استراتيجية اقامة دولة الخلافة الاسلامية

wildnessmanagment

تاسست ما تسمى الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) على انقاض تداعيات وتنازعات على الزعامة بين عدة فصائل اسلامية متطرفة ولدت من رحم منظمة قاعدة الجهاد الاسلامية في افغانستان ومن سهول وكهوف تورابورا بزعامة اسامة بن لادن وايمن الظواهري وعدد من عتاة متطرفي الوهابية التابعين لمدرسة بن تيمية .
استخدمت القاعدة وبناتها المتفرخات من رحمها العنف والتخويف وبث الرعب وسيلة لنشر ثقافتها الاسلامية وسلوكها الدموي والاجرامي .
ولتوثيق تلك السياسة وعمل منهج ودستور يسير على نهجه اولئك الاسلاميون المتطرفون، وتعريف العالم بذلك المنهج الذي يتّعبه قادة القاعدة والمنظمات الارهابية المتولدة بالاستنساخ والانقسام لأقامة دولة الخلافة الاسلامية التي ينشدوها ويطمحون لبنائها، قام احد اولئك المتطرفين بتأليف كتاب يتضمن سياسة الاسلاميين ومنظماتهم المسلحة مثل داعش وجبهة النصرة وبوكو حرام وغيرها حدد فيه مبادئهم وسياستهم ومراحل تكوين الدولة الأسلامية وصولا الى تكوين دولة الخلافة المنشودة على نهج النبوة. واطلق مؤلف الكتاب على ذلك الكتاب اسم ادارة التوحش .
ان استراتيجية اقامة دولة الخلافة الاسلامية كما جاء في ادبيات ادارة التوحش تعتمد على مبدا العنف الشديد المتوحش والمبرمج لأقامة دولة الخلافة بمراحل مدروسة جيدا . وقد اعتمدت اكبر تلك المنظمات الأرهابية واكثرها توحشا وهي التي سميت بالدولة الاسلامية في العراق والشام ( داعش) مبدأ ادارة التوحش طريقا ومنهجا لها في تنفيذ خططها في التوسع والسيطرة وادارة الحكم على مراحل في المناطق التي تستولي عليها عسكريا وتخضع لأدارتها الاسلامية . وقد اتبعت داعش عنفا دمويا حتى ان الظواهري نفسه رفضه مما ادى الى انشقاق داعش عن القاعدة.
يقول مؤلف الكتاب :
” إنّ أفحش درجات التوحّش هي أخفّ من الاستقرار تحت نظام الكفر بدرجات “

استراتيجية مراحل ادارة التوحش حسب المنظور الاسلامي الجهادي
1 – تكوين المجموعات المسلحة والمنظمة تنظيما عقائديا وعسكريا جيدا
2 – انشاء حالة الفوضى المتوحشة في المناطق التي يتم الاستيلاء عليها
3 – تنفيذ مرحلة شوكة النكاية والانهاك
4 – تكوين الدولة الاسلامية
5 – اعلان قيام دولة الخلافة الاسلامية بعد مبايعة احدهم خليفة واميرا للمؤمنين حاكما مطلقا على السمع والطاعة .
تلك المراحل يتم تنفيذها تدريجيا والانتقال من مرحلة الى اخرى بعد استكمال عناصر نجاح المرحلة التي سبقتها . فتكوين المجموعات المسلحة تعتمد على الدعم الدولي والاقليمي من الدول الاسلامية الغنية والمتطرفة في سياستها الاسلامية . تبدأ من اصدار الفتاوى وخطب شيوخ المساجد المدعومين من حكام الدولة الاسلامية لتشجيع الشباب والمراهقين الانخراط في صفوف المجاهدين بدعوة الجهاد في سبيل الله وحماية الاسلام وتنفيذ وصايا نبي الاسلام لنشر الاسلام في كل الارض لأنها ملك لله وتطبيق الشريعة الاسلامية والحدود.
وبعد تجمع الجهاديين يتم غسل ادمغتهم بالتنظير الديني والمحاضرات والخطب الحماسية من قبل شيوخ التطرف المؤسسة على فتاوى ابن تيمية ومبادئ المذهب الوهابي لمحمد بن عبد الوهاب ، ثم تنشأ المعسكرات ويجهز السلاح وتغدق الاموال من واردات البترول الخليجي بغير حساب من خزائن الدول الاسلامية ومن المتبرعين المسلمين وامراء النفط وحكام الخليج والتجار بحجة تبرعات للاعمال الخيرية ودعم الجهاد والمجاهدين .
