعلو أنفاسهم مع رقصهم على ضربات الطبول، وتجحظ أعينهم وبعضهم يُغمى عليه أثناء الرقص. ضربات الطبول وترديد الأغاني والعبارات الدينية تقوم بنفس مفعول الأفيون في زيادة الدوبامين مع زيادة في الأدرنالين كذلك الذي يجعلهم يتصببون عرقاً ويتنفسون بسرعة شديدة مع ازدياد في ضربات القلب.
الإدمان على الأفيون والعقاقير الأخرى يغيّر الطريقة التي يعمل بها الدماغ. عندما يكون المدمن تحت تأثير العقاقير، يفقد دماغه القدرة على التفكير السليم ويُخيل إليه أنه يستطيع أن يفعل كل شيء يفعله سوبرمان في الأفلام. وهناك حالات كثيرة لمدمنين قفزوا من المباني الشاهقة لأنهم كانوا يعتقدون أنه بإمكانهم الطيران في الفضاء ولكنهم اصطدموا بالأرض وفارقوا الحياة.
نفس الشيء حدث ويحدث للمدمن على التدين. فمثلاً في أثناء الحرب بين العراق وإيران أقنع رجالات الدين الشباب الإيراني المتدين أن يحملوا مفاتيحاً خشبية باركها الخميني وقال لهم إنها مفاتيح الجنة إذا ماتوا وهم يعبرون حقول الألغام التي زرعها الجيش العراقي في شط العرب. وفعلاً تخيل لأولئك الشباب أنه يمكنهم السير على الألغام دون أن تنفجر، ومات المئات منهم. وكذلك عندما غزا اللورد كتشنر الإنكليزي السودان ببوارجه الحربية وصفها في نهر النيل على شكل نصف دائرة موجهةً مدافعها صوب جيش الأنصار المسلحين بالحراب والسيوف، وكان بعضهم يلبس الأحجبة التي تحميهم من الرصاص حسب معتقدهم، أقنعهم زعيمهم بقراءة بعض آيات من القرآن، بعد صلاة الصبح، لترد عنهم رصاص المدافع، فصدقوه واندفعوا صوب النهر لتحصد مدافع كتشنر اثني عشر ألف رجلٍ منهم في ثلاث أو اربع ساعات. وهرب قائدهم الذي كان قد أقنعهم بقراءة القرآن والهجوم على المدافع.
عندما ينتقد الأهل أو الأصدقاء إدمان المدمن يكون رد الفعل من المدمن الإنكار أنه مدمن. ويجد عقله عدة طرق لتبسيط
Rationalise
وتقنين ما يقوم به.
نفس التبسيط والتقنين يقوم به أعضاء المنظمات الدينية، خاصةً الإسلامية مثل داعش والقاعدة وأنصار السنة الخ، الذين يقطعون رؤوس الأبرياء على الهوية ويصورون أفعالهم بالكاميرا لينشروا تلك المقاطع على الناس لتخويفهم. تفسيراتهم كلها تحوم حول ما فعله محمد بن عبد الله وما أوصى به في الأحاديث العديدة التي جمعها البخاري، الذي دخل أهله في بخارا الإسلام خوفاً من سيوف الغزاة المسلمين وليس اقتناعاً به.
قمة التشابه بين الأفيون والتدين تأتي في الإنكار المشترك بينهما. المدمن ينكر أنه مدمن والمتدين ينكر أن الأعمال القبيحة التي يقوم بها الداعشيون والقاعدة تمثل الإسلام، دين السلام. بعضهم يفعل ذلك عن جهل بتاريخ الإسلام الدموي الذي بدأ باغتيالات محمد السياسية، والبعض يفعل ذلك ليغطوا على ذلك التاريخ الأسود (أو ربما الأحمر لكثرة الدماء التي أُريقت باسم الإسلام).
خرجت بالأمس (الجمعة 3/10/2014) بباريس مظاهرة عظيمة من المسلمين الذين حملوا لافتات تقول
Not in my name.
