افكار سيد قطب في المجتمع

سيد قطب احد منظري جماعة الاخوان المسلمين ، ارسى قواعد ثورية جديدة استكمالا لما بدئه الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الاخوان المسلمين في مصر عام 1928.
فسيد قطب مختلف مع حسن البنا في في الدرجة وليس في المضمون ، فقد مالت افكاره نحو الثورية ، وتبنى الجهاد كمبدأ أساسي لحركة الاخوان المسلمين . ويرجع ذلك الى الى التجربة الخاصة التي عاشها في الاعتقال نحو عشرة سنين.
اصبحت المفاهيم الاساسية التي نادى بها سيد قطب وضمنها في كتابه ” معالم في الطريق ” اهم الاطر المرجعية للكثير من الجماعات الاسلامية التي ظهرت فيما بعد كجماعة الجهاد وجماعة التكفير والهجرة .
أما نظرته للحكم فيقول : ” يجب ان يكون نظام الحكم خالصا لله تعالى ، وبالتالي ليس هناك سوى نوعين من الحكم ، أما حكم اسلامي تكون الحاكمية فيه لله وحده وتطبق فيه الشريعة الاسلامية والقرآن والحدود، أو حكم جاهلي لا تكون فيه الحاكمية لله بل للبشر”.
وينتهي سيد قطب الى ضرورة ان تتم تربية الاخوان المسلمين على هذه الفكرة .

المجتمع الجاهلي
يفسر سيد قطب ” المجتمع الجاهلي ” بأنه : كل مجتمع لا يخلص عبوديته لله وحده. متمثلة هذه العبودية في التصور الاعتقادي وفي الشعائر التعبدية ، وفي الشرائع القانونية .
بهذا التعريف الموضوعي، تدخل في اطار ” المجتمع الجاهلي ” حسب نظرة سيد قطب ” جميع المجتمعات القائمة اليوم في الارض فعلا. منها المجتمعات الشيوعية لأرجاعها كل شئ الى المادة ، واعتماد حياة الانسان على الاقتصاد ، او ادوات الانتاج ،واقامة نظام القيادة الجماعية لجماهير للشعب . والابتعاد عن الروحانيات وعبادة الله .وفقدان حرية الاختيار والتعبير وحقوق الملكية الفردية” .
كذلك يعتبر سيد قطب “المجتمع الجاهلي ” هي المجتمعات الوثنية القائمة في الهند والصين وكوريا والتبت واليابان وافريقيا ، التي تؤله غير الله ، معه او من دونه.
و المجتمعات التي تقدم الشعائر التعبدية لشتى الالهة والمعبودات التي تعتقد بألوهيتها، والتي تستمد شرائعها من الانسان ، فردا كان او هيئة علمانية ، تملك سلطة التشريع دون الرجوع لشريعة الله . اي ان الحاكمية العليا للشعب لأنه مصدر السلطات والتشريع .
ويشمل سيد قطب في ” المجتمع الجاهلي ” ، المجتمعات والانظمة اليهودية والنصرانية في ارجاء الارض جميعاُ.
اي ان سيد قطب يكفّر كل مجتمعات الارض التي لا تدين بالاسلام المتشدد الذي يؤمن هو به حتى لو كانت تؤمن بالله . مستندا في ذلك الى الاية ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) المائدة 44.
سيد قطب يكفّر بذلك الفكر كل المجتمعات حتى الاسلامية رغم توحيدها وعبادتها الله لأنها تشرّع قوانينا وضعية لخدمة المجتمع بعيدا عن ماجاء بالشريعة الاسلامية ، ولأن تلك المجتمعات تعلن علمانيتها ، وتؤمن بالعلمية وليس بالغيبية .وسيد قطب يرفض الاعتراف بإسلامية هذه المجتمعات كلها وشرعيتها رغم انها إسلامية الدين والعقيدة .

الحاكمية لله
يحاول سيد قطب ومن خلفه الاخوان المسلمون تغيير واقع “المجتمع الجاهلي ” من اساسه لأنه يصطدم بالمنهج والتصور الاسلامي الذي يعتنقه . وتتمثل فكرة الجاهلية عند سيد قطب الانحراف عن منهج الاسلام سواء في الحاضر او الماضي في المجتمعات كافة ، الليبرالية الرأسمالية ، والشمولية والشيوعية ، فضلا عن المجتمعات الاسلامية المعاصرة . وقد حدد سيد قطب ومن تبعه من الجماعات الاسلامية المتشددة والاخوان المسلمين، ان اي نظام سياسي قائم لايحكم بالقرآن مباشرة أنه غير شرعي وجاهلي .
كما يرفض سيد قطب اي نظام سياسي واي مجتمع لا يطبق مبدأ ” الحاكمية ” .
اي الاقرار بوحدة الله بالالوهية والحكم بمنهاجه لتنظيم الحياة البشرية . ويدعو لتغيير كل مجتمع تكون الحاكمية فيه لغير الله . فهو لايعترف بسلطة الشعب ولا بسلطة حزب او فرد اي انه يرفض كل اشكال النظم الديمقراطية بمضمونهاالحديث .
فمبدأ الحاكمية هو الدين وهو الاسلام ، فشهادة ( لا اله الا الله ) هي جواز مرور لإسلام الفرد ، تُنشأ منهجا كاملا للحياة ، ويطبق فيه الاسلام عقيدة وعبادة وشريعة .

