الأديب السويدي ستيغ داجرمان

stiggerman

د. ميسون البياتي

ولد ستيغ داجرمان عام 1923 وتوفي عام 1954 وهو صحفي وكاتب سويدي وجودي ممن وثّقت أعمالهم فترة ما بعد الحرب العالمية الثانيه كان لها قراؤها داخل وخارج السويد
في الفتره التي أعقبت الحرب العالميه الثانيه في اوربا 1945 _1949 نشر داجرمان 4 روايات ومجموعة قصص قصيره , ودراسه عن المانيا ما بعد الحرب العالميه الثانيه , و 5 مسرحيات , ومئات القصائد , والمواضيع الناقده والملاحظات الصحفيه , وكان في أوج نجاحه وشهرته حين دخل في مرحلة الصمت المطبق , وذات يوم من أيام عام 1954 وكما فعل الكثير من كتّاب مرحلته .. إنتحر ستيغ داجرمان , أقفل على نفسه باب مرآب سيارته وشغّل المحرك فضرب السيارة بالحائط ومات

تفاعلت أعمال داجرمان مع مشاكل عالميه في الأخلاق والضمير والجنس والفلسفه الإجتماعيه والحب والرحمه والعداله , وكانت مغرقه بالوقائع المؤلمه للوجود الإنساني , وتشريح مشاعر الخوف والشعور بالذنب والشعور بالوحده , وبرغم أجواء كتاباته الحزينه إلا أنها كانت مفعمه بالسخريه والفكاهه التي تتحول احياناً الى هجاء أو هزل , قال عنه الكاتب البريطاني غراهام غرين إنه يكتب بإنفعالات موضوعيه جميله ويستخدم الحقائق الواحده تلو الأخرى لبناء العاطفه كما يستخدم الحجر لتشييد البناء

ترجمت أعمال داجرمان الى لغات كثيره وواصلت كتاباته تشويق وإلهام القراء والكتّاب والموسيقيين وصانعي الأفلام . جمعت أعماله كاملة في 11 مجلد وتضمنت : الفلسفه والسياسه وعلم النفس والصحافه , وجدها الفرنسيون والإيطاليون على وجه الخصوص مادة دسمه لإستلهام الأفلام والموسيقى

جمعية ستيغ داجرمان السويديه تمنح ( جائزة ستيغ داجرمان ) دورياً الى كتّاب مثل داجرمان نفسه , تتضمن أعمالهم التعاطف والفهم الإنساني العميق والشامل للنفس البشريه وكانت الجائزه قد منحت في العام 2008 الى الكاتب الفرنسي المورشيوسي جان ماري غوستاف لو كليزيو والذي نال بعدها بفترة قليله وفي نفس العام 2008 جائزة نوبل في الأدب

ولد ستيغ داجرمان عام 1923 لأم غير متزوجه وعاش في القريه مع جده وجدته لأمه , وسرعان ما غادرت الأم الى غير رجعه حيث ذكر بعد ذلك أنه لم يرها مرة ثانيه حتى أصبح في العشرينات من عمره , أما والده فقد كان ( عامل تراحيل ) يسافر كثيراً للبحث عن عمله , وحين استقر الوالد أخيرا ً في استوكهولم عاش معه ابنه ستيغ داجرمان وكان في 11 من العمر

تعرف ستيغ داجرمان على الشيوعيه الأناركيه من خلال والده وإنضم الى تنظيمها النقابي لإتحاد الشباب وبعمر 19 سنه أصبح محرر صحيفتها ( العاصفه ) ثم وبعمر 22 تم تعيينه المحرر الثقافي لصحيفتها ( العمّال ) ثم محرر للصحيفه اليوميه للتنظيم النقابي الأناركي وفي هذا الجو الصحفي المثقف إلتقى داجرمان بالصحفيين والكتّاب وطوّر قابلياته الكتابيه فنشر حوالي ألف قصيده , ومواضيع نقديه تستمد موضوعاتها من أحداث يوميه

توسعت آفاق داجرمان الفكريه الى حد كبير بعد زواجه من ( ماري غوتزه ) عام 1943 وهي لاجئه ألمانيه تبلغ 18 من العمر والدها قيادي بارز في الحزب الأناركي , تم هرب العائله من ألمانيا النازيه الى برشلونه مركز الحركه الأناركيه فتلقاهم هناك الفاشيون الإسبان وسحقوا حركتهم الناركيه بكل وحشيه مما إضطرهم الى الهرب عن طريق فرنسا ثم النرويج الى السويد المحايده . بعد زواج داجرمان من ماري غوتزه عاش معها في بيت والدها الناشط حزبيا ً والذي كانت تعبر بيته قوافل من اللاجئين الهاربين من بطش أوربا الى الدول الآمنه فكانت هذه التجربه مجالاً فريداً لصقل معارف داجرمان ومشاعره الإنسانيه

عام 1945 وكان داجرمان بعمر 22 سنه نشر أول أعماله وهي رواية ( الأفعى ) وكانت روايه تتحدث عن الخوف من عسكرة اوربا في زمن الحرب , وهذه الروايه أعطته سمعة جيدة ككاتب شاب واعد . في العام التالي نشر رواية ( جزيرة المحكوم ) أكمل كتابتها خلال أسبوعين استخدم في كتابتها مواضيع كابوسيه وهي تتحدث عن سبعة أشخاص محكوم على كل واحد منهم بالموت ويبحث عن اي شكل من أشكال الخلاص