ثم تبدا مرحلة الجهاد الفعلي بالعمليات العسكرية للسيطرة على مناطق واراضي بعيدة عن مركز ادارة البلاد وعواصمها وفيها عمق جغرافي واسع. و تبدا بعدها مرحلة نشر الفوضى المتوحشة بين سكان تلك المناطق، لأخضاعها والعمل على زعزعة الامن وتحطيم سيطرة الدولة على تلك المنطقة ، وفرض سيطرة الجماعات الاسلامية عليها وعلى المجتمع بطريقة التوحش الاسلامي وتطبيق الحدود، وفرض الجزية والاتاوات على التجار واصحاب المحال التجارية لجمع الاموال بالقوة والتهديد .
بعدها تبدا مرحلة النكاية والانهاك لسلطة لدولة الاصلية في المناطق التي يخططون لأحتلالها واقامة دولة الخلافة الاسلامية فيها حتى يسهل عليهم السيطرة عليها.
طبقت داعش هذه الخطة بنجاح وسيطرت على اراضي ومدن واسعة في سوريا والعراق مستغلة ضعف السلطات وانشغالها بالاضطرابات السياسية الداخلية، وتقوم بتشجيع الفرقة والتناحر بين السياسيين ، وزرع التطرف بين الطوائف المختلفة مذهبيا لتسهيل انقسامها كما تحاول الاستفادة من المندسين في صفوف الحكومة من عسكريين ومدنيين ورجال سلطة متنفذين لشق الصفوف وتجنيد الجواسيس وبث العيون مع شراء الذمم لضعيفي النفوس بالاموال لغرض تنفيذ وتسهيل مهماتهم داخل الحكومة ، كما حدث من خيانات وتخاذل لكبار قادة الجيش العراقي واصدار اوامرهم بانسحاب الجيش والشرطة من مدن الموصل وتكريت والرمادي من غير قتال وترك اسلحتهم ومعداتهم كغنائم مجانية لتسهيل غزو داعش لتلك المدن واحتلالها عسكريا .
اما مرحلة النكاية والانهاك فتتضمن ضرب مناطق معينة بقصد انهاكها عسكريا واقتصاديا واقامة الفوضى فيها حتى يمكن السيطرة عليها . وقد طبقت داعش هذه المرحلة بذكاء واقتدار في سوريا والعراق وسيطرت على المجتمع بطريقة التوحش والرعب وقطع الرؤوس ، كي يسهل لها التمكن وادارة المنطقة اسلاميا ، ثم خلق مرحلة اقامة الدولة الاسلامية بعد ان تتوسع في بسط سيطرتها على مساحات واسعة من البلاد .
ان مرحلة ادارة التوحش هو تنفيذ اقسى العقوبات بالاعداء واثارة الترويع والرعب في قلوب الناس حتى يخضعوا للدولة الاسلامية ، اي تنفيذ حدود الجلد والرجم وقطع الايدي والارجل والالسن والصلب وحرق الاحياء ونحر الرقاب علنا امام الناس في الشوارع والساحات ، وامام الكاميرات لنشرها في وسائل الاعلام المقروءة والمرئية لنشر الرعب على نطاق واسع حتى يسلّم الجميع لحكم الاسلاميين .
ان خطة اقامة الدولة الأسلامية ، تعتمد على تقطيع الدولة المراد السيطرة على اراضيها الى ولايات متفرقة ، واحتلالها عسكريا وضمها لدولة الخلافة ، وعزلها من سلطة الدولة الأم والدفاع عنها بشراسة وعنف .
ثم تقوم ميليشيات مسلحة ضمن تلك الولاية التي تم فصلها عن الدولة الأم بمهام الامن وتحويل تلك الولايات الى شبه دولة يحكمها ولاة . كما هي داعش اليوم التي اسست شبه دولة في بعض ولايات العراق والشام ، والتي تسميها الدولة الاسلامية .
ان هذا التنظيم المسلح الذي يطلق عليها ب (الدولة الاسلامية) غير معترف به من المجتمع الدولي والامم المتحدة ، ولهذا لا يمكن ان يدعى بالدولة ، لأنه ليس له سيادة معترف به ، وليس له حدود ولا شعب موحد ، ويمكن تسميته بشبه دولة ، لأنه لا يملك مقومات الدولة الرسمية كاملة السيادة.
