مقالة مهمة للكاتب المعروف أكرم البني: جريدة الحياة 10.09.2017
ما أن تُمنى بهزيمة أو إخفاق، أو تتكاثر الانـــتقــــــادات بحــــقها وتــتــــراجع مكـــانتـــها شعبياً وسياسياً، حتى تلجأ، جماعة الإخوان المسلمين، إلى التذكير بتبنيها للشعارات الوطنية العامة، كالديموقراطية والحرية والتعددية والدولة المدنية، وبالتزامها مجتمع مواطنة يساوي بين الناس على اختلاف أعراقهم وأديانهم ومذاهبهم واتجاهاتهم.
والجديد قرارات المجلس الإسلامي السوري الذي عقد أخيراً في لندن، وقبله بأسابيع، صدور ما عرف بالميثاق الوطني لمواجهة تقسيم سورية، وكلاهما يشبه البيان الذي صدر في أيلول (سبتمبر) من العام المنصرم، وخلص بعد قراءة ما آلت إليه أوضاع الثورة وطرق مواجهة النظام ومحاربة الإرهاب إلى التأكيد على تطلع جماعة الإخوان المسلمين لبناء دولة مدنية وديموقراطية في سورية القادمة، وقبلها كانت وثيقة العهد والميثاق عام 2012 التي صبت الحَب في الطاحونة ذاتها، ويبقى الأساس وثيقة سميت «النداء الوطني للإنقاذ» التي أصدرتها جماعة الإخوان ربيع 2005 وبدت كأنها مراجعة نقدية لسياساتها وإخفاقاتها السابقة وإعلان جريء بتبني مبادئ الديموقراطية وقيم المواطنة.
ومع أن حكاية إبريق الزيت هذه، والمباهاة عند الحاجة بارتداء العباءة المدنية والسلمية، باتت مفضوحة، لكنها لا تزال وسيلة معتمدة لدى الإخوان المسلمين للالتفاف على أزمتهم المزمنة ومداراة عجزهم السياسي، يحدوها سببان متضافران: أولهما، بنيوي يتعلق بقدسية المرجعية الأيديولوجية لديهم، والثاني، مكتسب، يعود إلى عمق نهجهم البراغماتي ورسوخه.
فهم يتنازلون عن شعاراتهم الدينية فقط عندما يكونون ضعفاء أو مرفوضين اجتماعياً بسبب ارتكاباتهم وسياساتهم الخاطئة، وبغرض الترويج لصورة تساعدهم على إعادة بناء جسور التواصل مع المجتمع. هذا ويلازم تشددهم الأيديولوجي ومجاهرتهم بحاكمية الله ومشروع الدولة الإسلامية اللحظة التي يشعرون فيها بأنهم قوة نافذة ومقررة ولا تحتاج إلى عون الآخرين، والأسوأ حين يصلون إلى السلطة، وعندها لا يتنكرون فقط لشعارات الحرية والمساواة التي تغنوا بها بل يعادونها بكل شراسة؟ كذلك يتزامن إعلانهم اليوم لمواقف وبيانات تفيد بأنهم لا يزالون يؤمنون بمقتضيات الدولة المدنية والديموقراطية، مع هزيمة الثورة وتراجع وزنهم ودورهم بسبب تقدم الاصطفافات الإقليمية والدولية ضد الإرهاب الجهادي وداعميه، وجراء تبدل موقف أنقرة من الصراع السوري وانضمامها لركب موسكو، ثم خسارة الفصائل الإسلاموية المسلحة لمواقع هامة في كل من حلب وأرياف دمشق وحمص وحماة.