العصبة المؤمنة

لغرض اقامة المجتمع الاسلامي ومحاربة المجتمع الجاهلي ، وضع سيد قطب حلا بإنشاء طليعة او ” عصبة مؤمنة ” تتسلح بعقيدة ” الحاكمية ” وترفض الجاهلية ، او تمشي على خطى الدعوة الاسلامية للسلف القديم .
فلابد للمسلم ان يتحلل من جميع الروابط الاجتماعية وان يرتبط بربه ودينه . وجنسيته هي عقيدته ، ووطنه دار الاسلام اينما كان حيث الحاكمية لله وحده ، وزاد المسلمين فكرهم وقرآنهم وسنة رسولهم لبناء مجتمع مثالي حسب نظرته .

كان سيد قطب ينادي من خلال كتبه ومقالاته بضرورة تغيير المجتمع الجاهلي من أساسه ، ويطالب بنمو” العصبة المؤمنة”من بضعة اشخاص الى مئات والوف وحتى الملايين لتحويل الشعب كله الى عصبة مؤمنة اي جماعة الاخوان المسلمين ، وهذا ما يعمل به الان جماعة الاخوان لتجنيد عناصر جديدة للانظمام الى عصبتهم وغسل ادمغة البسطاء والغير مثقفين ونصف المتعلمين بالدين والعقيدة وتطبيق الشريعة ، وتكوين جماعة كبيرة ومؤثرة في المجتمع لتنجح الجماعة في حشدهم وجمع اصواتهم للفوز بانتخابات البرلمان ورئاسة الجمهورية كما فعلت في مصر .
وقد انتشرت مثل هذه الجماعات في العديد من الدول العربية والاسلامية ، وتعمل في السر والعلن عن طريق احزاب اسلامية وجماعات متطرفة ، قد نجحت فعلا للوصول الى الحكم كما في تركيا بقيادة اردوغان ومصر برئاسة محمد مرسي العياط وفي تونس بزعامة الغنوشي.
( منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)
واصبح لجماعة الاخوان مكاتب ارشاد ومرشد عام وعلاقات ومؤتمرات دولية لتنظيم شؤنهم ، ولا يخفى على القارئ الفطن العلاقات السرية التي أنشئها الاخوان مع المخابرات البريطانية والامريكية والسفارات الغربية وبعض دول الخليج لكسب التاييد والتمويل المالي الهائل الذي ينهال عليهم .
كما يحترز تنظيم الاخوان المسلمين في كشف قياداتهم الفعلية ومصادر تمويلهم ، فقد انشؤا تنظيما سريا لا تُعرف قياداته الحقيقية التي تدير دفة التنظيم فعليا ، ويكون بعيدا عن مراقبة السلطات الحاكمة واجهزة الأمن . كما انهم يستثمرون اموال الجماعة في بلدان متعددة لزيادة التمويل دون ان يكون للبلد الذي هم فيه سلطة لحجز اموالهم .

الجهاد
رسم سيد قطب خطة العمل لمستقبل الجماعة بطريقة ” الجهاد”، فبعد اكتمال بناء
” العصبة المؤمنة ” واشتداد عود الجماعة ، تأتي المرحلة الثانية ، وهي مواجهة المجتمع الجاهلي وتغييره بالجهاد ، ويشمل جهاد النفس التي يسميها قطب ” الصفوف المتراصة ” وصولا الى الجهاد بالعنف المسلح ، وهذا ما نراه اليوم واضحا في المظاهرات والاعتصامات في ميادين وشوارع مصر ، ونشاطهم في حرق الكنائس وقتل الاقباط ونهب المتاحف ، وكذلك استخدام العنف المسلح في سيناء معقل الارهاب الاسلامي المتعاون مع عصابات حماس ، والهجوم على مراكز الشرطة وقتل منتسبيها وسحلهم في حارات مصر.

لقد اوضح سيد قطب خططه وتنظيراته الارهابية هذه في كتابيه ” معالم في الطريق ” و
“في ظلال القرآن ” وهو قابع بين جدران السجن قبل اعدامه .