وقد كثرت الحركات الانفصالية الاسلامية في العديد من المناطق ضمن حدود الدول الرسمية ذات السيادة في العالم وبسطت سيطرتها بقوة السلاح والعنف ، وكونت اشباه دول ومنها :
حركة تمرد الحوثيين في اليمن ، حزب الله في لبنان ، حركة حماس في غزة ، داعش في العراق وسوريا ، جبهة النصرة في قسم من اراضي سوريا ، فجر ليبيا الاسلامية في طرابلس بليبيا ، انصار بيت المقدس في سيناء ، حركة الشباب الصومالي ، جبهة تحرير مورو بقيادة ابو سياف في الفلبين ، حركة طالبان المسلحة في افغانستان والباكستان وبوكو حرام في نيجيريا وغيرهم .
كل تلك الحركات الجهادية الاسلامية المسلحة تطمح في تكوين الدولة الاسلامية وتكوين دولة الخلافة على نهج النبوة ، وقد بايعت بعض منها ابو بكر البغدادي لتكون جزءً من الدولة الاسلامية الكبرى مستقبلا مثل انصار بيت المقدس وبوكو حرام وانصار الشريعة في ليبيا لتوسيع النفوذ الاسلامي الموحد.
اما آليات العمل للوصول الى الهدف النهائي لأقامة دولة الخلافة الاسلامية ، فتجري استراتيجيتها على النمط التالي :
1 – الضرب باقسى قوة في أكثر اماكن العدو ضعفا ، والمناورة بالقوات في عدة أماكن للبحث عن المناطق الضعيفة لأختراقها .
2 – تشتيت قوة العدو في مناطق متباعدة لأضعافه ، لأن وجوده في موقع واحد يفقده السيطرة على أماكن أخرى ، وانتشاره في مناطق متباعدة يفقده الفعالية العسكرية القوية وهذا ما تفعله داعش اليوم حيث تفتح جبهات متعددة وفي مناطق واسعة مثل سامراء والضلوعية وصلاح الدين وكركوك ومدن سهل نينوى والفلوجة والبغدادي وحديثة ومدن الرمادي الاخرى، وكذلك في مدن سوريا المختلفة منها كوباني والحسكة والرقة وحلب ، وكل تلك الفعاليات تهدف الى تشيت خصومها وقوة سلاح الجيش الذي يقاتلها.
3 – استقطاب الناس للعمل مع المجموعات الاسلامية المسلحة بالقوة والتهديد لضمان ولائهم وتعزيز قدراتهم من الرجال المقاتلين ولتعويض خسائرهم البشرية .
4 – اعتماد الشدة والقسوة واثارة الرعب والهلع في قلوب الناس والسير في طريق الجماجم و تقطيع الاجساد البشرية رقابا وايدي وارجل لزرع الخوف في النفوس كطريق جهادي يؤدي بهم الى اقامة الدولة الأسلامية تحت شعار الهدم الهدم ، الدم الدم . فالجهاد في مفهومهم ما هو الا شدة وغلظة وارهاب واثخان ، وتشريد وسبي واغتصاب وغنائم.
5 – ان اسرع طريقة لأسقاط عدوهم هو استنزافه عسكريا وانهاكه اقتصاديا وترويع شعبه ، كاستعمال المفخخات في السيارات وتفجير الاحزمة الناسفة في اجساد الانتحاريين وزرع العبوات الناسفة في اماكن تجمع الناس والجنود ، وضرب السياحة وتفجيرالجسور واحتلال مواقع آبار النفط ، وسرقة وبيع النفط الخام وتهريبه عبر الحدود للدول المتواطئة معهم ، وسرقة وتجارة الحشيش والمخدرات والاثار التي تدر عليهم مبالغ مالية هائلة عن طريق وسطاء وسماسرة واجهزة مخابرات دولية متواطئة .
6 – اعتماد الخطط العسكرية المجربة والناجحة .
7 – استخدام المال لتأليف القلوب وشراء الذمم والضمائر الميتة .
8 – بث العيون والجواسيس واختراق اجهزة الأمن والشرطة والجيش وشركات الحراسات الخاصة بين صفوف الدولة التي تحاربهم . لمعرفة خطط العدو وايجاد الثغرات فيها .