بعد النداء الوطني للإنقاذ نجح الإخوان المسلمون في إظهار أنفسهم كشريك طامح للتعاون مع مختلف القوى السورية من أجل التغيير الديموقراطي، وتمكنوا من العودة إلى الحقل السياسي السوري من خلال انضمامهم بداية إلى إعلان دمشق ثم مشاركتهم في المجالس الوطنية المعارضة، وصولاً إلى الائتلاف والهيئة العليا للتفاوض، لكن حساباتهم ومراميهم الخاصة ما لبثت أن حضرت مجدّداً حين لمسوا انزياح رياح الربيع نحو البعد الديني، مرة أولى، بالصمت عن تقدم الشعارات ذات الطابع الإسلامي في المراحل الأولى من تطور الحراك الشعبي، ثم الاستثمار في مساعي النظام تحويل الصراع السياسي إلى طائفي، كمقدمة لفرض تصوراتهم ونمط حياتهم على المجتمع، ما شوه ثورة السوريين، وهتك حضورهم كشعب واحد. ومرة ثانية، بإهمال دورهم في تعرية خطاب الجماعات الإسلاموية المتطرفة وفضح ارتكاباتها، بما هو إحجام عن تمييز أنفسهم كحركة سياسية إسلامية معتدلة، كما يدعون، من واجبها خلق إجماعات وطنية جديدة بين السوريين، وتعزيز الثقة بين مختلف مكوناتهم، ما كشف في وقت حرج، زيف ادعاءاتهم، حتى بات البعض لا يجد فارقاً نوعياً بينهم وبين الجماعات السلفية المتطرفة والعنيفة. ومرة ثالثة، عبر التنصل من موقفهم النقدي من العنف والعسكرة، ثم غض النظر عن نهوض جماعات إسلاموية، وسيلتها الرئيسة السلاح ومنطق الغلبة، والأنكى تقديم الغطاء السياسي والإعلامي لها، ربطاً بخلق شبكة علاقات لتجنيد المواطنين في كتائب بدأت بتأسيسها تحت مسميات دينية. ومرة رابعة، عبر الانزلاق إلى روح الاستئثار وتفعيل مبدأ المغالبة مع الأطياف الوطنية والثورية لتعزيز السيطرة على هيئات المعارضة السورية، إن بتثقيل حصتها التنظيمية أو بزرع أكبر عدد ممكن من كوادرها في المواقع القيادية، بما في ذلك لجوؤها إلى المناورة وتشكيل عشرات الكيانات المرتبطة بها للتغلغل والتمدد في مختلف الهيئات السياسية والإغاثية، ما حكم بالفشل على عمل تلك الهيئات أو مأسستها، وأعاق دورها في بلورة نهج وطني جامع، زاد الأمر سوءاً مفاخرتها، وعلى حساب موقعها كحزب سوري، بقوة ارتباطها بمن تسميهم إخوة المنهج، والدفاع الأعمى عنهم ظالمين كانوا أو مظلومين، كإخوان مصر وحركة حماس وحزب أردوغان وغيرهم.
الغاية تبرر الوسائل. جماعة يحكمها مبدأ التقية وتضمر غير ما تعلن. جماعة ذات بنية استبدادية بدليل قسم الطاعة والولاء. حركة سياسية لا أمان لها، تتمسكن ولا تتردد حين تتمكن، من التنصل من التزاماتها الوطنية. ليس ثمة أمل في هذا النوع من الإسلاميين الذين ديدنهم استبدال الاستبداد والطغيان القائم بآخر ديني. هي عبارات باتت دارجة في وصف الإخوان المسلمين في سورية ومسلكياتهم وتعرية للشعارات الخادعة عن الدولة المدنية والديموقراطية التي يرفعونها بين الفينة والأخرى، بصفتها مجرد مناورات أو إجراءات تكتيكية ظرفية غايتها إعادة التموضع والخروج من ضيق أزمة التنظيم المتفاقمة.
صحيح أن بطء التطور الثقافي والمجتمعي وقصور المشروع النهضوي التنويري وضعف الجهود لبناء رؤية صحية تنأى بالدين عن دنس السياسة، هي تربة لنمو تيارات لا تزال تجد ذاتها في الجمع بين الدين والسياسة، لكن الصحيح أيضاً أن ثمة تجارب مريرة رسخت في الوعي والوجدان، دمرت الثقة بجماعات الإسلام السياسي التي تدعي النضال الديموقراطي والمدني، وأثبتت عجزها عن تمثل قيم الحرية والمواطنة وعن التحرر من فكرة الدولة الإسلامية ومن الأساليب الاستئثارية والتسلطية لفرض معتقداتها وآرائها على أنها الحقيقة المطلقة.
-
بحث موقع مفكر حر
أحدث المقالات
كيف تفكك مجتمعا ما وتدمر حاضره ومستقبله؟
Published by:علي الكاشمباحث في اللغة والادب/ 78 وسامة الرجل في التراث
Published by:مفكر حردراسة موجزة عن ديوان (فصائد في قصيدة واحدة) للشاعر والأديب ميخائيل ممو.