خطر جماعة الاخوان على المجتمع
لقد اثبتت التجربة العملية لحكم الاخوان المسلمين في مصر لمدة عام كامل انها عصبة فاشلة لا تصلح لقيادة مجتمع ولا الى اصلاحه ، فقد ابتدأ رئيسهم القيادي الاخواني المنتخب محمد مرسي قيادة الدولة المصرية باصدار مرسوم يخول فيه نفسه كافة الصلاحيات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، والغى بذلك السلطات الثلاث . كما اصدر قرارات باطلاق سراح كافة الارهابيين المسجونين في مصر والمجرمين الخطرين كما سبق وان هرب هو واعوانه من قيادات الاخوان طليقا من السجن بدعم قوة مسلحة من منظمة حماس الفلسطينية ابان الفوضى الثورية وسقوط حكم محمد حسني مبارك.
وبذلك اعطى مرسي الحرية لمن لا يستحقها من عتاة المجرمين والارهابيين ليمارسوا دورهم التخريبي ضد الدولة والمجتمع .
أما جماعة الاخوان المسلمين اتباع سيد قطب وحسن البنا التي وصلت الى البرلمان المصري فقد حاولت جاهدة لتحويله الى مسجد ، فقد انبرى احدهم ليرفع الاذان واقامة الصلاة داخل قبة البرلمان اثناء مناقشة القوانين دون الاستئذان من رئاسة المجلس . واخرين قدموا مشاريع قوانين اسلامية الطابع لإقرارها منها السماح بزواج البنت القاصر ، واعادة قانون ختان البنات ومضاجعة الزوجة الميتة ” مضاجعة الوداع ” وفرض الحجاب على النساء.والتأكيد للعمل وفق الشريعة الاسلامية واعتبارها المصدر الاساسي في الدستور . ومن يدخل البرلمان المصري يجد نفسه داخل مسجد وليس في برلمان لكثرة الملتحين واصحاب العمامات والجلاليب الجالسين فيه من الاخوان والسلفية وبقية الجماعات الاسلامية التي وصلت للبرلمان بزمن الاخوان .

ان التطرف والمغالاة في الدين واقحامه في السياسة وفي كل صغيرة وكبيرة في المجتمع وقوانين البلاد والتعليم والاعلام وتطبيق شرائع اكل الدهر عليها وشرب منذ 1400 سنة لهو اشد انواع التخلف والعودة لعهود الظلام والرجعية في زمن التقدم والحضارة والتكنلوجيا وغزو الفضاء وعالم الانترنيت ، ان الكون اصبح قرية صغيرة تدير شؤؤنه الامم المتحدة وقوانين ومواثيق حقوق الانسان التي تطالب بالمساواة بين البشر ، والمطالبة بحق الانسان في التعليم وحقوق الاديان وممارسة شعائرها وطقوسها، وانشاء دور العبادة دون رقيب او حسيب من فئة او طائفة ، وحق الانسان في اختيار الدين او تغييره . وهذه كلها بعيدة عن الشريعة الاسلامية التي تقول من بدل دينه فاقتلوه .
وقوانين الشريعة لاتعترف بمساوة الرجل مع المراءة في الميراث ولافي الشهادة ،ويفرض على المراءة لباس خاص قد لا ترغب فيه كالحجاب والنقاب والشادور الافغاني والجلباب الذي يجعل من المراءة كيسا اسودا متنقلا .ولا تعترف الحكومات الاسلامية المتطرفة بالانتخابات ولا بقوانين الديمقراطية ، بل ما يهما عودة الخلافة الاسلامية وتطبيق الشريعة والحدود وقطع الرقاب والايدي والارجل وتنفيذ عقوبة الجلد والرجم ، كما تنفذها لحد الان حكومات اسلامية متخلفة كالسودان وايران والسعودية وعصابة طالبان الافغانية .

لقد ثار الشعب المصري وانتفض رافضا حكم الاخوان المسلمين المتطرفين ، الذين يتسترون بالدين للوصول للسلطة لنهب ثروات البلاد تماما كما تفعل الاحزاب الاسلامية في العراق التي اوصلته الى قمة دول العالم الغارقة في الفساد السياسي والمالي ، واكثر اثرياء العالم هم حكام العراق والسياسيين المتنفذين فيه وقادة الكتل والاحزاب الدينية ، وكل هذه السرقات تقام باسم الله والدين .
فحسن البنا وسيد قطب هم من اسس لهذا الطاعون الاسود الذي ينتشر بين المجتمعات لتدميرها بدل من اصلاحها تحت مسميات الدين والحاكمية والجهاد . وهم وافكارهم المتطرفة سبب تخلف الدول العربية والاسلامية عن ركب الحضارة .

المصدر : في ظلال صاحب الظلال / آمال الخزامي
1/10/2013

صباح ابراهيم (مفكر حر)؟

About صباح ابراهيم

صباح ابراهيم كاتب متمرس في مقارنة الاديان ومواضيع متنوعة اخرى ، يكتب في مفكر حر والحوار المتمدن و مواقع اخرى .
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

One Response to افكار سيد قطب في المجتمع

  1. طلال عبدالله الخوري says:

    نشكر الاستاذ العزيز صباح ابراهيم على جهوده في هذا المقال الهام… وبعد
    يقال بأن سيد قطب سافر للولايات المتحدة وانخرط في جماعات الهيبيز التي فيها الكثير من الشذوذ والاباحة الجنسية وتعاطي المخدرات ولكن الاهم من هذا تشتهر هذه الجماعات بجلدها للذات وتعتبر ان كل العالم افضل من الاميركيين والغربيين وبتصرفاتهم هذه اقنعوه بان الاسلام افضل من الغرب لان الغرب هو الاسوء في العالم وهذا الفكر هو جزء من جلدهم للذات
    هل لديكم فكرة كيف اثر الهيبيز على فكر سيد قطب وكتابته لمعالم الطريق
    كل المودة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.