النقّاد قارنوا كتابة داجرمان بأعمال فرانز كافكا ووليم فولكنر وألبير كامو , والكثير منهم رأوه يمثل جيل أربعينات القرن الماضي من الكتّاب السويديين الذين تجسد كتاباتهم الوجوديه مشاعر الخوف والغربه واللامعنى التي صاحبت فترة نهاية الحرب العالمية الثانيه وبداية الحرب البارده

عام 1946 أصبح ستينغ داجرمان إسماً لامعاً في السويد من خلال صحيفته التي أطلق عليها اسم ( خريف ألمانيا ) والتي لم يسع فيها الى إلقاء اللوم على المواطنين الألمان بسبب فظائع الحرب لكنه وصفهم فيها بأنهم مجانين يملؤهم الشر ولم يبق لهم غير العيش بين كومة أنقاض خلفتها الحرب , وشخّص أصل المشكله الألمانيه في عدم الكشف عن المنظمات الجماهيريه التي عرقلت من أجل مصالحها تعاطف أوربا مع الألمان بإعتبارهم أفراداً يجتازون محنه وهذا ما سيؤدي الى كوارث بشريه

مجموعة قصص قصيره عنوانها ( ألعاب الليل ) نشرها داجرمان عام 1947 وقعت أغلب أحداث قصصها في الحقل الذي عاشه في طفولته في بيت جده , كما نشر أول مسرحياته ( الرجل المحكوم بالإعدام ) التي افتتح بها موسم ستوكهولم المسرحي في نفس العام

أكثر أعمال داجرمان شهرة من قصصه القصيره هي مجموعته ( قتل طفل ) تأثرت قصصه فيها بكتابة سيناريوهات الأفلام , حيث تتغير الصورة في القصه من مقطع الى آخر كما في السيناريو , وهي صور عاديه لا غرابة فيها ولكن تلاحقها بنسق معينمع صور اخرى يمكن أن يكون مقدمة لفعل مرعب سيأتي لاحقاً

عام 1948 نشر 3 مسرحيات ثم نشر روايته الثالثه ( الحقل المحترق ) وقصتها تعتمد على حبكه سايكولوجيه لشاب يقع في غرام عشيقة والده

عام 1949 نشر رواية ( مخاوف الزفاف ) ويعدها أكثر النقّاد من أفضل أعماله زاوج فيها كل خبراته الكتابيه لوصف الوضع الإنساني في الفتره التي أعقبت الحرب العالميه الثانيه وكيف أن البشر يبحثون عن المسامحة والخلاص , مستعملاً في ذلكك أقصى غايات وعيه في رسم شخصيات الروايه

واصل داجرمان النجاح في عمله لكنه أصيب بالإحباط والكآبه وأصبح قاسياً مع أسرته , تفرغ لعالم المسرح ككاتب ومخرج في بعض الأحيان وإلتقى على المسرح مع أصدقاء ومحبين للتغلب على كآبته , ثم تخلى عن أسرته لفترة من الوقت وابتعد عنهم ليتزوج الممثله المعروفه ( انيتا بيوريك ) التي أنجب منها إبنته ثم انفصل عنها في ظروف عصيبة ماديا ً وعاطفيا ً كان يشعر فيها بالذنب بسبب تخليه عن أولاده من زواجه الأول , ثم استدان بعض المال من أجل الإنفاق عليهم على أمل أن يسدد دينه بعد نشر كتابه المقبل .

بينما كان شعوره بالكآبه يتعمق كتب مقالاً يشبه السيرة الذاتيه أسماه ( لنا حاجه الى المواساة لا تشبع ) تحدث فيه عن نضاله من أجل أن يبقى حياً . ثم كتب جزءاً من رواية جديده عنوانها ( ألف سنة مع الرب ) بدا فيها واضحا ً توجهه الى الكتابة الصوفيه , كما واصل كتابة أشعاره الساخره التي تنشر يوميا ً .. نشرت آخر مقطوعة شعريه له يوم 5 نوفمبر 1954 .. وكان ذلك هو اليوم الذي تلا يوم إنتحاره

About ميسون البياتي

الدكتورة ميسون البياتي إعلامية عراقية معروفة عملت في تلفزيون العراق من بغداد 1973 _ 1997 شاركت في إعداد وتقديم العشرات من البرامج الثقافية الأدبية والفنية عملت في إذاعة صوت الجماهير عملت في إذاعة بغداد نشرت بعض المواضيع المكتوبة في الصحافة العراقية ساهمت في الكتابة في مطبوعات الأطفال مجلتي والمزمار التي تصدر عن دار ثقافة الأطفال بعد الحصول على الدكتوراه عملت تدريسية في جامعة بغداد شاركت في بطولة الفلم السينمائي ( الملك غازي ) إخراج محمد شكري جميل بتمثيل دور الملكة عالية آخر ملكات العراق حضرت المئات من المؤتمرات والندوات والمهرجانات , بصفتها الشخصية , أو صفتها الوظيفية كإعلامية أو تدريسة في الجامعة غادرت العراق عام 1997 عملت في عدد من الجامعات العربية كتدريسية , كما حصلت على عدة عقود كأستاذ زائر ساهمت بإعداد العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية في الدول العربية التي أقامت فيها لها العديد من البحوث والدراسات المكتوبة والمطبوعة والمنشورة تعمل حالياً : نائب الرئيس - مدير عام المركز العربي للعلاقات الدوليه
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.