Published by:آدم دانيال هومه** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا الإطاحة بالنظام الايراني ... غدت ضرورية غربية ودولية **
Published by:سرسبيندار السنديالحزب الشيوعي لايختلف عن الاحزاب الدينية الفاشية .. الداخل مفقود والخارج مولود
Published by:مفكر حر** كيف بلع نظام الملالي ... الطعم ألإسرائيلي **
Published by:سرسبيندار السندي** كيف يسخر ويضحك صبيان محمد الجدد ... على عقول ألمسلمين **
Published by:سرسبيندار السنديالمسيح في فكر الإسلام والعقيدة المسيحية
Published by:صباح ابراهيممن يوميات إمرأة حلبجية
Published by:مفكر حراسطورة الإسراء والمعراج
Published by:صباح ابراهيمالفيلم الألماني " حمى الأسرة"
Published by:طلال عبدالله الخوري** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
Published by:سرسبيندار السنديفيلم ايطالي عام 1959 عن تدمر والملكة العربية زنوبيا … علامة المصارع
Published by:مفكر حر** أمة الكُورد بين ألإسلام … والتخلف والتعصب والاوهام **
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/10
Published by:علي الكاشأفكار شاردة من هنا وهناك/51
Published by:مفكر حرقراءة متأنية في ديوان (قصائد منزوعة السلاح) للشاعر نينوس نيراري
Published by:آدم دانيال هومه** كيف رتبت أل سي اي ايه … لقاء الصحفي تايكر ببوتين ولماذا ألان **
Published by:سرسبيندار السندي** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/8
Published by:علي الكاشأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح( 18-19 )
Published by:حسن محموديأفكار شاردة من هنا وهناك/49
Published by:مفكر حرالانتخاب
Published by:مفكر حر" الاشياء البائسة" Poor Things
Published by:طلال عبدالله الخوريالأدب النسوي ما بين الإبداع والاستغلال
Published by:اسعد عبد الله عبد عليأفكار شاردة من هنا وهناك/48
Published by:مفكر حرالرب يفضح الأنبياء الكذبة
Published by:صباح ابراهيمأخطار تهدد الحياة على الأرض
Published by:صباح ابراهيمكأس عسل
Published by:عصمت شاهين دو سكيسليلة الآلهة
Published by:آدم دانيال هومهأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح ( 16, 17)
Published by:حسن محمودي** محنة العقل في الاديان ومعضلة كتبها … بالدليل والبرهان **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا قصف نظام الملالي الارعن … مدينة أربيل ألان **
Published by:سرسبيندار السندياوبنهايمر
Published by:طلال عبدالله الخوري** مَن سيُحاسب قادة حماس … على جرائمهم بحق غزة وأهلها **
Published by:سرسبيندار السندياسرار #الموساد عن #العراق - ج 1
Published by:صباح ابراهيمالمرأة بين الماضي والحاضر مسيرة كفاح وتنمية ونماذج معاصرة
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/4
Published by:علي الكاشالقاسم الأيمانيّ المشترك :
Published by:مفكر حرعام جديد..
Published by:مفكر حر** قصة مِيلادِ السيّد المَسِيحْ … العجيبة والفريدة **
Published by:سرسبيندار السندي#محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
Published by:محمد الماغوطأفكار شاردة من هنا وهناك/43
Published by:مفكر حرمن هو يسوع المسيح ؟ - يسوع المسيح يكشف لنا حقيقة الله-
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
Published by:علي الكاشفاطمة الزهراء و غموض تاريخها
Published by:صباح ابراهيم#نزار_قباني: أيها المسيح العظيم هل تقبل دعوتي إلى العشاء .
Published by:نزار قباني** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
Published by:سرسبيندار السنديهل روح الله هو الله ام جبريل ؟
Published by:صباح ابراهيمأُمة فيها العجب
Published by:عصمت شاهين دو سكيتجاعيد وايجار واتهام
Published by:اسعد عبد الله عبد عليتقاسيم على أوتار الريح
Published by:آدم دانيال هومهالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/1
Published by:علي الكاشالدعاء على المسيحيّين
Published by:مفكر حرمباحث في الأدب واللغة/63 الطعام والمطبخ العربي
Published by:مفكر حرأفكار شاردة من هنا وهناك/41
Published by:مفكر حرأحدث التعليقات
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on علماء النصارى كانوا يتسمون اسماء اسلامية
- س . السندي on فاطمة الزهراء و غموض تاريخها
- س . السندي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- س . السندي on سورة مريم اقتبست من شعر امية بن ابي الصلت
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on #محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
- Mohammad Al Kassab on ضحايا صدام حسين 7
- ابن الرافدين on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- قثيم بن سنحريب الفيروزي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- مسلم on القرآن زور التوراة والإنجيل
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- قثم بن عبد الات القرشي on هدف حماس من (طوفان الأقصى) وهدف إسرائيل من اعلان حالة الحرب
- طوفان البدروسي on ** لماذا ورطت إيران قادة حماس … بطوفان الاقصى ألان **
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية