لا يوجد اي دليل على ان الجزيرة العربية الحالية هي جزيرة العرب ، فكل المصادر التاريخية كانت تشير الى ان الجزيرة التي احتوت على ديار عربية هي (الجزيرة الفراتية ) .
حيث ان المصادر الفارسية القديمة في القرن الخامس قبل الميلاد والتي دونت باللخط المسماري الاكدي تؤكد ان الجزيرة الفراتية هي بلاد العرب (عربايا) ، مثلاً نجد ان الملوك الاخمينيين كانوا يطلقون مصطلح (بلاد عربايا) على اقليم الجزيرة الفراتية ، مثل نقش بيستون للملك داريوش وكذلك في نقش (دايفا) للملك الاخميني احشويروش الاول وكما يلي :
– نقش بيستون : هو نقش للملك الفارسي داريوش الاول (دارا الاول او داريوش الكبير) والذي حكم للفترة ما بين عامي (521-486 قبل الميلاد) ، يبدأ النص بمتجيد داريوش لنفسه ، حيث يقول :
((انا داريوش الملك العظيم ملك الملوك ، ملك بلاد فارس ، ملك البلدان ، ابن هيستاسبيس ، حفيد ارساميس الاخميني )).
ثم يتكلم داريوش عن عائلته ويذكرهم بالاسماء وعن ترتيبه بين الملوك من سلالته ، ثم يصل داريوش الى كلامه عن الشرعية الدينية لحكمه ، حيث ذكر :
(( يقول الملك داريوش : بنعمة الاله اهورامازدا انا الملك ، وقد منحني الاله المملكة )).
ثم يذكر داريوش الاقاليم والمقاطعات التي تحت حكمه ، وهنا نلاحظ ان هذه المقاطعات قد تم ذكرها حسب رقعتها الجغرافية من بلاد الفرس وبالتسلسل :
(( يقول الملك داريوش : هذه هي الدول التي تخضع لي ، وبفضل الاله اهورمازدا اصبحت ملكاً لهم ، بلاد فارس ، عيلام ، بابل ، اشور ، عربايا (بلاد العرب) ، مضرية (مصر) ، بلاد البحر ، ليديا ، اليونان ، ميديا ، ارمينيا ، كبادوكيا (تركيا) ، برثيا ( او فرثيا اقليم في شمال شرق ايران) ، دارانجيا (افغانستان) ، اريا (شرق ايران) ، خوارزم (مقسمة اجزاؤها بين اوزبكستان ، كازخستان ، تركمانستان) ، بكترا او بلخ (افغانستان) ، بلاد الصغد (شرق ايران) ، غاندارا (شمال غرب باكستان) ، ساكا او سكودرا (شرق ايران) ، ساتاجيديا (باكستان) ، اراخوسيا او الرخج (افغانستان) ، ماكا ، …. )).
– نقش دايفا : هو نقش ملكي اخميني يعود للملك احشويروش (486-462) قبل الميلاد مكون من ثلاثة الواح ، يبدأ النص بتميجد الاله اهورامازدا (اله الزرادشتية) ، فيقول :
(( الاله العظيم هو اهورامازدا ، الذي خلق هذه الارض ، الذي خلق السماء ، الذي خلق الانسان ، الذي خلق السعادة للانسان ، الذي جعل احشويروش ملك ، …)).
ثم يقوم الملك احشويروش يتمجيد نفسه فيقول :
(( انا احشويروش ، الملك العيم ، ملك الملوك ، ملك البلدان التي تحتوي على انواع كثيرة من الرجال ، الملك في هذه الارض العظيمة .. ، ابن الملك داريوش ……)).
ثم يقوم بعرض للبلدان التي تقع تحت سيطرته :
(( الملك احشويروش يقول : بنعمة الاله اهورامازدا هذه هي البلدان التي كنت لي السيادة عليها ، انها تحمل لي الجزية ، …. ، ميديا (في ايران) ، عيلام (في ايران) ، اراخوسيا (الرخج في افغانستان) ، ارمينيا ، درانجيانا (في افغانستان) ، بارثيا (في ايران) ، اريا (شرق ايران) ، باكترا (بلخ في افغانستان) ، سوغديا (بلاد الصغد شرق ايران) ، تشوراسميا (قرب بحر قزوين) ، بابل ، اشور ، ساتاجيديا ( في باكستان) ، ليديا ، المضرية (مصر) يونا (يونان) ، اولئك الذين يسكنون على هذا الجانب من البحر ، واولئلك الذين يسكنون عبر البحر ، رجال ماكا ، عربايا (بلاد العرب) ، غاندارا (في باكستان) ، الهند ، كابادوكيا (في تركيا)، الداهاي ، ساكا (السكيثيون) ، تراقيون (شمال شرق اليونان) ، رجال اكاوفاسيا (؟) ، الليبيين (ليبيا) ، كاريا (في تركيا) ، النوبة (السودان) )).
في في المصادر الرومانية فيذكر المؤرخ الروماني بليني في تاريخه الذي وضعه عام 78م اسماء قبائل عربية كانت قد سكنت مملكة الحضر (مملكة عربايا) ، ومن اشهر تلك القبائل :
– قبيلة اورى والتي كانت اكثر القبائل انتشاراً في مملكة الحضر ، وسكنت هذه القبيلة اعالي الجزيرة الفراتية من الفرات الى دجلة
– قبيلة الدمانوس وكانت تسكن شواطئ الفرات الاوسط
– قبيلتي (سلماتي – ماسي) وتسكن هذه القبائل على نهر بلوكتا (يظن انه الثرثار)
– قبيلة بني تيماء (تيماء اسم مدينة حالياً في السعودية)
– قبائل اخرى مثل بني بلعقب وبني عصيليا وبني رفشمش وبني اقلة واسماء بيوتات مثل بيت عقوبا وبيت رفشا..
غير ذلك فالمصادر السريانية والكلاسيكية الاخرى قد افادتنا بالشيء المهم عن هذه الجزيرة ، وهي الاقدم لأن العرب بدأوا بتدوين تاريخهم عن طريق جمع الروايات الشفوية في القرن الهجري الثاني ، على عكس السريان الذين بدأوا بتدوين التاريخ اثر حوادث الاضطهاد التي عاشتها المسيحية تحت حكم الفرس والروم ومنذ القرن الثالث الميلادي ، وفي القرن السادس الميلادي او قبله بدأت حولياتهم في التاريخ . (ميخائيل السوري وتاريخه الكبير لزكية محمد رشدي).
مثلاً يذكر ماري بن سليمان في كتاب (اخبار فطاركة كرسي المشرق) والمكتوب باللغة العربية معلومات مختصرة عن انتشار النصرانية في الجزيرة الفراتية وعن الاوضاع السياسية والاجتماعية في القرن السادس الميلادي ، اما (ادي شير السرياني) فانه قام بنشر كتاباً لمؤلف مجهول عرف باسم (التاريخ السعردي) ، وتناول هذا الكتاب احداث السنوات من 251م-650م ، ومنها معلومات قيمة عن الاحداث السياسية والاجتماعية في الجزيرة الفراتية قبل الاسلام ، اما في كتاب (التاريخ المجموع على التحقيق والتصديق) لسعيد بن البطريق (930م) حيث ذكرت معلومات مهمة عن اخبار الروم والفرس متطرقاً الى الاحداث السياسية التي مرت بها الجزيرة الفراتية في القرن السادس الميلادي .
ومن المصادر السريانية الاخرى المهمة هي تاريخ ايليا برشينايا وايليا برشينايا النصيبي وهم من مشاهير الكتاب في كنيسة المشرق ، وهو تاريخ استقرائي اعتمد على مصادر متعددة ومنها يونانية واسلامية وسريانية ، ودون بدون عاطفة ، حيث يروي الحوادث التاريخية بعد ان يسبق الرواية باسم المصدر الذي استقى منها الرواية وذكر معلومات من احداث القرن السادس الميلادي في اقليم الجزيرة الفراتية وعن سياسة الدولتين الساسانية والبيزنطية والحروب التي دارت بينهما ، فضلاً عن الاضطهاد الذي واجهه المسيحيون في الجزيرة الفراتية ، كذلك يوجد كتاب لمؤلف مجهول (680م) من اهالي الجزيرة نفسها ، يتضمن تاريخ الكنيسة النسطورية ، وفيه الاحداث التاريخية خلال القرنين السادس والسابع الميلاديين ، وهذا المصدر لا يختلف عن المصادر اعلاه من ناحية المحتوى .
مثلاً ننقل رواية قديمة لمؤرخين مسيحيين وهم يتحدثون عن العرب في هذه الجزيرة قبل الاسلام :
(( ووجد أناس كثيرون بين دجلة والفرات بهذه المنطقة المسماة جزيرتا (ارض الجزيرة) يسكنون الخيام ، وكانوا برابرة ومقاتلين يتبعون طقوساً بدائية ويعيشون في حالة من الجاهلية الاولى اكثر من غيرهم من الشعوب الى اللحظة التي اضاء قلوبهم نور المسيح((. ) الرواية اعلاه نقلاً عن
(Les arabes chrétiens de Mésopotamie et de Syrie du VIIe au VIIIe siècle )By : François NAU(
يضيف الى ذلك الدكتور عبد الحكيم الكعبي في كتابه (الجزيرة الفراتية وديارها العربية ) الى ان اسماء واعلام الجزيرة الفراتية تدل على قدم الوجود العربي فيها كباعربايا او بيث عربايا في المصادر السريانية وكما اطلق سترابو (25م) الجغرافي على مناطق الجزيرة الفراتية اسم (بلاد العرب) ، اما المؤرخين العرب ذكروا ان اهم ديارات العرب في الجزيرة الفراتية هي ديار ربيعة وديار مضر وديار بكر ، وان اسمها يشير الى اصل ساكنيها ، وتعد سنة 612ق.م هي السنة التي سقطت فيها نينوى وزوال الاشوريين هي منطلق لظهور العرب بشكل رئيسي حتى صارت الاقاليم الشمالية الغربية من العراق تعرف باسم عربايا (وتعني بلاد العرب كما ذكرنا اعلاه بالنصوص الفارسية) ، حيث اقام العرب فيها مملكة مستقلة عرفت فيما بعد بمملكة عربايا (مملكة الحضر) ، حكمها العرب لمدة ثلاث قرون وكان حكامها عرب لأنهم اطلقوا على انفسهم لقب (ملك العرب) ، وفي نقش لملك الحضر سنطروق وجد على تمثاله ، جاء فيه :
(( تمثال سنطروق ملك العرب الظافرين ابن نصرو سيدي ، ابن نشريهب)) . (كتابات الحضر ، للدكتور فؤاد سفر).
حيث وجد في مملكة عربايا على معابد للات وباقي الالهة العربية وكذلك ما تسمى بالكعبات .
وهذا ما ينطبق على ما تكتبه الروايات العربية عن الجزيرة العربية ، وليست هي الجزيرة العربية ، لأنها لا تحتوي على ما ذكر ، فلا وجود عربي بها الا تحت مسمى العربية السعيدة كما ذكرته المصادر الكلاسيكية ، لأن المؤرخين القدماء عندما كانوا يذكرون الجزيرة فكانوا يقصدون الجزيرة الفراتية لا ارض نجد والحجاز.