وخطب خطباؤهم بأن ما تقوم به الدولة الإسلامية من قطع الرؤوس لا يمت للإسلام بصلة. وقال احمد اوغراس نائب رئيس المجلس الفرنسي للدين الاسلامي الذي دعا إلى التظاهرة الاحتجاجية إن استخدام تسمية الدولة الإسلامية، الشائعة الآن يهدد بإلصاق وصمة هذا التنظيم على جبين المسلمين في فرنسا، حيث يزيد عددهم على عدد المسلمين في أي بلد اوروبي آخر، واضاف ان التسمية تسبغ شرعية على جماعة تقتل باسم الاسلام. ووجّهت الجمعية الإسلامية في بريطانيا ورابطة المسلمين البريطانيين رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، تقترحان فيها ان تكون التسمية الرسمية البريطانية تنظيم “الدولة اللا اسلامية”. المهم في هذه التصريحات هو ما صرح به وزير داخلية فرنسا ” ان عدد الفرنسيين الذين سافروا أو خططوا للسفر إلى سوريا والعراق للقتال ارتفع إلى نحو 1000 فرنسي”. فهل سافر هؤلاء الشباب إلى سوريا لأنهم سوريون أم لأنهم مسلمون يحبون نصر الإسلام والجهاد والفوز بحور الجنة؟
أمامي الآن مائة وخمسون مدخلاً من أحد عشر مصدراً إسلامياً تؤرخ لحالات قطع الرؤوس والطواف بها في المدن والأمصار محمولةً على الرماح. لن أثقل على القاريء بتفاصيل كل تلك الحالات، ولكني سوف أذكر بعض ما حدث والمصدر التاريخي لذلك بدءاً مما فعله محمد بن عبد الله نفسه، مروراً بخلفائه ثم دولة بني أمية والعباسيين والخلافة العثمانية.
غير الشعراء الذين أهدر دمهم عندما دخل مكة، فقد أرسل الرسول زيد بن حارثة إلى بني فزارة ليغزوهم، وأسر زيد أم قرفة وابنتها وقتل المرأة الثمانينية بأن ربطها بين بعيرين وضرب البعيرين فشقاها نصفين، وطلب محمد من الرجل الذي أسر ابنتها أن يهبها له فوهبها له، ومحمد بدوره وهبها إلى خاله (تاريخ الطبري، ج2، ص 127). وفي رواية أخرى أن زيداً قطع رأس أم قرفة وأرسله إلى محمد فطيف به في المدينة
في موقعة الجمل بين علي بن أبي طالب وخصومه، وكان الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله مع عائشة ضد علي بن أبي طالب، انتصر جيش علي وقطعوا رأس الزبير، المبشر بالجنة وابن عمة محمد، وأتوا به لعلي بن أبي طالب (تاريخ الإسلام للذهبي، ج2، ص 170)
عندما غزا الحجاج بن يوسف مكة التي كان عبد الله بن الزبير قد أعلن نفسه خليفةً عليها، قتلوا عبد الله بن الزبير وقطعوا رأسه وأرسلوها إلى يزيد الذي بدوره أرسلها إلى مصر ليطوفوا بها في القاهرة، وصلبوا جسده في مكة (شذرات الذهب للدمشقي، ج 1، ص 22)
عندما خرج شبيب على عبد الملك بن مروان أرسل الحجاج جيشاً ضده، وعندما وقع شبيب في النهر ومات غرقاً، حملوا الجسد إلى الحجاج الذي شق بطنه (نفس المصدر، ص 23)
عندما خرج مصعب بن الزبير بالعراق ضد عبد الملك بن مروان، وقتله عبيد الله بن زياد، قطعوا رأسه وأرسلوها إلى عبد الملك الذي سجد شكراً لله (نفس المصدر، ج 1، ص 37)
عندما خطب خالد القسري في الناس صبيحة عيد الأضحى وقال إن الله قد اصطفى إبراهيم وكلم موسى، رد عليه الجعد بن درهم إنّ شيئاً من ذلك لم يحدث، فقال خالد للمصلين “اذهبوا وانحروا ضحاياكم وأنا سوف أضحي بالجعد. ونزل من المنبر وذبح الجعد كما تُذبح خراف الأضحية (نفس المصدر، ج 1، ص 47)