9 – استخدام إعلام التوحش لبث الرعب النفسي في صفوف العدو ونشر فيديوات الذبح وقطع الرقاب والايدي والرجم وحرق الاحياء من الاسرى والرافضين مبايعتهم والتعاون معهم ، كما فعلت داعش بالكثير من الصحفيين الاجانب والاسرى والاقباط المصريين في ليبيا وحرق الطيار الاردني معاذ الكساسبة وابناء عشائر العراق وسوريا من الرافضين للتعاون مع داعش ومبايعة البغدادي، كل ذلك لنشر الترويع والصدمة في قلوب المخالفين لهم.
تهتم تلك الميليشيات الاجرامية بنشر جرائمها على صفحات الانترنيت ومحطات التلفزيونات ليطلع عليها اكبر عدد من الناس في العالم لبث الرعب في قلوبهم وتخويفهم ليسهل ذلك من هروب الجنود التي تحاربهم خوفا من الوقوع في الاسر وتنفيذ قتلهم بابشع الطرق دون رحمة ، وبهذا الترويع النفسي للخصم يمكنهم من التقدم لأحتلال المزيد من المدن والاراضي من غير قتال ، كما حدث في احتلال الموصل والرمادي وتكريت ، هربت القيادات العسكرية والجنود تاركين اسلحتهم ومعداتهم ومخازن الذخيرة الهائلة غنائم بيد عصابات داعش خوفا من الوقوع بايدي داعش التي لا ترحم اسيرا .
10 – الدعم المالي والعسكري والمعلوماتي
تعمل المجموعات الاسلامية المقاتلة مثل داعش وجبهة النصرة على توفير السلاح وغنمه من ايدي العدو لتعزيز امكانية قوات الدولة الاسلامية ، ان كان عن طريق القتال او الشراء او المعونات من الدول الداعمة كالسعودية وقطر الوهابية وتركيا الاخوانية . والاستفادة من المعلومات الاستخبارية التي تزودها بها تلك الدول وعناصرهم المحلية وجواسيسهم المنبثين بين صفوف اعدائهم والموالين لهم من داخل الحكومات . كما يتم الاتفاق مع مخابرات الدول المساندة والمجاورة لتسهيل عبور المقاتلين والمتطوعين عير حدودها الى الاراضي التي تحتلها تلك المجموعات وقد كانت تركيا وسوريا والسعودية اسهل ممرات لعبور المقاتلين والمتطوعين من دول العالم للانضمام الى صفوف الاسلاميين المحاربين في سوريا والعراق .
11 – استمالة الساخطين من المسلمين المنتشرين في دول الغرب بالدعايات وخطب الشيوخ في المساجد وتشجيعهم للانخراط في صفوف المقاتلين للجهاد ورفع راية الاسلام واقامة دولة الخلافة الاسلامية المنشودة . وكذلك نشر الدعوة الاسلامية بين غير المسلمين بعد اغوائهم بأن الاسلام هو طريق الحق والفوز بجنة الحوريات بعد الموت دفاعا عنه في ساحات الجهاد المسلح. ومن امثلة اولئك الساخطين والمرضى النفسيين المدعو جون ذباح داعش الذي نحر عدد من الصحفيين والاجانب امام الكاميرات متوعدا بذبح المزيد من اعداء الله والكفرة الذين يقعون اسرى بيد داعش .
12 – تجنيد الاطفال والصبية
تأخذ داعش الاطفال والصبية قسرا وتدربهم في معسكراتها على استعمال السلاح والتمرين على القتل واعدام الضحايا ليكونوا مددهم من المقاتلين مستقبلا ولسد النقص في صفوف من يُقتل مِن رجالهم.
13 – تشجيع جهاد النكاح وتطوع الفتيات للزواج المؤقت من عدة رجال من المجاهدين ، للتناوب عليها بزواج يدوم لساعتين او اكثر للاستمتاع بها جسديا ، ثم تطلّق ليضاجعها مجاهد آخر وهكذا يكتب لها حسنات الجهاد الاسلامي .
14 – تشجيع نشر الهوية الاسلامية بدلا من الوطنية ، وكسر الحدود ، حيث لا حدود تحد الامبراطورية الاسلامية الموحدة ، ولايجمع المسلمين مواطنة بل اسلام فقط ، فحيث ما وجد المسلمون يجب ان تكون هناك دولة او ولاية اسلامية .
هذا ما تطمح له داعش وتعمل على تنفيذه بالدم والقتل والارهاب والترويع .
وشعارها الهدم الهدم الدم الدم .

About صباح ابراهيم

صباح ابراهيم كاتب متمرس في مقارنة الاديان ومواضيع متنوعة اخرى ، يكتب في مفكر حر والحوار المتمدن و مواقع اخرى .
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.