وقصة الحسين بن علي وقطع رأسه وإرساله إلى يزيد بن معاوية لا تحتاج مصادراً
حتى خلفاء بني العباس لم يسلموا من قطع الرؤوس وسمل الأعين، فقد قتلوا الخليفة المستعين بالله وقطعوا رأسه وأرسلوها إلى المعتز (شذرات الذهب، ج 2، ص 137)
قطعوا رأس الثائر عمير بن الحباب وأرسلوها إلى عبد الملك بن مروان (الكامل في التاريخ، ج4، ص 98)
ونزل قوم على ماء عند قبيلة عنزة فأغار عليهم رجال القبيلة وقتلوهم وقطعوا رؤوس ثمانية عشر رجلاً وأرسلوا بها إلى عبد الملك بن مروان (نفس المصدر أعلاه، ص 4)
ولما قتل عبد الرحمن بن ملجم الخليفة علي بن أبي طالب، انتقم عبد الله بن جعفر الصادق من القاتل بأن قطع يديه ثم رجليه ثم أحمى مروداً في النار وسمل به عينيه ثم حرق جثته (البداية والنهاية للإمام إسماعيل بن كثير الدمشقي)
عندما غزا الجيش التركي جزيرة قبرص في 1570، حاصروا مدينة فاماجوستا، وعندما دخلوها قتلوا عشرين ألفاً من السكان
(Andrew Wheatcroft, Infidels, p 20)
سنة خمسين ومائة فيها خرجت أهل خراسان على المنصور مع الأمير استأذنيس حتى اجتمع له فيما قيل ثلاثمائة ألف مقاتل ما بين فارس وراجل سائرهم من أهل هراة وسجستان واستولى على أكثر خراسان وعظم الخطب فنهض لحربه حازم بن خزيمة في جيش عظيم بالمرة فالتقى الجمعان وصبر الفريقان وقتل خلق حتى قيل إنه قتل في هذه الوقعة سبعون ألفاً وانهزم أستاذسيس، ثم أمر حازم بالأسرى فضربت أعناقهم كلهم وكانوا أربعة عشر ألفاً (شذرات الذهب للدمشقي، ج1 ص 62).
وفي الموقعة بين معاوية وعلي بن أبي طالب، وكان عمار بن ياسر قد اشترك بها، وضرب ابن يثربي عمار بسيفه فاتقاه عمار بدرقته فنشب سيفَه فيها فعالجه فلم يخرج وصوّب عمار لرجليه فضربه فقطعهما فوقع على إسته وأخِذَ أسيراً فأتيَ به إلي عليّ بن أبي طالب فقال له : استبقني . فقال : أبعد ثلاثة تقتلهم ! وأمر به فَقُتِل (الكامل في التاريخ، للمبرد، ج 3، ص 133).
غزا قتيبة خوارزمشاه فصالحه على عشرة آلاف رأس ، وعينٍ ، ومتاع ، على أن يعينه على خام جرد فقبل قتيبة ذلك ، وقيل : صالحه على مائة ألف رأس ، ثم بعث قتيبة أخاه عبد الرحمن إلى خام جرد وكان يغازي خوارزمشاه فقاتله فقتله عبد الرحمن وغلب على أرضه وقدم منهم بأربعة آلاف أسير فقتلهم قتيبة (الكامل في التاريخ للمبرد، ج 4-3، ص 1).
كل هذا السرد لا يمثل إلا نزراً يسيراً من مجازر تاريخنا الأسود أو الأحمر إن شئت. ومع ذلك يهمين النكران على بقية المسلمين (المتعلمين منهم والأميين) ويزعمون أن الإسلام دين السلام وأن الرسول أوصى بعدم قتل غير المحارب وبعدم قتل النساء والأسرى. ومحمد نفسه كان قد قتل النضر بن الحارث بعد أن أسروه في موقعة بدر. ويزعمون أن عمر بن الخطاب قال “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً.” وعمر نفسه كان يضرب الإماء بدرته إذا رأى إحداهن تلبس الحجاب مثل الحرائر، وكان عنده أكثر من ثمانِ عبيد. التاريخ الإسلامي الذي ندرسه في المدارس تاريخ مصطنع لا يمت للحقيقة بصلة، يقوم بتدريسه مدمنون لا يعرفون غير النكران.